ويظهر من هذين النصين عدة أمور :
أولها : أن دور الكوفة في العلم والتشيع لأهل البيت عليهم السلام سيصيبه ضعف قرب ظهور المهدي عليه السلام ، والكوفة تشمل النجف ، لأن اسمها بالأصل نجف الكوفة ، أو نجفة الكوفة . بل قد يقصد منه الكوفة هنا العراق كما ذكرنا في محله .
وأن دور قم سيبرز ويستمر ويتعاظم قرب ظهور المهدي عليه السلام ( وذلك في زمان غيبة قائمنا إلى ظهوره . . وذلك عند قرب ظهور قائمنا ) .
وثانيها : أن دور قم العقائدي قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيكون لكل العالم حتى غير المسلمين : ( وسيأتي زمان تكون قم وأهلها حجة على الخلائق . حتى لا يبقى مستضعف في الدين . . . حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه العلم والدين ) ، ولا يعني ذلك أن العلم والدين يصل من قم وأهلها إلى كل فرد من شعوب العالم ، بل يعني أن صوت الإسلام وطرحه يصل إلى العالم بحيث إذا أراد أحد أن يتعرف على معالم الإسلام لتمكن من ذلك .
وهذه المعاني المذكورة في النصين الشريفين قد أخذت تتحقق في قم فتصير حجة على الشعوب الإسلامية وشعوب العالم .
ويدل تعبير : ( عند قرب ظهور قائمنا ) على عدم الطول المديد بين هذا الموقع الموعود لقم في العالم وبين ظهور المهدي عليه السلام .
حديث أهل المشرق والرايات السود
وقد ورد في مصادر الشيعة والسنة ، ويعرف أيضاً بحديث الرايات السود ، وحديث أهل المشرق ، وحديث ما يلقى أهل بيته صلى الله عليه وآله بعده . وقد روته المصادر المختلفة عن صحابة متعددين ، مع فروق في بعض الألفاظ والفقرات ، ونص عدد من العلماء على أن رجاله ثقات .
ومن أقدم المصادر السنية التي روته أو روت قسماً منه ابن ماجة في سننه : 2 / 518 و 269 ، والحاكم : 4 / 464 و553 ، وابن حماد في مخطوطته الفتن ص84 و 85 ، وابن أبي شيبة في مصنفه : 15 / 235 ، والدارمي في سننه ص 93 ، ثم رواه عنهم أكثر المتأخرين .
ولعل الحديث الذي رواه أحمد وابن ماجة وغيرهم : ( يخرج ناس من المشرق يوطؤون للمهدي سلطانه ) جزء منه .
وهذا نص الحديث من مستدرك الحاكم :
( عن عبد الله بن مسعود قال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج إلينا مستبشرا يعرف السرور في وجهه ، فما سألناه عن شئ إلا أخبرنا به ، ولا سكتنا إلا ابتدأنا ، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين ، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه ! فقلنا يا رسول الله ، ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ! فقال :
إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود في المشرق فيسألون الحق فلا يعطونه ، ثم يسألونه فلا يعطونه ، فيقاتلون فينصرون ! فمن أدركه منكم ومن أعقابكم فليأت إمام أهل بيتي ولو حبوا على الثلج ، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ، فيملك الأرض ، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ) . انتهى .
أما من مصادرنا الشيعية فقد رواه ابن طاووس في الملاحم والفتن ص 30 و117 ، ورواه المجلسي في البحار : 51 / 83 عن أربعين الحافظ أبي نعيم ، الحديث السابع والعشرين في مجيئه ـ أي المهدي عليه السلام ـ من قبل المشرق . وروى شبيهاً به في : 52 / 243 عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه . فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم . فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يقوموا . ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم ( أي المهدي عليه السلام ) قتلاهم شهداء . أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر ) .
|