عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-2015, 12:05 AM   #2
الشيخ محمد العبدالله
خادم الحسين


الصورة الرمزية الشيخ محمد العبدالله
الشيخ محمد العبدالله غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1
 تاريخ التسجيل :  May 2010
 أخر زيارة : 04-27-2022 (11:22 AM)
 المشاركات : 2,305 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



لم يرد في القرآن الكريم ما ينفي الشفاعة بصورة مطلقة ، بل الملاحظ
هو أن النفي جاء بصورة خاصة متعلقا بفئة معينة من الناس ممن حددهم
الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بمواصفاتهم ، ومن هنا فإن الثابت هو
أن قسما معينا من الناس ممن يدخلون ضمن دائرة التعريف ب‍ " الكفر "
بكل معنى من معانيه هم المحرومون من الشفاعة .
والقرآن الكريم حين ينفي استحقاق مجموعة معينة من الناس
للشفاعة فإنه من جهة ثانية يؤكد وجودها لصنف آخر من الناس ممن
يدخلون ضمن دائرة التعريف ب‍ " المؤمنين " .
ومثال ذلك قوله تعالى : * ( وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم
الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي
ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها . . . ) * ( 1 ) .
والاستثناء من نيل الشفاعة كما ورد في الآية الشريفة واضح فهو
ينصرف إلى الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا .
أو قوله تعالى : * ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي
يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون ) * ( 2 ) .
ومع أن الخطاب القرآني هنا موجه بشكل خاص إلى المؤمنين
* ( يا أيها الذين آمنوا . . . ) * إلا أن نفي الشفاعة في الآية الشريفة لم يكن نفيا
مطلقا بل هي بقرينة ذيلها ، وهو قوله تعالى : * ( والكافرون هم الظالمون ) *
تدل على حرمان الكافرين من الشفاعة ، غير أن الآية الكريمة جاءت
لتقول للمؤمنين : إن الامتناع من الانفاق في سبيل الله كفر ، فيكون
" الممتنع عن الانفاق " محروما من الشفاعة لكونه من مصاديق " الكافرين "
هكذا قال العلامة الطباطبائي في تفسير الآية المباركة ( 1 ) .
والآية القرآنية الشريفة المتقدمة هي من أكثر الآيات القرآنية التي
وقعت في موقع الاستدلال على نفي الشفاعة ، وهذا الاستدلال على نفي
مطلق الشفاعة صحيح لو لم تعقب الآية بجملة * ( والكافرون هم
الظالمون ) * حيث كان فيها إيضاح بأن الذين لا ينفقون مما رزقهم الله في
سبيله هم الذين لا تنالهم الشفاعة ، لأنهم يدخلون في عداد الكافرين بناء
على ما تقدم .
ومن هنا فليس في القرآن الكريم نفي مطلق للشفاعة ، وإنما يصح أن
يقال إن النفي الموجود في القرآن المجيد هو نفي مقيد للشفاعة بقيد
موضوعي فإذا ارتفع القيد ارتفع النفي .
وفي مقابل ذلك نجد أن القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تؤكد وجود
الشفاعة ، مثل قوله تعالى : * ( هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول
الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو
نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا
يفترون ) * ( 2 ) . ومع أن الآية الكريمة تتحدث عن نموذج معين من الناس
من الذين كانوا يفترون على الله الكذب ، وهي تنفي أن تنالهم الشفاعة يوم
القيامة لأنهم كما يقول القرآن قد * ( خسروا أنفسهم ) * فإنها توضح من جهة
أخرى حقيقة وجود الشفاعة بحيث يطلبها هؤلاء فلا ينالونها أبدا .
أو قوله تعالى : * ( لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) * ( 1 ) .
أو قوله عز شأنه : * ( يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي
له قولا ) * ( 2 ) .
وكقوله تعالى : * ( ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد
بالحق وهم يعلمون ) * ( 3 ) .
وهذه الآيات الشريفة وغيرها كثير تصرح بوجود الشفاعة يوم القيامة ،
غاية الأمر أن القرآن الكريم يصف الشفعاء بعدة صفات ، فمنهم * ( من
اتخذ عند الرحمن عهدا ) * ومنهم * ( من أذن له الرحمن ) * ومنهم * ( من شهد
بالحق وهم يعلمون ) * وأصحاب هذه الصفات الثلاثة وغيرها قد أعطاهم
الله سبحانه وتعالى المنزلة العالية التي تجعلهم قادرين على أن يشفعوا
فيمن يرتضي الرحمن شفاعتهم فيهم .
وخلاصة القول هي أن الشفاعة موجودة بصريح القرآن وغاية الأمر
هي محدودة بحدود في طرف الشفعاء وفي طرف المشفع فيهم ، وأنها لا
تنال قسما من الناس .


 

رد مع اقتباس