تكملة مناقشة الايات التي ادعي النسخ بها
فدعوى النسخ بهذه الآيات لا يعول عليها وإننا بغنى عن النظر في هذه الدعوى لوضوح بطلانها ( 2 ) .
‹ صفحة 70 ›
هذا التلازم المدعى لماذا لم يمنع من تشريع المتعة في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع أن آية المتعة وتشريعها قد كان بعد نزول آية الطلاق وغيرها من الآيات المثبتة لبعض اللوازم ؟ يقول السيد الخوئي ( قدس سره ) : إن الإلتزام بالنسخ إن كان لأجل أن عدد عدة المتمتع بها أقل من عدة المطلقة فلا دلالة في الآية ولا في غيرها على أن عدة النساء لابد وأن تكون على نحو واحد ، وإن كان لأجل أنه لا طلاق في نكاح المتعة فليس للآية تعرض لبيان موارد الطلاق وأنه في أي مورد يكون وفي اي مورد لا يكون .
وقد نقل في تفسير ( 1 ) المنار عن بعض المفسرين أن الشيعة يقولون بعدم العدة في نكاح المتعة ! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم وهذه كتب فقهاء الشيعة من قدمائهم ومتأخريهم ليس فيها من نسب إليه هذا القول وإن كان على سبيل الشذوذ فضلا عن كونه مجمعا عليه بينهم ( 2 ) .
أقول :
أحسب إن القائلين من علماء السنة بنسخ آية المتعة بآية العدة تصوروا بأن الشيعة تنفي العدة من المرأة المتمتع بها ( كغيرها من عشرات التهم التي ألصقوها بهم وهم منها براء ) ولذلك اعتبروا هذه الآية ناسخة لتلك من عند أنفسهم ولم يستندوا في ذلك إلى اي سند ، ولم يتمسكوا بأية عروة . والعجيب أنهم يقولون بأن المتعة منسوخة وفي نفس الوقت ينفون العدة من المرأة المتمتع بها ، سبحان الله وهل كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتمتعون من النساء من دون ملاحظة العدة " ، أو كانت النساء المؤمنات يتمتعن من دون ملاحظة العدة ؟ ! هذا مع أن العدة ثابتة باجماع الامامية قولا واحدا ، بل وعند كل من قال بمشروعية المتعة ، وعدتها حيضتان أو 45 يوما ، وعدة الوفاة مثل الدائمة . ‹ صفحة 71 ›
الآية الخامسة ( آية العدد ) :
قال تعالى : " فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع وإن لم تعدلوا فواحدة " ( 1 ) وان المرأة المتمتع بها ليست من الأربع . يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره 4 / 274 : ان النسبة بينها وبين آية المتعة ليست نسبة الناسخ والمنسوخ ، بل نسبة العام والمخصص أو المطلق والمقيد ، فان آية الميراث مثلا تعم الأزواج جميعا من كل دائم ومنقطع ، والسنة تخصصها باخراج بعض أفرادها وهو المنقطع من تحت عمومها ، كذلك القول في آية العدد وهو ظاهر ، ولعل القول بالنسخ ناشئ من عدم التمييز بين النسبتين . نعم ذهب بعض الأصوليين فما إذا ورد خاص ثم عقبه عام يخالفه في الإثبات والنفي إلى أن العام ناسخ للخاص ، لكن هذا مع ضعفه على ما بين في محله غير منطبق على مورد الكلام ، وذلك لوقوع الطلاق وهي العام في سورة البقرة وهي أول سورة مدنية نزلت قبل سورة النساء المشتملة على آية المتعة ، وكذلك آية العدد في سورة النساء متقدمة في النزول على آية المتعة ، فالخاص آية المتعة متأخر عن العام على أي حال . الآية السادسة ( آية التحريم ) : قوله تعالى : " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم " . . الخ ( 2 ) .
وقالوا بأن المتعة داخلة في محرمات النكاح .
الجواب : ان المتعة استثنيت من آية التحريم ، ومن البديهيات أن يكون حكم المستثنى غير حكم المستثنى منه . ويقول العلامة الطباطبائي في تفسيره ( 3 ) :
وأما النسخ بآية التحريم فهو أعجب ما قيل في هذا المقام .
‹ صفحة 72 ›
أما أولا : فلأن مجموع الكلام الدال على التحريم والدال على حكم نكاح المتعة كلام واحد مسرود ومتسق الأجزاء متصل الأبعاض ، فكيف يمكن تصور تقدم ما يدل على المتعة ثم نسخ ما في صدر الكلام لذيله ؟
وأما ثانيا : فلأن الآية غير صريحة ولا ظاهرة في النهي عن زوجية غير الدائمة بوجه من الوجوه ، وانما هي في مقام بيان أصناف النساء المحرمة على الرجال ، ثم بيان جواز نيل غيرها بنكاح أو ملك يمين ، ونكاح المتعة نكاح على ما تقدم ، فلا نسبة بين الأمرين بالمباينة حتى يؤول إلى النسخ .
انتهى كلامه ( قدس سره ) .
الآية السابعة : قوله تعالى : " أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن " ( 1 ) .
حيث قيد حلية النساء بالمهر والإحصان من غير سفاح ، ولا إحصان في المتعة ، لأنه لا يرجم الرجل المتمتع إذا زنى يقول السيد مكي : إن رواية نسخ آية الإحصان لآية المتعة عن ابن عباس يكذبها ما عرف عنه من التزامه بإباحة المتعة إلى آخر حياته حتى اشتهرت فتياه بالمتعة ونظمت فيها الأشعار وسارت بها الركبان هذا مع أن ثبوت الناسخ بخبر الواحد غير صحيح ، لأنه يلزم منه نسخ القرآن بخبر الواحد .
ولا يعقل أن تكون هذه الآية ناسخة لأنها وردت بعد ذكر المحرمات من النساء وإباحة ما وراءهن ومعناه : أن ابتغوا بأموالكم من النساء غير المحرمات بطريق غير السفاح ، والاستمتاع بهن من الإحصان لا من السفاح والزنى ، وشرط الشئ وقيده لا يكون ناسخا لمشروطه والمقيد به ، بل يكون من مقدمات وجوده ، وعدمه موجب لعدم أصل تحققه وثبوته ، والنسخ ليس هذا معناه رفع الحكم الثابت ( 2 ) .
مضافا إلى ذلك أنه لا توجد ملازمة دائمة بين الزوجية والإحصان كالمرأة ‹ صفحة 73 › المعقود عليها دائما تعتبر زوجة والإحصان لا يثبت لهما قبل الدخول . وقال أبو بكر الجصاص الرازي : ان قوله تعالى " محصنين " والإحصان لا يكون الا في نكاح صحيح ، لأن الوطئ بالمتعة لا يكون محصنا ولا يتناوله هذا الاسم ، فعلمنا أنه أراد النكاح الدائم .
فأجاب عنه الفخر الرازي في تفسيره : قوله " ثانيا " الإحصان لا يكون الا في نكاح صحيح - اي في نكاح دائم لم يذكر عليه دليلا
( 1 ) .
يعني : من أين أثبت أن الإحصان خاص بالنكاح الدائم ؟ بل هو موجود في المنقطع أيضا من غير فرق لأن المراد بالإحصان حفظ الفرج عن ارتكاب الحرام اي الزنى دون النكاح مطلقا .
وللسيد الطباطبائي بحث في هذا الكلام فليراجع ص 55 من هذه الرسالة . بحث عام في النسخ بالآيات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 69 ›
( 1 ) الأمة المبيعة هي : إذا تزوج أحد بأمة غيره مع الاستئذان من مولاها ثم باعها مولاها من شخص آخر وهذا الثاني لم يجز هذا التزويج . ( 2 ) المتعة ومشروعيتها في الإسلام : 61 .
‹ هامش ص 70 ›
( 1 ) المنار : 5 / 13 و 14 . ( 2 ) البيان : 315 .
‹ هامش ص 71 ›
( 1 ) النساء : 3 . ( 2 ) النساء 23 . ( 3 ) الميزان 4 / 275
‹ هامش ص 72 ›
( 1 ) النساء 24 ( 2 ) المتعة ومشروعيتها في الإسلام : 62 ( باختصار ) .
‹ هامش ص 73 ›
( 1 ) التفسير الكبير للرازي 10 / 53 .
|