المعتزلة . . و المهدية :
قال أحمد أمين المصري :
« . . و كنت أنتظر من المعتزلة كشف النقاب عن هذا الضلال ، إلا أني مع الأسف لم أعثر على شيء كثير في هذا الباب . . و لكنني أعرف : أن الزيدية ( و هم فرع من فروع الشيعة ، الذين تأثروا تأثراً كبيراً بتعاليم المعتزلة ، لأن زيداً رئيسهم تتلمذ لواصل بن عطاء زعيم المعتزلة ) كانوا ينكرون المهدي و الرجعة إنكاراً شديداً . و قد ردّوا في كتبهم الأحاديث و الأخبار المتعلقة بذلك» 52 .
و نحن بالنسبة لما ذكره أحمد أمين نشير إلى نقطتين :
الأولى : إن ما ذكره عن الزيدية لا ريب في بطلانه ؛ فإن محمد بن عبد الله ابن الحسن ، المدعي للمهدية و قد قُبل ذلك منه على أوسع نطاق في الأمة كان زعيم الزيدية ، و مقدمهم . .
كما أن المذهب الكلامي الشائع في الزيدية هو « الجارودية » ، و هي أعظم فرقهم ، و يقول نشوان الحميري :
« ليس باليمن من فرق الزيدية غير الجارودية ، و هم بصنعاء ، و صعدة و ما يليهما » 53 .
و الجارودية يعتقدون بالمهدية ، كما هو معلوم لمن راجع كتب الفرق و منهم من ينتظر محمد بن عبد الله بن الحسن ، و منهم من ينتظر محمد بن القاسم ، و منهم من ينتظر يحيى بن عمر 54.
و أما غير الجارودية فلم نجد تصريحاً لهم بنفي المهدية ، و مجرد سكوتهم عن التعرض لها لا يدل على إنكارهم لها . . و على كل حال فإن كلام أحمد أمين هذا لا يمكن أن يصح . و لا يصلح للاعتماد عليه في شيء . .
الثانية : إننا نعلم قبول المعتزلة ، و تسليمهم بالمهدية ، حتى إن أحمد أمين لم يستطع أن يجد منهم أية بادرة ، أو أي تساؤل حول هذا الموضوع . . بل لقد وجدنا أن شيوخهم ، و رؤساءهم كعمرو بن عبيد ، و واصل بن عطاء ، و غيرهما كانوا دعاة لمحمد بن عبد الله ، و هو لا يزال شاباً ، و قد جاؤا ليحاجوا الإمام الصادق ( عليه السلام ) في أمره حسبما أشرنا إليه . و كان ادّعاء « المهدية » له هو الذي يزيد دعوته قوة و اتساعاً ، ولم ينسوا بعد ادّعاء المهدية لابن الحنفية ، و موسى بن طلحة ، و عمر بن العزيز ، و غيرهم نعم لقد كانوا من أعوان محمد و أنصاره ، و عرضوا أنفسهم للأخطار الجسام في سبيل دعوته .
قال القاضي عبد الجبار : فأما إبراهيم بن عبد الله ، فقد كان في العلم و الفضل إلى حدّ ، فخرج على أبي جعفر المنصور ، و الذي معه هم وجوه المعتزلة ، فلو لم يكن فيهم و هم خلق إلا بشير الرحال مع زهده و عبادته لكفى 55 و معلوم أن ثورة إبراهيم كانت امتداداً لثورة أخيه محمد ، و بأمر منه ، و نصراً له . و كان المنصور يقول : « ما خرجت عليّ المعتزلة حتى مات عمرو بن عبيد» 56 .
نعم . . و إن قبول المعتزلة لهذا الأمر ، بل و تحمسهم له ، ليدل دلالة قاطعة على أن هذا الأمر هو من صميم الإسلام ، و أنه كان شائعاً و مشهوراً منذ القرن الأول ، الذي عاش فيه الصحابة و التابعون . . و قد بلغ ذلك من القطعية و الوضوح بين العلماء و المفكرين حداً لم يمكن معه حتى لهؤلاء الذين كانوا كما يعتبرهم أحمد أمين و غيره عمالقة الفكر و العقل ، و الذين ناقشوا أدق المسائل ، و أعطوا رأيهم فيها بكل حرية و قوة لم يمكن لهم أن يسجلوا و لو تساؤلاً واحداً حتى ولو نادراً حولها ، رغم نزعتهم العقلية القوية ، و إخضاعهم النصوص الدينية للمقاييس العقلية كما ألمحنا إليه .
بل لقد تجاوزوا ذلك إلى تأييد مدّعي المهدية ، و كانوا من الدعاة إليه على أعلى مستوى فيهم . كما تقدم .
|