عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2014, 05:17 PM   #2
أبو حيدر
موالي ملكي


الصورة الرمزية أبو حيدر
أبو حيدر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 763
 تاريخ التسجيل :  May 2012
 أخر زيارة : 10-24-2020 (11:51 PM)
 المشاركات : 2,288 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



قال العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار (6):

(رأيت في بعض الكتب المعتبرة روى مرسلاً عن مسلم الجصاص قال:

دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة فأقبلت على خادم كان معنا فقلت: مالي أرى الكوفة تضج؟ قال: الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد فقلت: من هذا الخارجي؟ فقال: الحسين بن علي (عليهما السلام) قال: فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهب (بصرها). وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الناس. فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة (عليها السلام) وإذ بعلي بن الحسين (عليهما السلام) علي بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دماً وهو مع ذلك يبكي ويقول:

يا أمة السوء لا سقياً لربعكم***يا أمة لم تراع جدنا فينا

لو أننا ورسول الله يجمعنا***يوم القيامة ما كنت تقولينا

تسيرونا على الأقتاب عارية***كأننا لم نشيد فيكمو دينا

.. حتى قال:

أليس جدي رسول الله ويلكمو***أهدى البرية من سبل المضلينا

يا وقعة الطف قد أورثتني حزناً***والله يهتك أستار المسيئينا

قال: وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به الأرض قال كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم..

ثم أن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل وقالت لهم: صه! يا أهل الكوفة تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم؟ فالحكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت فإذا هم أتوا بالرؤوس يتقدمهم رأس الحسين (عليه السلام) وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحيته كسواد السّبح قد انتصل منها (7) الخضاب ووجهه دائرة قمر طالع والرمح (8) تلعب بها يميناً وشمالاً (فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول:

يـا هـلالاً لما استتـم كمـالا***غـاله خسفه فأبدا غروبـا

مـا توهمت يا شقيق فـؤادي***كـان هـذه مقدّرا مكتوبـا

يـا أخي فاطم الصغيرة كلمهـا***فقد كـاد قلبها أن يذوبـا

يـا أخي قلبـك الشفيق علينـا***ماله قد مشى وصار صليبا؟

يا أخي لو ترى علياً لدى الأسر***مـع اليتم لا يطيق وجوبا

كـلما أوجعوه بـالضرب نادا***ك بذلّ يغيـض دمعاً سكوبـا

يـا أخـي ضمّه إليـك وقربّه***وسـكّن فـؤاده المـرعوبـا

مـا أذلّ اليـتم حـين يـنادي***بـأبيه ولا يـراه مجيـبـا)

إلى آخر الكلام.

وقد روى هذه الحادثة أيضاً في العوالم والسيد عبد الله شبر (قدس سره) في جلاء العيون الجزء الثاني صفحة (238) (9)، وفخر الدين الطريحي في المنتخب الجزء الثاني المجلس العاشر الصفحة (478)، وقد صحح هذا الخبر شيخ الشريعة الأصفهاني (قدس سره) مع جملة من الأخبار الواردة بشأن عزاء سيد الشهداء وإظهار الجزع وإيلام النفس حسرة على ما دهاه (10).

ومن موقف عقيلة الطالبيين هذا يستفاد جواز إسالة الدم أو إظهار الجزع على المولى سيد الشهداء وذلك لأمرين:

الأول: إن هذا الموقف حصل في محضر الإمام المعصوم علي بن الحسين (عليهما السلام) ونال تقريره وكان في وسع الإمام (عليه السلام) أن ينهاها عن هذه العملية لو كان فيها حضر شرعي، ولكنه لم ينهها، وعدم نهيه دليل موافقته، وقد ثبت في محله من علم الأصول إن تقرير الإمام المعصوم حجة شرعية.

الثاني: نفس العقيلة الكبرى (عليها صلوات المصلين) تحظى بمقام العصمة الصغرى، وهو مقام معنوي رفيع يبعد عنها احتمال الإقدام على عمل لم تحرز جوازه الشرعي، وقد شهد لها بهذا المقام السامي الرفيع عدة كبيرة من الأعيان والأعلام فضلاً عن شهادة الإمام المعصوم (عليه السلام) وكفى بتعريف الإمام زين العابدين لها بقوله (عليه السلام):

(أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهّمه) (11).

يريد أن مادة علمها (عليها السلام) من سنخ ما منح به رجالات بيت النبوة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي، فعلومهم (عليهم السلام) ليست اكتسابية تحصل بالدراسة والتخرج على يد الأساتذة والمعلمين بل علومهم حضورية.. تحصل بالإلهامات الربانية أو بالإفاضات على حسب القابليات، كما ثبت بالأدلة العقلية والنقلية أنهم يملكون الاسم الأعظم (12) كما عندهم آيات الأنبياء: وراثة كما ورد في الزيارة الجامعة (وعندكم مواريث الأنبياء) كألواح موسى وعصاه وخاتم سليمان بل لديهم جميع كتب الأنبياء وعلومهم وآياتهم أيضاً، وعندهم الجفر والجامعة ومصحف فاطمة وما يحدث بالليل والنهار بل هم أوعية العلم الإلهي.

وقد شهد لأهل البيت بذلك حتى يزيد بن معاوية بقوله في الإمام السجاد (عليه السلام) في الشام (إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقّا) (13) وقد فصل ذلك علماؤنا الأعلام في الكتب الكلامية فراجع.

أقول: وزينب بنت علي (عليها السلام) من أهل هذا البيت علومها لدنية إلا أنها دون مرتبة الإمامة والعصمة الكبرى الثابتة للمعصومين الأربعة عشر.. ومن هنا كانت مصدراً للفتوى ونشر الأحكام..

فعن الصدوق محمد بن بابويه القمي طاب ثراه (14):

(كانت زينب (عليه السلام) لها نيابة خاصة عن الحسين (عليه السلام) وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين (عليه السلام) من مرضه).

وقال الطبرسي:

أن زينب (عليها السلام) روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء (عليها السلام) وعن عماد المحدثين... أن زينب كانت تروي عن أمها وأبيها وأخويها وعن أم سلمة وأم هاني وغيرهما من النساء وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين الصغرى وغيرهم.

وقال أبو الفرج الأصفهاني:

زينب العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة صلى الله عليها في فدك فقال حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (عليها السلام).

ومعنى العقيلة في النساء السيدة، كعقال في الرجال يقال للسيد.

بل ويظهر من العلامة الدربندي وغيره: أنها كانت تعلم علم المنايا والبلايا كجملة من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما، بل جزم في (أسرار الشهادة) إنها صلوات الله عليها أفضل من مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وغيرهما من فضليات النساء.

زينب الكبرى... يكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت على الحسين (عليه السلام) وكان يقرأ القرآن فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالاً.

وبعد كل هذا المقام العظيم وجلالة القدر عصمة وعلماً والتي شهد بها أعلام المسلمين نفهم أن ما صدر من مولاتنا العقيلة في مصاب أخيها سيد الشهداء في شق جبينها الطاهر بمقدم المحمل وإسالة الدم هو وحده كاف في الدلالة على جواز شق الرؤوس وإسالة الدماء حزناً وتأسفاً عليه لما لها من مقام وعظمة.. فكيف به إذا حضي بتقرير الإمام المعصوم (عليه السلام) وموافقته له.

قال الفاضل الدربندي (قدس سره) سنة 1286 هجرية في (أسرار الشهادة) صفحة (474 - 475) عن هذه الحادثة وما يستفاد منها شرعاً (مع تصرف قليل):

(أعلم إن قضية نطح زينب بنت أمير المؤمنين (عليه السلام) رأسها بمقدم المحمل بحيث أنه جرح وجرى الدم منه يكشف فحوىً عن أن ما لا يجوز فعله في مصيبة غير آل محمد من الجزع الشديد وشق الثياب والجيوب ولطم الصدور وخمش الوجوه وحث التراب والرماد على الرؤوس وضربها بالأكف وتلطخ الجسد بالوحل والألوان المسودة وما يشبه ذلك يجوز فعله في مصائب آل محمد صلوات الله عليهم ولا سيما في مصائب سيد الشهداء روحي له الفداء بل إن استنباط الكل ما أشرنا إليه من الأخبار الكثيرة وفقرات الزيارات الوفيرة استنباطاً تطابقاً أو التزاماً مما لا يشك فيه العالم العريض التتبع والشديد التيقظ. بل يمكن أن يقال أن جواز كل ذلك بل استحبابه مما عليه السيرة والضرورة من المذهب. وأما بالنسبة إلى ما فعلته زينب بنت أمير المؤمنين (عليها السلام) فلا إشكال في الإفتاء عليه أصلاً، لأن ما فعلته (عليها السلام) كان في محضر من حجة الله على جميع خلقه سيد الساجدين فكما أن فعل المعصوم وقوله حجتان فكذا تقريره، على أنه قد تقدم ما يدل على كون زينب محدثة وتالية لمرتبة العصمة بل هي من جملة من اتصف بالعصمة لكن على النهج الذي أشرنا إليه..


 
 توقيع : أبو حيدر



رد مع اقتباس