المهدية بنظرة جديدة
المهدية بنظرة جديدة
بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا محمد و آله الطيبين الطاهرين و اللعن الدائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدين .
إن من يراجع كتب الحديث و الرواية لدى مختلف الطوائف الإسلامية يخرج بحقيقة لا تقبل الشك ، و هي: أن الأحاديث الدالة على خروج الإمام المهدي من آل محمد في آخر الزمان ، يملأ الأرض قسطاً و عدلاً ، بعدما ملئت ظلماً و جوراً ، كثيرة جداً ، تفوق حد الحصر . .
و يكفي أن نذكر : أن البعض ( و هو السيد الصدر في كتابه : المهدي ) قد أحصى أربع مئة حديث وردت عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) من طرق أهل السنة فقط . .
بل لقد أحصى منتخب الأثر أكثر من ( 6350 ) حديثاً من طرق الشيعة و غيرهم تدل على ذلك أيضاً . . و قد رواها العشرات من الصحابة ، و التابعين و غيرهم ، ممن اختلفت أعمارهم ، و ثقافاتهم ، و اتجاهاتهم السياسية ، و المذهبية ، و غير ذلك . . الأمر . . الذي لا يمكن معه اجتماعهم و اتفاقهم على افتعال أمر كهذا . . و لا سيما إذا كان هذا الأمر يضر بالمصالح السياسية و المذهبية للكثيرين منهم . .
و على كل حال . . فإن كثيراً من الأحاديث الواردة في هذا الموضوع لها سند صحيح أو حسن لدى جميع الفرق و المذاهب . . و مهما أمكن النقاش في أسانيد كثير منها ، فإنه يبقى الكثير الطيب ، الذي لا مجال للنقاش فيه . .
و لو تجاوزنا ذلك . . فإن هذا العدد الهائل من الأحاديث ليس فقط يعتبر تواتراً مفيداً للقطع ، و إنما هو تواترت ، تجمعت و تراكمت ، حتى لا تبقى عذراً لمعتذر ، و لا حيلة لمتطلّب حيلة . .
و قد ذكر ابن خلدون ثمانية و ثلاثين حديثاً عن عدد كبير من الصحابة ، و حاول المناقشة في أسانيدها . .
و قد فاته أن هذه المناقشات لا تضر ما دام هذا العدد الذي ذكره ، هو نفسه يفوق حدّ التواتر . فضلاً عما ذكره غيره . و الروايات و إن كان فيها الكفاية ، بل و فوق الكفاية لمن ألقى السمع و هو شهيد ، إلا أننا نريد هنا أن نبذل محاولة جديدة لإثبات هذه القضية من طريق آخر . .
فنقول :
إن من يلاحظ التاريخ الإسلامي يجد : أن هذه القضية لم تزل مسلّمة بين المسلمين ، من عصر الصحابة و التابعين ، و الذين من بعدهم عبر العصور ، و كان الكثيرون يدّعون ، أو تدّعى لهم المهدية فتتلقى الأمة هذه الدعوات بالقبول ، و إذا ما نازع منازع ، فإنما ينازع في انطباق المهدي الموعود على هذا أو ذاك ، لا في أصل المهدية . .
و لعل أول من حاول التشكيك بأخبار المهدي ـ فيما أعلم ـ هو ابن خلدون ، المتوفى سنة 808هـ . و تبعه على ذلك بعض من راق له شذوذ كهذا ، من أمثال أحمد أمين المصري ، و سعد محمد حسن ؛ بتشجيع من علماء الاستشراق الحاقدين على الإسلام ، و الطامعين في المسلمين . .
نعم . . ربما ينقل عن بعض فرق الخوارج ، و بعض فرق الزيدية : أنهم لا يعتقدون بالمهدية . .
و لكنه نقل لا يعتمد على أساس ، و لا على ركن وثيق لأن الظاهر : أنهم قد استفادوا ذلك من عدم التصريح بهذا الأمر من قبل تلك الفرق ، لا من التصريح بعدمه ، و إنكاره رأساً . . مضافاً إلى أن ما ينقل عن بعض فرق الزيدية أكثر و هنا ، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى .
و نحن الآن نذكر بعض الأمثلة التي توضح :
أن المهدية قد كانت مسلمة في عصر الصحابة ، و التابعين و من بعدهم ، بحيث لم يكن ثمة مجال للنقاش ، أو للتشكيك فيها . . . و نقتصر على ما كان منها في الأكثر في القرنين :
الأول و الثاني للهجرة . . أما بعد ذلك فإن المدعين للمهدية كثيرون جداً ، لا مجال لإحصائهم في عجالة كهذه . . و لكننا سوف نذكر بعضهم على سبيل المثال فقط . غير أننا قبل ذلك نشير إلى أمرين على قدر كبير من الأهمية هما :
أولاً :
أن الحديث الوارد عن أهل البيت حول هذا إنما يستخدم تعابير تشير إلى تحديد هذا الإمام ، و أنه من الأئمة الإثني عشر ، و بالتحديد هو من أهل البيت ( عليهم السلام ) أو من آل محمد و أنه التاسع من ولد الإمام الحسين عليه السلام . . و نحو ذلك . . و قلما ورد التعبير عنه بكلمة « المهدي » فقط .
ثانياً :
إننا نلاحظ أن الروايات الواردة من طرق أهل السنة هي التي تستخدم عبارة المهدي و تقتصر عليها غالباً . . و لعل ذلك هو الذي أوجب التشويش في أذهان كثير من الناس ، و مكن الطامحين و أصحاب الأهواء من ادعاء ذلك لأنفسهم أو لغيرهم ممن ليس لهم في هذا الأمر نصيب . .و على كل حال
|