الادعاء الحادي عشر أن يزيد بن معاوية مغفور له لأنه غزا مدينة قيصر
الادعاء الحادي عشر
أن يزيد بن معاوية مغفور له لأنه غزا مدينة قيصر
يقول الشيخ عثمان الخميس: (قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لَهم ".. وكان هذا الجيش بقيادة يزيد بن معاوية) (1).
أقول: لقد أضل هذا الرجل هواه، وأفسد عقله، وجانب الحق، واستجاب لِحنقه، وأراق آخر قطرة من دينه وحيائه، فضرب جَميع النصوص والروايات والأقوال المعتبَرة بعرض الحائط، واستنبط مغفرة الله ليزيد بن معاوية، متمسِّكًا بتعليل عليل دأب النواصب في الاستدلال به على اعتقادهم الفاسد بإيمان يزيد بن معاوية وفضله في الإسلام.
أما ادعاؤه هذا وما جاء به مِن الكلام الباطل، فيَرد عليه أمران:
الأمر الأول: إن هذا الكلام يدل على سخافة عقل الشيخ عثمان الخميس، وجهله بالتاريخ، وتوغُّله في الجهالة، وعِشقِه اللاَّ مَحدود ليزيد الخمور والقرود، لِذا نراه كالغريق الذي يتشبَّث بالطحلب أو بأرجل الضفادع، وكالطفل الذي يتخبَّط في الوحل.
الأمر الثانِي: لو كان يزيد بن معاوية مِن المغفور لَهم، فلماذا يا ترى
____________
(1) عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص121.
________________________________________ الصفحة 102 ________________________________________
لَعَنَه علماء أهل السنة وحَكَموا عليه بأنه ناصبي، بل وذهب بعضهم إلى كُفرِه.
قال الذهبِي عن يزيد: (وكان ناصبيًّا، فظًّا، غليظًا، جلفًا، يتناول المسكِر، ويفعَل المنكَر..) (1).
وقال عنه عبد الله بن حنظلة: (إنَّه رجل ينكَح أمهات الأولاد، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويَدَع الصلاة) (2).
وجاء عن الشوكانِي قوله: (.. الخمير السِّكِّير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية) (3).
وذكر ابن العماد الحنبلي قول التفتازانِي في " شرح العقائد النسفية ": (اتفقوا على جواز اللعن على مَن قتَل الحسين أو أمر به أو أجازه أو رضي به، قال: والحق أنَّ رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مِمَّا تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادًا، قال: فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه) (4).
ولِهذا قال السيوطي: (فقتِل ـ أي الحسين عليه السلام ـ وجيء برأسه
____________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج4 ص37.
(2) السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص167. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص449و450.
وأيضًا الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص324.
(3) الشوكاني: نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار ـ ج7 ص176.
(4) ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123.
________________________________________ الصفحة 103 ________________________________________
في طست، حتى وُضِع بين يدَي ابن زياد، لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضًا) (1).
وقال ابن العماد: (ولَمَّا تم قتله، حُمِل رأسه، وحرم بيته، وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا، قاتل الله فاعل ذلك وأخزاه، ومَن أمر به، أو رضيَه) (2).
وعن الفقيه الشافعي الكيا الهراسي أنه قال عن يزيد: (وأما قول السلف، ففيه لأحمد قولان تلويح وتصريح، ولِمالِك قولان تلويح وتصريح، ولأبِي حنيفة قولان تلويح وتصريح، ولنا قول واحد التصريح دون التلويح، وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيِّد بالفهود ومُدمِن الخمر، وشِعره في الخمر معلوم..) (3).
قال ابن كثير: (وقد استدل بِهذا الحديث وأمثاله مَن ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية، وهو رواية عن أحمد بن حنبل اختارها الخلال وأبو بكر عبد العزيز والقاضي أبو يعلى وابنه القاضي أبو الحسين، وانتصر لذلك أبو الفرج ابن الجوزي في مصنف مفرد وجوَّز لعنته..) (4).
____________
(1) السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص165.
(2) ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص122.
(3) ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان ـ ج3 ص287.
(4) ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص179.
________________________________________ الصفحة 104 ________________________________________
وقال ابن العماد: (وقال رجل في حضرة عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين يزيد، فضربه عُمَر عشرين سوطًا. واستفتِي الكيا الهراسي فيه، فذكر فصلاً واسعًا مِن مَخازيه حتى نفدت الورقة، ثُم قال: ولو مُددت ببياض لَمددت العنان في مخازي هذا الرجل..) (1).
قال ابن حجر الهيتمي: (اعلم أنَّ أهل السنة اختلفوا في تكفير يزيد ابن معاوية.. فقالت طائفة إنه كافر، لقول سبط بن الجوزي وغيره: المشهور إنه لَمَّا جاءه رأس الحسين رضي الله عنه جَمَعَ أهل الشام وجعل ينكت رأسه بالخيزران وينشد أبيات الزبعرى " ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا ".. وقال ابن الجوزي فيما حكاه سبطه عنه: ليس العجب من قتال ابن زياد للحسين وإنما العجب من خذلان يزيد وضربه بالقضيب ثنايا الحسين، وحَمله آل رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا على أقتاب الجِمال.. وعلى القول بأنه مسلم، فهو فاسق شرير سكير جائر.. وبعد اتفاقهم على فسقه اختلفوا في جواز لعنه.. فأجازه قوم منهم ابن الجوزي، ونقله عن أحمد وغيره..) (2).
وقال ابن تيمية: (وأما أبو الفرج بن الجوزي فله كتاب في إباحة لعنة يزيد..) (3).
____________
(1) ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب ـ ج1 ص123و124.
(2) ابن حجر الهيتمي: الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ـ ص330-332.
(3) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية ـ ج2 ص253.
________________________________________ الصفحة 105 ________________________________________
أقول: وقد اعترف الشيخ عثمان الخميس نفسه بأن هناك مَن أجاز لَعن يزيد بن معاوية، حيث قال: (وهناك مَن يُجَوِّز لعن يزيد بن معاوية وهناك مَن يَمنَع) (1).
فهل إنَّ الناصبِي والذي يَجوز لعنه مغفور له فِي رأي الشيخ عثمان الخميس؟! وهل إنَّ العلماء الذين لعنوا يزيد بن معاوية وحكموا بكفره ونصبِه وفسقه لَم يطَّلِعوا على حديث مغفرة الله لأوَّل جيش يغزو مدينة قيصر ولَم يعلموا بأنَّ يزيد كان قائدًا على هذا الجيش؟! فاطَّلع على ذلك ـ فقط ـ الشيخ عثمان الخميس وعلم بأنَّ الله تعالى قد غفر له!!
أما ما يتعلَّق بالحديث الذي أورده والذي يفيد أنَّ أوَّل جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له، فغير صحيح عند الشيعة، بل ومع كونه مروِيًّا في صحيح البخاري إلا أنه ينبغي على الباحث المنصف أن يتوقف بشأن هذا الحديث قبل الأخذ به والتسليم بصحته، وذلك لأن السَّند يشتمل على غير واحد من المجروحين، مثل " يحيى بن حمزة الحضرمي " الذي يُعَد من القدرية ـ المنحرفين في نظر الشيخ عثمان الخميس ـ (2)، وكذلك " ثور ابن يزيد الكلاعي " الذي كان من النواصب، ذكره الذهبي في الميزان وقال عنه: (قال ابن معين: ما رأيت أحدًا يشك أنه قدري.. وكان
____________
(1) عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ص120.
(2) انظر الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص369. وأيضًا ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج6 ص129.
________________________________________ الصفحة 106 ________________________________________
ضمرة يحكي عن ابن أبِي رواد أنه كان إذا أتاه مَن يريد الشام قال: إنَّ بِها ثورًا فاحذر لا ينطحك بقرنيه.. وقال أحمد بن حنبل: كان ثور يرى القدر وكان أهل حمص نفوه وأخرجوه.. وقال سلمة بن العيار: كان الأوزاعي سيئ القول في ثور..) (1).
وجاء في " تهذيب التهذيب " في ترجمة " ثور بن يزيد ": (.. ويُقال إنه كان قدريًّا وكان جدُّه قتِل يوم صفين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر عليًّا قال: لا أحِب رجلاً قتل جدِّي.. وقال أبو مسهر وغيره: كان الأوزاعي يتكلم فيه ويهجوه.. وقال أبو مسهر عن عبد الله بن سالِم: أدركت أهل حمص وقد أخرجوا ثور بن يزيد وأحرقوا داره لكلامه في القدر) (2).
فمن غير البعيد أن تكون الرواية ـ بسندها ومتنها ـ قد وُضِعَت وافتعِلَت من قبل هذا الناصبِي الجلف الذي يحمل في نفسه البغض والحقد على أمير المؤمنين علي بن أبِي طالب عليه السلام، لا سيما إذا لا حظنا أنَّ جدَّه كان من أتباع معاوية بن أبِي سفيان، فيكون حفيده من الموالين ليزيد بن معاوية.
ولو سلَّمنا جدلاً بصحة الحديث، فإنه لا بد مِن تقييده بِمَن وُجِد فيه شرط المغفرة، لا كل مَن هَب ودَب مِن أفراد الجيش، ويدل على ذلك
____________
(1) الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج1 ص374.
(2) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج1 ص344و345.
________________________________________ الصفحة 107 ________________________________________
ما قاله ابن حجر عند شرحه للحديث: (قال المهلَّب: في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول مَن غزا البحر، ومنقبة لولدِه يزيد لأنه أول مَن غزا مدينة قيصر، وتعقَّبه ابن التيِّن وابن المنير بِما حاصله: أنه لا يلزم مِن دخوله في ذلك العموم أن لا يَخرج بدليل خاص، إذ لا يَختلف أهل العلم أن قوله صلى الله عليه وسلم " مغفور لَهم " مشروط بأن يكونوا مِن أهل المغفرة، حتى لو ارتد واحد مِمَّن غزاها بعد ذلك لَم يدخل في ذلك العموم اتفاقًا، فدل على أن المراد لِمَن وُجِد شرط المغفرة فيه منهم) (1).
على أنَّ ابن الأثير يُبيِّن لنا الظروف التي صاحبت هذه الغزوة والتي أجبَرت يزيد بن معاوية على الخروج، حيث إنه لَم يَخرج باختياره ومحض إرادته، وحتى عند خروجه لَم يكن قاصدًا رضا الله تعالى وثوابه.
قال ابن الأثير: (سَيَّر معاوية جيشًا كثيفًا إلى بلاد الروم للغزاة، وجعل عليهم سفيان بن عوف، وأمَر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل واعتل، فأمسَك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد، فأنشأ يزيد يقول:
ما أن أبالِي بِما لاقت جموعهم بالفرقدونة من حمى ومن موم
إذا اتكأت على الأنماط مرتفقًا بدر مـران عندي أم كلثوم
____________
(1) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري في شرح صحيح البخاري ـ ج6 ص127و128.
________________________________________ الصفحة 108 ________________________________________
وأم كلثوم امرأته وهي ابنة عبد الله بن عامر، فبلغ معاوية شِعره، فأقسم عليه ليلحقنَّ بسفيان في أرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جَمع كثير أضافهم إليه أبوه..) (1).
كانت هذه هي آخر الشبهات والادعاءات والاعتراضات التي أثارها الشيخ عثمان الخميس حول واقعة الطف، وقد أجبنا عنها بأوضح دليل وأجلى برهان، مقتصرين على قدر ما يسعه المقام، تجنبًا للإطالة وطلبًا للاختصار، وفيما قدمنا كفاية لِمن أراد اتباع الحق ونيل الهداية، واجتناب الغواية.
____________
(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص314.
|