عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2014, 04:59 PM   #3
أبو حيدر
موالي ملكي


الصورة الرمزية أبو حيدر
أبو حيدر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 763
 تاريخ التسجيل :  May 2012
 أخر زيارة : 10-24-2020 (11:51 PM)
 المشاركات : 2,288 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



ثالثاً - إحياء أمر الإمام الحسين (عليه السلام):

1- (عن الأزدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لفضيل: تجلسون وتتحدّثون؟ قال: نعم، جعلت فداك. قال: إنّ تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل! فرحم الله من أحيى أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر).

عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 14، نقلاً عن قرب الإسناد ص 26.

2- (عن علي بن الحسين بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) (11).

وهنا أمور لابدّ من ذكرها والإشارة إليها:

1- إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء الأمر الحسيني والقضية الحسينية خصوصاً واجب شرعيّ أكيد يوجبه العقل (12) قبل الشرع وتؤكّد الأدلة الشرعية بشكلٍ واضحٍ وقطعي من نصوصٍ دينيّة وسيرة متشرّعة إلى غير ذلك من المرتكزات العقلية والشرعية. وهذه مسألة مفروغ منها في دنيا الفقه والأحكام، ومن البديهيات التي لا يختلف عليها اثنان من فقهائنا بأيّ وجهٍ من الوجوه. نعم يمكن القول بأنّ إحياء الأمر على مرتبتين منه ما هو واجب لا يجوز تركه بأيّ حالٍ من الأحوال، ومنه ما هو مندوب ومستحبّ إتيانه بنحوٍ أكيد يترتب عليه عظيم الأجر والثواب.

2- ليكن معلوماً إنّ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) الآمرة وجوباً أو استحباباً بإحياء أمرهم كثيرة جداً. وإني لم أتناولها بالذكر لوضوح أمرها عند أهل الشرع والدين. وما ذكرت هذين الحديثين الشريفين إلاّ لأجل التبرك بهما أولاً. وثانياً لظهورهما في إحياء الأمر المستحب الذي يدور الحديث عنه في هذا المقام.

3- الروايتان المذكورتان تدلاّن على أهمية إحياء أمرهم (عليهم السلام) وتصرّحان باستحبابه المؤكّد. مع اشتمالهما على ذكر بعضٍ من الأمور التي هي من الأسباب المهمة في إحياء الأمر من قبيل إقامة مجالس الذكر والعزاء، وتذكّر مصائب أهل البيت (عليهم السلام) وذكرها، والبكاء والإبكاء في سبيل ذلك، وهكذا كلّ أمرٍ يوصلنا إلى نفس هذا المطلوب.

4- من كلّ ما تقدّم يتجلّى بوضوحٍ أنّ التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه مصداق واضح من مصاديق إحياء الأمر من جهةٍ كونه سبباً قوياً من أسباب الإبكاء على الحسين (عليه السلام) وقد مرّ بيان ذلك فضلاً عمّا أشارت إليه الروايتان اللتان بين أيدينا من إن الإبكاء مصداق من مصاديق إحياء الأمر أيضا، هذا أولاً. وثانياً لما في التطبير الحسيني من بعد جماهيري واسع؛ حيث الجموع الغفيرة المشاركة في هذا الموكب والجموع المتفاعلة والمتأثرة بها. ولا شكّ فإنّ أهم أمرٍ في إحياء الأمر العقائدي هو جماهيرية العمل وانتشار تأثيره خصوصاً إذا كان ذا ميزةٍ عاطفية ثرّة كالتطبير الحسيني. ومن كل ذلك يبدو واضحاً سريان حكم الاستحباب على التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه، لكونه مصداقاً من أوضح مصاديق إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) عموماً، وإحياء أمر الحسين صلوات الله عليه بنحو خاص.

توضيحات:

1- ربّما يقول قائل: إنّ إظهار الجزع والإبكاء من جملة مصاديق إحياء الأمر. فلأيّ سببٍ جعلنا كلّ واحدٍ من هذه الثلاثة موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه؟ وجواب ذلك: إنّ الناظر والمتفحّص بدقةٍ في كلمات أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم يجد بوضوحٍ أنّ الجزع مطلوب بنفسه بما هو، ومن جملة آثاره أنه يكون سبباً في إحياء الأمر. وكذلك الإبكاء فهو مطلوب بنفسه بما هو أيضاً لما فيه وفي الجزع من منافع معنوية وتربوية تصقل روح الإنسان، وتذكّي وجدانه، وتغسل عواطفه من كلّ شائبةٍ تلحق بها، راسمةً لها جادّة صوابها. فكل واحدٍ منهما مطلوب بنفسه بما هو هو، وفي بعض جهات كلّ واحدٍ منهما سبب لإحياء الأمر، ومن هنا جعلنا كل واحدٍ من هذه الثلاثة: الجزع المقدّس، والإبكاء، وإحياء الأمر الحسيني موضوعاً ودليلاً قائماً برأسه.

2- حكم الاستحباب المؤكّد يسري بنحو الأصالة على إظهار الجزع على الحسين (عليه السلام)، وعلى الإبكاء عليه، وعلى إحياء أمره صلوات الله عليه؛ وذلك لورود النصوص الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) بخصوص كل واحد من هذه الثلاثة. أما سريان هذا الاستحباب على التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام فهو من باب التفرّع والمصداقية، إذ أنّ التطبير الحسيني مصداق واضح لإظهار الجزع، والإبكاء، وإحياء الأمر، ومن هنا كان جريان حكم الاستحباب عليه. لا من باب ورود نصّ خاصّ يأمر بهذا النحو المعين من العزاء. وإنّما كان ذلك عملاً موافقاً لما رواه البزنطي في جامعه عن هشام بن سالم، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا) (13)، وما رواه أيضاً في جامعه عن الإمام الرضا (عليه السلام): (علينا إلقاء الأصول إليكم، وعليكم التفريع) (14).

زبدة القول:

استحباب إظهار الجزع على ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واستحباب الإبكاء عليه، واستحباب إحياء أمره (عليه السلام).

أمور ثابتة لا شكّ فيها وقد تبيّنت ذلك واضحاً يا قارئي العزيز فكذاك هو التطبير حزناً وجزعاً على سيد الشهداء صلوات الله عليه حقّ لا ريب فيه ويجري عليه حكم الاستحباب لكونه مصداقاً واضحاً لإظهار الجزع المستحب، والإبكاء المستحب، وإحياء الأمر المستحب. وقد مرّت بك الأدلة واضحةً جلية. وستأتيك أدلة أخرى وأخرى، (ويأتيك بالأنباء من لم تزوّد).


أدلّة أخرى.. لعلّهم يبصرون!

أولاً - حزن نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) (وتولّى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين).[سورة يوسف: الآية 84 و 85]. وهنا ثمّة فوائد:

الفائدة الأولى: في المعاني اللغوية

ابيضّت عيناه: أصابها البياض وهو فقدان البصر. ويقول صادق العترة (عليه السلام): (البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين، فأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره) (15).

وبصريح القرآن العزيز أنه (عليه السلام) ما ارتدّ بصيراً حتى شمّ قميص ولده يوسف: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيرا) (16).

تالله تفتؤا تذكر يوسف: لا تفتر عن ذكر يوسف ولا تنقطع عنه.

حرضاً: مشرفاً على الهلاك أو ميتاً.

الفائدة الثانية: في قوّة حجّية الاستدلال بحالة نبيّ الله يعقوب (عليه السلام) في المقام الذي نحن فيه وذلك من جهة:

أ- أنها سيرة نبيّ معصوم يبيّنها لنا الباري سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) (17).

ويقرّرها لنا لأجل الاعتبار والتأسّي بسيرة أوليائه الطاهرين.

ب - استدلّ بها إمامنا السجاد (عليه السلام) حين سئل عن طول حزنه وبكائه وجزعه على سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه حيث يروي لنا شيخنا أبو القاسم جعفر بن قولويه (ره) بأسانيده الموثوقة المعتبرة: (أشرف مولى لعلي بن الحسين (عليهما السلام) وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه وقال: ويلك والله لقد شكى يعقوب إلى ربّه في أقلّ مما رأيت حتى قال: (يا أسفي على يوسف)، إنه فقد ابناً واحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبّحون حولي) (18).

وفي بحار الأنوار رواية أخرى أنه حين قال له أحد مواليه: (أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له (صلوات الله عليه): ويحك إنّ يعقوب النبي (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابناً فغيّب الله واحداً منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيّاً في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني؟) (19).

الفائدة الثالثة: مدلول الآيتين الشريفتين

دلّت الآيتان الكريمتان 84 و 85 من سورة يوسف المباركة على معان عديدة من أهمّها:

أ- أولوية إظهار الحزن والجزع والبكاء على أولياء الله حزناً على مصابهم أو شوقاً إليهم.

ب - أفضلية مثل هذا العمل على غيره خصوصاً وان النبي يعقوب (عليه السلام) علم بأنّ فقدان البصر سيؤثر بشكلٍ وآخر على أعماله الأخرى والتي يكون التبليغ والإرشاد ورعاية أمور أتباعه من أهمها ومع ذلك فهو قد بكى وبكى حتى كفّ بصره لما يجده من فضلٍ وعظيم أجر في بكائه شوقاً وحزناً على فراق ولي الله، ولما في علمه من أنّ بكائه وحزنه هذا مفضّل عند الله تعالى على غيره من سائر الأعمال الأخرى وإلا لما فعله فهو نبي معصوم وأسوة حسنة لأتباعه ومن يقتدي به من المؤمنين.

ج- أفضلية وأولوية ورجحان التعرّض للضرر الشديد كفقدان البصر وانطفاء نور العينين وغير ذلك بسبب الحزن والغمّ والبكاء والنحيب والجزع لأجل أولياء الله. علماً أن قيمة العينين كقيمة الحياة وهذا ما قررّه الشرع المبين في أحكام الديات إذ جعل دية العينين كدية إنسان كامل.

د- لم يكن تعرّض النبي يعقوب (عليه السلام) لهذه الأضرار الكبيرة من دون قصدٍ وسابق علمٍ وكأنّها حصلت بغتةً فجأة بل إنّ الأمر كان يحصل بعلمه وبعلم الآخرين من حوله إلا ترى القرآن العظيم يخبرنا عن قولهم له (عليه السلام): (حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين)، لأنهم كانوا يرون بأمّ أعينهم أيّ ضررٍ وألمٍ يلحقه بنفسه بسبب شوقه وحزنه وجزعه على ولي الله.

الفائدة الرابعة: في علم نبيّ الله يعقوب بحياة ولده يوسف (عليهما السلام):

من دون مقدماتٍ لابدّ من القول: إن يعقوب النبي (عليه السلام) كان على علمٍ بحياة ولده يوسف (عليه السلام) وإليك ما جاء من تلويحٍ وتصريحٍ بهذا الخصوص في كتاب الله العزيز:

1- (فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا). [سورة يوسف: الآية 83].

2- (قال إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون). [سورة يوسف: الآية 86].

3- (يا بنيّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنّه لا ييأس من روح الله إلاّ القوم الكافرون). [سورة يوسف: الآية 87].

4- (ولمّا فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفنّدون، قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم، فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتدّ بصيراً، قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله مالا تعلمون). [سورة يوسف: الآيات 94 و 95 و 96].


 
 توقيع : أبو حيدر



رد مع اقتباس