و - عمران بن سوادة: أخرج الطبري في تاريخه 5 / 32 عن عمران بن سوادة قال : صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثم انصرف وقمت معه فقال : ‹ صفحة 171 › أحاجة ؟ قلت حاجة ، قال : فالحق . قال : فلحقت فلما دخل أذن لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإذا هو على سرير ليس فوقه شئ فقلت : نصيحة . فقال : مرحبا بالناصح غدوا وعشيا . قلت : عابت أمتك أربعا . قال : فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثم قال : هات . قلت : ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا أبو بكر رضي الله عنه وهي حلال . قال : هي حلال ، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم ، فكانت قائبة ( 1 ) قوب عامها ، فقرع حجهم ، وهو بهاء : من بهاء الله وقد أصبت . قلت : وذكروا إنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث .
قال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت .
قلت : وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها قال : ألحقت حرمة بحرمة وما أردت الا الخير واستغفر الله .
قلت : وتشكو منك نهر الرعية وعنف السياق قال : فشرع الدرة ثم مسحها على آخرها ثم قال : أنا زميل محمد - وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر - فوالله إني لأرتع فأشبع ، ‹ صفحة 172 › وأسقي فأروي . وأنهز ( 1 ) اللفوت وأزجر العروض ( 2 ) وأذب قدري وأسوق خطوى وأضم العنود ( 3 ) وألحق القطوف ( 4 ) وأكثر الزجر وأقل الضرب وأشهر العصا وأدفع باليد ، لولا ذلك لأعذرت .
قال : فبلغ ذلك معاوية فقال : كان والله عالما برعيتهم ( 5 ) .
أقول :
يظهر من هذه الرواية ما يلي :
1 - ان المسلمين عابوا على عمر هذه الموارد الأربعة ( وسنشرح المورد الرابع قريبا انشاء الله ) اي أنهم لم يكونوا راضين من تصرفاته وأوامره ونواهيه ، وأنها خلاف كتاب الله وسنة نبيه .
2 - جواب الخليفة في قوله : لو أنهم اعتمروا . . . مناقض تماما لقوله : فكانت قائبة قوب عامها . لأن المعتمر في أشهر الحج يبقى في مكة بعد أعمال العمرة ويحل من إحرامه ثم يحرم مرة ثانية للحج ولا يأتي البيت مرتين ، كما أن الخليفة ذكر سبب فتواه في موضع آخر ( كما ذكرنا ) وقال : ولكني أردت كثرة زيارة البيت . وقال في موضع آخر : إن أهل البيت ليس لهم ضرع ولا زرع وإنما ربيعهم فيمن يطرأ عليهم وهو تراجع عن الفتوى .
3 - قول عمر : ولو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية عن حجهم .
ولينه في التراجع عن فتواه مخالف لتحريمه المصحوب بالغلظة والشدة وتصريحه بمخالفة الله ورسوله . ‹ صفحة 173 ›
4 - قول الخليفة : إن رسول الله أحلها في زمان ضرورة . . . فان الأخبار الواردة بتحليلها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقول الصحابة الكرام ليس فيها قيد الضرورة . مضافا إلى ذلك فان الضرورة لا تخص زمانا دون زمان ، ثم كان اللازم على الخليفة ان يذكر هذا القيد عند تحريمه إياها .
5 - وقوله فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق . فان كان ذلك عن تراض فهو نكاح المتعة ولا إشكال فيه سوى التضييق ، إذا كان بتبييت نية من الزوج وإخفائها عن الزوجة فهو غدر بها بعد الوفاق على الدائم ( عرفا ) ولماذا الالزام بهذا شرعا ولا ملزم بهذا خلاف ما شرع الله ورسوله .
7 - لقد ثبت في هذه الرواية أن كل ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بتحريم المتعة والذي ملأ كتب الصحاح وغيرها وضع بعد عمر ، ولا أساس له من الصحة ، ولذلك يجب على العلماء ان يجددوا النظر في الإعتقاد بصحة ما يروى في هذه الكتب أو غربلتها .
ز - عبد الله بن عباس. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : تمتع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال عروة : نهى أبو بكر عن المتعة . فقال ابن عباس : ما يقول عرية ؟ قال : يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون . أقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقولون : قال أبو بكر وعمر ( 1 ) .
وفي قول آخر لابن عباس : يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء ، أقول قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقولون قال أبو بكر وعمر ( 2 ) . ‹ صفحة 174 › وعن أبي جمرة نصر بن عمران ( 1 ) : قال : سألت ابن عباس ( رض ) عن المتعة فأمرني بها ، وسألته عن الهدي فقال : فيها - في المتعة - جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم . قال : وكأن ناسا كرهوها ، فنمت فرأيت في المنام كأن إنسانا ينادي حج مبرور ومتعة متقبلة فأتيت ابن عباس " رضي الله عنهما " فحدثته فقال : الله أكبر سنة أبي القاسم ( صلى الله عليه وآله ) . وقال القسطلاني في إرشاد الساري 3 / 204 ( وكأن ناسا كرهوها ) يعني كعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وغيرهما ممن نقل الخلاف في ذلك .
الهوامش
‹ هامش ص 171 ›
( 1 ) القائبة : البيضة التي تنفلق عن فرخها ، والفرخ : القوب . ضرب هذا مثلا لخلو مكة من المعتمرين في باقي السنة ، وفرع حجهم اي خلت أيام الحج من الناس .
‹ هامش ص 172 ›
( 1 ) النهز : الضرب والدفع : واللفوت : الناقة الضجور عند الحلب . ( 2 ) العروض : الناقة تأخذ يمينا وشمالا ولا تلزم المحجة . ( 3 ) العنود : المائل عند القصد . ( 4 ) القطوف : من الدواب التي تسئ السير . ( 5 ) ذكره ابن أبي الحديد في شرحه 3 / 28 نقلا عن ابن قتيبة والطبري . نقلا عن الغدير 6 / 212 .
‹ هامش ص 173 ›
( 1 ) مسند أحمد 1 / 337 ، كتاب مختصر العلم لأبي عمر : 226 ، تذكرة الحفاظ للذهبي 5 / 53 ، زاد المعاد لابن القيم 1 / 219 . ( 2 ) زاد المعاد 1 / 215 وهامش شرح المواهب 2 / 328 .
‹ هامش ص 174 ›
( 1 ) أخرجه البخاري في صحيحه 3 / 114 كتاب الحج باب فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ، وذكره السيوطي في الدر المنشور 1 / 217 نقلا عن البخاري ومسلم ، نقلا عن الغدير 6 / 203 و 204 .
|