موجز محاضرات سماحة الشيخ بناهيان في العشرة الأولى من المحرم عام 1437
عنوان المحاضرة: من أجل التقرب إلى الله/ الجلسة الثانية
لابدّ للإنسان أن يكون متّسما بشخصيّة مناسبة وبعض الصفات الإنسانية الحسنة مثل الحياء أو العاطفة الإنسانيّة، ليحتضن الدين ويلتزمه/ يجب أن نربّي أطفالنا منذ الصغر وعمر الطفولة على أن يكونوا هادفين في حياتهم، ويصبوا إلى أهداف عالية ويفكّروا في أهدافهم ويقيّموها. فحريّ بمثل هؤلاء الأشخاص أن يستحسنوا الدين وسيكون لهم الدين نعم هادٍ ودليل.
لا يلتزم بالدين حقيقة إلا أولي الشخصيّات العالية، وكذلك كلّ من يخضع للدين فسرعان ما يتحوّل إلى إنسان وزين ذي شخصية عالية. يصنع الدين من المرء إنسانا فكورا حسيبا منضبطا ودقيقا. فمن لم يكسب هذه الخصائص، فإنه لم يتديّن حقيقةً.
الفارق الرئيس الذي يفرّق الإنسان المتديّن عن غيره، هو شخصيته لا عقائده ومناسكه وحسب. ولكن عامّة الناس يرون الفارق المهمّ هو العقائد والمناسك. طبعا إن من يحظى بشخصية عالية فسوف يسهل عليه الاعتقاد أو الالتزام بالعبادات.
من هو الإنسان ذو الشخصيّة الجيّدة؟ وما هي خصائصه؟ الإنسان ذو الشخصية العالية يعني الإنسان الحسيب، والذي يبرمج لأعماله، إنه هو الإنسان الهادف الذي يفكّر في هدفه، وإنه إنسان مستقلّ لم يكن أسير آراء غيره./ إن بعض غير المتديّنين قد ابتعدوا عن الدين نتيجة سوء الفهم، فلابدّ من إزالته. / إن رأيتم إنسانا ذا شخصيّة عالية يكره الدين، فلعلّه لم يعرض عليه الدين بأسلوب حسن، ولكن إن كان قد عرض عليه الدين بأسلوب جيّد ولم يعجبه الدين، فلابدّ أن يكون قد أخفى رذيلة أو حقارة في شخصيّته، وإلا لأعجب بالدين وما كرهه.
قال أحد رؤساء الوزراء في حضور جمع من أتباع القوى الاستكباري من رؤساء الدول: «اذهبوا وادرسوا أسباب هذه الظاهرة في عالمنا اليوم، وهي أن أكثر الداخلين في ديانة الإسلام هم من أصحاب شهادة البكالوريوس فما فوق، ثم يختارون مدرسة الإمام الخميني(ره)!» الجواب واضح؛ وهو أن ديننا الإسلامي هو من قبيل الفكر التنويري، وليس أمرا مختصّا بالعوام.
إذا دخل الدين إنسان سطحيّ، يحرّف الدين على أساس هواه. / من بين نواهي القرآن عن اتباع الهوى، أكثر نهي جاء في القرآن هو نهي النبي عن اتباع أهواء الناس في القضايا الدينية؛ «وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ...»مائده/48، «وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ...» بقره/120 و رعد/37
من أبرز نماذج الأشخاص السطحيّين هم الذين يقولون بفصل الدين عن السياسة/ كيف يمكن لله الذي أعدّ ثوابا عظيما للتصدّق على الفقراء، أن يكون غير مكترث باجتثاث الفقر برمّته؟! وأنتم تعلمون أن اجتثاث جذور الفقر لا تتم إلا عبر العمليّة السياسيّة. فما أعوج هذا الدين الذي يوصي بمساعدة الفقير ولا يوصي بالعمل باتجاه اجتثاث الفقر! وما أعوج هذا الدين الذي يوصي بالتصدّق على الفقير ولكن يمنع عن رفع شعار «الموت للاستكبار» مع أن الاستكبار هو مصدر إنتاج الفقر في كلّ العالم. فلا شكّ في أن الدين لم يتحدّث معنا بهذه الحماقة ولكن بعض الناس يفسّرون الدين بحماقتهم.
الدين، يربّي الإنسان على التفكير والتعمّق. / لم يصرّح الله في القرآن بكلّ الحقائق، فلابدّ من التدبّر والتأمّل والتعمّق في القرآن./ ليس اختلافنا مع غير المتديّنين اختلافا عقائديّا بل إنما اختلاف في الشخصيات. إنه ليس من قبيل اختلاف الأذواق. لا يرغب أحد بأن يتّهم بفقدان الشخصيّة، ولكن ما أكثر الذين يعترفون بل يفتخرون بعدم ديانتهم، وهم لا يشعرون بأنهم يعبّرون عن سطحيّتهم في الواقع.
بعض الروايات حول اختيار الهدف، والاتجاه نحو الهدف والتفكّر فيه: عن أمير المؤمنين(ع): مَنْ تَوَرَّطَ فِي الْأُمُورِ بِغَيرِ نَظَرٍ فِي الْعَوَاقِبِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلنَّوَائِب»(تحفالعقول/90) / وعنه(ع): مَنْ نَظَرَ فِي الْعَوَاقِبِ سَلِمَ مِنَ النَّوَائِب»(غررالحکم/8039) / وعنه(ع): مَنْ فَکَّرَ فِي الْعَوَاقِبِ أَمِنَ الْمَعَاطِب»(غررالحکم/8540) وعن الإمام الصادق(ع): النَّظَرُ فِي الْعَوَاقِبِ تَلْقِيحُ الْقُلُوب»(امالي طوسي/301) وعن أمير المؤمنين(ع): جَمِيلُ الْمَقْصَدِ يدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الْمَوْلِد»(غررالحکم/4758)
يجب أن يكون لجميع أهدافنا المتوسّطة والقريبة المدى علاقة وثيقة بهدفنا الأقصى/ طول التفكير في الهدف يوثق هذه العلاقة ويربط بين الأهداف المتوسطة والهدف الأقصى / عن أمير المؤمنين(ع): طُولُ الْفِکْرِ يحْمَدُ الْعَوَاقِبَ وَ يسْتَدْرِكُ فَسَادَ الْأُمُور»(غررالحکم/6002)/ بِتَکْرَارِ الْفِکْرِ تَسْلَمُ الْعَوَاقِب»(غررالحکم/4348)/ مَنْ کَثُرَتْ فِکْرَتُهُ حَسُنَتْ عَاقِبَته»(غررالحکم/8037)/ مَنْ فَکَّرَ أَبْصَرَ الْعَوَاقِب»(غررالحکم/8577)
فكّر واسأل نفسك أن: «لماذا بادرت إلى فعل كذا؟ ثم ماذا؟ ولماذا أريد أن أصل إلى هذا الهدف؟...» إن فكّرنا جيّدا وناقشنا أهدافنا واحدا واحدا تتهافت الأهداف واحدا بعد الآخر ونصل إلى هدف واحد وهو هدف لقاء الله.
من يقول: «يجب أن أجعل لقاء الله هدفي وفي نفس الوقت لابدّ من إدارة شؤون الحياة والابتعاد عن الهدف» فهو لم يعرف هدفه بعد/ فمن كان هدفه الله تتأثر جميع تفاصيل حياته بهذا الهدف.
تعالوا نحدّد هدفنا بالفكر لا بالموعظة/ ما هي العوامل التي تبعث الإنسان على التفكر؟/ من أهم آثار الشهيد هي أن يبعث الإنسان على التفكّر/ لقد استشهد أكثر من مئتي ألف شهيد في حرب الدفاع المقدّس ورأينا أكثرهم قد اختاروا الشهادة بالفكر. وكان حافز أكثرهم إلى التفكير استشهاد أحد أصدقائهم في الجبهة، فبعثهم ذلك على التفكير بعمق فخرجوا بنتيجة أن الدنيا لا قيمة لها وليست سوى لعب ولهو فراق لهم هذا الطريق المشرق واختاروا الشهادة.
لماذا يقرأ ولي أمر المسلمين سماحة الإمام الخامنئي كتب ذكريات الشهداء منذ عشرين سنة ويقرّظها؟ / ذكريات الشهداء تبعث الإنسان على التفكّر/ اقرأوا ذكريات الشهداء فإنهم يعلموننا طرق التفكّر ويأخذون بأيدينا إلى الغاية القصوى.
قال الإمام الخميني(ره): لقد عبدتم الله خمسين عاما، فعسى أن يتقبّلها الله، ولكن خذوا إحدى هذه الوصايا (وصايا الشهداء) يوما واقرأوها وتفكّروا [صحيفة الإمام الفارسية/ ج14/ 491] وقال: إن هذه الوصايا تهزّ الإنسان وتوقظه [صحيفة الإمام/13/16]
الشهيد يبعثنا على التفكّر ويقيم ثورة في وجودنا؛ لا ثورة من مجرّد مشاعر وعواطف لتخمد. إن كنتم قد تعرّفتم على الشهداء ولكن لم تنبعثوا على الفكر بعد فهذا ما يدلّ على أنكم لم تكوّنوا علاقة مع شهداء بعد. / أساسا إن أحمس أقسام ديننا هي رهينة التفكّر ولكن ما أكثر الدين يتّهمون ديننا الغريب والمتديّنين بكونه حفنة من الشعارات والأحاسيس وحسب.
قناة سماحةالشيخ بناهيان العربية في تلغرام: