مظلمة المحسن السقط تمنع من تزويجه
مظلمة المحسن السقط
ومن الفجائع التي تبكي له عيون الإسلام والدين ، والوقائع التي أحرقت قلوب المؤمنين والموقنين ما ارتكبه عمر بن الخطاب من الظلم العظيم الذي أوجب سقوط المحسن من بطن سيدتنا فاطمة الزهراء ( ع ) .
وهذه الواقعة الهائلة قد بلغ حد التواتر واليقين عند أهل الحق المبين ، ولكن من عجائب براهين علو كلمة الحق ، وسمو مرتبة الصدق ، إن إبراهيم بن سيار بن هاني البصري المعروف بالنظام ( 2 ) ، الذي هو من كبار علماء المعتزلة وأجلة كبراء المخالفين قد أعترف بوقوع هذه الواقعة الهائلة بكمال الإبانة والصراحة ولم يقدر على كتمانه أو إنكاره كما فعله بعض أرباب الصفاقة والوقاحة .
قال أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني ( 3 ) في كتاب الملل والنحل ، في ذكر مقالات النظام ما لفظه : إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح أحرقوها بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ( 4 ) . ‹ صفحة 94 ›
وقال صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي ( 1 ) في الوافي بالوفيات ، في ترجمة نظام ، في ذكر أقواله : وقال ، إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها ( 2 ) انتهى .
وعليك أن تغتنم اعتراف هذا الرجل الذي هو من كبار العامة بوقوع هذه الواقعة العظمى وتلك الطامة ، ولا تغتر ولا تلتفت إلى نكير الشهرستاني وتغرير الصفدي ، فإنهما بمعزل عن قبول الحق والإذعان .
ومن عجائب آيات علو الحق ، أن أبا بكر أحمد بن محمد بن السري التميمي الكوفي المعروف بابن أبي دارم ، الذي أبان جلالته الذهبي ( 3 ) في تذكرة الحفاظ حيث أثبت كونه حافظا مسندا ، ومحدث الكوفة ، وذكر أنه سمع إبراهيم بن عبد الله الغفار ، وأحمد ابن موسى الحماد ، وموسى بن هارون ، ومطينا ، وعدة ، وذكر أيضا أنه روى عنه الحاكم وأبو بكر بن مردويه وأبو الحسن الحمامي ، ويحيى بن إبراهيم المزكي وأبو بكر الحبري ، والقاضي ، وآخرون كما لا يخفى علم ناظم تذكرة الحفاظ للذهبي ، قد كشف الحجاب وإذ عن الحق والصواب حيث قرر رواية صدور هذا الظلم العظيم والحرم الكبير من عمر بن الخطاب .
قال الذهبي في الميزان ، في ترجمة ابن أبي دارم : وقال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته : كان مستقيم الأمر عامة دهره ، ثم في آخر أيام كان يكثر ما يقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إن عمر رفس فاطمة حتى أسقط محسن ( 4 ) انتهى .
ولا يخفى على ذوي الألباب والأذهان ، إن نسبة التشيع والرفض إلى ابن أبي ‹ صفحة 95 › دارم كما يظهر من كلام الذهبي في التذكرة والميزان ، اجتراء فاسد ، وافتراء كاسد ، ومعلوم لكل من تتبع أقوال المخالفين إنهم إذ رأوا رجلا فهم قد اعترف بالحق والصواب يرمونه تارة بالتشيع والرفض ، ومرة بالبهت والكذاب ، ولكن الحق حتى لا يغري أهل شك ولا ارتياب . ومن الخطوات التي أتت على سيدتنا فاطمة الزهراء سلام الله عليها ، رد فدك وهو من الوقائع التي تورب العجب العجاب فتحير عقول أولي الألباب .
وقال العلامة سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه المسمى - مرآة الزمان - في الباب العاشر في طلب آل رسول الله الميراث من أبواب مرض رسول الله ( ص ) في وقائع السنة الحادية عشر ما لفظه : وقال علي ابن الحسين رضي الله عنهما : جاءت فاطمة بنت رسول الله ( ص ) إلى أبي بكر وهو على المنبر فقالت : يا أبا بكر أفي كتاب الله أن ترث ابنتك ولا أرث أبي ، فاستعبر أبو بكر باكيا ، ثم قال : بأبي أبوك ، وبأبي أنت ، ثم نزل فكتب لها بفدك ، ودخل عليه عمر فقال : ما هذا فقال : كتاب كتبته لفاطمة ميراثها من أبيها ، قال : فماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ، ثم أخذ عمر رضي الله عنه ، الكتاب فشقه ( 1 ) .
وقال نور الدين الحلبي ( 2 ) في إنسان العيون ، في المجلد الثالث منه عند ذكره دعوى فاطمة ( ع ) في أمر فدك ما لفظه : وفي كلام سبط ابن الجوزي رحمه الله ، أنه رضي الله عنه كتب لها بفدك ودخل عليه عمر رضي الله عنه فقال : ما هذا فقال : كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها ، فقال : ماذا تنفق على المسلمين وقد حاربتك العرب كما ترى ، ثم أخذ عمر الكتاب فشقه ( 3 ) .
الهوامش
< هامش ص 93 >
( 2 ) أحد فرسان أهل النظر والكلام على مذهب المعتزلة وله في ذلك تصانيف مات 231 . لسان الميزان 1 : 67 . معجم المصنفين 3 : 158 / تاريخ بغداد 6 . 97 . فهرست ابن النديم : 186 . ( 3 ) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني مات 548 . المتكلم الأشعري ، ط طبقات الشافعية 4 : 578 تذكرة الحفاظ 4 : 104 . مرآة الجنان 3 : 289 . الأعلام 7 : 83 مفتاح السعادة 1 : 264 . الشذرات 4 : 149 . ( 4 ) الملل والنحل 1 : 57 .
‹ هامش ص 94 ›
( 1 ) صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي الشافعي المتوفى 764 المؤرخ الأديب معجم المؤلفين 4 : 114 . ( 2 ) الوافي بالوفيات 5 : 347 / 39 / خ . ( 3 ) شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز الذهبي الدمشقي الشافعي مات 748 ، حافظ محدث عين أستاذا للحديث يرحل إليه من سائر البلدان ، معجم المؤلفين 8 : 289 . الكنى والألقاب 2 : 266 . ( 4 ) ميزان الاعتدال 1 : 139 .
‹ هامش ص 95 ›
( 1 ) مرآة الزمان . ( 2 ) نور الدين علي بن برهان الدين الحلبي الشافعي المتوفى 1044 . كان واسع العلم غاية في التحقيق ، عاد الفهم ، قوي الفكرة متحريا في الفتوى . خلاصة الأثر 3 : 122 . هدية العارفين 1 : 755 . إيضاح المكنون 2 : 497 . ( 3 ) السيرة الحلبية ( 2 ) : 485 ط 1349
|