وأما ما وقع في هذا الخبر المكذوب أن عمر قال للأصحاب : إن رسول الله ( ص ) قال : كن نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي ، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضا .
فمردود لأن اتصال السبب من رسول الله ( ص ) لعمر بعد الصحبة كان حاصلا بلا شبهة عند أهل السنة من جهة أبنته حفصة : فإنها كانت من أزواج رسول الله ( ص ) ، وهذا الاتصال يكفي له أن كان عمر بن الخطاب مؤمنا مصدقا لقوله، وإن لم يكن مؤمنا مصدقا للرسول ( ص ) فما يزيده هذا الاتصال الذي طلبه من علي ( ع ) وهو محرم عليه بوجوه عديدة غير تقصير وتخسير كما لا يخفى على من له حظ من الإيمان ، ونصيب . ‹ صفحة 141 ›
وأما ما ذكره ابن سعد بقوله : أخبرنا وكيع بن الجراح عن هشام بن سعد عن عطاء الخراساني ، أن عمر أمهر أم كلثوم بنت علي ، أربعين ألفا ( 1 ) ،
فمردود ، لأن وكيع بن الجراح مقدوح مجروح وسيأتي بيان ذلك إنشاء الله تعالى مفصلا فيما بعد .
وهشام بن سعد أيضا مطعون مرهون قدح فيه أكابر الناقدين من أهل السنة
قال الذهبي في الميزان ، في ترجمته : قال أحمد : لم يكن بالحافظ ، وكان يحيى القطان لا يحدث عنه ، وقال أحمد أيضا : لم يكون يحكم الحديث ، وقال ابن معين : ليس بذاك القوي ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال : مرة ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : مع ضعفه يكتب حديثه . ومن مناكيره ما ساق الترمذي له عن سعيد بنأبي هلال ، عن ربيعة بن سيف عن عبد الله بن عمر رفعه : من مات يوم الجمعة أو ليلتها غفر له .
أو كما قال ابن أبي فديك حدثنا هشام بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، جاء رجل أفطر في رمضان فذكره . وفيه : فأتى بعرق فقال : كله أنت وأهلك ، وصم يوما ، واستغفر الله ( 2 ) .
وقال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب في ترجمة هشام بن سعد : قال أبو حاتم : عن أحمد لم يكن هشام بالحافظ .
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ، هشام بن سعد كذا وكذا ، كان يحيىبن سعيد لا يروي عنه ، وقال أبو طالب : عن أحمد ليس هو محكم الحديث ، وقال حرب : لم يرضه أحمد ، وقال الدوري عن ابن معين ، ضعيف وداود بن قيس أحب إلي منه . وقال معاوية بن صالح : عن ابن معين ليس بذاك القوي ، وقال ابن أبي مريم عن ابن معين : ليس بشئ كان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه .
وقال أبو ‹ صفحة 142 › حاتم : يكتب حديثه ولايحتج به ، هو محمدبن إسحاق عندي واحد . وقال النسائي : ضعيف وقال مرة : ليس بالقوي ، وروى له ابن عدي أحاديث منها حديثه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، جاء رجل إلى النبي ( ص ) وقد أفطر في رمضان ، فقال له : أعتق رقبة ، الحديث وقال مرة : عن الزهري عن أنس قال : والروايتان جميعا خطأ وإنما رواه الثقات عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة وهشام خالف فيه الناس وله غير ما ذكرت ومع ضعفه يكتب حديثه .
وقال ابن أبي شيبة عن علي المدني : صالح وليس بالقوي ( 1 ) .
وذكره ابن عبد البر في باب من نسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه قال : وقال لي ابن معين : ضعيف حديثه مختلط ، وقال الخليلي : أنكرالحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة . قالوا وإنما رواه الزهري عن حميد ، قال : ورواه وكيع عن هشام بن سعد عن الزهري عن أبي هريرة منقطعا ، قال أبو زرعة الرازي أراد وكيع الستر على هشام بإسقاط أبي سلمة ، وذكره يعقوب بن سفيان في الضعفاء ( 2 ) انتهى .
ومن العجائب إن ابن سعد نفسه قد طعن في هشام هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة هشام بن سعد ما لفظه : قال ابن سعد كانكثير الحديث يستضعف وكان متشيعا ( 3 ) . فما أدري أي شئ حمل ابن سعد على إخراج حديثه مع علمه واعترافه كونه مقدوحا مجروحا ، عل هذا إلا حب الباطل والسفساف وقلة الحياء ، وكثرة الاعتداء ، ومجانبة الأنصاف ، وفي مسند هذا الخبر عطاء الخراساني . . وهو أيضا من المقدوحين المجروحين الذين لا يوثق بخبرهم ولا يعتمد على حديثهم .
قال البخاري في كتاب الضعفاء : عطاء بن عبد الله ، وهو ابن أبي مسلم ‹ صفحة 143 › البلخي مولى المهلب بن أبي صفرة سألت عبد الله بن عثمان عن عطاء قال : سكن الشام سمع سعيد بن المسيب روي عنه مالك ومعمر قال الحسن عن ضمرة عن ابن عطاء ، مات سنة خمس وثلاثين ومائة - 135 - وولد سنة خمسين ، قال سليمان بن حرب : حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب حدثني القاسم بن عاصم قال : قلت لسعيد بن المسيب ، أن عطاء الخراساني حدثني عنك أن النبي ( ص ) قال له : تصدق انتهى ( 1 ) .
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ، في ترجمة عطاء : وذكره العقيلي في الضعفاء متشبثا بهذه الحكاية التي رواها حماد بن زيد عن أيوب : حدثني القاسم بن عاصم قلت لسعيد بن المسيب : أن عطاءالخراساني حدثني عنك إن النبي ( ص ) أمر الذي واقع أهله في رمضان بكفارة الظهار ، فقال : كذبت ، ما حدثته ، إنما بلغني أن النبي ( ص ) قال له : تصدق تصدق .
وقد ذكر البخاري ، عطاء الخراساني في الضعفاء ، فروى له هذا عن سليمان حرب ، عن حماد .
أحمد بن حنبل ، حدثنا عفان ، حدثنا همام أخبرنا قتادة ، إن محمدا دعونا حدثاه إنهما قالا لسعيد : إن عطاء الخراساني حدثنا عنكفي الذي وقع بأهله في رمضان ، فأمره النبي ( ص )أن يعتق رقبة فقال : كذب عطاء ، أنما قال له : تصدق تصدق .
وقال ابن حبان في الضعفاء : أصله من بلخ وعداده في البصريين ، وأنماقيل له الخراساني لأنه دخل خراسان وأقام بها مدة طويلة ثم رجع إلى العراق فنسب إلى خراسان ، وكان من خيار عباد الله غير أنه كان ردئ الحفض كثير الوهم يخطئ ولا يعلم ، فيحمل عنه ، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به ، فهذا القول من ابن حبان فيه نظر ولا سيما قوله :
وإنما قيل له الخراساني ، فيا هذا أي حاجة ‹ صفحة 144 › بك إلى هذه الدودة ، أليست بلخ من أمهات مدن خراسان بلا خلاف ؟ .
وقال حجاج بن محمد : حدثنا شعبة ، حدثنا عطاء الخراساني ، وكان نسيا .
وقال الترمذي في كتاب العلل : قال محمد يعني النجادي ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني . قلت : ما شأنه ؟ قال : عامة أحاديثه مقلوبة ( 1 ) .
وقال الذهبي في كتابه المغني ، في ترجمة عطاء : وذكره العقيلي فيالضعفاء ، وقال ابن حبان : ردئ الحفظ مخطئ فبطل الاحتجاج به ، وقال الترمذي في كتاب العلل قال محمد : ما أعرف لمالك رجلا يروي عنه مالك ، ويستحق أن يترك حديثه عن عطاء الخراساني ، قلت : ما شأنه قال : عامة أحاديثه مقلوبة .
وقال الذهبي أيضا : وقال البيهقي وعطاء الخراساني غير قوي قال في الوصايا ( 2 ) . وقال ابن حجر في التهذيب ، في ترجمة عطاء : وقال حجاج بن محمد عن شعبة حدثنا عطاء الخراساني وكان نسيا . وقال ابن حجر أيضا : وقال ابن حبان كان ردئ اللحظ يخطئ ولا يعلم فبطل الاحتجاج به ، ( 3 ) .
ولا يخفى على أهل النقد والاختبار الماهرين في تمييز الصحيح والسقيم من الأحاديث والآثار أن في سند هذا الخبر المطعون انقطاعا لأن عطاء لم يكن ولد على عهد عمر ولم يقع عقد عمر بمحضر منه فكيف يقبل خبره هذا .
قال البخاري في كتاب الضعفاء كما سمع آنفا : قال الحسن ضمرة عن ‹ صفحة 145 › ابن عطاء مات سنة خمس وثلاثين ومائة - 135 - وولد سنة خمسين ( 1 ) .
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال ، في ترجمة عطاء : ولد سنة خمسين ومات سنة ثلاث وثلاثين ومائة ( 2 ) .
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال ابنه عثمان بن عطاء : مات سنة خمس وثلاثين ومائة ، وقال أبو نعيم الحافظ كان مولده سنة خمسين ( 3 ) انتهى .
فالعجب كل العجب كيف أقدم ابن سعد على إيراد هذا الخبر المنقطع المقدوح المجروح بوجوه عديدة ، وفي هذا الخبر شئ آخر ، وبيانه أنعمر كان شديد النهي عن المغالاة في المهر حتى أنه نهى الناس عن تلك المغالاة على المنبر وجرى له مع امرأة حاضرة ما جرى ( 4 ) فكيف أقدم على مغالاة المهر في هذا العقد من قبل نفسه ، أو رضي تلك المغالاة من ولي زوجته ، وكيف خالف سنة رسول الله ( ص ) في مهور أزواجه وبناته حسب ما تدعيه أهل السنة .
وها هنا شئ آخر يتعجب منه وبيان ذلك أن أولياء عمر قد اعترفوا في بيان زهده وإظهار قلة أصابته من الدنيا بمبالغات واعترافات معروفة لا تغرب عن أبصار الناظرين فكيف أمكن له مع ذلك أن يمهر أربعين ألفا ولو فرضنا تمكنه من هذاالمبلغ الخطير كيف جاز له مع مايدعيه أهل السنة من شدة عمله بالسنة النبوية ، ومصابرته على التعلل والقناعة في المأكل والمشرب والملبس أن يبذل في المهر أربعين ألفا عند عقده على بنت من هو أوحد الزهاء ومن طلق الدنيا ثلاثا ( 1 ) ، أترى عمر قد طلب بسوق هذا المهر الغالي ميل علي ( ع ) إلى الدنيا ، وجوز إقدامه على هذا العقد المحرم طمعا في المال الفاني ، ولعمري أن واضع هذا الخبر الموضوع قد بلغ من الجهل والرقاعة مبلغا يستنكف عنه أهل المجون والخلاعة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 141 ›
( 1 ) الطبقات الكبرى 8 : 463 . ( 2 ) ( ميزان الاعتدال 4 : 298
‹ هامش ص 142 ›
( 1 ) تهذيب التهذيب 11 : 39 . ( 2 ) تهذيب التهذيب 11 : 40 - 41 . ( 3 ) تهذيب التهذيب 11 : 40 ‹ هامش ص 143 › ( 1 ) الضعفاء : 89
‹ هامش ص 144 ›
( 1 ) ميزان الاعتدال 3 : 74 . ( 2 ) ميزان الاعتدال 3 : 75 . ( 3 ) تهذيب التهذيب 7 : 214 .
‹ هامش ص 145 ›
( 1 ) الضعفاء : 89 . ( 2 ) ميزان الاعتدال 3 : 74 . ( 3 ) تهذيب التهذيب 7 : 213 . ( 4 ) إشارةإلى قوم الإمام أمير المؤمنين ( ع ) : يا دنيا يا دنيا إليك عني ، أبي تعرضت أم ألي تشوقت ، لا حان حنيك ، هيهات غري غيري ، لا حاجة لي فيك ، قد طلقتك ثلاثا لأربعة فيها . نهج البلاغة 4 : 16 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|