عرض مشاركة واحدة
قديم 07-04-2016, 09:32 AM   #44
الرحيق المختوم
موالي فعال


الصورة الرمزية الرحيق المختوم
الرحيق المختوم غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1154
 تاريخ التسجيل :  Jan 2015
 أخر زيارة : 06-22-2017 (11:03 AM)
 المشاركات : 406 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الطريق الوحيد والاستراتيجية الرئيسة في النظام التربوي الديني 2.11




إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، لم نشكر النعم

إن لم نتعامل مع العناء بشكل صحيح، تتبلور مشكلة أخرى وهي أننا سوف لا نشكر النعم. إن الله سبحانه يعلم أننا أناس نسلّط الضوء على مصيبة واحدة وننشغل بها عن مشاهدة آلاف النعم، ولكنه مع ذلك يستنكر علينا هذا السلوك أن لماذا لا تلتفتون إلى النّعم! (أَ لَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً)[اللقمان/20]

ولكن لا يقدر أحد على مشاهدة النعم جيدا إلا أن يكون قد وطّن نفسه على المعاناة في الحياة الدنيا، فمثل هذا يقدر على مشاهدة النعم. وإلا فما إن نبّهت أحدا على نعمة من أنعم الله، يلتفت عنها إلى إحدى مصائبه، فتعمى عينه عن مشاهدة أنعم الله. فمثل هذا الإنسان عاجز عن مشاهدة نعمة الله ورأفته ورحمته وكرمه.

أخي العزيز! أكرّر مرة أخرى أن العناء الذي نتحدث عنه لا أصالة له ولكنه أمر لابدّ منه لإنتاج القيمة المضافة التي لا تتمّ إلا عبر جهاد النفس، وجهاد النفس مصحوب بالعناء غير منفكّ عنه. فاقبل هذه الحقيقة لتصبح الدنيا جنة لك. فإنك إن رأيت إلى المعاناة كقاعدة لابدّ منها في هذه الحياة عندئذ تقف حائرا من جمال الدنيا ومغتبطا من كثرة الفرص التي يعطيها الله لعباده ومدى رأفته وكثرة نعمائه.

إنك ما لم توطّن نفسك على المعاناة وما لم تحل لنفسك قضية العناء وما لم تعجن هذه المسألة لنفسك لن ترى أنعم الله سبحانه. فانظر كم قد أراحك الله في الدنيا من آلامها وأعطاك الفرص فيها. صحيح أن العسر من قواعد هذه الدنيا ولكن بتأكيد مؤكّد يقول الله لكم: (فإنَّ معَ العُسرِ یُسراً * إنَّ معَ العُسر یسراً)[الانشراح/5ـ6]. تمرّنوا أيها الإخوة على مشاهدة النعم الإلهية وعلى رؤية الفرص والمُهَل وعلى مشاهدة رأفة الله وتنازله عن فرض كثير من المحن. إنه إله عظيم وهو الذي يكشف عنا السوء والبلاء على رغم قواعد هذه الدنيا، فكأنه يرقّ قلبه علينا فلا يسمح للبلايا والمصائب أن تنهال علينا بتمامها.

متى يمتلئ قلبنا بمشاعر الشكر لله؟

لعلكم تقولون: لقد أرعبتنا في الليالي الماضية بحديثك عن المعاناة، وإذا بك الآن تقول: إن الله لا يرضى بفرض كثير من العناء علينا! فأقول لكم: إن تعجنوا قضية العناء في قلوبكم جيدا، سوف تمتلئ أدعيتكم ومناجاتكم بشعور الشكر لله. وسوف لا ترون سوى لطف الله عليكم ورأفته بكم. فإن تنظروا إلى هذه الأبحاث جيّدا، تجدوا أنها تفتح علينا خير أبواب الجنان. إنّ فهم الشكر منوط بفهم قاعدة العناء والمحن في هذه الدنيا وأن القرار هو أن نُبتلى بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، ثم نجد أن حياتنا لم تكن بهذه الصعوبة والعناء، وقد منّ الله علينا بأنعم جمّة وأنه قد صحب العسر بكثير من اليسر. وهذه المشاهدة تملأ قلوبنا شعورا بالشكر والامتنان لله عز وجل.

لقد خفف الله علينا المعاناة «التقديرية» و«التكليفية»

إن مقتضى قاعدة الدنيا هي أن نصاب فيها بآلام ومحن كثيرة، ولكن الله قد خفف علينا المعاناة في كلا النوعين منها:

1ـ في ما يرتبط بعالم التكوين والتقدير، قال الله سبحانه وتعالى: (فإنَّ معَ العُسرِ یُسراً) فقد صحب الله العسر المقدَّر لنا باليسر.

2ـ وكذلك في التكاليف أيضا لا يريد الله أن يشقّ علينا بل أراد أن يخفّف علينا عناء التكليف. ولهذا بعد ما يأمرنا بتكليف صيام شهر رمضان، يُعفي من كان مريضا أو على سفر ثم يقول: (یُرِیدُ اللَّهُ بِکمُ الْیُسرَ وَ لا یُرِیدُ بِکمُ الْعُسرَ)[البقرة/185]يعني يريد الله أن يتساهل معكم، لا أن يشقّ عليكم ومن هذا المنطلق قد أعفا المسافر عن الصيام. فقد عبّر الله عن سبب الإعفاء كقاعدة عامّة، ولم يكن في مقام التوجيه أو استغلال الفرصة للدعاية! فإن لم ير أحد هذا اللطف والإحسان من قبل الله، فذلك بسبب أنه لم يحلّ قضية العناء لنفسه ولم يوطّن نفسه على تحمل العناء.

وفي مقام آخر، بعد ما يأمر الله بالوضوء قبل الصلاة، يخفف على من تعذر أو صعب عليه الوضوء فيقول: (وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّبا)[المائدة/6] بعد ذلك يعلل هذا التساهل ويقول: (ما یُریدُ اللَّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لکِنْ یُریدُ لِیُطَهِّرَکُمْ وَ لِیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ) [المائدة/6]
إن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله


من لم يكن من متحملي الصعاب والمعاناة، فإنه في الواقع إنسان أنانيّ، ولم يعبد الله بعد. لابدّ أن يبتلینا الله بمختلف المصائب ويفرض علينا المعاناة لتزول نزعة «الأنا» من قلوبنا ویحل محلها «الله». ما هي رؤيتنا عن عبادة الله؟ وأي شعور هي؟ لا يمكن أن يكون الإنسان موحّدا ومشركا في نفس الوقت، بحيث يعبد الله ويعبد نفسه. لابدّ أن تموت «أنا» الإنسان لتحلّ محلها عبادة الله. وإنّ هذا الشرك الذي نتحدث عنه هو الشرك الخفي الذي لا يرى بسهولة كما روي عن رسول الله(ص): «الشِّرْكُ فِي أُمَّتِي أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ‏ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاء»[عوالي اللئالئ/ج2/ص74]. فإن ضجرتُ من المعاناة ولم أشكر النعم فإنني أعبد هواي ولا أعبد الله.
إن لم تكن أنانيّا ووطنت نفسك على العناء، سوف ترى رحمة الله ورأفته خلف المحن التي فرضها عليك


إن لم تكن قد وطّنت نفسك على المعاناة، لا ترى رحمة الله ورأفته، وكذلك لا ترى إمهالاته ونعمه. هل قد رأيتم دموع عين الأمّ عندما يحقن الطبيب طفلها؟ صحيح أن الطفل يتألم بالإبرة ولكنها نافعة له. ومع أن الأم تعلم مدى ضرورة هذه الإبرة لعلاج طفلها ولكنها لا تتحمل صراخ الطفل وتبكي لبكاء طفلها. فإن لم ير الطفل سوى وجعه ولم ير دموع أمه، قد لا يشعر بحنان أمّه وحتى قد يتهجّم عليها إذ قد ألقته بيد الطبيب.

فإن لم تكن أنانيّا ترى رأفة الله وشفقته الخاصة خلف المحن التي فرضها عليك. كذلك ترى رحمة الله في ذروة جوعك وعطشك أثناء الصيّام. فما روي أنه: «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْیَبُ عِنْدِی مِنْ رِیحِ الْمِسْک»[من لا یحضره الفقیه/ج2/ص76]‏ فهو في الواقع يحكي عن رأفة الله وشفقته. فإن استطعت أن تنظر إلى عين الله المشفقة أثناء معاناة صومك، عند ذلك تودّ لو كان شهر رمضان في الصيف كلّ عام.

يتبع إن شاء الله...


 
 توقيع : الرحيق المختوم



رد مع اقتباس