كلمة جامعة :
و أخيراً . . فيكفي أن نذكر : أن أحمد أمين المصري ، المنكر للمهدية يقول : « ففي كل عصر يخرج داعٍ أو دعاة كلهم يزعم : أنه المهدي المنتظر » ، و يلتف حوله طائفة من الناس ، كالذي كان من المهدي رأس الدولة الفاطمية ، و تقرأ تاريخ المغرب ، فلا يكاد يمر عصر من غير خروج مهدي . .» 51 .
و يقول :
« و لو أحصينا عدد من خرجوا في تاريخ الإسلام ، و ادعوا المهدية ، و شرحنا ما قاموا به من ثورات ، و ما سببوا من تشتيت للدولة الإسلامية ، و انقسامها ، و ضياع قوتها ، لطال بنا القول ، ولم يكفنا كتاب مستقل» 51 .
و لقد كان المدّعون للمهدية في أهل السنة كثيرون ، بل و أكثر من المدّعين لها من الشيعة على اختلاف فرقهم . و لقد تنبأ أهل بيت العصمة عليهم الصلاة و السلام بهؤلاء الكذابين ، و أشاروا إلى كثرتهم هذه في كلماتهم المختلفة . .
مع ما تقدم :
و هكذا . . فإننا إذا راجعنا التاريخ الإسلامي بإمعان ، فإننا نرى : أن علماء الأمة و مفكريها ، على اختلاف اتجاهاتهم ، و ثقافاتهم ، و نحلهم ، و منهم : الفقهاء ، و المحدثون ، و المتكلمون ، و المؤرخون . . و غيرهم و غيرهم . . قد بخعوا لهذا الأمر ، و قبلوا به ، و إن ناقش منهم مناقش فإنما يناقش في انطباق « المهدي الموعود » على هذا الشخص أو ذاك ، لا في أصل المهدية . .
و ذلك يدل على أن هذا الأمر لم يكن عفوياً ، و لا يمكن أن يتصور : أن يتفق الجميع ابتداء من عصر الصحابة و التابعين على الاعتقاد بأمر غريب عن الإسلام ، و دخيل عليه . . و لا سيما و نحن نرى : أن في طليعة المتحمسين لهذا الأمر ، و الباذلين دماءهم في سبيله هم المعتزلة التقدّميّون ، أصحاب المذهب العقلي ، و الذين يقيسون النصوص الدينية على عقولهم ، و يخضعونها لحكمه . . الأمر الذي لا يبقي مجالاً للشك في كون هذه القضية قضية إسلامية ، لا مجال للنقاش ، و لا للتشكيك فيها على الإطلاق . .
|