10 - قال البيهقي : أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ : أنبأنا أبو العباس بن يعقوب : حدثنا الحسن بن المكرم : حدثنا عثمان بن عمر : حدثنا إسماعيل عن زبرقان بن عبد الله عن كعب بن عبد الله قال : رأيت عليا بال وتوضأ ثم مسح على نعليه وجوربيه ( 1 ) .
فليعلم القارئ الكريم بأنه قد وردت روايات كثيرة من طرق الشيعة والسنة تقول :
إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) والإمام المرتضى ( عليه السلام ) وغيره من الصحابة - رضي الله عنهم - مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم صلوا . وسببه أن نعالهم كانت مشقوقة وظهور الأقدام كانت مكشوفة ، حتى إن المرء يستطيع أن يمسح ظهر قدميه بأصبع واحدة أو أكثر بدون استبطان الشراك . فاستدل علماؤنا بتلك الأخبار على إجزاء مسح القدم بأصبع واحدة من أصابع اليد كما جاء في رواية زرارة وبكير عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال في المسح : " تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشئ من رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك " ( 2 ) .
واستدل بها بعض من أعلام أهل السنة على جواز المسح على بعض القدم وحمله على الوضوء من غير حدث كما تقدم ( 3 ) .
وخبر ابن عمر الآتي صريح في المقام ، فقد جاء فيه أنه كان إذا توضأ ونعلاه في قدميه يمسح ظهور قدميه بيديه ، ويقول : ( كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنع هكذا ) ( 4 ) .
11 - قال الطبراني : حدثنا محمود نا وهب بن محمد عن عمرو بن قيس عن ابن ‹ صفحة 93 › إسحاق نا ناجية بن كعب ، قال : رأيت عليا توضأ ، فغسل وجهه ثلاثا والذراعين ثلاثا ومسح برأسه والقدمين ثلاثا إلى الكعبين . ثم أخذ فضل وضوئه فشر به قائما ، وقال : هكذا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صنع ( 1 ) .
12 - عن عبد الرحمن بن مالك عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : رأيت عليا توضأ فمسح رأسه ثم مسح قدميه وقال : " هكذا رأيت نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) يتوضأ " ( 2 ) .
13 - قال السيوطي : أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) أنه قال : ذكر المسح على القدمين عند عمر ، سعد وعبد الله بن عمر فقال عمر : سعد أفقه منك . فقال عمر - أي بعد أن حكم له على ولده عبد الله - : يا سعد ، إنا لا ننكر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مسح ، ولكن هل مسح منذ أنزلت سورة المائدة ؟ فإنها أحكمت كل شئ وكانت آخر سورة من القرآن إلا البراءة ( 3 ) .
14 - قال العيني عند ذكر استدلال القائلين بالمسح بالأخبار : ( ومنها حديث عمر أخرجه ابن شاهين في كتابه " الناسخ والمنسوخ " ) ( 4 ) . أقول : قد أسقطت يد الخيانة هذا الخبر من كتاب ابن شاهين ، فلم نجده في النسخة الموجودة لدينا . وفي رواية الطبراني عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) تأمل سيأتي وجهه إن شاء الله تعالى .
15 - قال ابن أبي شيبة : حدثنا محمد بن بشر قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن مسلم بن يسار عن حمران قال : دعا عثمان بماء فتوضأ ، ثم ضحك ، فقال : ألا تسألونني مما أضحك ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ما أضحكك ؟
قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توضأ كما توضأت فمضمض واستنشق ، وغسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ، ومسح برأسه وظهر قدميه ( 5 ) . ‹ صفحة 94 ›
ونقله المتقي الهندي في ( الكنز ) عن ابن أبي شيبة ( 1 ) . وذكره الهيثمي في ( الزوائد ) ، وقال : قلت : هو في الصحيح باختصار ، وقد رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات ( 2 ) .
وقال الساعاتي : قال المنذري : رواه أحمد باسناد جيد وأبو يعلى ورواه البزار باسناد صحيح .
أقول :
بعد ما تقدم ، علم القارئ أن لفظة : ( وظهر قدميه ) في الخبر هي الجرم الذي استحق بسببه الاختصار من سماحة البخاري ومن نحا نحوه .
وأخرج أحمد بن حنبل عن محمد بن جعفر عن سعيد ، وذكر الإسناد كما تقدم وساق الحديث قريبا منه . . . إلى : ( ومسح برأسه وظهر قدميه ثم ضحك ) الحديث ( 3 ) . وذكر المتقي الهندي هذا الخبر في ( الكنز ) ووضع عليه رمز كل من أحمد بن حنبل والبزار وأبي نعيم وأبي يعلى ثم قال : وصحح ( 4 ) .
وذكره الهيثمي أيضا ، وقال : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ، وهو في الصحيح باختصار ( 5 ) . وقال العيني : حديث عثمان ( رضي الله عنه ) ذكره أحمد بن علي القاضي في كتابه ( مسند عثمان ) بسند صحيح أنه توضأ ثم مسح رأسه ثم ظهر قدميه ، ثم رفعه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ( 6 ) .
تذكرة :
ينبغي الالتفات إلى أن المذكور في ( مجمع الزوائد ) في الطبعات الموجودة لدينا من خبر ( ضحك عثمان ) : ( وطهر قدميه ) ، وقد أسقطوا نقطة ‹ صفحة 95 › الظاء المعجمة كالعادة المستمرة للإخلال بدلالة الخبر وأثبتناها من المصادر الأصلية التي أخذ الهيثمي الخبر منها . وكذلك الحال بالنسبة إلى رواية أبي كاهل الآتية . ولا نتهم العلامة الهيثمي بتلك الجناية ، بل نقول : إن هذا طرأ على كتابه بعد وفاته .
16 - أخرج أحمد بن حنبل عن ابن الأشجعي : حدثنا أبي عن سفيان عن سالم أبي النضر عن بسر بن سعيد قال : أتى عثمان المقاعد فدعا بوضوء . . . ثم غسل وجهه ثلاثا ويديه ثلاثا ، ثم مسح برأسه ورجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هكذا يتوضأ ، يا هؤلاء أكذاك ؟ قالوا : نعم . لنفر من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنده ( 1 ) .
17 - وروي عن أبي مليكة - رحمه الله تعالى - قال : رأيت عثمان ( رضي الله عنه ) يسأل عن الوضوء فدعا بماء فأتي بميضأة . . . فأخذ ماء فمسح برأسه وأذنيه فغسل بطونهما وظهورهما مرة مرة ، ثم رجليه ، ثم قال : أين السائل عن الوضوء ؟ هكذا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توضأ ( 2 ) .
18 - قال ابن شاهين : أنبأنا أحمد بن سليمان بن الحسن الفقيه قال : أنبأنا عبيد ابن شريك قال أنبأنا عبد الغفار - يعني ابن داود - قال : أنبأنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عباد بن تميم عن عثمان أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) توضأ ومسح على القدمين ( 3 ) .
19 - قال الدارقطني : حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل : حدثنا أحمد بن المقدام : أنبأنا محمد بن أبي بكر : أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القداح : أنبأنا عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة عن عثمان بن عفان ( رضي الله عنه ) قال : دعا يوما بوضوء ثم دعا أناسا من أصحاب رسول الله . . . ثم مسح برأسه ثم رجليه فأنقاهما ، ثم قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتوضأ مثل هذا الوضوء . الحديث ( 4 ) . ‹ صفحة 96 ›
أقول :
هذا على ما يبدو أول مرحلة من مراحل التحريف في هذا الخبر . أضاف المحرفون إلى الخبر لفظة : ( أنقاهما ) للإخلال بدلالة الخبر ، لأن الإنقاء لا يكون في المسح ، بل في الغسل .
ثم استمر التحريف في خبر عثمان إلى أن وصل إلى نهايته ، فإليك لفظا من ألفاظ آخر مرحلة التحريف : أخرج أبو داود والبيهقي عن عثمان بن عفان أنه دعا بماء فتوضأ . . . ومسح برأسه ، ثم غسل رجليه الحديث ( 1 ) .
وفي سنده كما في سند اللفظ المتقدم للدارقطني ، عبد الله بن أبي زياد القداح ، قال ابن التركماني : ( قال ابن معين : ليس بشئ . قال أبو داود : أحاديثه مناكير ) ( 2 ) .
20 - أخرج أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن بشر . والبيهقي عن البيروتي عن جعفر بن عون . . . إلى هشام بن سعيد حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار - واللفظ لأبي داود - قال عطاء : قال لنا ابن عباس ( رضي الله عنه ) : أتحبون أن أريكم كيف كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتوضأ . . . ثم قبض قبضة أخرى من الماء فرش على رجله اليمنى وفيها النعل ثم مسحها بيديه : يد فوق القدم ويد تحت النعل ثم صنع باليسرى مثل ذلك .
قال البيهقي : هذا أصح حديث روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في هذا ( 3 ) .
قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا بشر بن موسى حدثنا خلاد بن يحيى . . . وذكر الإسناد كما تقدم ، وساق الحديث وفيه : ( ومسح بأسفل النعلين ) ( 4 ) .
وأخرج الطحاوي والبيهقي بإسناديهما إلى عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) واللفظ للطحاوي قال : توضأ رسول ‹ صفحة 97 › الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأخذ ملء كفه ماء فرش به على قدميه وهو منتعل .
ثم قال البيهقي : ورواه البخاري عن محمد بن عبد الرحيم ( 1 ) . أقول : نعم رواه البخاري عن محمد بن عبد الرحيم مع رعاية عادته ( 2 ) .
قال الطبراني : حدثنا أحمد حدثنا أمية بن بسطام قال : حدثنا يزيد بن زريع عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ، أنه قال :
ألا أريكم كيف وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأخذ ماء بيده فمضمض واستنشق ، ثم أخذ الماء بيده فضم إليها يده الأخرى فغسل وجهه ، ثم أخذ بيده فغسل يده وذراعيه ، ثم فعل مثل ذلك بالأخرى ، ثم مسح برأسه ، ثم أخذ بيده ماء فنضحه على قدميه ومسح بهما قدميه وعليه النعلان .
وقال أيضا : حدثنا أبو قرة قال : ذكر زمعة بن صالح بن زياد بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ، قال : ألا أريكم كيف رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتوضأ فأخذ الماء بإحدى يديه فاستنشق ثم جمع إليها الأخرى فأفرغ فأفاض على وجهه وغسل يديه ثم مسح برأسه وأذنيه ثم مسح على ظهور قدميه فوق النعل ثم قام فصلى ( 3 ) .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 91 ›
( 1 ) المصنف ( عبد الرزاق ) 1 : 201 / 783 ، 784 و 202 / 785 . ( 2 ) كنز العمال 9 : 435 / 26856 و 518 / 27234 و 616 / 27666 . ( 3 ) المغني ( ابن قدامة ) 1 : 120 ، الشرح الكبير ( ابن قدامة ) 1 : 116 . ( 4 ) السنن الكبرى 1 : 47 : 50 ، 58 ، 75 .
‹ هامش ص 92 ›
( 1 ) المصدر نفسه : 285 . ( 2 ) تهذيب الأحكام 1 : 90 / 237 ، وسائل الشيعة 1 : 414 . ( 3 ) جامع البيان عن تأويل القرآن 6 : 134 . ( 4 ) شرح معاني الآثار 1 : 35 .
‹ هامش ص 93 ›
( 1 ) المعجم الأوسط 8 : 414 / 7845 . ( 2 ) ميزان الاعتدال 2 : 585 ، لسان الميزان 4 : 290 . ( 3 ) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2 : 165 . ( 4 ) عمدة القاري 2 : 240 . ( 5 ) المصنف 1 : 8 .
‹ هامش ص 94 ›
( 1 ) كنز العمال 9 : 436 / 26863 . ( 2 ) مجمع الزوائد 1 : 224 . ( بلوغ الأماني ) 1 : 305 / 190 . ( 3 ) مسند أحمد 1 : 58 ، جامع المسانيد والسنن 17 : 178 / 759 . وقال الدكتور القلعچي : رواه البزار في كشف الأستار ، وإسناده صحيح . ( 4 ) كنز العمال 9 : 442 / 26886 . ( 5 ) مجمع الزوائد 1 : 229 . ( 6 ) عمدة القاري 2 : 240 .
‹ هامش ص 95 ›
( 1 ) مسند أحمد 1 : 67 . ( 2 ) سبل الهدى والرشاد 8 : 43 . ( 3 ) الناسخ والمنسوخ ( ابن شاهين ) : 102 / 118 . ( 4 ) سنن الدارقطني 1 : 85 .
‹ هامش ص 96 ›
( 1 ) سنن أبي داود 1 : 32 / 109 ، سنن البيهقي 1 : 47 . ( 2 ) الجور النقي 1 : 47 . ( 3 ) سنن أبي داود 1 : 37 / 137 ، السنن الكبرى 1 : 73 ، عمدة القارئ 2 : 240 . ( 4 ) السنن الكبرى 1 : 72 .
‹ هامش ص 97 ›
( 1 ) شرح معاني الآثار 1 : 39 ، السنن الكبرى 1 : 72 . ( 2 ) صحيح البخاري 1 : 50 / 140 . ( 3 ) المعجم الأوسط 1 : 405 / 718 و 10 : 87 / 9814 . ( 4 ) السنن الكبرى 1 : 286 . ( 5 ) صحيح البخاري 1 : 54 / 157 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|