عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2014, 04:57 PM   #2
أبو حيدر
موالي ملكي


الصورة الرمزية أبو حيدر
أبو حيدر غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 763
 تاريخ التسجيل :  May 2012
 أخر زيارة : 10-24-2020 (11:51 PM)
 المشاركات : 2,288 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



6- ويؤيّد هذه المعاني ما تفيض به كلمات دعاء الندبة الشريف الذي يرويه سيدنا ابن طاووس (ره) في إقبال الأعمال، ومصباح الزائر، وجمال الأسبوع، والشيخ المجلسي (ره) في بحار الأنوار:

(فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون، وإيّاهم فليندب النادبون، ولمثلهم فلتذرف الدموع، وليصرخ الصارخون، ويضجّ الضاجّون، ويعجّ العاجّون، أين الحسن؟! أين الحسين؟! أين أبناء الحسين؟!).

إلى أن يقول الدعاء الشريف:

(أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء؟! أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟!).

ثم يقول مناجياً نادياً:

(هل من معين فأطيل معه العويل والبكاء؟! هل من جزوع فاساعد جزعه إذا خلا؟! هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى؟! هل إليك يا أبن أحمد سبيل فتلقى؟!).

فانظر أيها القارئ العزيز لقول الدعاء الشريف:

1- هل من جزوع: والجزوع بحسب موازين الصرف صيغة مبالغة أي جازع وجازع و.. .

2- هل قذيت عين: إشارة واضحة لما يصيب العين من ضرر أو مرض أو ألم شديد بسبب البكاء والنوح جزعاً على مصاب الحسين (عليه السلام)، وشوقاً وحسرةً على فراق الطالب بثأره صلوات الله وسلامه عليه.

والحرّ تكفيه الإشارة.

ثانياً - الإبكاء:

1- (عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه قال: قال الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون).

عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 278 ح 1 منقولاً عن أمالي الشيخ الصدوق المجلس 17، الرقم 4.

وفي عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ج 1 ص 294 بنفس إسناد الحديث المتقدم عنه صلوات الله عليه: (من تذكّر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون) (7).

2- عن السيد ابن طاووس (ره): (روي عن آل الرسول (عليهم السلام) أنّهم قالوا: من بكى وأبكى خمسين فله الجنة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة، ومن تباكى فله الجنّة).

عن بحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 288 منقولاً عن اللهوف في قتلى الطفوف للسيد ابن طاووس (ره).

3- (عن أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا أبا هارون أنشدني في الحسين (عليه السلام)؟ قال: فأنشدته فبكى، فقال: أنشدني كما تنشدون - يعني بالرقّة - قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين فقـــــل لأعظـــمه الزّكيّة

قال: فبكى، ثمّ قال زدني، قال: فأنشدته القصيدة الأخرى، قال: فبكى، وسمعت البكاء من خلف السّتر، قال: فلما فرغت قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشراً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسةً كتبت لهم الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة، ومن ذكر الحسين (عليه السلام) عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله، ولم يرض له بدون الجنّة).

عن كامل الزيارات ب 33 ص 111 ح 1، وثواب الأعمال ص 47، والبحار ج 44 ب 34 ص 288 ح 28.

4- (عن أبي عمارة المنشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا أبا عمارة أنشدني في الحسين (عليه السلام)، قال: فأنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، ثمّ أنشدته فبكى، قال: فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار، فقال لي: يا أبا عمارة من انشد في الحسين شعراً فأبكى خمسين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً بأبكى أربعين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنة، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة).

عن كامل الزيارات ب 33 ص 112 ح2، و أمالي الصدوق المجلس 29 - الرقم 6، وثواب الأعمال ص 47، والبحار 44 ب 34 ص 282 ح 15.

5- (عن صالح بن عقبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من أنشد في الحسين (عليه السلام) بيت شعرٍ فبكى وأبكى تسعةً فله ولهم الجنة، فلم يزل حتى قال: من أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأظنّه قال: أو تباكى فله الجنة).

عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 4 ومثله بسند آخر ح 7 من نفس الباب والصفحة، وثواب الأعمال ص 48، والبحار ج 44 ب 34 ص 289 ح 29.

6- (عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال لي: أنشدني فأنشدته، فقال: لا؛ كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره، قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزّكيّة

قال: فلمّا بكى أمسكت أنا، فقال مرّ، فمررت، قال: ثمّ قال: زدني.. زدني، قال: فأنشدته:

يـــا مريم قومي فاندبي مولاك وعلى الحسين فاسعدي ببكاك

قال: فبكى وتهايج النساء!! قال: فلمّا أن سكتن قال لي: يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) فأبكى عشرة فله الجنة، ثمّ جعل ينقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد، فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة، ثمّ قال: من ذكره فبكى فله الجنة). عن كامل الزيارات ب 33 ص 113 ح 5، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 287 ح 25.

7- (عن زيد الشحّام، قال: كنّا عند أبي عبد الله ونحن جماعة من الكوفيّين فدخل جعفر بن عفّان على أبي عبد الله (عليه السلام) فقرّبه وأدناه ثم قال: يا جعفر، قال: لبيك! جعلني الله فداك. قال: بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيده. فقال له: نعم، جعلني الله فداك، قال: قل! فأنشده (صلى الله عليه) فبكى ومن حوله، حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته. ثم قال: يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقرّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين (عليه السلام) ولقد بكوا كما بكينا وأكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعته (8) الجنة بأسرها، وغفر الله لك. فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي. قال: ما من أحدٍ قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاّ أوجب الله له الجنة وغفر له).

عن رجال الكشي ص 187، وبحار الأنوار ج 44 ب 34 ص 282 ح 16، ووسائل الشيعة ج 10 ص 464 ب 104 المزار ح 1.

وبعد ذكر هذه الأحاديث والروايات، أقول:

1- الأخبار المتقدّمة تلقّاها علماؤنا بالقبول والاعتماد والعمل بها والفتيا على أساسها؛ فلا حاجة للخوض في تفاصيل أسانيدها؛ لوضوح كونها على درجةٍ عاليةٍ من الاعتبار الشرعي والعملي.

2- مضمون هذه الأخبار ومحتواها: الاستحباب المؤكّد للبكاء والإبكاء على سيد الشهداء صلوات الله عليه وما يترتب عليهما من عظيم أجرٍ عند الله سبحانه وتعالى. أمّا الذي نخصّه بالذكر والبحث هنا من بينهما فهو الإبكاء وذلك أنّ البحث منعقد لأجله منذ البداية. والذي نراه واضحاً في هذه الروايات الشريفة أنّ الأولى والثانية منها تحدّثت عن الإبكاء بنحوٍ عام من دون ذكر أي مصداقٍ من مصاديق الإبكاء فجاء لسانها: (بكى وأبكى) من دون ذكر أي أسلوب من أساليب الإبكاء، وأما ما تبقّى منها فقد جاء مشتملاً على ذكر مصداقٍ من أهم مصاديق الإبكاء خصوصاً في زمان الأئمة (9) (عليهم السلام) وهو إنشاد الشعر لأجل الإبكاء على الحسين المظلوم صلوات الله وسلامه عليه. وإلا فمن المعلوم أنّ الإبكاء ليس له من أسلوب معيّن فقد يكون من طريق: ذكر المصيبة نثراً بلحنٍ حزين، أو من دون لحن، أو بإنشاد الشعر إلقاءً، أو بصوتٍ شجيّ، أو بتأليف كتابٍ يستدرّ الدمعة من قارئه ومطالعه، أو بإنتاج فيلم سينمائي أو تلفزيوني روائياً كان أو وثائقيّاً يعرض الواقعة بكل آلامها وأشجانها، أو بإخراج مسرحيةٍ أو تمثيليةٍ تهيج الدمع والعبرات، أو برسم لوحةٍ فنيةٍ تعبّر عن جراحات ضمائر الأحرار وآلامها لما لقي سبط النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، أو بإقامة المسيرات العزائية والمواكب الحسينية من مواكب اللطم وضرب السلاسل والتطبير الحسيني إلى غير ذلك من فنون العزاء الحسيني وأشكاله والتي هي من أهم أسباب الإبكاء وطرقه. علماً أن أسباب الإبكاء وأساليبه ليست منحصرةً في ما ذكر وإنّما يبقى الباب مفتوحاً في هذا المجال لكل أشكال التعبير وتهييج الأحزان لأجل مصاب سيد شباب أهل الجنة صلوات الله عليه.

3- يظهر بوضوحٍ جليّ مما تقدّم الاستحباب المؤكّد للإبكاء على سيد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام، ويظهر أيضاً أنّ مواكب التطبير الحسيني من أهمّ أسباب الإبكاء وتهييج العبرات، لذا فإنّ هذا الاستحباب سيسري حتماً على هذه الشعيرة الحسينية المبكية كما يسري على غيرها من الشعائر الحسينية الأخرى المبكية وكذلك الأساليب التعبيرية المختلفة المكية أيضاً والتي ذكرنا قبل قليلٍ أمثلةً منها في قائمةٍ لذكر أنواع مختلفة من أساليب الإبكاء على الحسين (عليه السلام). ولا يخفى فإنّ القول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني من أهم أسباب الإبكاء هو ما يشهد به الواقع على الأرض ويقرّبه أرباب العزاء الحسيني والجماهير الغفيرة المشاركة في الحضور وأهل البيت أدرى بالذي فيه؛ حيث يتجمّع أهل التطبير عند فجر عاشوراء في تكاياهم وحسينياتهم، وهم يرتدون أكفانهم البيضاء، بعد تأدية صلاة الصبح، تقرأ زيارة عاشوراء، تتبعها قراءة شجية جداً لقصّة مذبح الحسين ومقتله (عليه السلام) بنحو مختصر، مع مقاطع من زيارة الناحية المقدّسة، ثم ترتفع الصيحات والصرخات: يا حسين.. يا حسين، والبكاء والنحيب يهزّ الأرجاء، وتقرع الطبول، وتمتشق السيوف، وبصوتٍ واحدٍ تتدافع الدموع متدفّقةً كأنّها عين جارية:

يا فاطمه قومي إلى الطفوف هـــذا حسين طعمة السيوف

حيدر.. حيدر .. حيدر

فتجرى الدماء نازفةً تذكّر بأقدس دم سفك على وجه الأرض، مشفوعةً بالدموع والعبرات، والآهات والحسرات، فكم من باكٍ أو باكية، حيث لا ترى إلاّ أجواءً مشحونةً بالعاطفة الحسينية الجيّاشة، ولا تسمع إلاّ ندبةً وصراخاً حسينياً يهزّ سمع الملكوت.. فكأنها الغاضريات وصوت حسين يجرف الدهور ويمزّق أستار القرون!!!

فيــــا أيها الوتر في الخالدين فـــــذّاً إلــــى الآن لـــم يشفع

ويـــا عـظة الطامحين العظام للاهيـــــن عــــــن غدهم قنّع

أبا عبد الله صلى الله عليك.. فما قدر الدموع؟! وما قدر الدماء؟! في محراب أحزانك، (أشهد أنّ دمك سكن في الخلد واقشعرّت له أظلّة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت له السماوات السبع، والأرضون السبع، وما فيهنّ، وما بينهن، ومن يتقلّب في الجنة والنار من خلق ربّنا، وما يرى، وما لا يري) (10).

ولا أملك إلاّ أن أقول: بأنّ مواكب التطبير الحسيني هي دماء نازفة، ودموع مسفوحة، وقلوب واعية تطوف في محراب عشقها في الفناء الحسيني الأرحب، وتستضيء بنور مصباح الهدى؛ كي تفوز بسفينة النجاة الآمنة. فطوبى لكم أحباب الحسين (عليه السلام)، وطوبى لكم أيها النازفون دماً ودمعاً في محراب عشقه ومودّته.


 
 توقيع : أبو حيدر



رد مع اقتباس