القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول
الرابع: إن المسلمين متفقون على أن القرآن الكريم لم يجمع حسب النزول، فليس نظم آيات القرآن الكريم كلها على أساس التسلسل الزمني
الصفحة 35
فكم من آية مدنية وقعت بين آيات مكية والعكس، وهذا مسلم لا يحتاج منا لإثبات، فيبطل بذلك أيضا دليل السياق.
لم يؤثر عن واحد من الصحابة قول باختصاص آية التطهير بزوجات النبي
الخامس: لم يؤثر في رواية بسند صحيح أن واحدا من الصحابة ذكر أو ادّعى أن آية التطهير خاصة بزوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)أو أنها تشملهن نعــم عثــــرت على روايتـين ينسب فيهما إلى ابــن عباس أنــه قال عـــن هـذه الآية بأنها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الأولى رواها الواحدي في أسباب النزول قال:
((أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب، قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان، قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)))(1).
والأخرى ذكرها ابن كثير في تفسيره قال:
((عن ابن أبي حاتم، قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً) قال: نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة)) (2).
____________
(1) أسباب النزول للواحدي 203.
(2) تفسير ابن كثير 4/515.
الصفحة 36
ولكن بملاحظة سند هاتين الروايتين نجد أنهما ضعيفتان من هذه الناحية فلا اعتبار لهما لمخالفتهما النصوص الصريحة والصحيحة التي ذكرنا جملة منها فيما سبق والتي تدل على أن آية التطهير خاصة بأصحاب الكساء فقط.
فرواية الواحدي في سندها أكثر من راو ضعيف، يكفي في فساد الاستدلال بها أن نثبت ضعف بعض هؤلاء ففي سندها (أبو يحيى الحماني) وهو (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني) وقد رمي بالإرجاء والخطأ(1)، وقال النسائي: (ليس بالقوي)(2)، وقال ابن سعد وأحمد: (كان ضعيفا)(3)، وقال العجلي: (كوفي ضعيف الحديث)(4).
وفي سندها (صالح بن موسى القرشي) وهو (الطلحي) قال فيه ابن معين: (ليس بشيء)(5)، وقال الأصفهاني: (يروي المناكير عن عبد الملك بن عمير وغيره متروك)(6)، وقال البخاري في ضعــفائه: (منكر الحديث)(7)، وقال النسائي: (متروك الحديث)(8)، وقال الذهبي: (واه)(9)، وقال العسقلاني: (متروك)(10).
____________
(1) الكاشف 1/617، تقريب التهذيب 2/334، تهذيب التهذيب 6/109.
(2) الكاشف 1/617، تهذيب التهذيب 6/109، تهذيب الكمال 16/454.
(3) تهذيب التهذيب 6/109.
(4) تهذيب التهذيب 6/109.
(5) الجرح والتعديل 4/415.
(6) ضعفاء الأصفهاني 1/93.
(7) ضعفاء البخاري 1/59.
(8) الضعفاء للنسائي 1/57.
(9) الكاشف 1/449.
(10) تقريب التهذيب 1/347.
الصفحة 37
وفي سندها (خصيف) وخصيف هذا الذي يروي عن سعيد بن جبير هو (خصيف بن عبد الرحمن الجزري) مولى عثمان بن عفان وقيل معاوية بن أبي سفيان قا ل عنه أحمد بن حنبل: (ليس بحجة ولا قوي في الحديث) وقال أيضا: (ضعيف الحديث)(1).
وقال أبو حاتم: (صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه)(2)، وقال العسقلاني: (صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء)(3) وقال الذهبي: (صدوق سيئ الحفظ ضعفه أحمد)(4).
وأما رواية ابن كثير فساقطة سندا أيضا، ففي سندها (الحسين ابن واقد) وهو من المدلسين، وصفه بالتدليس الدارقطني وأبو يعلى الخليلي(5)وقال عنه ابن حبان: (كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس وربما أخطأ في الروايات)(6)، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: (ما أنكر حديث الحسين بن واقد عن أبي المنيب، وقال العقيلي: أنكر أحمد بن حنبل حديثه، وقال الأثرم: قال أحمد: في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي ونفض يده)(7).
وفيها (عكرمة البربري) مولى عبد الله بن عباس وهو ممن اشتهر كذبه على مولاه ابن عباس، فهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامـه
____________
(1) تهذيب الكمال 2/385.
(2) تهذيب الكمال 2/385.
(3) تقريب التهذيب 1/220.
(4) الكاشف 1/236.
(5) طبقات المدلسين 1/20، أسماء المدلسين 1/70.
(6) تهذيب التهذيب 2/321.
(7) المصدر السابق.
الصفحة 38
(برد): (يا بـرد إياك وأن تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس)(1)، وقد قيّده علي بن عبد الله بن عباس على باب الكنيف ولما قيل له عن سبب ذلك، قال: (إنه يكذب على أبي) وكذبه سعيد بن جبير وابن سيرين، وذكروا أنه من الخوارج (2)، ورأي الخوارج معروف في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
لم تدعي واحدة من زوجات النبي اختصاص آية التطهير بهن
السادس: لم تدعي واحدة من زوجات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اختصاص الآية الكريمة بهن أو شمولها لهن، فلم يؤثر شيء من ذلك عن واحدة منهن مع ما هو معلوم عن السيدة عائشة من حرصها على بيان وذكر ما لها من فضائل ومناقب، بل أنها والسيدة أم سلمة ممن روى اختصاص الآية بأصحاب الكساء.
يقول ابن الجوزي: ((... والثاني: أنه خاص في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين، قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك))(3).
النبي يمنع أم سلمة من الدخول تحت الكساء
السابع: إن بعض روايات حديث الكساء صريحة في أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لم يسمح للسيدة أم المؤمنين أم سلمة رضوان الله تعالى عليها بالدخول تحت الكساء عندما أرادت ذلك، فلو كانت الآية تعنيهن أو تشملهن لما كان لهذا المنع وجه، أو لقال لها عبارة أخرى غير قوله: (إنك إلى خير)
____________
(1) تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213.
(2) تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213 -214.
(3) زاد المسير في علم التفسير 6/381 - 382.
الصفحة 39
تفيد اختصاص الآية بهن أو شمولها لهن، وهذا ما لم يفعله فعلمنا أنهن غير معنيات بالآية ولا بمفهوم أهل البيت فيها.
النبي يحصر مفهوم أهل البيت في الآية بأصحاب الكساء
الثامن: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أن جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين قال: (اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) فقصر مفهوم أهل البيت فيهم، ولو كان المراد بهذا المفهوم فيها هم وغيرهم لكان الأنسب أن يقول: (اللهم هؤلاء من أهل بيتي...).