3 - أخرج أحمد بن حنبل عن محمد بن عبيد : حدثنا مختار عن أبي مطر قال : بينما نحن جلوس مع أمير المؤمنين علي ( صلى الله عليه وآله ) في المسجد على باب الرحبة إذ جاء رجل فقال : أرني وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وهو عند الزوال ، فدعا قنبرا فقال : " ائتني بكوز من ماء " فغسل كفيه ووجهه ثلاثا ، وتمضمض ثلاثا . . . ومسح رأسه واحدة فقال - يعني : الأذنين - : " داخلهما من الوجه ، وخارجهما من الرأس " ، ورجليه إلى الكعبين ثلاثا ، ثم قال : " أين السائل عن وضوء رسول الله ؟ كذا كان وضوء نبي الله ( صلى الله عليه وآله ) " ( 2 ) .
وفي لفظ عبد بن حميد : فغسل يديه ووجهه ثلاثا . . . ومسح رأسه واحدة ثم قال - يعني : الأذنين - : " خارجهما وباطنهما من الوجه " ، ورجليه إلى الكعبين ( 3 ) .
فأنت ترى أن لفظ ابن حميد خال من كلمة ( ثلاثا ) بعد قوله : ( ورجليه إلى الكعبين ) . ويمكنأن تكون مضافة إلى الخبر فتكون قرينة على الغسل إخلالا ‹ صفحة 87 › بدلالته .
4 - قال أبو داود : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحراني : حدثنا محمد بن مسلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن زيد بن ركانة عن عبد الله الخولاني عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) في حديث قال : دخل علي علي بيتي . . . فقال : " يا بن عباس ، ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ؟ قلت : بلى فداك أبي وأمي . . .
وفيه : ثم أدخل يديه جميعا فأخذ حفنة من ماء ، فضرب بها على رجله وفيها النعل ، ففتلها بها ، ثم الأخرى مثل ذلك . قال : قلت : وفي النعلين ؟ قال : " وفي النعلين " . قال : قلت : وفي النعلين ؟ قال " وفي النعلين " .
قال : قلت : وفي النعلين ؟ قال : " وفي النعلين " ( 1 ) . قال البيهقي : أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب : حدثنا أبو عبد الرحمان عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن طلحة ابن يزيد بن ركانة عن عبد الله الخولاني عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) قال : دخل علي ( عليه السلام ) علي بيتي فدعا بوضوء فجئنا بقعب يأخذ المد أو قريبه ، حتى وضع بين يديه ، وقد بال فقال : " يا بن عباس ، ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) " ؟ . . . ثم أخذ بكفيه من الماء فصك بهما على قدمه وفيها النعل فبلها به ثم على الرجل الأخرى مثل ذلك . . . الحديث .
قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : لا أدري ما هذا الحديث ( 2 ) . وأخرجه الطحاوي ، وذكره ابن تيمية ، ووضع عليه في ( الكنز ) رمز كل من أحمد بن حنبل ، وأبي داود ، وأبي يعلى ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والطحاوي ، وضياء المقدسي ( 3 ) . ‹ صفحة 88 ›
قال شمس الحق في شرحه علىسنن أبي داود : واعلم أن الحديث وإن كان رواته كلهم ثقات لكن فيه علة خفية اطلع عليها البخاري ، وضعفه لأجلها ( 1 ) .
أقول :
ليس لضعف الحديث علة ، لا خفية ولا جلية إلا مخالفته لرأي البخاري .
وليس هذا الأسلوب جديدا من ابن إسماعيل البخاري فإن من عادته طرح الصحاح من الروايات والتبديل في العبارات والإسقاط في الكلمات فيما يخالف مذهبه ، فإنه كان يعلم بأن أئمته يقولون : الغسل هو الإسالة والمسح هو الإصابة .
فما في هذا الخبر ليس غسلا ، ولا يجوز المسح على النعل العربي بدل الخف ، فأراد التخلص من هذا الخبر ب ( لا أدري ) ، بل هو يدري ، ولا بد أنه رأى أحاديث مسح القدم المستفيضة ، ولكنه لا يدري كيف يوافق مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) :
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة * وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
5 - قال البيهقي : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك : أخبرنا عبد الله بن جعفر : حدثنا يونس بن حبيب : حدثنا شعبة أخبرنا عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت النزال بن سبرة يقول : صلى علي ( رضي الله عنه ) الظهر في الرحبة ، ثم جلس في حوائج الناس حتى حضرت العصر ، ثم أتي بكوز من ماء فصب منه كفا فغسل وجهه ويديه ، ومسح على رأسه ورجليه ، ثم قام فشرب فضل الماء وهو قائم ( 2 ) .
قال النسائي : أخبرنا عمرو بن يزيد قال حدثنا بهز بن أسد قال : حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت النزال بن سبرة قال : رأيت عليا ( رضي الله عنه ) صلى الظهر ، ثم قعد لحوائج الناس فلما حضرت العصر أتي بكوز من ماء فأخذ منه كفا فمسح به وجهه وذراعيه ، ورأسه ورجليه ، ثم أخذ فضله ، فشرب قائما ، وقال : " إن أناسا يكرهون هذا ، وقد رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يفعله ، وهذا وضوء من لم يحدث " ( 3 ) . ‹ صفحة 89 ›
وأخرجه أحمد في ( المسند ) والطحاوي في الشرح بشئ من التفاوت ( 1 ) .
وأخرجه البيهقي في ( السنن ) عن أبي علي الروزباري .
وساق الحديث مثل لفظ النسائي ثم قال : رواه البخاري في الصحيح عن آدم بن إياس ببعض معناه ( 2 ) .
قال شارح سنن البيهقي : ( قلت : الذي في صحيح البخاري : ( فغسل وجهه ويديه وذكر رأسه ورجليه ) ، وليس فيه : " هذا وضوء من لم يحدث " ) ( 3 ) .
أقول :
هذا هو الأسلوب الثاني والثالث من سماحة ابن إسماعيل البخاري فيما يخالف مذهبه .
فبدل قوله : ( ومسح على رأسه ورجليه ) كما رأيت في اللفظ الأول للبيهقي - بقوله : ( وذكر . . . ) ، وأسقط الجملة الأخيرة لأن لا يخل بتوجيه قومه للخبر : بأن مقصود أمير المؤمنين منها أن وضوئه المذكور كان من غير حدث .
ثم إنه إذا تدبر القارئ في لفظ البخاري ، واللفظ الأول للبيهقي علم بأن جملة : ( فمسح به وجهه وذراعيه ) كانت بدلا من ( فغسل وجهه ويديه ) ، للإخلال بدلالة الخبر ، وحمله على توجيههم لكلام أميرالمؤمنين : " هذا وضوء من لم يحدث " ، الذي كان مراده منه : هذا وضوء من لم يحدث في وضوئه البدعة ولم يزد على حد الوضوء .
ورفع الرازي إلى شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أن عليا ( عليه السلام ) صلى الظهر ثم قعد في الرحبة فلما حضرت العصر دعا بكوز من ماء فغسل يديه ووجهه وذراعيه ومسح برأسه ورجليه وقال : " هكذا رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فعل " ، وقال : " هذا وضوء من لم يحدث " ( 4 ) .
6 - قال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال : حدثنا أبو مالك الجنبي عن مسلم عن حبة العرني قال : رأيت علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) شرب في الرحبة قائما ثم توضأ ومسح على نعليه وقال : " هذا وضوء من لم يحدث " ( 5 ) . ‹ صفحة 90 ›
7 - قال البيهقي : أخبرنا أبو طاهر الفقيه : أخبرنا أبو عثمان البصري : حدثنا محمد بن عبد الوهاب : أنبأنا يعلى بن عبيد سفيان عن حبيببن أبي ثابت عن زيد ابن وهب قال : بال علي وهو قائم ، ثم توضأ ومسح على النعلين . وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع مع تفاوت يسير .
8 - قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ : أنبأنا أبو العباس محمد بن يعقوب : حدثنا الحسن بن علي بن عفان : حدثنا ابن النمير عن الأعمش عن أبي ظبيان قال : رأيت علي بن أبي طالب بالرحبة بال قائما حتى أرغى فأتي بكوز من ماء فغسل واستنشق وتمضمض ، وغسل وجهه وذراعيه ، ومسح برأسه . . . ثم مسح على نعليه ثم أقيمت الصلاة فخلع نعليه ثم تقدم فأم الناس . وقال البيهقي : أخبرنا أبو طاهر الفقيه بإسناده قال : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي ظبيان قال : بال علي وهو قائم ، ثم توضأ ومسح على النعلين ثم خرج فصلى الظهر ( 1 ) .
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن يزيد بن أبي زياد عن أبي ظبيان الجنبي قال : رأيت عليا بال قائما حتى أرغى ، ثم توضأ ومسح على نعليه ، ثم دخل المسجد فخلع نعليه فجعلهما في كمه ثم صلى . قال معمر : ولو شئت أن أحدث أن زيد بن أسلم حدثني عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) صنع كما صنع علي ( عليه السلام ) فعلت . وأخرج أيضا عن الثوري عن الأعمش عن أبي ظبيان قال : رأيت عليا بال وهو قائم حتى أرغى وعليه خميصة له سوداء ، ثم دعا بماء فتوضأ فمسح على نعليه ثم قام فنزعها ثم صلى الظهر . وأخرج أيضا عن ابن جريج قال : أخبرني قيس عن أبي إسحاق أنه أخبره من ‹ صفحة 91 › رأى عليا يمسح على نعليه ( 1 ) .
وذكر المتقي الهندي خبر أبي ظبيان في كنزه بألفاظ متفاوتة ، ووضع على كل واحد منها رمز بعض المحدثين ، ومن أرادها فليراجع ( 2 ) . ونقل فقهاء القوم هذا الخبر في كتبهم . قال ابن قدامة : ( روي عن علي أنه مسح على نعليه وقدميه ثم دخل المسجد فخلع نعليه وصلى ) ( 3 ) .
9 - قال البيهقي : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان : أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار : أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل : أنبأنا أبي ابن الأشجعي عن أبيه عن سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي ( عليه السلام ) أنه دعا بكوز من ماء ثم قال : " أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب قائما " ؟ قال : فأخذ وشرب وهو قائم ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ثم قال : " هكذا فعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لم يحدث " .
وبمعناه رواه إبراهيم بن أبي الليث عن عبيد الله الأشجعي . . . وفيه : ثم مسح على نعليه ثم قال : " هكذا وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للطاهر ما لم يحدث " . وقال أيضا : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان : حدثنا أحمد بن عبيد الصفار : حدثنا عباس بن الفضل الأسفاطي : حدثنا أبو الوليد : حدثنا زائدة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال : صلى علي الفجر ثم دخل الرحبة . . . وساق الخبر إلى : " من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فهذا كان طهوره " ( 4 ) .
أقول :
إذا تأمل القارئ الكريم في ذيل رواية علقمة عن عبد خير ، وتذكر ما نسبوه إليه ( عليه السلام ) من أنه : ( بال وتوضأ ثم مسح على نعليه ) أو : ( بال قائما ثم توضأ ومسح على نعليه وقدميه ) وغيرهما ، علم بأن لفظ : " ما لم يحدث " أو : " للطاهر ما لم ‹ صفحة 92 › يحدث " قد أضيف إلى الخبر في القرونالمتأخرة ، وأن ذلك تحريف لقوله ( عليه السلام ) : " هذا وضوء من لم يحدث " أي من لم يغير في الدين ويبتدع وضوءا من عنده وهو تعريض بوضوء بني أمية .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 86 ›
( 1 ) تاريخ بغداد 11 : 125 والاستيعاب 3 : 127 . ( 2 ) مسند أحمد بن حنبل 1 : 158 . ( 3 ) كنز العمال 9 : 448 / 26908 . ‹ هامش ص 87 › ( 1 ) سنن أبي داود 1 : 29 / 117 ، معالم السنن 1 : 42 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 207 ، كشف الغمة 1 : 36 . ( 2 ) السنن الكبرى 1 : 74 . ( 3 ) شرح معاني الآثار 1 : 34 ، 35 ، المنتقى ( ابن تيمية ) 1 : 93 / 248 ، كنز العمال 9 : 459 / 26967 .
‹ هامش ص 88 ›
( 1 ) عون المعبود 1 : 202 / حول ح : 117 ، بلوغ الأماني 2 : 13 ذيل ح : 229 . ( 2 ) شعب الإيمان 5 : 109 / 5982 . ( 3 ) سنن النسائي 1 : 85 .
‹ هامش ص 89 ›
( 1 ) مسند أحمد 1 : 139 ، 153 ، شرح معاني الآثار 1 : 34 . ( 2 ) السنن الكبرى 1 : 75 . ( 3 ) الجوهر النقي 1 : 75 . ( 4 ) أحكام القرآن ( الجصاص ) 2 : 347 . ( 5 ) جامع البيان 6 : 135 .
‹ هامش ص 90 ›
( 1 ) السنن الكبرى 1 : 287، 288 والمصنف ( ابن أبي شيبة ) 1 : 190 والظاهر أن لفظ : ( قائما ) أو : ( وهو قائم ) خطأ من الرواة هنا وفيما ينسب إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لنزاهتهما عن مثل هذا العمل الذي لا يقوم به عادي الناس ، مضافا إلى كراهته شرعا .
‹ هامش ص 91 ›
( 1 ) المصنف ( عبد الرزاق ) 1 : 201 / 783 ، 784 و 202 / 785 . ( 2 ) كنز العمال 9 : 435 / 26856 و 518 / 27234 و 616 / 27666 . ( 3 ) المغني ( ابن قدامة ) 1 : 120 ، الشرح الكبير ( ابن قدامة ) 1 : 116 . ( 4 ) السنن الكبرى 1 : 47 : 50 ، 58 ، 75 .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
|