عرض مشاركة واحدة
قديم 07-17-2010, 01:03 PM   #4
الصديق الاكبر
موالي مميز


الصورة الرمزية الصديق الاكبر
الصديق الاكبر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 2
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 03-27-2024 (01:46 PM)
 المشاركات : 153 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الادعاء الثاني أن الصحابة حاولوا مَنع الحسين عليه السلام مِن الخروج



________________________________________ الصفحة 43 ________________________________________
الادعاء الثاني
أن الصحابة حاولوا مَنع الحسين عليه السلام مِن الخروج
يقول الشيخ عثمان الخميس: (وكان كثير مِن الصحابة قد حاولوا منع الحسين بن علي من الخروج وهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن الزبير ومُحمد بن الحنفية) (1).
أقول: إنَّ الشيخ المتخبِّط عثمان الخميس خَلَط بين أمرين، ولَم يُميِّز الفرق بينهما، فالمتأمِّل في النصوص التاريخية يَجد أن الصحابة لَم يَمنعوا الحسين عليه السلام من الخروج على يزيد بن معاوية والثورة عليه، ولَم يعارضوه في ذلك كما لَم ينهوه عن الخروج، ويدل على ذلك أمران:
الأمر الأول: أن الصحابة كانوا يعرفون أن الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة (2)، وأنه ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه مِن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورسول الله منه، وهذه المراتب أعطِيت له مقابل عبادته وعمله وجهاده عليه السلام، فمَنع الصحابة له ومعارضتهم إياه يتنافَى مع المقام الذي جعله الله سبحانه فيه.
____________
(1) نفس المصدر: ص107.
(2) انظر نفس المصدر: ص118.
________________________________________ الصفحة 44 ________________________________________
الأمر الثانِي: أن هؤلاء الصحابة كانوا على عِلم باعتناء الله تبارك وتعالى بقضية الحسين عليه السلام، وأنه تعالى سينتقم لِمقتله، كما أنهم على معرفة ودراية بإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بِمقتل الحسين عليه السلام وببكائه المتكرر عليه، ورؤيته لتربته، وأن الحسين عليه السلام مقتول لا مَحالة، وهم الذين رووا هذه الأخبار، فهل يصح في منطق العقل السليم أن يَمنعونه من الخروج الذي أخبَرهم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعارضونه وينهونه عنه، وهم يعلمون بإخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن مقتله؟
ولو سلَّمنا ـ جدلاً ـ بأن بعض الصحابة عارضوا الحسين عليه السلام وحاولوا منعه من الخروج، فالمفروض أن يُرجَّح رأي الحسين عليه السلام، لا رأي غيره، كما أن الواجب على الصحابة أن يطيعوه وينصروه، لأنه سيد شباب أهل الجنة والإمام ـ بنص النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ.
إنَّ المتتبِّع لِمقدِّمات واقعة الطف يلاحظ جيِّدًا بأن بعض الصحابة قدَّموا نصائح للإمام الحسين عليه السلام خوفًا وشفقة عليه من القتل، وعلى اعتبار أن أهل العراق أهل غدر وخيانة ونفاق، ولَم يعارضوه أو ينهوه أو يَمنعوه مِن الخروج، وإنما عرضوا عليه بدائل أخرى.
ولكن الذي يُؤسَف له هو أن الشيخ عثمان الخميس لا يُفرِّق بين النصيحة وبين المعارضة والنهي والمنع، ولا يُميِّز بين الأمرين، فلم يستطع أن يفهم كلمات هؤلاء الصحابة ولا أن يستوعِبها، فظن أنهم عارضوا
________________________________________ الصفحة 45 ________________________________________
الحسين عليه السلام في خروجه ونهوه وحاولوا منعه.
وفيما يلي نستعرض نصائح الصحابة التي نقلها في كتابه " حقبة من التاريخ " ونناقشها بإيجاز:
أولاً: نصيحة عبد الله بن عباس
نقل الشيخ عثمان الخميس قول ابن عباس ـ مخاطبًا الحسين عليه السلام لَمَّا أراد الخروج ـ: (لولا أن يزري بِي وبك الناس لَشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب) (1).
أقول: ليت الشيخ عثمان الخميس أكمل قول ابن عباس لِيعرف الجميع الموقف الحقيقي الذي اتخذه هذا الصحابِي إزاء خروج الحسين عليه السلام، فالشيخ عثمان الخميس فضَح نفسه من خلال عدم إكماله للنص التاريخي، فكشف للعام والخاص عدم أمانته في نقل النصوص، حيث أورد العبارة التي توافق أهواءه وميوله الأموية، ولَم يكمل بقية الفقرة.
وإليك أخي القارئ قول ابن عباس كما ورد في مصادر التاريخ كاملاً غير منقوص.
روى ابن كثير عن ابن عباس أنه قال: (استشارنِي الحسين بن علي في الخروج، فقلت: لولا أن يزري بِي وبك الناس لنشبت يدي في
____________
(1) نفس المصدر: ص107.
________________________________________ الصفحة 46 ________________________________________
رأسك، فلم أتركك تذهب، فكان الذي رد علَي أن قال: لأن أقتَل في مكان كذا وكذا أحب إلَي من أن أقتَل بِمكة، قال: فكان هذا الذي سلَّى نفسي عنه) (1).
قال الهيثمي: (رواه الطبَرانِي ورجاله رجال الصحيح) (2).
أقول: إنَّ هذا الخبَر يدل بشكل واضح وصريح على إقرار ابن عباس لخروج الحسين عليه السلام واستسلامه لرأيه، كما يدل على أن بني أمية كانوا عازمين على قتله عليه السلام، وأن السبب الذي دعاه إلى الخروج من مكة هو حِرصه على أن لا يُستحَل الحرم.
ويؤكِّد ذلك ما رواه ابن الأثير والطبَري فِي تاريخيهما من أنه عليه السلام قال: (والله لأن أقتَل خارجًا منها ـ أي من مكة ـ بشِبر أحب إلَي من أن أقتَل فيها، ولأن أقتَل خارجًا منها بشِبرين أحب إلَي من أن أقتَل خارجًا منها بشِبر) (3).
وما رواه ابن كثير من قوله عليه السلام: (لأن أقتَل بِمكان كذا وكذا أحب إلَي من أقتل بِمكة وتُستحَل بِي) (4).
وبِهذا يتبيَّن فساد ما زعمه الشيخ عثمان الخميس، مِن أنَّ ابن عباس
____________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص128.
(2) الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ـ ج9 ص195.
(3) ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص400. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص295 و296.
(4) ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص132.
________________________________________ الصفحة 47 ________________________________________
حاول منع الحسين عليه السلام وعارضه ونهاه عن الخروج.
ثانيًا: نصيحة عبد الله بن عمر
يقول الشيخ عثمان الخميس: (قال الشعبي: كان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجَّه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليالٍ فقال: أين تريد؟ قال: العراق.. قال ابن عمر: لا تأتِهم، فأبَى الحسين إلا أن يذهب، فقال ابن عمر: إنِي مُحدثك حديثًا إن جبريل أتَى النبي صلى الله عليه وسلم فخيَّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولَم يُرِد الدنيا..) (1).
أقول: إنَّ هذا الخبَر لا يُمكن الوثوق به، لأن في سنده " شبابة بن سوار " وهو من المرجئة، قال ابن حجر في ترجمته: (قال أحمد بن حنبل: تركته لَم أكتب عنه للإرجاء.. وقال ابن خراش: كان أحمد لا يرضاه.. وقال العجلي: كان يرى الإرجاء.. وقال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: كان يدعو إلى الإرجاء، وحكى عنه قول أخبث من هذه الأقاويل..) (2).
كما ذكره الذهبِي في ميزانه وقال عنه: (قال أحمد بن حنبل: كان
____________
(1) عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص107.
(2) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج2 ص474و475.
________________________________________ الصفحة 48 ________________________________________
داعية إلى الإرجاء، وقال أبو حاتم: لا يُحتَج به.. وروى أحمد بن أبِي يَحيى عن أحمد بن حنبل قال: تركت شبابة للإرجاء، قيل له: فأبو معاوية كان مرجئًا، قال: كان شبابة داعية) (1).
وعلى فرض صحة الخبَر، فإنه ليس غريبًا على ابن عمر أن ينصح الحسين عليه السلام بعدم الخروج والثورة على يزيد بن معاوية، ويتَّهمه بأنه يريد الدنيا، وذلك لأن ابن عمر كان يسير على منهج الخضوع للحاكم الجائر، وكان مبدؤه هو تثبيت إمامة الفسقة والفجَرة وقبولُها، وهذا التاريخ يحدثنا بأن ابن عمر امتنع عن مبايعة أمير المؤمنين علي بن أبِي طالب عليه السلام، بالرغم من مبايعة الصحابة وغالبية الأمة له، لكنه بايع معاوية بن أبِي سفيان، ثُم يزيد بن معاوية، بل وحتى عبد الملك بن مروان، ولِهذا أصبح ابن عمر إمامًا للجماعة وفقيهًا بارزًا في دولة بني أمية.
روى البخاري في صحيحه عن نافع أنه قال: (لَمَّا خَلَع أهل المدينة يزيد بن معاوية، جَمَع ابن عمر حشمه وولده فقال: إنِي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يُنصَب لكل غادر لواء يوم القيامة، وإنا قد بايعنا هذا الرجل ـ يعني يزيد بن معاوية ـ على بيع الله ورسوله، وإنِي لا أعلم غدرًا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله، ثم
____________
(1) الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج2 ص260.
________________________________________ الصفحة 49 ________________________________________
ينصِب له القتال، وإنِي لا أعلم أحدًا منكم خَلَعَه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه) (1).
وروى في صحيحه أيضًا عن عبد الله بن دينار قال: (لَمَّا بايع الناس عبد الملك ـ أي عبد الملك بن مروان ـ، كتب إليه ابن عمر: إلَى عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين، إنِي أقر بالسمع والطاعة.. على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت، وإن بني قد أقروا بذلك) (2).
أما الحسين عليه السلام فيختلف منهجه اختلافًا كُليًّا عن موقف ومنهج ابن عمر، حيث كان عليه السلام يعتقد ويفضِّل بأن يُراق دمه، ويُقتَل هو وأولاده وأصحابه، وتسبَى نساؤه، بدلاً من أن يبايع يزيد بن معاوية ويعطي الشرعية لخلافته، فكان موقفه عليه السلام يتجلَّى في رفض الفساد والظلم، والسعي للإصلاح.
ولِهذا كان من الطبيعي والمتوقع أن لا يعبأ عليه السلام بنصيحة ابن عمر المخزية، ولا يعتد بِموقفه السيء المتخاذل، فلم يَخرج عليه السلام طلبًا للدنيا ـ كما اتهمه ابن عمر ـ، بل كان خروجه من أجل نيل الشهادة وتحصيل رضا الله عز وجل.
وعلى كل حال، فإن المستفاد من نصيحة ابن عمر ـ على فرض ثبوتِها ـ أنه كان مشفقًا على الحسين عليه السلام لأنه يعلم بغدر أهل العراق
____________
(1) صحيح البخاري: ج9 ص690.
(2) نفس المصدر: ج9 ص724.




________________________________________ الصفحة 50 ________________________________________
وعدم ثباتِهم على موقفهم، لا أنه عارضه ومنعه ونهاه عن الخروج والثورة ـ كما زعم ذلك الشيخ عثمان الخميس ـ.
ثالثًا: نصيحة عبد الله بن الزبير
ذكر الشيخ عثمان الخميس أن عبد الله بن الزبير قال للحسين عليه السلام: (أين تذهب؟! تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، لا تذهب. فأبَى الحسين إلا أن يخرج) (1).
أقول: نعوذ بالله من شطحات المجانين، ونستجير به من هَذي النواصب والشياطين، فالشيخ عثمان الخميس يُحاول أن يَملأ كتابه بروايات توافق هواه ودعواه، حتى ولو كانت ضعيفة ومُخالفة لِما تسالَم عليه أرباب التاريخ، فهو يَنقل أن ابن الزبير نهى الحسين عليه السلام عن الخروج، مع أن الرواية في سندها " عبد الله بن شريك "، قال عنه العسقلانِي: (.. وقال ابن عرعرة: كان ابن مهدي قد ترك التحديث عنه.. وقال أبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي.. وقال الجوزجانِي: مختاري كذاب.. وقال النسائي في خصائص علي: ليس بذاك.. وقال أبو الفتح الأزدي: من أصحاب المختار لا يُكتَب حديثه..) (2).
____________
(1) عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص107.
(2) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج3 ص165و166.
________________________________________ الصفحة 51 ________________________________________
بل إنَّ المصادر التاريخية تؤكد على أنَّ عبد الله بن الزبير كان يُصِر على الحسين عليه السلام بأن يخرج إلى العراق، ويحثُّه على ذلك، فقد روى ابن كثير أن ابن الزبير قال للحسين عليه السلام: (أمَا لو كان بِها مثل شيعتك ما عدَلت عنها، فلما خرج من عنده قال الحسين: قد علم ابن الزبير أنه ليس له من الأمر معي شيء، وأن الناس لَم يعدلوا بِي غيري، فود أنِي خرجت لتخلو له) (1).
ولَم يكتفِ ابن الزبير بذلك، بل لزم الحَجَر (وجعل يُحرِّض الناس على بني أمية، وكان يغدو ويروح إلى الحسين، ويشير عليه أن يقدِم العراق ويقول: هم شيعتك وشيعة أبيك) (2).
وقد علم ابن عباس بذلك، فخاطب ابن الزبير قائلاً: (قد أتَى ما أحببت، هذا الحسين يخرج ويتركك والحجاز، ثم تمثَّل:

يـا لـك مـن قنبَرة بِمعمر خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت أن تنقري)(3).

والمتحصِّل أن عبد الله بن الزبير لَم يَنهَ الحسين عليه السلام عن الخروج،
____________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص128. وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص400.
وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص295.
(2) نفس المصدر: ج8 ص130.
(3) السيوطي: تاريخ الخلفاء ـ ص165. وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص128و132.
وأيضًا الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص295. وأيضًا ابن الجوزي: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ـ ج5 ص328.
________________________________________ الصفحة 52 ________________________________________
ولَم يعارضه، ولَم يَمنعه، بل العكس حيث لَم يكن ناصحًا له، وإنَّما مؤيدًا ومُصِرًّا على خروجه عليه السلام، لا كما ادَّعَى الشيخ عثمان الخميس.
رابعًا: نصيحة أبي سعيد الخدري
نقل الشيخ عثمان الخميس أن أبـا سعيد الخدري قال للحسين عليه السلام: (يا أبا عبد الله إنِي لك ناصح وإنِي عليكم مشفِق قد بلغني أنه قد كاتبكم قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم فإنِي سَمعت أباك يقول في الكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملونِي وأبغضونِي وما يكون منهم وفاء قط ومن فاز بِهم فاز بالسهم الأخيب والله ما لَهم نيات ولا عزم على أمر ولا صبر على سيف) (1).
أقول: إنَّ هذه الرواية لَم تثبت بسند معتبَر، فقد رواها بعض الضعفاء والمتروكين، من أمثال " مجالد بن سعيد " الذي ذكره الذهبي في ميزانه وقال: (قال ابن معين وغيره: لا يُحتَج به، وقال أحمد: يرفع كثيرًا مِمَّا لا يرفعه الناس، ليس بشيء.. وقال الدارقطني: ضعيف، وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي
____________
(1) عثمان الخميس: حقبة من التاريخ ـ ص108.
________________________________________ الصفحة 53 ________________________________________
عنه) (1).
وزاد ابن حجر في ترجمته لِمجالد: (.. وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئًا، وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد: مجالد؟ قال: في نفسي منه شيء.. وقال أبو طالب عن أحمد: ليس بشيء.. وقال الدوري عن ابن معين: لا يُحتَج بحديثه، وقال ابن أبِي خيثمة عن ابن معين: ضعيف واهي الحديث.. وقال ابن أبِي حاتم: سُئِل أبِي: يُحتَج بِمجالد؟ قال: لا.. وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث.. وقال ابن حبان: لا يَجوز الاحتجاج به) (2).
كما أنَّ أحد رواة الخبَر " يونس بن أبِي إسحاق "، وقد ورد في ترجمته: (.. وقال صالِح بن أحمد عن علي بن المديني: سَمعت يحيى وذكر يونس بن أبِي إسحاق فقال: كانت فيه غفلة شديدة.. وقال الأثرم: سَمعت أحمد يضعف حديث يونس عن أبيه.. وقال عبد الله ابن أحمد عن أبيه: حديثه مضطرب.. وقال أبو أحمد الحاكم: ربَّما وهم في روايته) (3).
أما الذهبي فقد ذكره في الميزان وقال: (.. وقال ابن خراش: في حديثه لين، وقال ابن حزم في المحلى: ضعفه يحيى القطان وأحمد بن حنبل
____________
(1) الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج3 ص438.
(2) ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب ـ ج5 ص372.
(3) نفس المصدر: ج6 ص273و274.
________________________________________ الصفحة 54 ________________________________________
جدًّا.. وقال أحمد: حديثه مضطرب) (1).
ولو فرضنا ثبوت الرواية، فإنها لا تدل إلا على شفقة أبِي سعيد على الحسين عليه السلام، واعتقاده أن أهل الكوفة لا وفاء لَهم، فأين المعارضة والنهي والمنع الذي زعمه الشيخ عثمان الخميس؟
والغريب أنَّ " الشيخ " لَم يذكر النص التاريخي لِمنع محمد بن الحنفية خروج الحسين عليه السلام ونَهيه له ومعارضته إياه، مِمَّا يدل على عدم وجود رواية صحيحة بِهذا الشأن، وعلى فرض وجودها، فإن حالَها كحال نصيحة أبِي سعيد الخدري، بمعنى أنها تُحمَل أنه نصح الحسين عليه السلام وقدَّم له بدائل أخرى، نظرًا لِشفقته عليه وعلمه بغدر أهل الكوفة.
افتراء الشيخ عثمان الخميس على عبد الله بن عمرو
ذكر الشيخ عثمان الخميس أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان من الذين حاولوا منع الحسين عليه السلام من الخروج على يزيد بن معاوية وعارضوه ونهوه عن ذلك.
ولَيتَه يُخبِرنا مَن هو العالِم الذي نقل هذا الخبَر؟ وفي أي كِتاب مِن كُتبِه؟ ومَن هُم رواته ورجال سنده؟ ولِماذا يا ترى لَم يذكر الشيخ عثمان الخميس كل ذلك؟
____________
(1) الذهبي: ميزان الاعتدال في نقد الرجال ـ ج4 ص483.
________________________________________ الصفحة 55 ________________________________________
إنَّ كتب التاريخ تخلو من أي لقاء وحوار حصل بين الحسين عليه السلام وعبد الله بن عمرو، وهذا يدل على الكذب الصريح والاختلاق والتزوير الذي ارتكبه الشيخ عثمان الخميس.
ولو أنه تتبَّع وبَحث عن الحق، لَوجد أن عبد الله بن عمرو كان مِن المؤيدين لخروج الحسين عليه السلام، وكان يَحض الناس على الالتحاق بركبه.
روى الذهبِي عن الفرزدق ـ الشاعر المعروف ـ أنه قال: (لَمَّا خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: إنَّ هذا قد خرج، فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت دنيًا أصبتها، وإن أردت آخرة أصبتها..) (1).
قال الذهبي ـ مُعَلِّقًا على هذه الرواية ـ: (هذا يدل على تصويب عبد الله بن عمرو للحسين في مسيره، وهو رأي ابن الزبير وجماعة من الصحابة شهدوا الحرة) (2).
أقول: هذه هي النصوص التاريخية، لا يوجد واحد منها يدل على أن الصحابة حاولوا منع الحسين عليه السلام من الخروج أو أنهم نهوه وعارضوه، بل كلها تدل إما على شفقتهم عليه وخوفهم من غدر أهل العراق، وإما على تأييدهم لخروجه عليه السلام.
____________
(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص293.
(2) نفس المصدر: ج3 ص293.
________________________________________ الصفحة 56 ________________________________________
هذا وقد أجاب سيد الشهداء عليه السلام على كل مَن نصحه، وذلك في الجواب الذي كتبه ردًّا على رسالة عبد الله بن جعفر الذي حذَّره مِن أهل العراق، حيث قال عليه السلام: (إنِّي رأيت رؤيا، رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمِرت فيها بأمر أنا ماضٍ له، علَي كان أو لِي.. وما أنا مُحدِّث بِها أحدًا حتى ألقَى ربِّي) (1).
وفي رواية ابن كثير أنه عليه السلام قال: (إنِي رأيت رؤيا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنِي بأمر، وأنا ماضٍ له، ولست بِمخبِر بِها أحدًا حتى ألاقي عملي) (2).
وقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (مَن رآنِي في المنام فقد رآنِي، فإن الشيطان لا يتمثَّل بِي..) (3)، فكيف إذا كان الرائي سبطه وريحانته من الدنيا وسيد شباب أهل الجنة، ألَن تكون الرؤيا صادقة؟!
فالحسين عليه السلام ثار وهو متيقن بأن الحق معه، مُمتثلاً أمر الله سبحانه، ويؤكد ذلك قوله عليه السلام للفرزدق الشاعر: (إن نزل القضاء بِما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يَعتد مَن كان الحق نيتـه
____________
(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص402. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص297.
(2) ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص131و134. وانظر الذهبي: سير أعلام النبلاء ـ ج3 ص297.
(3) صحيح البخاري: ج9 ص653.
________________________________________ الصفحة 57 ________________________________________
والتقوى سريرته) (1).
أقول: السلام عليك سيدي يا حسين، ودَدت أن أضرِب بِحضرتك أطناب عمري، وأبقى على خدمتك أيام دهري، وليت مُجاهدتِي كانت بين يديك، ودمائي تسيل في حضورك وتحت قدميك.
____________
(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ ـ ج3 ص401و402. وانظر الطبري: تاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ص296. وأيضًا ابن كثير: البداية والنهاية ـ ج8 ص133.


 

رد مع اقتباس