إليك ملخص الجلسة النانية عشر من سلسلة محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في موضوع «الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني» حيث ألقاها في ليالي شهر رمضان المبارك عام 1434هـ. في مسجد الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران.
ما هي فوائد الالتفات إلى العناء في حياة الإنسان
نحن في الجلسات الثمان الأولى، سلّطنا الضوء على بعض الأصول التي أخذت بإيدينا إلى طريق جهاد النفس بصفته «الطريق الوحيد». وهي تلك الأدلّة والكلام الذي أقنعنا على ضرورة التحدث عن العناء وجهاد النفس، إذ أنه يطابق طبيعة حياتنا وينسجم مع طبيعة نفسنا.
أما في الجلسات الثلاث الأخيرة فقد تحدثنا عن أسباب الاهتمام بموضوع العناء والتحدث عنه. فبالإضافة إلى تلك الأدلة التي أوصلتنا إلى هذا الحديث، هناك فوائد وضرورات أخرى تقتضي التحدّث عن العناء وجهاد النفس. فقد تحدثنا في الجلسة السابقة عن بعض فوائد الالتفات إلى هذا الموضوع وضرورته. وأما في هذه الجلسة بودي أن نتحدث عن أهمية العناء وفوائده من جانب آخر.
الالتفات إلى العناء يمنع الإنسان من التوهّم
أحد فوائد الالتفات إلى العناء هو أن يقلّل الآمال التي تحجب الأجل. فمن طبيعة الإنسان هي أنه إذا أحب شيئا يعقد أمله عليه، ثم يتوهمه ويحلم به ويتعامل معه كأنه أمر واقع أو سوف يقع عن قريب، فهو يزعم أنه يقدر على تحقيق أحلامه. وأحيانا تبلغ مشتهيات الإنسان من الأهمية بمكان بحيث تظهر نفسها واقعا. فكيف نستطيع أن نخرج هذه الآمال من قلب هذا الإنسان المتوهم والحالم الذي وقع أسيرا بيد آماله وأحلامه؟ فلابدّ أن نذكره بمعاناته ومصاعب حياته.
الالتفات إلى العناء يضاعف حالة الشكر والصبر لدى الإنسان
ومن الأدلة الأخرى التي ذكرناها هي أن هذا الالتفات يضاعف حالة الشكر لدى الإنسان، وإن هذا الشكر ينتج عن رؤية الإنسان الصحيحة تجاه موقع المعاناة في الحياة. فإن جعل الإنسان الراحة والدعة هي الأصل، سوف لا يشعر بحالة الشكر ولا يشعر بتكليف في هذا الجانب أساسا. إما إن عرف أن هذه النعم قد جاءت في عالم معجون بالعناء والصعاب، وأساسا إن الدنيا هي محل المحن والمعاناة، عند ذلك يشكر النعم التي في حياته بكل وجوده. كما أن هذا الالتفات يضاعف صبر الإنسان وطاقته على تحمل الصعاب.
الالتفات إلى العناء يحسّن رؤية الإنسان عن الدين والدنيا
إذا التفت الإنسان إلى العناء، عند ذلك ينظر إلى الدنيا كدار بلاء ومحنة، وإن هذه الرؤية تحسّن انطباعه عن الدين. فكلما نظرت إلى الدنيا باعتبارها دارا محفوفا بالبلاء، كلما شعرت بلذة الدين أكثر. وفي المقابل كلما نظرت إلى الدنيا بأحلامك وأوهامك واعتبرتها دار متعة ولذة، تبتعد عن الدين وتراه برنامجا مرّا محفوفا بالعناء. فهناك نسبة عجيبة بين هاتين الرؤيتين. فإن لم تنظر إلى معاناة الدنيا تتدهور علاقتك مع الدين، وإذا نظرت إلى الدنيا بنظرة صائبة متأثرة بكثير من آيات القرآن من قبيل قوله تعالى (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في كَبَد)[البلد/4]و(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقيه)[الانشقاق/6]و (وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْق)[يس/68]تحسن علاقتك مع الدين.
لابدّ أن نحفظ هذا التوازن بين الدين والدنيا، كما نجده في ألفاظ آيات القرآن. فعندما يتحدث الله عن الدنيا يقدم العسر على اليسر ويقول: (إنّ مَعَ العُسرِ يُسْرَى)[الانشراح/6] ولكنّه عندما يريد أن يتحدث عن الدين يقول: (یُریدُ الله بِکُمُ الیُسر وَلا یُریدُ بِکمُ العُسر)[البقرة/185]. على أي حال إن الآثار التربوية المترتبة على الحديث عن العناء ومحن الدنيا كثيرة جدا.
4ـ الالتفات إلى العناء يفتح باب محبة الله على الإنسان
ينطوي العناء على آثار وبركات كثيرة للإنسان سواء أكان من قبيل المعاناة الاختيارية والإرادية المتمثلة بجهاد النفس، وسواء أكانت غير إرادية المتمثلة بالمقدّرات الإلهية في منعطفات حياة الإنسان. فعلى سبيل المثال من أجل إدراك محبة الله وألطافه عليك، لابدّ أن تعرف علاقتك مع المعاناة وتدرك قاعدة الدنيا وأنها صبّت على البلايا والمحن، ولكن الله قد رزقك بأنواع النعم وأسباب الراحة في هذه الدنيا التي هي دار بلاء.
يقول أمير المؤمنين(ع) لله سبحانه في المناجاة الشعبانية: (إِلَهِي لَمْ يَكُنْ لِي حَوْلٌ فَأَنْتَقِلَ بِهِ عَنْ مَعْصِيَتِكَ إِلَّا فِي وَقْتٍ أَيْقَظْتَنِي لِمَحَبَّتِك)[إقبال الأعمال/ج2/ص686] وأنتم تعرفون أن هذه العبارة متناسبة مع أضعف الناس دينا. فقد جاء أمير المؤمنين(ع) وتحدث عن لسانهم بكل صراحة. فهي متناسبة مع حالهم على خلاف بعض العبارات الأخرى في الأدعية التي هي مختصة بمقام أهل البيت(ع) أو مقام الأولياء ولا تناسب حالنا، ولكن هذه العبارة متناسبة مع الجميع وتحكي عن الجميع. في هذه العبارة نقول يا إلهي أنا لا أستطيع أن أترك الذنوب والمعاصي إلا أن توقظني بمحبتك لا بعقوبتك.
طيب، كيف يوقظك الله بمحبته؟! فإذا أردت أن تشعر بمحبّة الله، يجب عليك أن لا تمرّ من موضوع العناء مرور الكرام. وإذا أردت أن تشاهد محبة الله إليك لابدّ أن تنظر إلى الألم والعناء بكل جدّ. هذا هو الطريق ولا مفرّ منه.
یتبع إن شاء الله...