بموجب أحكام الإسلام يجب تعلّم الأدب والنظم من السنة السابعة وفي الأسرة، لا بعد الثمانية عشر وفي العسكرية / يجب أن يصبح الطفل بين السنة السابعة إلى الرابعة عشر مؤدّبا ومنظّما كالعبد بين يديه مولاه
يجب على الوالدين أن يعلما أولادهما «الأدب» بعد السنة السابعة، لكي يدرك الأطفال أصل جهاد النفس ويعلموا أن لابدّ لهم من محاربة كلمات «أحب» و «أشتهي» و «يعجبني» وأمثالها. اليوم، يذهب الشباب إلى الجندية بعد الثمانية عشر من عمرهم، ويتدرّبون هناك على النظم والانضباط وبعض الآداب، بينما يفرض الإسلام أن لابدّ من تأديب الأطفال وتعليمهم النظم من السنة السابعة؛ قَالَ الصَّادِقُ ع: «دَع ابْنَكَ يلْعَبْ سَبْعَ سِنِينَ وَ يؤَدَّبْ سَبْعَ سِنِينَ وَ أَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعَ سِنِينَ فَإِنْ أَفْلَحَ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَيرَ فِيهِ» [منلايحضرهالفقيه/3 /492/ح 4743] و «الْوَلَدُ سَيدٌ سَبْعَ سِنِينَ وَ عَبْدٌ سَبْعَ سِنِينَ وَ وَزِيرٌ سَبْعَ سِنِينَ» [وسائلالشيعة/21/476] و «دَع ابْنَكَ يلْعَب سَبْعَ سِنِينَ وَ أَلْزِمْهُ نَفْسَكَ سَبْعاً فَإِنْ أَفْلَحَ وَ إِلَّا فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا خَيرَ فِيهِ» [الکافي/6/46/ ح1]
لابدّ أن يتأدّب الطفل بعد السنة السابعة ويصبح منظّما كالعبد بين يديه مولاه؛ وبالتأكيد لابدّ أن يكون أبوا هذا الطفل كالمولى الرؤوف العطوف، فينهيان الطفل ويأمرانه بلين وحنان، ولكن على الطفل أن يمتثل أوامرهما كما يمتثل الجندي أوامر قائده. لابدّ أن تكون أجواء البيت في هذه السنين السبع أي من السنة السابعة إلى الرابعة عشر، تشبه أجواء المعسكر، ليتدرّب الطفل على مراعاة النظم والأدب. يجب على الطفل أن يراعي بعض القضايا في هذه السنين من قبيل ترتيب غرفته ووسائله، والالتزام بمواقيت النوم والاستيقاظ وأداء الاحترام للكبير وكثير من الآداب الأخرى ليعلم أن الدنيا ليست محلّا لطلب الراحة. من المسائل المؤكّد عليها هو الاستيقاظ بين الطلوعين، والتي لها آثار وبركات كثيرة في الروح والبدن، فيا حبّذا لو استطاع الأب والأم أن يوقظ أولادهما في هذه الفترة ويمنعانهما من النوم برأفة وحنان.
لابدّ أن يتدرّب الطفل في السنين السبع الثانية من عمره وبإدارة أمه وأبيه على جهاد النفس/ البيت مقرّ مليئ بالمقرّرات والضوابط وينطوي على أجواء مناسبة لجهاد النفس
يقول البعض: إن مراعاة الآداب ولا سيّما للأولاد في سنيّ الطفولة والمراهقة صعب! في حين أن تحمّل المشقّة ومخالفة النفس، مودع في ذات الإنسان، والحياة مقرونة بجهاد النفس. فلابدّ أن يتدرّب الطفل في السنين السبع الثانية من عمره وبإدارة أمه وأبيه على جهاد النفس، ثم يستمرّ بجهاد نفسه في السبعة الثالثة بمشورة والديه. فعندما يقدم مثل هذا الإنسان على الزواج، يدرك أن لابدّ من الاستمرار بضوابط جهاد النفس في الأسرة، ويعرف أنه بهذا الزواج في الواقع دخل في مرحلة جديدة من عمليّات جهاد النفس.
إذن الخطوة الأولى هي أن نغيّر رؤيتنا عن البيت والأسرة ويجب أن نعرف أن البيت مقرّ مليئ بالضوابط والمقرّرات وهو محلّ مناسب لجهاد النفس. ولابدّ أنكم تعرفون كم لبيت الله الحرام من ضوابط ومقرّرات. فعندما يحرم الحاج ويدخل في نطاق بيت الله، تحرم عليه الكثير من الأعمال ويلزم بمراعاة آداب ومقرّرات صعبة. فكما أن في بيت الله مقرّرات وضوابط، كذلك بيوتنا هي محالّ مراعاة مقرّرات وضوابط كثيرة.
فعلى سبيل المثال أحد قوانين البيت هي أنه عندما يحتضر أحد أعضاء البيت ويشرف على الموت، لابدّ أن يوضع في المكان الذي كان يصلّي فيه عادةً؛ «إِذَا عَسُرَ عَلَى الْمَيتِ مَوْتُهُ وَ نَزْعُهُ قُرِّبَ إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي کَانَ يصَلِّي فِيهِ» [الكافي/ج3/ص125] إذن من الأولى أن يتخذ كلّ واحد من أفراد الأسرة مصلّى له في البيت ويصلّي في ذلك المكان. فأحد آداب البيت هي أن يكون لكل فرد من أعضاء الأسرة مصلّى خاصّ به.
ومن الضوابط الأخرى التي ينبغي مراعاتها في البيت هو تحديد ساعات معينة لفتح التلفاز وغلقه. يعني لا ينبغي أن يكون التلفاز مفتوحا على الدوام وبلا أي نظم وضابطة، وكلّ يتفرّج من البرامج ما يشاء. فقد قال علماء النفس: «من يکثر من مشاهدة التلفاز ـ حتى وإن كان يشاهد برامج جيدة ـ يصاب بعد فترة بالبلادة والبلاهة».
الأسرة محلّ جميل لجهاد النفس/ الزواج هو تعبير عن الاستعداد لجهاد النفس في إطار الأسرة
الأسرة محل جميل لجهاد النفس، فعندما يدخله الإنسان، فإنه قد دخل في الواقع في خضمّ مجموعة من العلاقات التي تفرض عليه جهاد النفس. فمن أقدم على الزواج يتعيّن عليه أن يوطّن نفسه على مرحلة جديدة في جهاد النفس، وبالتأكيد ينبغي أن يكون هذا الجهاد حلوا وممتعة لديه، إذ يبعده عن اللهو واتباع الشهوات ويتحفه بلذّات أفضل وأمتع. إن معنى عزم الشابّ على الزواج هو التعبير عن استعداده لجهاد النفس في أجواء الأسرة، لا التعبير عن عزمه على تلبية شهواته في الأسرة! ولذلك فغالبا ما كان السيد الإمام الخميني(ره) يوصي الأزواج الذين يعقد لهم أن: «تکيفوا وتماشوا مع بعض» فهذا ما يدل على أن الأسرة هي محلّ لبناء الذات لا محلا للاسترخاء وطلب الراحة.
فمن تطبّع على أصل جهاد النفس منذ السابعة من عمره، وعرف أنّ والديه قد شدّدا عليه بعض الشيء برفق ورأفة في السنين السبع الثانية من عمره لكي يتأدب على بعض الآداب، فمثل هذا الإنسان سيبحث بعد زواجه عن موطن جديد لجهاد النفس، والأسرة هي الموطن الجديد والجميل لجهاد النفس.
إن أتباع الشهوات والملذّات لا يزدادون رضا عن الحياة الدنيا
في الواقع لقد صمّم الله سبحانه هذه الدنيا بحيث لا يلتذّ الناس في دنياهم إلا عن طريق جهاد النفس. ولذلك فإن أتباع الشهوات والملذّات لا يزدادون رضا عن الحياة الدنيا. بحسب الإحصاء الذي انتشر قبل حوالي عشر سنين في أوروبّا، لم يزدد مدى رضا الناس عن حياتهم حتى واحد بالمئة وذلك بالرغم من تطوّر التقنية وصعود مستوى الرفاه العامّ بالنسبة إلى قبل سبعين سنة. في حين أن منذ قبل سبعين سنة ولحد الآن قد أنتجت وسائل وإمكانات كثيرة لتسهيل حياة الناس.
لا تغرّنكم وسائل الإعلام بأفلامهم ومقابلاتهم، بحيث يصوّرون الشعوب الغربية في غاية السرور والسعادة. طبعا لا ينكر أحدٌ التذاذَ أتباع الشهوات والملذّات، إذ كل من يذهب وراء الخلاعة والفجور، يتمتّع شيئا ما، ولكنه لو كان قد عفّ عن فسقه، لأذاقه الله نفس هذه اللذة عبر الطريق الحلال. ولذلك فلم يحصل الإنسان على شيء عن طريق الفسق والمجون سوى أنّه جعل لذّته الحلال حراما. وشتّان بين بركة الحلال ونحوسة الحرام! كالسارق الذي يأكل ويصرف بعض الأموال، فلو لم يكن يسرقها لرُزِقَها عن طريق حلال.
«أريد» و «يعجبني» و «أشتهي» هي ملح الحياة، فإن ازدادت عن حدّها، تصبح الحیاة مالحة لا تطاق!
الأسرة مكان لا ينبغي أن يكثر الإنسان فيه من استخدام كلمات «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي». يعني لا ينبغي أن يفكّر الإنسان دوما بتلبية رغباته وشهواته. طبعا ليس قصدنا أن لا يستخدم هذه الكلمات أبدا، ولكن ليقلّل من استخدامها. روي عن الإمام الصادق(ع) أن: «دَخَلَ قَوْمٌ عَلَى الْحُسَیْنِ بْنِ عَلِیٍّ ع فَقَالُوا یَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ نَرَى فِي مَنْزِلِكَ أَشْیَاءَ نَکْرَهُهَا وَ إِذَا فِي مَنْزِلِهِ بُسُطٌ وَ نَمَارِقُ فَقَالَ ع إِنَّا نَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَنُعْطِیهِنَّ مُهُورَهُنَّ فَیَشْتَرِینَ مَا شِئْنَ لَیْسَ لَنَا مِنْهُ شَیْءٌ» [الكافي/ج6/ص476] وهذا يعني أن الإمام الحسين(ع) قد لبّى رغبة زوجته، فلابدّ من تلبية بعض هذه الرغبات في البيت، ولكن ترى بعض الناس مع الأسف لا يفكّرون إلا بتلبية رغباتهم في البيت، وهذا غير صحيح. «أريد» و «يعجبني» و «أشتهي» هي مثل ملح الطعام الذي يجب أن نستخدم مقدارا قليلا منه في الطعام، وكذلك هذه الكلمات، فهي ملح الطعام وإن ازدادت عن حدّها، تصبح الحياة مالحة لا تطاق!
يجب أن يرى الطفل «جهاد النفس» في سلوك والديه/ العقاب والثواب الذان يسيئان إلى تربية الطفل
إن أساس إصلاح النفس هو جهاد النفس ومخالفة الهوى، فالوالدان الذان لا يعلّمان ولدهما ذلك بعملهما وسلوكهما، ولا يعيّشانه أجواء جهاد النفس في البيت، فلا يتوقّعا صلاحه وأن يتربّى تربية سالمة. الوالدان الذان يتفوّهان بكلّ كلمة حين الغضب، بطبيعة الحال سيفعل ولدهم كل ما يشاء! يجب أن يرى الطفل مرارا في سلوك والديه أن قد غضبا مرارا، ولكنهم لم ينطقوا بشيء وإنما تبسّموا فقط. فإن رأى الطفل مثل هذا السلوك، سيعرف أنه يجب عليه أن يتصرّف بما لا يشتهيه هوى نفسه ويسحق نفسه في مواطن كثيرة.
المهمّ هو أن يرى الطفل جهاد النفس في فعل والديه وقولهما، وإلّا فمهما رأى أفعالهما الصالحة التي تخلو من عنصر جهاد النفس، فلا تنفع هذه الأفعال في تربيته. إذ أن الأفعال الصالحة التي رآها من أبيه، قد أنجزت بحوافز ومشجّعات أخرى، وكان الأب راغبا بإنجاز هذا العمل الصالح، وعليه فيتربّى الولد تابعا لشهوته ورغباته. فعلى سبيل المثال إن كنت قد صليت كلّما اشتهيت الصلاة ورغبت بها، وتركتها كلّما رغبت عنها، وأديت باقي أعمالك الصالحة على هذا الأساس وبحسب ما راق له هواك، كذلك يتربّى ولدك تابعا لأهوائه ورغباته ويقوم بما يعجبه ويشتهيه! وهذا ما تعلّمه منك بالضبط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته