السبب الثالث للفارق النسبي ( امه )
السبب الثالث لخسة النسب
ومما يدل على خساسة نسب عمر وسوء حال أمه تعبير عمرو بن العاص عن عمر بقوله ابن حنتمة .
قال ابن الأثير الجزري ، في النهاية ، في لغة - بعج - : ومنه حديث عمرو بن العاص في صفة عمر إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها ، أي كشفت لها كنوزها بالغنى والغنائم ، وحنتمة أمه ( 2 ) . وقال أيضا في لغة - حنتم - ومنه حديث ابن العاص ، إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها ، حنتمة أم عمر بن الخطاب وهي بنت هشام بن المغيرة ، ابنة عم أبي جهل ( 3 ) .
وقال ابن منضور الأفريقي ( 4 ) في لسان العرب ، في لغة - بعج - : وفي حديث عمرو ووصف عمر رضي الله عنه ، فقال : إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها ، هذا مثل ضربه أراد أنها كشفت له عما كان فيها من الكنوز والأموال والغنى ، وحنتمة أمه ( 5 ) .
وقال أيضا في لسان العرب : في لغة حنتمة ، وفي حديث ابن العاص ، إن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها ، حنتمة أم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وهي بنت هشام بن المغيرة ( 6 ) . ‹ صفحة 62 ›
وقال محمد مرتضى الزبيدي ، في تاج العروس ، في لغة - بعج - وفي حديث عمرو وصف عمر رضي الله عنه فقال : إن ابن حنتمة بعجب له الدنيا معاها ، هذا مثل ضربه أراد إنها كشفت له عما كان فيها من الكنوز والأموال والغنى ، وحنتمة أمه ( 1 ) .
وقال أيضا في تاج العروس : في لغة حنتم في ذكر حنتمة وهي أم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، ومنه حديث عمرو بن العاص ، أن ابن حنتمة بعجت له الدنيا معاها ( 2 ) ولقد جرت بين عمر بن الخطاب ، وبين عمرو بن العاص منازعة عجيبة ظهرت فيها دنائة حسب عمر وأبيه بنحو عجيب ، وها نحن ننقل خبر هذه المنازعة برمته ليظهر منها هبوط درجة أمثال هؤلاء الأصحاب عن الأدب الشرعي والتهذيب الخلقي ، وارتكابهم ما لا يجوز عقلا ولا شرعا .
قال شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي القرطبي المالكي ( 3 ) في كتابه العقد الفريد : وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص ، وكان عامله على مصر ، من عبد الله بن الخطاب إلى عمرو بن العاص : سلام عليك ، فإنه بلغني أنه فشت لك فاشية من خيل ، وإبل ، وغنم ، وبقر ، وعبيد وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك ، فأكتب إلي من أين أصل هذا المال ولا تكتمه ( 4 ) . فكتب إليه عمرو بن العاص : لعبد الله عمر أمير المؤمنين : سلام عليك ، والله إني لا أعرف الخطاب يحمل ‹ صفحة 63 › فوق رأسه حزمة من الحطب ، وعلى أذنه مثلها ، وما منهما إلا في عزة لا تبلغ من سعيه ، والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزورا بالذهب . قال له محمد : اسكت ، والله عمر خير منك ، وأما أبوك وأبوه ففي النار ، والله لولا الزمان الذي سبقه فيه لا ألفيت معقل شاة يسرك غزوها ، ويسرك بكاؤها ، فقال عمرو : هي عندك بأمانة الله فلم يخبر بها عمر ( 1 ) .
وهذه المنازعة العجيبة ، والمشاجرة الغريبة قد ذكرها ابن أبي الحديد المدائني ، في شرح نهج البلاغة أيضا وتلك ألفاظه .
وكتب عمر إلى عمرو بن العاص وهو عامل في مصر :
أما بعد : فقد بلغني إنه قد ظهر لك مال من إبل وغنم وخدم وغلمان ، ولم يكن لك قبله مال ، ولا ذلك من رزقك ، فأنى لك هذا ، ولقد كان لي من السابقين الأولين من هو خير منك ، ولكني استعملتك لغنائك ، فإذا كان عملك لك وعلينا فبما نؤثرك على أنفسنا ؟ فاكتب إلي من أين مالك ، وعجل والسلام ( 2 ) .
فكتب إليه عمرو بن العاص : قرأت كتاب أمير المؤمنين ولقد صدق ، فأما ما ذكره من مالي فإني قدمت بلدة الأسعار فيها رخيصة ، والغزو فيها كثير ، فجعلت فضول ما حصل لي من ذلك فيما ذكره أمير المؤمنين ، والله يا أمير المؤمنين لو كانت خيانتك لنا حلالا ما خناك ائتمنتنا ، فاقصر عنا عناك ، فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أعنتنا عن العمل لك ، وأما من كان لك من السابقين الأولين فهلا استعملتهم ، فوالله ما دققت لك بابا - . ‹ صفحة 64 ›
فكتب إليه عمر : أما بعد : فأني لست من تسطيرك وتشقيقك الكلام في شئ ، إنكم معشر الأمراء ، أكلتم الأموال ، وأخلدتم إلى الأعذار ، فإنما تأكلون النار ، وتورثون العار ، وقد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليشاطرك ما في يديك ، والسلام ( 1 ) .
فلما قدم إليه محمد أتخذ له طعاما وقدمه إليه فأبى أن يأكل فقال : ما لك لا تأكل طعامنا ؟ قال : إنك نزلت لي طعاما هو تقدمة للشر ، ولو كنت عملت لي طعام الضيف لأكلته فأبعد عني طعامك وأحضر لي مالك ، فلما كان الغد وأحضر ماله جعل محمد يأخذ شطرا ويعطي عمرو أشطرا ، فلما رأى عمرو ما حاز محمد من المال قال : يا محمد أقول ، قال : قل ما تشاء ، قال لعن الله يوما كنت فيه واليا لابن خطاب ، والله لقد رأيته ورأيت أباه وإن على كل واحد منهما عباءة قطوانية مؤتزرا بها ما تبلغ ما بغى ركبته وعلى عنق كل واحد منهما حزمة من حطب ، وأن العاص بن وائل لغة مزررات الديباج ، فقال محمد : إيها يا عمر ، فعمر والله خير منك ، وأما أبوك وأبوه ففي النار ، ووالله لولا ما دخلت فيه من الإسلام لألغيت معتلف شاة يسرك غزوها ويسوءك بكوها قال : صدقت فاكتم علي قال : أفعل ( 2 ) .
ومن الدلائل على كون عمر بن الخطاب ولد الزناء ، ومحمولا في الحيض ، وكون أم عمر أمة زانية حملت به في بقية أيام حيضها ما قاله عمرو بن العاص في حق نفسه تعريضا لعمر .
قال الزمخشري ( 3 ) في كتابه المسمى - بالفائق - ما لفظه : عمر ، وقال لعمر ‹ صفحة 65 › رضي الله عنه : إني والله ما تأبطتني الإماء ، ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي ، أي لم يحضنني البغايا جمع بغي ، فعول بمعنى فاعلة من البغاء - الغبرات - جمع غبر جمع غابر ، فهو البقية - المآلي - جمع مئلات ، وهي خرقة الحائض هاهنا ، وخرقة النائحة في قوله : وأنواحا عليهن المآلي . .
ويقال : ألت المرأة إيلاء ، إذ اتخذت مئلات ، ويقولون : المتألية ، المتآلية نفى عن نفسه الجمع بين سبتين أحداهما أن يكون لغية ، والثانية أن يكون محمولا في بقية حيضه . وأضاف الغبرات إلى المآلي لملابستها لها ( 1 ) . وقال ابن الأثير الجزري في النهاية : في لغة أبط ، ما لفظه ، ومنه حديث عمرو بن العاص إنه قال لعمر : إني والله ما تأبطتني الإماء ، أي لم يحضنني ويتولين تربيتي ( 2 ) .
وقال ابن الأثير في النهاية في لغة غبر وهذا لفظه : ومنه حديث عمرو بن العاص ، ولا حملتني البغايا في غبرات المآلي ، أراد أنه لم يتول الإماء تربيته ، والمآلي فرق الحيض ، أي في بقاياها ( 3 ) إنتهى .
وهذه الذي ذكره ابن الأثير في معنى كلام ابن العاص لا يخلو عن تفريط وتضجيع ، وتقصير وتقليل ، والذي ذكره الزمخشري في بيان معنى كلام ابن العاص هو الصدق الصريح البين الذي لا يلط بالتسويف . ولقد أعترف ابن الأثير بالحق الصريح في معنى كلام ابن العاص في كتابه هذا ، أعني نهاية في لغة مأل كما قال مال في حديث ، عمرو بن العاص ، أني والله ما تأبطتني الإماء ، ولا حملتني البغايا في غبرات المالي ، المآلي جمع مئلات بوزن سعلات ، وهي هاهنا فرقة الحائض وهي خرقة النائحة أيضا ، يقال : آلت المرأة إيلاء ، إذ أتخذت مئلات ، وميمها زائدة نفي عن نفسه الجمع بين السبتين أن يكون ‹ صفحة 66 › لزينة ، وأن يكون محولا في بقية حيضة ، انتهى .
وأعلم إن هذه المكالمة الفضيحة التي جرت بين عمر بن الخطاب ، وعمرو بن العاص ، قد ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة مع مزيد توضيح وتشريح يشتمل على ذكر صهاك وهذه ألفاظه : قدم عمرو بن العاص على عمر وكان واليا لمصر فقال له : في كم سرت قال : في عشرين قال عمر : لقد سرت سير عاشق ، فقال عمرو : إني والله ما تأبطتني الإماء ولا حملتني في غبرات المآلي فقال عمر :
والله ما هذا الجواب عن الكلام الذي سألتك عنه ، وأن الدجاجة لتفحص في الرماد ، فتضع لغير الفحل ، وأنما تنسب البيضة إلى طرتها فقام عمرو مربد الوجه . قلت :
المآلي خرق سود يحملها النوائح ويشرف بها بأيديهن عند اللطم ، وأراد خرق الحيض هاهنا ، وشبهها بتلك ، وأنكر عمر فخره بالأمهات وقال : إن الفخر للأب الذي إليه النسب . وسألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر فقال :
إن عمرا فخر على عمر لأن أمه الخطاب زنجية تعرف بباطحلى تسمى صهاك فقلت له :
وأم عمرو النابغة أمة من سبايا العرب فقال : أمه عربية من عترة سبت في بعض الغارات ، فليس يلحقها من النقص عندهم ما يلحق الإماء الزنجيات ، فقلت له : أكان عمرو يقدم على عمر بمثل هذا القول ، قال : قد يكون بلغه عنه قول قدح في نفسه فلم يحتمله له ، ونفث بما في صدره منه وإن لم يكون جوابا مطابقا للسؤال ، وقد كان عمر مع خشونته يحتمل نحو هذا فقد جبهه الزبير مرة وجعل يحكي كلامه يمططه وجبهه سعد بن أبي وقاص أيضا فأغضي عنه . ومر يوما في السوق على ناقة له فوثب غلام من بني ضبة فإذا هو خلفه فالتفت إليه فقال :
ممن أنت ؟ قال : ضبي قال : جسور والله ، فقال الغلام على العدو ، فقال عمر وعلى الصديق أيضا ما حاجتك فقضى حاجته ، ثم قال : دع الآن لنا ‹ صفحة 67 › ظهر راحلتنا ( 1 ) .
ومن الدلائل الواضحة الباهرة على مهانة نسب عمرو ورذالة أمه الفاجرة العاهرة ما جرى بين عمر وابن العباس رضوان الله له ، في أمر قطاع البحرين ،
قال علي المتقي ( 2 ) في كنز العمال ، في فضائل عمر من قسم فعال ما لفظه : أنبأنا ابن عينية ، أخبرني عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر ، أن العباس ابن عبد المطلب ، قال لعمر بن الخطاب : إن رسول الله ( ص ) أقطع لي البحرين فقال له عمر : من شهودك ؟ قال : المغيرة بن شعبة قال : ومن معه ؟ قال : ليس معه أحد قال عمر : فلا أذن فأبى عمر أن يأخذ باليمين مع الشاهد ، فقال له العباس : أعضك الله بنظر أمك فقال عمر لابن عباس : يا عبد الله خذ بيد أبيك فأقمه عنا ( 3 ) .
ولقد حكى عمر بنفسه خساسة حسبه ودناءة نفسه بحيث يقضي منه العجب ، قال أبو إسحاق إبراهيم بن علي المعروف بالحصيري القيرواني المالكي ( 4 ) في زهر الآداب وثمر الآداب : وروى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حج فلما كان بضجنان قال : لا إله إلا الله العلي العظيم ، المعطي من شاء ، ما شاء ، كنت في هذا الوادي في مدرعة صوف أرعى إبل الخطاب وكان قطا يتبعني إذا عملت ، ويضربني إذا قصرت ، وقد أمسيت الليلة ليس بيني وبين الله أحد ( 5 ) . ‹ صفحة 68 ›
وقال ولي الله ( 1 ) في قرة العينين : وروى ، الحمد لله ولا إله إلا الله يعطي من شاء ما يشاء ، لقد كنت بهذه الوادي يعني ضجنان أرعى إبلا للخطاب وكان فضا غليظا يتعبني إذا عملت ويضربني إذا قصرت ، وقد أصبحت وأمسيت وليس بيني وبين الله أحد أخشاه ( 2 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 61
( 2 ) النهاية 1 : 139 ( 3 ) النهاية 1 : 448 . ( 4 ) أبو الفضل محرم بن مكرم بن علي الأنصاري الأفريقي المصري المتوفى 711 . الدور الكامنة 4 : 262 . حسن المحاضرة 1 : 219 . روضاة الجنات 8 . 86 . مصفى المقال : 425 . الأعلام 7 : 329 - الشذرات 6 : 26 . ( 5 ) لسان العرب 2 : 214 . ( 6 ) لسان العرب 12 : 162 .
‹ هامش ص 62 ›
( 1 ) تاج العروس 2 : 9 . ( 2 ) تاج العروس 8 : 264 . ( 3 ) أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن حدير بن سالم القرطبي المالكي المرواني المتوفي 328 . معجم الأدباء 4 : 211 ، جذوة المقتبس : 94 . نفح الطيب 4 : 217 . مرآة الجنان 2 : 295 . أبو الفداء 2 : 92 . ( 4 ) العقد الفريد ( 1 ) : 16 . صبح الأعشى 6 : 386 . جمهرة رسائل العرب 1 : 201
‹ هامش ص 63 ›
( 1 ) ابن أبي الحديد ( 1 ) 57 . ( 2 ) جمهرة رسائل العرب ( 1 ) : 204 .
‹ هامش ص 64 ›
( 1 ) ابن أبي الحديد 3 : 104 . جهرة رسائل العرب 1 : 204 . ( 2 ) المصدر السابق . ( 3 ) أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي المعتزلي المتوفى 538 الحافظ المضر المحديث الشاعر . معجم المؤلفين 12 : 186 . روضات الجنات 8 : 118 . ماضي النجف وحاضرها 1 : 101 . جولة في دور الكتب : 73 . معجم الأدباء 19 : 126 . ‹ هامش ص 65 › ( 1 ) الفائق : ( 2 ) النهاية 1 : 15 . ( 3 ) النهاية 3 : 338 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|