:: منتديات ثار الله الإسلامي ::

:: منتديات ثار الله الإسلامي :: (http://www.tharollah.com/vb/index.php)
-   منتدى الرد على شبهة عبد الله ابن سبا (http://www.tharollah.com/vb/forumdisplay.php?f=77)
-   -   فمن هو حجر ؟ وما هي قصة سبائيته ؟ (http://www.tharollah.com/vb/showthread.php?t=702)

الشيخ محمد العبدالله 08-03-2010 02:19 AM

فمن هو حجر ؟ وما هي قصة سبائيته ؟
 

فمن هو حجر ؟
وما هي قصة سبائيته ؟
هو حجر بن عدي بن معاوية من بني معاوية بن كندة من قبائل سبأ بن يشجب .
قالوا في ترجمته ما يلي :

في طبقات ابن سعد وأسد الغابة والإصابة : وفد على النبي هو وأخوه هانئ وشهد القادسية ، وهو الذي افتتح مرج عذراء ( ي ) .

* في طبقات ابن سعد : كان جاهليا إسلاميا وكان في ألفين وخمسمائة من العطاء . وكان ثقة ‹ صفحة 271 › عينا ولم يرو عن غير علي شيئا .
* في المستدرك للحاكم : أحد الصحابة العدول ، راهب أصحاب محمد .
* في الاستيعاب : كان من فضلاء أصحاب محمد ، وكان مستجاب الدعوة .
* في أسد الغابة : وكان من فضلاء الصحابة ، وكان على كندة بصفين ، وعلى الميسرة يوم النهروان ، وشهد الجمل - أيضا - مع علي ، وكان من أعيان الصحابة . وقال : وهو المعروف بحجر الخير .
* في سير النبلاء : كان شريفا مطاعا أمارا بالمعروف مقدما على الانكار ، من شيعة علي ( رض ) شهد صفين أميرا وكان ذا صلاح وتعبد .
* في تاريخ الاسلام للذهبي : لحجر صحبة ووفادة ، وكان صالحا عابدا . يلازم الوضوء ويكثر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

* في تاريخ ابن كثير : وفد إلى رسول الله وكان من عباد الله وزهادهم ، وكان بارا بأمه . وكان كثير الصلاة والصيام ، وما أحدث إلا توضأ ( ك ) ، وما توضأ إلا ‹ صفحة 272 › صلى .

* وفي الإصابة : صحب عليا فكان من شيعته ، وشهد موت أبي ذر بالربذة .
وروى : أنه أصابته جنابة ، فقال للموكل به : أعطني شرابي أتطهر به ، ولا تعطني غدا شيئا . فقال : أخاف أن تموت عطشا فيقتلني معاوية .
قال : فدعا الله فانسكبت له سحابة بالماء ، فأخذ منها الذي احتاج إليه . فقال له أصحابه : أدع الله أن يخلصنا ! فقال : اللهم خر لنا . هذا هو حجر .

وأما قصة سبائيته ، فقد روى الطبري في أول باب أحداث سنة إحدى وخمسين وقال في ( حديث حجر وأصحابه ) : أن معاوية بن أبي سفيان لما ولى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41 دعاه وقال له : قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي ، ولست تاركا إيصاءك بخصلة : لا تتحم ( ل ) عن شتم علي وذمه ، والترحم على عثمان والاستغفار له ، والعيب على أصحاب علي والاقصاء لهم وترك الاستماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والادناء لهم والاستماع منهم . فقال المغيرة : ‹ صفحة 273 ›

قد جربت وجديت ، وعملت قبلك لغيرك فلم يذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذم . قال معاوية :
بل نحمد إن شاء الله . قال الطبري ( م ) : وأقام المغيرة عاملا لمعاوية سبع سنين وأشهرا وهو من أحسن شئ سيرة وأشده حبا للعافية غير أنه لا يدع ذم علي والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة ، والاستغفار له ، والتزكية لأصحابه ، فكان حجر بن عدي إذا سمع ذلك ، قال :
بل إياكم فذمم الله ولعن ، ثم قام ، فقال : إن الله عز وجل يقول : كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ، وأنا أشهد أن من تذمون وتعيرون لاحق بالفضل ، وأن من تزكون وتطرون أولى بالذم . فيقول المغيرة : يا حجر ، لقد رمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك ! يا حجر ويحك ! اتق السلطان ! اتق غضبه وسطوته ! فإن غضبة السلطان أحيانا مما يهلك أمثالك كثيرا ، ثم يكف عنه ويصفح ، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته ، قام المغيرة فقال في علي وعثمان كما كان يقول ، وكانت مقالته : اللهم ارحم عثمان بن عفان ، وتجاوز عنه ، واجزه بأحسن عمله فإنه عمل بكتابك ، واتبع سنة نبيك ( ص ) ، وجمع كلمتنا ، وحقن دماءنا وقتل مظلوما ، اللهم فارحم أنصاره وأولياءه ومحبيه والطالبين بدمه . ويدعو على قتلته ( ن ) فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كل من كان في المسجد وخارجا منه وقال :

‹ صفحة 274 ›

إنك لا تدري بمن تولع من هرمك ! أيها الانسان !
مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا ، فإنك قد حبستها عنا وليس ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك ، وقد أصبحت مولعا بذم أمير المؤمنين وتقريض المجرمين . قال : فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حجر وبر ، مر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا ، فإنا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يجدي علينا شيئا . وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه .
فنزل المغيرة واستأذن عليه قومه فأذن لهم ، فقالوا : علام تترك هذا الرجل يقول هذه المقالة ، ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجرأة ؟ !
إنك تجمع على نفسك بهذا خصلتين : أما أولهما ( * ) فتهوين سلطانك ! ، وأما الأخرى : فإن ذلك إن بلغ معاوية كان أسخط له عليك .
قال : فقال لهم المغيرة بن شعبة : إني قد قتلته ، إنه سيأتي أمير بعدي فيحسبه مثلي فيصنع به شبيها بما ترونه يصنع بي ، فيأخذه عند أول وهلة فيقتله شر قتلة ، إنه قد اقترب أجلي وضعف عملي ، ولا أحب أن ابتدئ أهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم ، فيسعدوا بذلك وأشقى ، ويعز في الدنيا معاوية ، ويذل يوم القيامة المغيرة ، ولكني قابل من محسنهم وعاف عن مسيئهم ، وحامد حليمهم وواعظ سفيههم حتى يفرق بيني وبينهم الموت ، وسيذكرونني لو قد جربوا العمال بعدي .
روى الطبري وقال : ‹ صفحة 275 › " فولي المغيرة الكوفة سنة 41 في جمادى وهلك سنة 51 فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة " . في طبقات ابن سعد والنبلاء للذهبي : ولما قدم زياد واليا دعا بحجر فقال : تعلم أني أعرفك ، وقد كنت أنا وإياك على ما قد علمت من حب علي بن أبي طالب ، وإنه قد جاء غير ذلك . وإني أنشدك الله أن تقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله ، إملك عليك لسانك وليسعك منزلك ، وهذا سريري فهو مجلسك ، وحوائجك مقضية لدي ، فاكفني نفسك فإني أعرف عجلتك .

فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك ، وإياك وهذه السفلة وهؤلاء السفهاء أن يستزلوك عن رأيك ، فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك ، لم أخصك بهذا من نفسي . فقال حجر : قد فهمت . ثم انصرف إلى منزله فأتاه إخوانه من الشيعة فقالوا : ما قال لك الأمير ؟ : قال : قال لي كذا وكذا ، قالوا : ما نصح لك . فأقام وفيه بعض الاعتراض ( أأنت ) وكانت الشيعة يختلفون إليه ويقولون : إنك شيخنا وأحق الناس بإنكار هذا الامر ، وكان إذا جاء إلى المسجد مشوا معه .
فأرسل إليه عمرو بن حريث - وهو يومئذ خليفة زياد على الكوفة وزياد بالبصرة - : أبا عبد الرحمن ! ما هذه الجماعة وقد أعطيت الأمير من نفسك ما قد ‹ صفحة 276 › علمت ؟ ! فقال للرسول : تنكرون ما أنتم فيه ، إليك ! وراءك أوسع لك ! فكتب عمرو بن حريث بذلك إلى زياد .

وكتب إليه : إن كانت لك حاجة في الكوفة فالعجل ! فأغذ زياد السير حتى قدم الكوفة .

وروى الطبري وقال :
فشخص إلى الكوفة حتى دخلها فأتى القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر وعليه قباء سندس ومطرف خز أخضر قد فرق شعره ، وحجر جالس في المسجد حوله أصحابه أكثر ما كانوا .

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد :
فإن غب البغي والغي وخيم ، إن هؤلاء جموا فأشروا وأمنوني فاجترأوا علي ، وأيم الله لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم ! وقال :
ما أنا بشئ إن لم أمنع باحة الكوفة من حجر ، وأدعه نكالا لمن بعده ! ويل أمك يا حجر ! سقط العشاء بك على سرحان .

وفي رواية أخرى بعدها قال : خطب زياد يوما في الجمعة فأطال الخطبة وأخر الصلاة فقال له حجر ابن عدي : الصلاة ، فمضى في خطبته ، ثم قال : الصلاة ، فمضى في خطبته .

فلما خشي حجر فوت الصلاة ( ع ) ضرب بيده إلى كف من الحصا وثار إلى ‹ صفحة 277 › الصلاة وثار الناس معه ، فلما رأى ذلك زياد نزل فصلى بالناس ، فلما فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثر عليه ، فكتب إليه معاوية أن شده في الحديد واحمله إلي .

وقال في رواية أخرى بعدها ما ملخصها أن زيادا أرسل إليه الشرطة ليأتوه به . فقال أصحابه :
لا يأتيه ولا كرامة . فأمر صاحب الشرطة نفرا فأتوه فقالوا : أجب الأمير ، فسبوهم ، قال : فوثب زياد بأشراف أهل الكوفة ، فقال : يا أهل الكوفة !
أتشجعون بيد وتأسون بأخرى ؟ !
أبدانكم معي وأهواؤكم مع حجر ! هذا الهجهاجة الأحمق المذبوب ( ف ) ! أنتم معي وإخوانكم وأبناؤكم وعشائركم مع حجر ! هذا والله من دحسكم وغشكم ! والله لتظهرن لي برأتكم أو لآتينكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم ! فوثبوا إلى زياد ، فقالوا : معاذ الله سبحانه أن يكون لنا في ما ها هنا رأي إلا طاعتك وطاعة أمير المؤمنين ! وكل ما ظننا أن فيه رضاك وما يستبين به طاعتنا وخلافنا لحجر ، فمرنا به ! قال :
فليقم كل امرئ منكم إلى هذه الجماعة حول حجر فليدع كل ‹ صفحة 278 › رجل منكم أخاه وابنه وذا قرابته ومن يطيعه من عشيرته حتى تقيموا عنه كل من استطعتم أن تقيموه .

ففعلوا ذلك فأقاموا جل من كان مع حجر بن عدي ، فلما رأى زياد أن جل من كان مع حجر أقيم عنه قال لأمير شرطته : انطلق إلى حجر فإن تبعك فأتني به ، وإلا فمر من معك فلينتزعوا عمد السوق ثم يشدوا بها عليهم حتى يأتوني به ويضربوا من حال دونه .
فأتاه رئيس الشرطة فقال : أجب الأمير . فقال أصحاب حجر : لا ، ولا نعمة عين ، لا نجيبه !
فقال لأصحابه : شدوا على عمد السوق !
فاشتدوا إليها ، فأقبلوا بها قد انتزعوها . فقال عمير بن يزيد الكندي من بني هند وهو أبو العمر طه : إنه ليس معك رجل معه سيف غيري وما يغني عنك !
قال : فما ترى ؟ قال : قم من هذا المكان فالحق بأهلك يمنعك قومك . فقام زياد ينظر إليهم وهو على المنبر ، فغشوا بالعمد فضرب رجل من الحمراء - يقال له : بكر بن عبيد - رأس عمرو بن الحمق بعمود ( ص ) فوقع ‹ صفحة 279 › فحمله رجلان من الأزد وأتيا به دار رجل من الأزد فخبأه بها فلم يزل بها متواريا حتى خرج منها .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 270 ›
( ي ) القادسية وقعة للمسلمين مع الفرس في العراق في عصر الخليفة عمر بقيادة سعد بن أبي وقاص . ومرج عذراء قرية بغوطة دمشق .

‹ هامش ص 271 ›
( ك ) في ترجمته بطبقات ابن سعد حدث غلام لحجر قال : قلت لحجر : إني رأيت ابنك دخل الخلاء ولم يتوضأ ، قال : ناولني الصحيفة من الكوة ، فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما سمعت علي بن أبي طالب يذكر : أن الطهور نصف الايمان .

‹ هامش ص 272 ›
( ل ) لا تتحم ، تحمى : امتنع .

‹ هامش ص 273 ›
( م ) نقصد ب‍ ( قال ) في ما يلي ما ورد في روايته . ( ن ) حذف الطبري من الخبر شتمه ولعنه وكتب محلهما جملة ( ويدعو على قتلته ) .

‹ هامش ص 274 ›
* كذا ورد في تاريخ الطبري ، والأصح أن يقال : ( أولاهما ) لان الخصلة مؤنثة . ( م )

‹ هامش ص 275 ›
( أأنت ) يقصد فأقام وفيه بعض الاعتراض على لعنهم الامام عليا وهذا هو المقصود في قول الشيعة له : ( وأحق الناس بإنكار هذا الامر ) وقول حجر لرسول عمرو بن حريث : ( تنكرون ما أنتم فيه ) .

‹ هامش ص 276 ›
( ع ) قال ابن عبد البر في الاستيعاب : " ولما ولى معاوية زيادا العراق وما وراءها وأظهر من الغلظة وسوء السيرة ما أظهر خلعه حجر ولم يخلع معاوية ، وتابعه جماعة من أصحاب علي وشيعته ، وحصبه يوما في تأخير الصلاة . . . " . وأكد ذلك - أيضا - كل من ابن الأثير في أسد الغابة ، وابن حجر في الإصابة .

‹ هامش ص 277 ›
( ف ) تشجون بيد : تحزون بيد . وتأسون بيد وتداوون الجرح بيد ، والهجهاجة : الكثير الشر الخفيف العقل ، والمذبوب : المجنون .

‹ هامش ص 278 ›
( ص ) روى الطبري عن عبد الله بن عوف الأحمر :
أنه بينما كان يدخل بالكوفة بعد مقتل مصعب بعام ، قال :
" فإذا أنا بأحمري يسايرني ووالله ما رأيته من ذلك اليوم الذي ضرب فيه عمرو بن الحمق وما كنت أرى لو رأيته أن أعرفه فلما رأيته ظننت أنه هو ، وذاك حين نظرنا إلى أبيات الكوفة فكرهت أن أسأله :
أنت الضارب عمرو بن الحمق بالعمود في المسجد فيكابرني ، فقلت له : ما رأيتك من اليوم الذي ضربت فيه رأس عمرو بن الحمق في المسجد إلى يومي هذا ، ولقد عرفتك الآن حين رأيتك . فقال لي : لا تعدم بصرك ! ما أثبت نظرك !
كان ذلك أمر الشيطان . أما إنه قد بلغني أنه كان امرءا صالحا ، ولقد ندمت على تلك الضربة فأستغفر الله . فقلت له : ألا ترى ، لا والله لا أفترق أنا وأنت حتى أضربك على رأسك مثل الضربة التي ضربتها عمرو بن الحمق أو أموت أو تموت ، فناشدني الله وسألني الله فأبيت عليه ، ودعوت غلاما لي يدعى رشيدا من سبي أصبهان ، معه قناة له صلبة فأخذتها منه ثم أحمل عليه بها فنزل عن دابته وألحقه حين استوت قدماه بالأرض فأصفع بها هامته فخر لوجهه ومضيت وتركته فبرأ بعد فلقيته مرتين من الدهر كل ذلك يقول : الله بيني وبينك . وأقول : الله عز وجل بينك وبين عمرو بن الحمق " .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيخ محمد العبدالله 08-03-2010 02:20 AM

تكملة
 

قال الطبري : وانحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة ، وضرب رجل من الشرطة عبد الله بن خليفة الطائي بعمود فصرعه وهو يرتجز : قد علمت يوم الهياج خلتي * أني إذا ما فئتي تولت وكثرت عداتها أو قلت * أني قتال غداة بلت وخرج أصحاب حجر من تلقاء أبواب كندة فركب حجر وانتهى إلى داره واجتمع ناس كثير من أصحابه ولم يأته من كندة كثير أحد ، وقاتلوا دون حجر فقال لهم حجر : لا أبالكم ، تفرقوا لا تقاتلوا فإني آخذ في بعض السكك ثم آخذ طريقا نحو بني حرب ، فسار حتى انتهى إلى دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد فدخل داره ، وجاء القوم في طلبه حتى انتهوا إلى تلك الدار فأخذ سليم سيفه ثم ذهب ليخرج إليهم ، فبكت بناته . ‹ صفحة 280 › فقال له حجر : ما تريد ؟ !

قال : أريد والله [ أن ] أسألهم أن ينصرفوا عنك ، فإن فعلوا وإلا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك !

قال حجر : لا أبا لغيرك ، بئس ما دخلت به إذا على بناتك . قال : إني والله ما أمونهن ولا أرزقهن ، إن هو إلا على الحي الذي لا يموت ، ولا أشتري العار بشئ أبدا ، ولا تخرج من داري أسيرا أبدا وأنا حي أملك قائم سيفي ، فإن قتلت دونك ، فاصنع ما بدا لك ! قال حجر : أما في دارك هذه حائط أقتحمه ، أو خوخة أخرج منها عسى أن يسلمني الله عز وجل منهم ، ويسلمك ، فإذا القوم لم يقدروا علي عندك لم يضروك . قال : بلى !

هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر وإلى غيرهم من قومك ، فخرج حتى انتهى إلى النخع ، وأقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر ، فأحسن لقاءه ، فبينما هو عنده إذ أتي فقيل له : إن الشرط تسأل عنك في النخع ، وذلك أن أمه سوداء لقيتهم فقالت : من تطلبون ؟
فقالوا : حجر بن عدي ، فقالت : هو في النخع ، فانصرفوا نحو النخع . فخرج من عند عبد الله متنكرا ، وركب معه عبد الله بن الحارث ليلا حتى أتى دار ربيعة بن ناجد الأزدي في الأزد ، فنزلها يوما وليلة ، فلما أعجزهم أن يقدروا عليه ، دعا زياد بمحمد بن الأشعث فقال له : يا أبا ميثاء ! أما والله لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ، ولا دارا إلا هدمتها ، ثم لا تسلم مني حتى أقطعك إربا إربا ! قال : أمهلني حتى أطلبه .
قال : قد أمهلتك ثلاثا ، فإن جئت به ، وإلا عد نفسك مع الهلكى . ‹ صفحة 281 ›

وأخرج محمد نحو السجن منتقع اللون يتل تلا عنيفا ، فقال حجر ابن يزيد الكندي لزياد : ضمنيه وخل سبيله يطلب صاحبه فإنه مخلى سربه أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسا ! فقال : أتضمنه ؟ ! قال : نعم .
قال : أما والله لئن حاص عنك لأزيرنك شعوب ( ق ) وإن كنت الآن علي كريما .
قال : إنه لا يفعل . فخلى سبيله ، وأحضر قيس بن يزيد أسيرا ، فقال له : إني قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر الا حمية ، قد غفرتها لك لما أعلم من حسن رأيك وحسن بلائك - كان مع معاوية في صفين - ولكن لن أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير . قال : أجيئك به إن شاء الله . قال : فهات من يضمنه لي معك . قال : هذا حجر بن يزيد يضمنه لك معي .
قال حجر بن يزيد : نعم أضمنه لك على أن تؤمنه على ماله ودمه .
قال : ذلك لك . فانطلقا فأتيا به وهو جريح ، فأمر به فأوقر حديدا ثم أخذته الرجال ترفعه حتى إذا بلغ سورها ألقوه فوقع على الأرض ، ثم رفعوه وألقوه ففعلوا به ذلك مرارا ، فقام إليه حجر بن يزيد ، فقال : ألم تؤمنه على ماله ودمه ‹ صفحة 282 › أصلحك الله ؟ !

قال : بلى قد آمنته على ماله ودمه ، ولست أهريق له دما ولا آخذ له مالا ! قال : أصلحك الله ! يشفى به على الموت ، ودنا منه ، وقام من كان عنده من أهل اليمن ( ر ) فدنوا منه وكلموه .
فقال : أتضمنونه لي بنفسه فمتى ما أحدث حدثا أتيتموني به ؟ ! قالوا : نعم . فخلى سبيله .
ومكث حجر بن عدي في منزل ربيعة الأزدي يوما وليلة ثم بعث إلى محمد بن الأشعث : إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد ، فلا يهولنك شئ من أمره ، فإني خارج إليك ، إجمع نفرا من قومك ثم ادخل عليه فاسأله أن يؤمنني حتى يبعث بي إلى معاوية فيرى في رأيه .
فخرج ابن الأشعث إلى حجر بن يزيد وإلى جرير بن عبد الله وإلى عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فأتاهم فدخلوا إلى زياد فكلموه وطلبوا منه أن يؤمنه حتى يبعث به إلى معاوية فيرى فيه رأيه ففعل ، فبعثوا إليه يعلمونه أن قد أخذنا الذي تسأل ، وأمروه أن يأتي . فأقبل حتى دخل على زياد . فقال زياد : مرحبا بك أبا عبد الرحمن ! حرب في أيام الحرب ، وحرب وقد سالم الناس ، على أهلها تجني براقش ! ( ش ) .

‹ صفحة 283 ›

قال : ما خالعت طاعة ، ولا فارقت جماعة ، وإني لعلى بيعتي !
فقال : هيهات ! هيهات يا حجر !
تشج بيد وتأسوا بأخرى وتريد إذا أمكن الله منك أن نرضى ، كلا والله .
قال : ألم تؤمني حتى آتي معاوية فيرى في رأيه ؟ !
قال : بلى ! قد فعلنا ، انطلقوا به إلى السجن ، فلما قفي به من عنده ، قال زياد : أما والله لولا أمانة ما برح أو يلفظ مهجة نفسه . وقال زياد : والله لأحرصن على قطع خيط رقبته .
ولما قفي بحجر من عند زياد نادى بأعلى صوته : اللهم !
إني على بيعتي ! لا أقيلها ولا أستقيلها !

سماع الله والناس ، وكان عليه برنس في غداة باردة ، فحبس عشر ليال وزياد ليس له عمل إلا طلب رؤساء أصحاب حجر . وخرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى أتيا أرض الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه ، وبلغ عامل الرستاق أن رجلين قد كمنا في جانب الجبل ، فاستنكر شأنهما ، فسار إليهما في الخيل فلما انتهى إليهما خرجا . فأما عمرو بن الحمق فكان قد استسقى بطنه ( ت ) ولم يكن عنده امتناع ، وأما رفاعة فكان شابا قويا فركب فرسه ليقاتل عن عمرو ، فقال له عمرو : ما ينفعني قتالك ، أنج بنفسك .
فحمل عليهم فأفرجوا له فنجا ، وأخذ عمرو أسيرا ، فسألوا : من أنت ؟
فقال : من إن تركتموه كان أسلم لكم . وإن قتلتموه كان أضر ‹ صفحة 284 › عليكم .

ولم يخبرهم ، فبعثوا به إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله ابن عثمان الثقفي الذي يعرف بابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية ، فعرفه ، فكتب فيه إلى معاوية .
فكتب إليه : إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص ( ث ) كانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان ( خ ) فمات في الأولى منهن أو في الثانية . وعمرو بن الحمق ( ذ ) هذا كان قد هاجر إلى النبي بعد الحديبية وصحبه وحفظ عنه أحاديث ، وسقى النبي فقال : " اللهم أمتعه بشبابه " فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء .
وكان ممن سار إلى عثمان وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه ‹ صفحة 285 › الدار ، وصار بعد ذلك من شيعة علي وشهد مشاهده كلها : الجمل وصفين والنهروان . وأعان حجر بن عدي وكان من أصحابه وخاف من زياد فهرب منه إلى الموصل .

وقطع عامل الموصل رأسه فبعث به زياد إلى معاوية ، وكان أول رأس حمل في الاسلام من بلد إلى بلد . فبعث به معاوية إلى زوجته آمنة بن الشريد في السجن وكان قد حبسها معاوية في سجن دمشق زمانا حتى وجه إليها رأس عمرو بن الحمق فألقي في حجرها فارتاعت لذلك ثم وضعته في حجرها ووضعت كفها على جبينه ثم لثمت فاه ، ثم قالت : " غيبتموه عني طويلا ثم أهديتموه إلي قتيلا ، فأهلا به من هدية غير قالية ولا مقلية " وكان قتله سنة خمسين . وروى الطبري وقال : وجه زياد في طلب أصحاب حجر فأخذوا يهربون منه ويأخذ من قدر عليه منهم . قال : وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له : إن امرءا منا من بني همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك ! فبعث إليه زياد فأتي به . فقال له زياد : يا عدو الله ! ما تقول في أبي تراب ؟ !
قال : ما أعرف أبا تراب ! قال : ما أعرفك به ! ‹ صفحة 286 › قال : ما أعرفه ! قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ ! قال : بلى ! قال : فذاك أبو تراب ! قال : كلا !
ذاك أبو الحسن والحسين عليه السلام ! فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير : " هو أبو تراب " وتقول أنت : لا ! قال : وإن كذب الأمير ، أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد ؟ ! قال له زياد : وهذا - أيضا - مع ذنبك ! علي بالعصا ، فأتي بها . فقال : ما قولك ؟ !
قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين !
قال : اضربوا . عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض . فضرب حتى لزم الأرض . ثم قال : أقلعوا عنه ، إيه ! ما قولك في علي ؟ !
قال : والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ، ما قلت إلا ما سمعته مني !
قال : لتلعننه أو لأضربن عنقك ! قال : إذا تضربها والله قبل ذلك ! فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت !
قال : ادفعوا في رقبته !
ثم قال : أوقروه حديدا وألقوه في السجن ! ثم بعث إلى عبد الله بن خليفة الطائي - وكان شهد مع حجر ‹ صفحة 287 › وقاتلهم قتالا شديدا - فبعث إليه زياد بكير بن حمران الأحمري ( ض ) - وكان تبيع العمال - فبعثه في أناس من أصحابه فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عدي بن حاتم فأخرجوه ، فلما أرادوا أن يذهبوا به - وكان عزيز النفس - امتنع منهم ، فحاربهم وقاتلهم فشجوه ورموه بالحجارة حتى سقط ، فنادت ميثاء أخته : يا معشر طئ !
أتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم ؟ !
فلما سمع الأحمري نداءها خشي أن تجتمع طئ ، فيهلك فهرب ، وخرج نسوة من طئ فأدخلنه دارا ، وانطلق الأحمري حتى أتى زيادا فقال : إن طيئا اجتمعت إلي فلم أطقهم فأتيتك ، فبعث زياد إلى عدي وكان في المسجد فحبسه ، وقال : جئني به .
فقال عدي : كيف آتيك برجل قد قتله القوم ؟ !
قال : جئني به حتى أرى أن قد قتلوه .
فاعتل له وقال : لا أدري أين هو ، ولا ما فعل . فحبسه ، فلم يبق رجل من أهل المصر ومن أهل اليمن وربيعة ومضر إلا فزع لعدي ، فأتوا زيادا فكلموه فيه . فأرسل عبد الله بن خليفة إلى عدي : إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلت ، فبعث إليه عدي : والله إن كنت تحت قدمي ما رفعتهما عنك . فدعا زياد عديا ، فقال له : إني أخلي سبيلك على أن تنفيه إلى جبلي طئ قال : نعم .
فأرسل عدي إلى عبد الله أن اخرج فإذا سكن غضبه كلمته فيك .

‹ صفحة 288 ›
فخرج .

وأتي زياد بكريم بن عفيف الخثعمي ( ظ ) فقال : ما اسمك ؟
قال : أنا كريم بن عفيف . قال : ويحك ! أو ويلك ! ما أحسن اسمك واسم أبيك ، وأسوأ عملك ورأيك ! قال : أما والله إن عهدي برأيك لمنذ قريب .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‹ هامش ص 281 ›
( ق ) شعوب : اسم علم للمنية .
‹ هامش ص 282 ›
( ر ) يقصد القبائل السبائية من أهل اليمن .
( ش ) يضرب في المثل قيل اسم كلبه سمعت وقع حوافر دواب فنبحت فاستدلوا بنباحها على القبيلة فاستباحوهم ، وقيل غير ذلك . راجع لغة برقش من التاج .

‹ هامش ص 283 ›
( ت ) ماء يجتمع في البطن من علة معروفة يعرف بالاستسقاء .
‹ هامش ص 284 ›
( ث ) المشاقص : جمع المشقص بالكسر نصل عريض يرمى به الوحش . ( خ ) في الاستيعاب ( 2 / 478 ) بترجمة عثمان بن عفان : " واختلف في من باشر قتله بنفسه - أي قتل عثمان - فقيل : محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص ، وقيل : بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده غيره وكان الذي قتله سودان بن حمران ، وقيل : بل إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزها ، وقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن أبي سرح ، وما أغنى عنك ابن عامر ، فقال له : يا ابن أخي ! أرسل لحيتي فوالله إنك لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك ، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني . فيقال : إنه حينئذ تركه وخرج عنه . ويقال : إنه حينئذ أشار إلى من كان معه فطعنه أحدهم وقتلوه " .
( ذ ) أخذنا هذه الترجمة من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ، وقصة بعث رأس عمرو إلى زوجته من أسد الغابة خاصة .

‹ هامش ص 287 ›
( ض ) الأحمري والحمراء : العجم يقال لهم ذلك لبياض لونهم .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيخ محمد العبدالله 08-03-2010 02:20 AM

تكملة
 

قال الطبري : وانحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة ، وضرب رجل من الشرطة عبد الله بن خليفة الطائي بعمود فصرعه وهو يرتجز : قد علمت يوم الهياج خلتي * أني إذا ما فئتي تولت وكثرت عداتها أو قلت * أني قتال غداة بلت وخرج أصحاب حجر من تلقاء أبواب كندة فركب حجر وانتهى إلى داره واجتمع ناس كثير من أصحابه ولم يأته من كندة كثير أحد ، وقاتلوا دون حجر فقال لهم حجر : لا أبالكم ، تفرقوا لا تقاتلوا فإني آخذ في بعض السكك ثم آخذ طريقا نحو بني حرب ، فسار حتى انتهى إلى دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد فدخل داره ، وجاء القوم في طلبه حتى انتهوا إلى تلك الدار فأخذ سليم سيفه ثم ذهب ليخرج إليهم ، فبكت بناته . ‹ صفحة 280 › فقال له حجر : ما تريد ؟ !

قال : أريد والله [ أن ] أسألهم أن ينصرفوا عنك ، فإن فعلوا وإلا ضاربتهم بسيفي هذا ما ثبت قائمه في يدي دونك !

قال حجر : لا أبا لغيرك ، بئس ما دخلت به إذا على بناتك . قال : إني والله ما أمونهن ولا أرزقهن ، إن هو إلا على الحي الذي لا يموت ، ولا أشتري العار بشئ أبدا ، ولا تخرج من داري أسيرا أبدا وأنا حي أملك قائم سيفي ، فإن قتلت دونك ، فاصنع ما بدا لك ! قال حجر : أما في دارك هذه حائط أقتحمه ، أو خوخة أخرج منها عسى أن يسلمني الله عز وجل منهم ، ويسلمك ، فإذا القوم لم يقدروا علي عندك لم يضروك . قال : بلى !

هذه خوخة تخرجك إلى دور بني العنبر وإلى غيرهم من قومك ، فخرج حتى انتهى إلى النخع ، وأقبل إلى دار عبد الله بن الحارث أخي الأشتر ، فأحسن لقاءه ، فبينما هو عنده إذ أتي فقيل له : إن الشرط تسأل عنك في النخع ، وذلك أن أمه سوداء لقيتهم فقالت : من تطلبون ؟
فقالوا : حجر بن عدي ، فقالت : هو في النخع ، فانصرفوا نحو النخع . فخرج من عند عبد الله متنكرا ، وركب معه عبد الله بن الحارث ليلا حتى أتى دار ربيعة بن ناجد الأزدي في الأزد ، فنزلها يوما وليلة ، فلما أعجزهم أن يقدروا عليه ، دعا زياد بمحمد بن الأشعث فقال له : يا أبا ميثاء ! أما والله لتأتيني بحجر أو لا أدع لك نخلة إلا قطعتها ، ولا دارا إلا هدمتها ، ثم لا تسلم مني حتى أقطعك إربا إربا ! قال : أمهلني حتى أطلبه .
قال : قد أمهلتك ثلاثا ، فإن جئت به ، وإلا عد نفسك مع الهلكى . ‹ صفحة 281 ›

وأخرج محمد نحو السجن منتقع اللون يتل تلا عنيفا ، فقال حجر ابن يزيد الكندي لزياد : ضمنيه وخل سبيله يطلب صاحبه فإنه مخلى سربه أحرى أن يقدر عليه منه إذا كان محبوسا ! فقال : أتضمنه ؟ ! قال : نعم .
قال : أما والله لئن حاص عنك لأزيرنك شعوب ( ق ) وإن كنت الآن علي كريما .
قال : إنه لا يفعل . فخلى سبيله ، وأحضر قيس بن يزيد أسيرا ، فقال له : إني قد علمت أنك لم تقاتل مع حجر الا حمية ، قد غفرتها لك لما أعلم من حسن رأيك وحسن بلائك - كان مع معاوية في صفين - ولكن لن أدعك حتى تأتيني بأخيك عمير . قال : أجيئك به إن شاء الله . قال : فهات من يضمنه لي معك . قال : هذا حجر بن يزيد يضمنه لك معي .
قال حجر بن يزيد : نعم أضمنه لك على أن تؤمنه على ماله ودمه .
قال : ذلك لك . فانطلقا فأتيا به وهو جريح ، فأمر به فأوقر حديدا ثم أخذته الرجال ترفعه حتى إذا بلغ سورها ألقوه فوقع على الأرض ، ثم رفعوه وألقوه ففعلوا به ذلك مرارا ، فقام إليه حجر بن يزيد ، فقال : ألم تؤمنه على ماله ودمه ‹ صفحة 282 › أصلحك الله ؟ !

قال : بلى قد آمنته على ماله ودمه ، ولست أهريق له دما ولا آخذ له مالا ! قال : أصلحك الله ! يشفى به على الموت ، ودنا منه ، وقام من كان عنده من أهل اليمن ( ر ) فدنوا منه وكلموه .
فقال : أتضمنونه لي بنفسه فمتى ما أحدث حدثا أتيتموني به ؟ ! قالوا : نعم . فخلى سبيله .
ومكث حجر بن عدي في منزل ربيعة الأزدي يوما وليلة ثم بعث إلى محمد بن الأشعث : إنه قد بلغني ما استقبلك به هذا الجبار العنيد ، فلا يهولنك شئ من أمره ، فإني خارج إليك ، إجمع نفرا من قومك ثم ادخل عليه فاسأله أن يؤمنني حتى يبعث بي إلى معاوية فيرى في رأيه .
فخرج ابن الأشعث إلى حجر بن يزيد وإلى جرير بن عبد الله وإلى عبد الله بن الحارث أخي الأشتر فأتاهم فدخلوا إلى زياد فكلموه وطلبوا منه أن يؤمنه حتى يبعث به إلى معاوية فيرى فيه رأيه ففعل ، فبعثوا إليه يعلمونه أن قد أخذنا الذي تسأل ، وأمروه أن يأتي . فأقبل حتى دخل على زياد . فقال زياد : مرحبا بك أبا عبد الرحمن ! حرب في أيام الحرب ، وحرب وقد سالم الناس ، على أهلها تجني براقش ! ( ش ) .

‹ صفحة 283 ›

قال : ما خالعت طاعة ، ولا فارقت جماعة ، وإني لعلى بيعتي !
فقال : هيهات ! هيهات يا حجر !
تشج بيد وتأسوا بأخرى وتريد إذا أمكن الله منك أن نرضى ، كلا والله .
قال : ألم تؤمني حتى آتي معاوية فيرى في رأيه ؟ !
قال : بلى ! قد فعلنا ، انطلقوا به إلى السجن ، فلما قفي به من عنده ، قال زياد : أما والله لولا أمانة ما برح أو يلفظ مهجة نفسه . وقال زياد : والله لأحرصن على قطع خيط رقبته .
ولما قفي بحجر من عند زياد نادى بأعلى صوته : اللهم !
إني على بيعتي ! لا أقيلها ولا أستقيلها !

سماع الله والناس ، وكان عليه برنس في غداة باردة ، فحبس عشر ليال وزياد ليس له عمل إلا طلب رؤساء أصحاب حجر . وخرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى أتيا أرض الموصل فأتيا جبلا فكمنا فيه ، وبلغ عامل الرستاق أن رجلين قد كمنا في جانب الجبل ، فاستنكر شأنهما ، فسار إليهما في الخيل فلما انتهى إليهما خرجا . فأما عمرو بن الحمق فكان قد استسقى بطنه ( ت ) ولم يكن عنده امتناع ، وأما رفاعة فكان شابا قويا فركب فرسه ليقاتل عن عمرو ، فقال له عمرو : ما ينفعني قتالك ، أنج بنفسك .
فحمل عليهم فأفرجوا له فنجا ، وأخذ عمرو أسيرا ، فسألوا : من أنت ؟
فقال : من إن تركتموه كان أسلم لكم . وإن قتلتموه كان أضر ‹ صفحة 284 › عليكم .

ولم يخبرهم ، فبعثوا به إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عبد الله ابن عثمان الثقفي الذي يعرف بابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية ، فعرفه ، فكتب فيه إلى معاوية .
فكتب إليه : إنه زعم أنه طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص ( ث ) كانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي عليه ، فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان ( خ ) فمات في الأولى منهن أو في الثانية . وعمرو بن الحمق ( ذ ) هذا كان قد هاجر إلى النبي بعد الحديبية وصحبه وحفظ عنه أحاديث ، وسقى النبي فقال : " اللهم أمتعه بشبابه " فمرت عليه ثمانون سنة لا ترى في لحيته شعرة بيضاء .
وكان ممن سار إلى عثمان وهو أحد الأربعة الذين دخلوا عليه ‹ صفحة 285 › الدار ، وصار بعد ذلك من شيعة علي وشهد مشاهده كلها : الجمل وصفين والنهروان . وأعان حجر بن عدي وكان من أصحابه وخاف من زياد فهرب منه إلى الموصل .

وقطع عامل الموصل رأسه فبعث به زياد إلى معاوية ، وكان أول رأس حمل في الاسلام من بلد إلى بلد . فبعث به معاوية إلى زوجته آمنة بن الشريد في السجن وكان قد حبسها معاوية في سجن دمشق زمانا حتى وجه إليها رأس عمرو بن الحمق فألقي في حجرها فارتاعت لذلك ثم وضعته في حجرها ووضعت كفها على جبينه ثم لثمت فاه ، ثم قالت : " غيبتموه عني طويلا ثم أهديتموه إلي قتيلا ، فأهلا به من هدية غير قالية ولا مقلية " وكان قتله سنة خمسين . وروى الطبري وقال : وجه زياد في طلب أصحاب حجر فأخذوا يهربون منه ويأخذ من قدر عليه منهم . قال : وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له : إن امرءا منا من بني همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس أصحاب حجر وهو أشد الناس عليك ! فبعث إليه زياد فأتي به . فقال له زياد : يا عدو الله ! ما تقول في أبي تراب ؟ !
قال : ما أعرف أبا تراب ! قال : ما أعرفك به ! ‹ صفحة 286 › قال : ما أعرفه ! قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟ ! قال : بلى ! قال : فذاك أبو تراب ! قال : كلا !
ذاك أبو الحسن والحسين عليه السلام ! فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير : " هو أبو تراب " وتقول أنت : لا ! قال : وإن كذب الأمير ، أتريد أن أكذب وأشهد له على باطل كما شهد ؟ ! قال له زياد : وهذا - أيضا - مع ذنبك ! علي بالعصا ، فأتي بها . فقال : ما قولك ؟ !
قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين !
قال : اضربوا . عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض . فضرب حتى لزم الأرض . ثم قال : أقلعوا عنه ، إيه ! ما قولك في علي ؟ !
قال : والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ، ما قلت إلا ما سمعته مني !
قال : لتلعننه أو لأضربن عنقك ! قال : إذا تضربها والله قبل ذلك ! فإن أبيت إلا أن تضربها رضيت بالله وشقيت أنت !
قال : ادفعوا في رقبته !
ثم قال : أوقروه حديدا وألقوه في السجن ! ثم بعث إلى عبد الله بن خليفة الطائي - وكان شهد مع حجر ‹ صفحة 287 › وقاتلهم قتالا شديدا - فبعث إليه زياد بكير بن حمران الأحمري ( ض ) - وكان تبيع العمال - فبعثه في أناس من أصحابه فأقبلوا في طلبه فوجدوه في مسجد عدي بن حاتم فأخرجوه ، فلما أرادوا أن يذهبوا به - وكان عزيز النفس - امتنع منهم ، فحاربهم وقاتلهم فشجوه ورموه بالحجارة حتى سقط ، فنادت ميثاء أخته : يا معشر طئ !
أتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم ؟ !
فلما سمع الأحمري نداءها خشي أن تجتمع طئ ، فيهلك فهرب ، وخرج نسوة من طئ فأدخلنه دارا ، وانطلق الأحمري حتى أتى زيادا فقال : إن طيئا اجتمعت إلي فلم أطقهم فأتيتك ، فبعث زياد إلى عدي وكان في المسجد فحبسه ، وقال : جئني به .
فقال عدي : كيف آتيك برجل قد قتله القوم ؟ !
قال : جئني به حتى أرى أن قد قتلوه .
فاعتل له وقال : لا أدري أين هو ، ولا ما فعل . فحبسه ، فلم يبق رجل من أهل المصر ومن أهل اليمن وربيعة ومضر إلا فزع لعدي ، فأتوا زيادا فكلموه فيه . فأرسل عبد الله بن خليفة إلى عدي : إن شئت أن أخرج حتى أضع يدي في يدك فعلت ، فبعث إليه عدي : والله إن كنت تحت قدمي ما رفعتهما عنك . فدعا زياد عديا ، فقال له : إني أخلي سبيلك على أن تنفيه إلى جبلي طئ قال : نعم .
فأرسل عدي إلى عبد الله أن اخرج فإذا سكن غضبه كلمته فيك .

‹ صفحة 288 ›
فخرج .

وأتي زياد بكريم بن عفيف الخثعمي ( ظ ) فقال : ما اسمك ؟
قال : أنا كريم بن عفيف . قال : ويحك ! أو ويلك ! ما أحسن اسمك واسم أبيك ، وأسوأ عملك ورأيك ! قال : أما والله إن عهدي برأيك لمنذ قريب .

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‹ هامش ص 281 ›
( ق ) شعوب : اسم علم للمنية .
‹ هامش ص 282 ›
( ر ) يقصد القبائل السبائية من أهل اليمن .
( ش ) يضرب في المثل قيل اسم كلبه سمعت وقع حوافر دواب فنبحت فاستدلوا بنباحها على القبيلة فاستباحوهم ، وقيل غير ذلك . راجع لغة برقش من التاج .

‹ هامش ص 283 ›
( ت ) ماء يجتمع في البطن من علة معروفة يعرف بالاستسقاء .
‹ هامش ص 284 ›
( ث ) المشاقص : جمع المشقص بالكسر نصل عريض يرمى به الوحش . ( خ ) في الاستيعاب ( 2 / 478 ) بترجمة عثمان بن عفان : " واختلف في من باشر قتله بنفسه - أي قتل عثمان - فقيل : محمد بن أبي بكر ضربه بمشقص ، وقيل : بل حبسه محمد بن أبي بكر وأسعده غيره وكان الذي قتله سودان بن حمران ، وقيل : بل إن محمد بن أبي بكر أخذ بلحيته فهزها ، وقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن أبي سرح ، وما أغنى عنك ابن عامر ، فقال له : يا ابن أخي ! أرسل لحيتي فوالله إنك لتجبذ لحية كانت تعز على أبيك ، وما كان أبوك يرضى مجلسك هذا مني . فيقال : إنه حينئذ تركه وخرج عنه . ويقال : إنه حينئذ أشار إلى من كان معه فطعنه أحدهم وقتلوه " .
( ذ ) أخذنا هذه الترجمة من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ، وقصة بعث رأس عمرو إلى زوجته من أسد الغابة خاصة .

‹ هامش ص 287 ›
( ض ) الأحمري والحمراء : العجم يقال لهم ذلك لبياض لونهم .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيخ محمد العبدالله 08-03-2010 02:21 AM

تكملة
 

وهكذا جمع زياد أصحاب حجر في السجن حتى بلغوا اثني عشر رجلا ، ثم دعا رؤوس الأرباع ونظم شهادة عليهم كما مر ذكرها ثم سيرهم إلى الشام وأتبعهم باثنين آخرين فتموا أربعة عشر رجلا ، فلما بلغوا بهم جبانة عرزم ( غ ) نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره وهي في جبانة عرزم فإذا بناته مشرفات ، فاستأذن الحرس أن يوصي أهله ، فأذنوا له .

فلما دنا منهن وهن يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال : أسكتن ، فسكتن فقال : اتقين الله عز وجل واصبرن ، فإني أرجو من ربي في وجهي هذا إحدى الحسنيين :
إما الشهادة وهي السعادة ، وإما الانصراف إليكن في عافية ، وإن ‹ صفحة 289 › الذي كان يرزقكن ويكفيني مؤنتكن هو الله تعالى وهو حي لا يموت أرجو أن لا يضيعكن وأن يحفظني فيكن .
ثم انصرف فمر بقومه فجعل القوم يدعون الله له بالعافية . فقال : إن لمما يعدل عندي خطر ما أنا فيه ، هلاك قومي حيث لا ينصرونني . وكان رجا أن يخلصوه ! ومروا بهم على عبيد الله بن الحر الجعفي فقال : ألا عشرة رهط أستنقذ بهم هؤلاء ؟ ! ألا خمسة ! ؟ فجعل يتلهف فلم يجبه أحد من الناس ! فمضوا بهم حتى انتهوا بهم إلى مرج عذراء وبينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا ! فحبسوا هناك . فلما هم رسول زياد أن ينصرف منهم إلى معاوية قام إليه حجر يرسف في قيوده فقال : أبلغ معاوية أن دماءنا عليه حرام ، وأخبره أنا قد أومنا وصالحناه فليتق الله ولينظر في أمرنا ، واستشفع فيهم جماعة عند معاوية ، فأمر بتخلية سبيل ستة منهم وأرسل إليهم بأمره فأتوهم عند المساء ورأي الخثعمي أحدهم أعور فقال : يقتل نصفنا وينجو نصفنا .

فقال سعد بن نمران : اللهم اجعلني ممن ينجو وأنت عني راض .

فقال عبد الرحمان بن حسان العنزي : اللهم اجعلني ممن تكرم بهوانهم وأنت عني راض ، فطالما عرضت نفسي للقتل فأبى الله إلا ما أراد . فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستة ويقتل ثمانية . فقال لهم رسول معاوية :

‹ صفحة 290 ›

أنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له ، فإن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم ، وأن أمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت له بشهادة أهل مصركم عليكم ، غير أنه قد عفا عن ذلك فابرأوا من هذا الرجل نخل سبيلكم ! قالوا :
اللهم إنا لسنا فاعلي ذلك ! فأمر بقبورهم فحفرت ، وأدنيت أكفانهم ، وقاموا الليل كله يصلون . فلما أصبحوا ، قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء !
لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة ، وأحسنتم الدعاء ، فاخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ !
قالوا : هو أول من جار في الحكم ، وعمل بغير الحق !
فقال أصحاب معاوية : أمير المؤمنين كان أعلم بكم ! ثم قاموا إليهم فقالوا : تبرأون من هذا الرجل ؟ ! قالوا : بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه .
فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله ، ووقع قبيصة في يدي أبي شريف البدي . فقال له قبيصة : إن الشر بين قومي وقومك آمن ، فليقتلني سواك ! فقال له : برتك رحم ! فأخذ الحضرمي فقتله ، وقتل القضاعي قبيصة ثم إن حجرا قال لهم : دعوني أتوضأ . قالوا له : توضأ : فلما أن توضأ ، قال لهم : دعوني أصل ركعتين .
فأيمن الله ما توضأت قط إلا صليت ركعتين . قالوا : ليصل ، فصلى ثم انصرف .

‹ صفحة 291 ›

فقال : والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ، ولولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت أن أستكثر منها .
ثم قال : اللهم إنا نستعديك على أمتنا ، فإن أهل الكوفة شهدوا علينا ، وإن أهل الشام يقتلوننا !
أما والله لئن قتلتموني بها إني لأول فارس من المسلمين هلك في واديها ، وأول رجل من المسلمين نبحته كلابها ( آ ) . فمشى إليه الأعور هدبة بن فياض بالسيف فأرعدت خصائله . فقال : كلا !
زعمت أنك لا تجزع من الموت ، فأنا أدعك فابرأ من صاحبك !
فقال : ما لي لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا ، وإني والله إن جزعت من القتل لا أقول ما يسخط الرب .
فقتله ، وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة .

فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي :
ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته .

فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما ، فبعث إليهم أن ائتوني بهما . فلما دخلا عليه قال الخثعمي : الله الله ! يا معاوية ! فإنك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ثم مسؤول عما أردت بقتلنا ، وفيم سفكت دماءنا . ‹ صفحة 292 ›

فقال معاوية : ما تقول في علي ؟
قال : أقول فيه قولك ! قال : أتبرأ من دين علي الذي كان يدين الله به ، فسكت وكره معاوية أن يجيبه ، فقال ابن عم له فاستوهبه من معاوية .
فحبسه شهرا ثم خلى سبيله على أن لا يدخل الكوفة .
ثم أقبل على عبد الرحمن العنزي فقال : إيه يا أخا ربيعة ما قولك في علي ؟ !
قال : دعني ولا تسألني فإنه خير لك قال : والله لا أدعك حتى تخبرني عنه ! قال : أشهد أنه كان من الذاكرين الله كثيرا ، ومن الآمرين بالحق والقائمين بالقسط والعافين عن الناس !
قال : فما قولك في عثمان ؟ ! قال : هو أول من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحق ! قال : قتلت نفسك .
قال : بل إياك قتلت ولا ربيعة بالوادي ( با ) !
فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه :
أما بعد ، فإن هذا العنزي شر من بعثت ، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها واقتله شر قتلة . ‹ صفحة 293 › فلما قدم به على زياد بعث زياد به إلى قيس الناطف فدفن به حيا ( جا ) .


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‹ هامش ص 287 ›
( ض ) الأحمري والحمراء : العجم يقال لهم ذلك لبياض لونهم .

‹ هامش ص 288 ›
( ظ ) بنو خثعم بن أنمار من قبائل قحطان السبائية ونسب كريم في جمهرة أنساب ابن حزم ( ص 391 ) وقتل هذا مع حجر في مرج عذراء . ( غ ) في معجم البلدان : الجبان : الصحراء وأهل الكوفة يسمون المقابر جبانة ، وبالكوفة محال تسمى بهذا الاسم وتضاف إلى القبائل منها جبانة عرزم .

‹ هامش ص 291 ›
( آ ) يقصد تقتلون بسيفكم في هذه الأرض من فتحها لكم بسيفه وكان أول مسلم وطأتها قدماه ! ! ! وهلك في واديها : مشى فيها .

‹ هامش ص 292 ›
( با ) قال ذلك لما رأى الخثعمي كلم معاوية في شأن ابن عمه ولم يكن له أحد يكلم معاوية في شأنه .


تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيخ محمد العبدالله 08-03-2010 02:22 AM

آراء المسلمين في حجر وقتله
 
آراء المسلمين في حجر وقتله :


قال الطبري : ولما حمل العنزي والخثعمي إلى معاوية قال العنزي لحجر : يا حجر ! لا يبعدنك الله ، فنعم أخو الاسلام كنت ! وقال الخثعمي : لا تبعد ولا تفقد ! فقد كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر .
فأتبعهما حجر بصره وقال : كفى بالموت قطاعا لحبل القرائن !

وفي ترجمة حجر من الاستيعاب : لما بلغ ما صنع بهم زياد إلى عائشة أم المؤمنين ( رض ) بعثت إلى معاوية عبد الرحمن بن الحارث بن هشام تقول : الله الله في حجر وأصحابه ، فوجده عبد الرحمن قد قتل هو وخمسة من أصحابه .

فقال لمعاوية : أين عزب عنك حلم أبي سفيان في حجر وأصحابه ، ألا حبستهم في السجون وعرضتهم للطاعون ! ؟
قال : حين غاب عني مثلك من قومي .

قال : والله لا تعد لك العرب حلما بعدها أبدا ولا رأيا ، قتلت قوما بعث بهم إليك أسارى من المسلمين . ‹ صفحة 294 ›

قال : فما أصنع ؟ ! كتب إلي فيهم زياد ، يشدد أمرهم ويذكر أنهم سيفتقون علي فتقا لا يرقع .

وقال : كانت عائشة أم المؤمنين تقول : أما والله لو علم معاوية أن عند أهل الكوفة منعة ما اجترأ على أن يأخذ حجرا وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام ، ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس !
أما والله إن كانوا لجمجمة العرب عدا ومنعة وفقها ، ولله در لبيد حيث يقول :

ذهب الذين يعاش في أكفانهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب
لا ينفعون ولا يرجى خيرهم * ويعاب قائلهم وإن لم يشغب

وقال : لما حج معاوية جاء إلى المدينة زائرا فاستأذن على عائشة ( رض ) فأذنت له ، فلما قعد قالت له : يا معاوية !
أمنت أن أخبئ لك من يقتلك بأخي محمد بن أبي بكر ! ؟
فقال : بيت الأمان دخلت !
وقالت : يا معاوية !
أما خشيت الله في قتل حجر وأصحابه ؟ ! قال : إنما قتلهم من شهد عليهم !
وفي مسند أحمد ( دا ) أنه قال في جوابها : ما كنت لتفعليه وأنا في بيت أمان !
وقد سمعت النبي ( ص ) يقول : الايمان قيد الفتك ، كيف أنا في الذي بيني وبينك وفي حوائجك ؟ !
قالت : صالح .

‹ صفحة 295 ›

قال : فدعينا وإياهم حتى نلتقي عند ربنا عز وجل . وفي الاستيعاب : أن ابن عمر كان في السوق فنعي إليه حجر ، فأطلق حبوته وقام وقد غلب عليه النحيب . قال : " ولما بلغ الربيع بن زياد الحارثي من بني الحارث بن كعب ، وكان فاضلا جليلا ، وكان عاملا لمعاوية على خراسان ، فلما بلغه قتل معاوية حجر بن عدي دعا الله عز وجل فقال : اللهم إن كان للربيع عندك خير فاقبضه إليك وعجل ، فلم يبرح من مجلسه حتى مات رحمه الله " . وجعل معاوية لما حضرته الوفاة يغرغر بالصوت ويقول :
" يومي منك يا حجر طويل " ( ها ) .


هذا هو حجر وأولئك أصحابه وتلك سبئيتهم ! ! !

عباد الأمة وزهادها ، من أفاضل أصحاب النبي الأبرار وتابعيهم بإحسان ، أنكروا على الولاة ( أمثال المغيرة بن شعبة ، وزياد بن أبيه ) لعنهم الامام عليا على المنابر ، ولم يرتضوا تأخيرهم الصلاة عن وقتها ، أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، فحوربوا حتى أسروا وزورت عليهم شهادة الشهود ، ثم صفدوا بالاغلال وحملوا من بلد إلى بلد ، ثم عرض عليهم لعن الامام والبراءة من دينه ، فأبوا لعن أخي الرسول وأول القوم إسلاما ، وأبوا أن يتبرأوا من دينه دين الاسلام ، فحفرت أمامهم القبور ونشرت أكفانهم .
‹ صفحة 296 ›
فمكث هؤلاء حتى الصباح يصلون لربهم ويدعون ، وفي الصباح عرض عليهم لعن علي والبراءة من دينه أو القتل فاستقبلوا الشهادة واحدا بعد الآخر .
وكان من جملتهم عمرو بن الحمق الخزاعي الذي فر من ابن زياد والتجأ إلى كهف بالقرب من الموصل ، فأدركوه وقطعوا رأسه وأبردوا به من بلد إلى بلد ، ثم ألقوه إلى زوجته المسجونة في ولاء علي يرعبونها .
ومنهم من دفنوه حيا في حب علي وولائه .

وكان وقع فعل جبابرة آل أمية عظيما على أعيان المسلمين ، فتلك أم المؤمنين تبادر بإرسال من يقول لمعاوية : الله الله في حجر وأصحابه ، ثم تقول فيهم : " والله إن كانوا لجمجمة العرب " .
وتستشهد فيهم بقول لبيد :

ذهب الذين يعاش في أكنافهم * وبقيت في خلف كجلد الأجرب

وذلك عبد الله بن عمر يقوم ويطلق حبوته في السوق وينتحب باكيا ، ويدعو فاضل المسلمين الجليل الربيع بن زياد الحارثي أن يقبضه الله إليه فيستجيب الله دعاءه .
ويغرغر معاوية عند موته بقوله : " يومي منك يا حجر طويل " .







هؤلاء هم السبئية ، وهذه أول مرة في التاريخ تطلق السبئية
( وا ) في نص رسمي ويقصد منها التعيير للقبائل السبئية ومن والاها ،
فما الذي دعا زيادا إلى ذلك ؟ !

‹ صفحة 297 ›

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

‹ هامش ص 293 ›
( جا ) ما أوردناه إلى هنا من أمر حجر وأصحابه ملخص مما أورده الطبري في حوادث سنة 51 ه‍ ( 2 / 111 - 143 ) وقد أشرنا إلى مصدرنا في كل ما أخذنا من غيره .

‹ هامش ص 294 ›
( دا ) 4 / 92 .

‹ هامش ص 295 ›
( ها ) الطبري .

‹ هامش ص 296 ›
( وا ) أي قول زياد في كتابه إلى معاوية بشأن حجر وأصحابه ( الترابية السبئية ) .

‹ هامش ص 296 ›
( وا ) أي قول زياد في كتابه إلى معاوية بشأن حجر وأصحابه ( الترابية السبئية ) .

‹ هامش ص 297 ›
( زا ) راجع تاريخ ابن الأثير ( 3 / 370 - 372 ) في ذكر حوادث سنة 44 ه‍ والجزء الأول من هذا الكتاب فصل ( استلحاق زياد ) .

‹ هامش ص 298 ›
( 1 ) الأغاني : 13 / 266 ط ، بيروت ، أخبار عبد الرحمن .
( 2 ) الحاضر : ساكن المدينة ، والبادي : المتردد في البادية .

‹ هامش ص 299 ›
( 1 ) المعتبة : الغيظ والعاتب المغتاظ . أي لا ينقضون هذا العهد عند غضب بعضهم من بعض ، أو استذلال بعضهم لبعض ، أو سب بعضهم لبعض .
( 2 ) الرابعة والخمسون من كتاب الرسائل من النهج ( 3 / 148 ) .
( حا ) بعد هذا الحلف يرد اسم ربيعة في الحوادث مع قبائل اليمن في العراق ، وقد يقال : قبائل اليمن ، ويقصد بها القبائل السبئية وحلفاؤهم . ويقال : " قبائل اليمن وحلفاؤهم من ربيعة وغيرها " راجع تاريخ ابن الأثير ( 5 / 311 ) .
‹ هامش ص 301 ›
( طا ) هؤلاء قتلة الحسين وأهل بيته ، قتل حرملة عبد الله بن الحسين الرضيع في حجر أبيه بسهم ، وقتل منقذ بن مرة ابنه عليا المشهور بالأكبر وكانوا جميعا من العدنانيين .

‹ هامش ص 302 ›
( يا ) كان شبث بن ربعي مع سجاح التميمية حين ادعت النبوة ، قيل : كان مؤذنا لها ، ثم كان في جيش ابن زياد الذي قتل الحسين - جمهرة أنساب العرب ص ( 227 ) . و ( المتكاء ) المرأة العظيمة البطن ، والبظراء ، المفضاة التي لا تمسك البول ، و ( الصحناة ) السمك الصغير المملوح ، و ( الكناسة ) موضع الزبالة محلة بالكوفة .

‹ هامش ص 304 ›
( كا ) مدينة واسط كانت تقع في وسط الطريق بين البصرة والكوفة وفتحها بنو العباس بعد ذلك .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الشيخ محمد العبدالله 08-03-2010 02:23 AM

فما الذي دعا زيادا إلى ذلك ؟ !
 
فما الذي دعا زيادا إلى ذلك ؟ !
كانت والدة زياد سمية أمة لدهقان من دهاقين الفرس ، ثم وهبها للحارث بن كلدة الثقفي وزوجها هذا من عبد رومي له اسمه عبيد ، وعلى فراش عبيد ولدت سمية زيادا ، وكان زياد ينسب إلى عبيد الرومي هذا ، وزياد بنفسه اشترى والديه وأعتقهما .

ثم دار الزمان دورته وإذا بمعاوية الخليفة يلحقه بأبيه أبي سفيان استنادا إلى ادعاء أبي سفيان أنه زنى في الجاهلية بأمه سمية زوجة عبيد الرومي فولدت زيادا من مائه وبشهادة أبي مريم الخمار السلولي حيث شهد بمحضر معاوية وزياد وغيرهما : أن أبا سفيان حضر عنده وطلب منه بغيا ، وأنه قال له : ليس عنده إلا سمية .
فقال له أبو سفيان : ائتني بها على قذرها ووضرها .
قال : فأتيته بها فخلا معها ثم خرجت من عنده وإن إسكتيها ليقطران منيا .
فقال زياد : مهلا أبا مريم !
إنما بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما ( زا ) .
هكذا ألحق معاوية زيادا بنسبه ، وتحرج أبرار المسلمين من نسبة زياد إلى أبي سفيان وقالوا إنه رد لحكم الرسول : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " . وكانوا يقولون فيه : زياد بن أبيه ، وعارض معاوية وزيادا جماعات على عهدهما ، ونظم الشعراء في الاستهزاء بذلك ، الاشعار ! ‹ صفحة 298 › مثل قول عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص :

ألا أبلغ معاوية بن حرب * مغلغة من الرجل الهجان
أتغضب أن يقال أبوك عف * وترضى أن يقال أبوك زان
فأشهد أن رحمك من زياد * كرحم الفيل من ولد الأتان
وأشهد أنها ولدت زيادا * وصخر من سمية غير داني

فبلغ ذلك معاوية بن حرب ، فحلف ألا يرضى عن عبد الرحمن حتى يرضى عنه زياد ، فخرج عبد الرحمن إلى زياد وأرضاه بأبيات قال فيها :

لانت زيادة في آل حرب * أحب إلي من وسطى بناني
سررت بقربه وفرحت لما * أتاني الله منه بالبيان
وقلت له أخو ثقة وعم * بعون الله في هذا الزمان ( 1 )

كل ذلك أوجد في زياد عقدة النقص ، ودفعته هذه العقدة إلى أن يسرف في الشموخ بانتسابه إلى أمية ويبالغ في رفع شأنهم وشأن حلفائهم ، ويقع في مناوئيهم من قبائل قحطان وحلفائها . وكانت ربيعة من حلفاء السبائية ، وذلك لأنهم - أيضا - كانوا من شيعة علي وأنصاره .

ولهم مواقف كريمة في نصرته في واقعة الجمل وغيرها . وعقد الامام بين قبائل اليمن وربيعة حلفا وكتب بينهما ما يلي : هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها ( 2 ) وباديها ، وربيعة حاضرها ‹ صفحة 299 › وباديها أنهم على كتاب الله ، يدعون إليه ويأمرون به ، ويجيبون من دعا إليه وأمر به ، لا يشترون به ثمنا ولا يرضون به بدلا ، وأنهم يد واحدة على من خالف ذلك وتركه ، أنصار بعضهم لبعض ، دعوتهم واحدة ، لا ينقضون عهدهم لمعتبة ( 1 ) عاتب ، ولا لغضب غاضب ، ولا لاستذلال قوم قوما ، ولا لمسبة قوم قوما .
على ذلك شاهدهم وغائبهم ، وسفيههم وعالمهم ، وحليمهم وجاهلهم . ثم إن عليهم بذلك عهد الله وميثاقه إن عهد الله كان مسؤولا . وكتب علي بن أبي طالب ( 2 ) .

دخلت ربيعة بعد هذا الحلف في عداد قبائل اليمن السبئية في العراق وما تابعها ، وأصبحوا يدا واحدة على من ناوأهم ( حا ) .

ودفعت عقدة النقص دعي بني أمية زيادا إلى أن يعير القبائل السبائية كما مر علينا في كتابه إلى معاوية ، وأطلق اللقب - أيضا - على الافراد الذين أعانوهم من غير قبائلهم تغليبا كما يقال للشمس والقمر :
الشمسان والقمران بتغليب أحدهما على الآخر ، ولم يكن زياد يقصد من ‹ صفحة 300 › السبئية غير تعيير القبائل اليمانية ومن أعانها ، شيئا آخر ، ويشهد على ذلك ، الشهادة المزورة التي نظمها ضدهم يصف فيها عقائدهم وجرائم أعمالهم ليقتلهم بها ، فإن كل ما فيه من الغمز بهم والطعن عليهم أنهم : ( أظهروا شتم الخليفة ودعوا إلى حربه ) ذكر هذا في تعداد جرائم أعمالهم .

وفي مقام ذكر عقيدتهم قال : " وزعموا أن الخلافة لآل أبي طالب وأظهروا عذر أبي تراب والترحم عليه " يقصد عذره في قتل عثمان الذي يتهمونه به . ولما لم ترض هذه الشهادة زيادا نظم غيرها وذكر فيها جرائم أعمالهم كما يلي : " إنهم خلعوا الطاعة وفارقوا الجماعة ودعوا إلى حرب الخليفة وجمعوا الجموع ونكثوا البيعة وخلعوا أمير المؤمنين معاوية " .

وبخلعهم معاوية كفروا كفرة صلعاء في حساب دعي بني أمية . وكان ما ذكره في شهاداته المزورة كل ما استطاع أن يتهمهم به من انحراف في العقيدة وجريمة في القول والفعل .

وكان ذلك من زياد الذي كان مخالطا للشيعة في عصر الامام ، وأميرا عليهم بعده ، وممن يعرفهم ويعرف آراءهم ، وقد آلى على أن يحرص على قطع خيط رقبة حجر - وكان ذلك في سنة خمسين أو إحدى وخمسين أي بعد عشر سنوات من حكم الامام - فلو علم زياد المخالط للشيعة قبل ذلك ، والأمير عليهم في يومه ومن ألد أعدائهم ، لو علم هذا بوجود جماعة كانت تدعي الألوهية للامام ، أو برجعة الرسول ، أو غيرهما مما ورد في رواية سيف ، وكتب أهل الملل والنحل ، لما تورع زياد عن نسبتها إلى حجر وجماعته وهو في صدد ‹ صفحة 301 › تعداد جرائمهم ليقتلهم بها .
وكذلك كانت حجة لمعاوية يدافع بها عن نفسه في ما ارتكب من جريمة قتلهم فإنه كان باستطاعته أن يرميهم بها فيقول : كانوا من السبائية .

وعدم رمي زياد ومعاوية أولئك بها أعظم دليل على أن أحدا لم يكن يعرف إلى ذلك التاريخ بوجود فرقة مذهبية دانت بما ذكرها أهل الملل والنحل بعدهم بقرون !

كانت هذه أول مرة أطلقت السبئية في نص رسمي وقصد بها تعيير القبائل السبائية ومن شاركها في ولاء علي . ثم وجدنا بعد ذلك في عصر المختار ، وبعد تغلبه على الكوفة بنصرة القبائل السبائية بقيادة إبراهيم بن الأشتر الهمداني السبائي ، ثم قتله قتلة الحسين أمثال .

عمر بن سعد القرشي ، وشمر بن ذي الجوشن الضبابي ، وحرملة بن كاهل الأسدي ، ومنقذ بن مرة العبدي ( طا ) ونظرائهم من مشاهير العدنانيين .

ثم قتال إبراهيم السبائي لابن زياد - ابن دعي بني أمية - وقتله .

بعد قتل المختار أمثال هؤلاء بالسيف استنادا إلى أنهم قتلة ذرية الرسول وإعلان ذلك ونشر الدعاية ضدهم .

بعد كل ذلك وجدنا خصوم المختار يتكتلون ضده ويقابلونه حربا ‹ صفحة 302 › بالسيف ونشرا للأراجيف .

فنسبوا إليه ادعاء النبوة ونزول الوحي عليه ، ونبزوا أنصاره بالسبئية وقصدوا بها أنهم يمانية آمنوا بالمختار وصدقوا أقواله كما تدل عليه الرواية الآتية :
روى الطبري : أن شبث بن ربعي عندما كان يقاتل جيش المختار أسر منهم سعر بن أبي سعر الحنفي ، وخليد مولى حسان بن يخدج .

فقال شبث لخليد : من أنت ؟ فقال : مولى حسان بن يخدج الذهلي .

فقال له شبث : يا ابن المتكاء !
تركت بيع الصحناة بالكناسة ، وكان جزاء من أعتقك أن تعدو عليه بسيفك تضرب رقابه !
اضربوا عنقه بسيفه . فقتل ( يا ) .

ورأي سعر الحنفي فعرفه ، فقال : أخو بني حنفية ؟ ! فقال له : نعم ! قال : ويحك ! ما أردت إلى اتباع هذه السبئية ؟ قبح الله رأيك ! دعوا ذا . ‹ صفحة 303 ›

هذا النص يدلنا على أن التعيير كان على حساب متابعة قبائل اليمن السبائية لا أكثر من ذلك . فإن شبث بن ربعي كان تميميا من بني يربوع ، وسعر بن أبي سعر بكريا من بني حنيفة بن لجيم ، وكلاهما عدنانيان ، وشبث يعير سعر على اتباعه السبئية اليمانية من أتباع المختار حين هو من العدنانية .
وبعد أن قضوا على المختار وثورته ، وحكم البلد خصومه العدنانيون ، جالوا في العراق وصالوا ، غير أنهم لم يستأصلوا شأفة أنصار المختار السبائيين ، بل ظهر هؤلاء قبل ذلك في جيش التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي السبائي .

وقاتلوا خصومهم حتى قتلوا ، وبعده في ثورات العلويين . وقع كل هذا في مجتمع أهل الكوفة وامتد بامتداد احتكاك الجانبين .

حتى إذا كان أوائل القرن الثاني الهجري نجد لفظة السبئية في نص رسمي آخر كما يلي .

قال الطبري : لما بويع أبو العباس بالخلافة صعد المنبر وخطب وقال في خطبته :
" وخصنا برحم رسول الله وقرابته ، وأنشأنا من آبائه - إلى قوله - بعد إيراد الآيات التي وردت في أهل البيت : فأعلمهم - جل ثناؤه - فضلنا ، وأوجب عليهم حقنا ومودتنا ، وأجزل من الفئ والغنيمة نصيبنا ، تكرمة لنا وفضلا علينا والله ذو الفضل العظيم ، وزعمت السبائية الضلال :
أن غيرنا أحق بالرئاسة والسياسة والخلافة
‹ صفحة 304 › فشاهت وجوههم ، بم ؟ ولم أيها الناس ؟ !
وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم ، وبصرهم بعد جهالتهم ، وأنقذهم بعد هلكتهم ، وأظهر بنا الحق وأدحض بنا الباطل . . . الخ " .


ولماذا افتتح أبو العباس السفاح خلافته بهذا الهجوم ؟

نجد الجواب - أيضا - عند الطبري في ذكر حوادث سنة 132 ه‍ من تاريخه حيث قال ما ملخصه :
وصل الجيش الذي أرسله أبو مسلم إلى العراق وغلبوا على جيش بني أمية ، ثم توجهوا إلى الكوفة ، وبايعوا أبا سلمة حفص بن سليمان مولى السبيع وكان يقال له وزير آل محمد .

وكانت الدعوة لإبراهيم بن محمد ، فلما قتله مروان وبلغ الخبر أبا سلمة أراد أن يحول الامر إلى آل أبي طالب ، وكان إبراهيم بن محمد قد أوصى إلى أخيه أبي العباس السفاح ، فسار هذا مع أهل بيته إلى الكوفة فحال دونهم أبو سلمة وأنزلهم خارج الكوفة وحجر عليهم وكتم أمرهم عن القواد أربعين ليلة ، وكان إذا سئل عنهم يقول : لا تعجلوا ! ليس هذا وقته ، ومدينة واسط ( كا ) لم تفتح بعد .

كان هذا دأبه حتى علم القواد بمكان بني العباس ، فدخلوا عليهم دون علم أبي سلمة وبايعوا السفاح بالخلافة ، ثم أخرجوهم وساروا بهم إلى دار الامارة ثم إلى المسجد ، وبويع السفاح في المسجد بالخلافة ، ثم خطب وقال في خطبته ما أوردناه .


وأراد في ما قال أن يدمغ خصومه الذين كادوا أن يحولوا الخلافة إلى ‹ صفحة 305 › بيت أبناء عمومته فوصفهم بأنهم سبائية ضلال ( لا ) ثم شرح عقيدتهم بقوله :
" زعمت أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا " . لم يستطع السفاح أن يدمغ خصومه بأكثر مما وصفهم بأنهم يرون غيرهم أحق بالرياسة والخلافة ، ولو أمكنه أن يدمغهم بأكثر من ذلك لما تورع عنه ، ولقال :
إنهم ضلال مرقوا عن الاسلام وقالوا بألوهية البشر ، في حين أنه لم يتورع عن قتل أبي سلمة غيلة ( ما ) .

هذه النصوص كلها تتفق في الدلالة على أن السبئية كانت نبزا بالألقاب ، ولم تكن اللفظة يومذاك تدل على المعنى المذهبي الذي اشتهرت به بعد ذلك ، كما لم نجد السبئية استعملت في النبز في غير الكوفة وما والاها إلى ذلك التاريخ .

هكذا كان الامر منذ عصر ابن زياد حتى أوائل القرن الثاني الهجري حيت اختلق سيف بن عمر التميمي العدناني - الذي كان يسكن الكوفة - الأسطورة السبئية ، وطور في ما اختلق مدلول السبئية من الانتساب إلى سبأ بن يشجب إلى الانتساب إلى عبد الله بن سبأ الذي زعمه يهوديا يمانيا قد أظهر الاسلام زمن عثمان وجاء بعقيدة الوصاية والرجعة ، وزعم أنه تبعه جماعات ، وأنهم الذين سموا بالسبئية ، وأن الذين ‹ صفحة 306 › سبق ذكرهم من خاصة علي وشيعته ، كانوا من أعلام السبئيين ، أي من أتباع عبد الله بن سبأ ، وقال :
إن السبئيين أتباع عبد الله بن سبأ هم الذين قتلوا عثمان وبايعوا عليا ، وهم الذين أقاموا حرب الجمل بعد أن تم أمر الطرفين على الصلح .

أدرج كل ذلك في كتابه : ( الجمل ومسير علي وعائشة ) . اختلق سيف هذه الأسطورة في أوائل القرن الثاني الهجري ، وتتفرد بروايتها ، ولم تنتشر إلا بعد أن نقلها عن سيف علماء كبار مثل الطبري المتوفى 310 ه‍ في تاريخه .

وبينما كانت السبئية قبل ذلك تدل على الانتساب إلى القبائل السبائية كما شاهدنا ذلك في الرواة الذين سبق ذكرهم ممن روى أصحاب الصحاح عنهم الحديث . وكانت تذكر أحيانا في محيط الكوفة بصورة نبز القبائل السبائية من شيعة علي ، وإذا بها - بعد اشتهار أسطورة سيف - تدل على الانتساب إلى الفرقة التي اتبعت عبد الله بن سبأ اليهودي اليماني الذي جاء بعقيدة الوصاية والرجعة ، وبعد أن اشتهرت السبئية في الفرقة المذهبية التي اختلقها سيف ، أهمل استعمالها بالنسبة إلى قبائل قحطان اليمنية ونسيت . ثم تطور مدلول السبئية متدرجا بما حيكت حوله من أساطير شعبية حتى دلت على الفرقة القائلة بألوهية علي بعد أن كانت عند سيف تدل على القائلين بأنه وصي النبي فحسب .

وتفصيل القول في ذلك :

أن سيف بن عمر كان يعيش في الكوفة ووضع أساطيره أوائل القرن الثاني الهجري ، وكان يدفعه إلى اختلاق أساطيره أمران : ‹ صفحة 307 ›

أ - تعصبه للعدنانية ضد القبائل القحطانية اليمانية .

ب - قصده التشويش على التاريخ الاسلامي بدافع الزندقة ! ولما كان أنصار الامام وشيعته من القبائل السبائية اليمانية هم الذين كانوا يشكلون الحزب المعارض للحكم العدناني القائم منذ عصر الإمام علي حتى الخلافة الأموية التي كان يعيش سيف في كنفها ، وكان هؤلاء يعتقدون بأن النبي عين الامام عليا وصيا من بعده . أراد سيف - استجابة منه لدوافعه التي ذكرنا - أن يشكك في منشأ عقيدتهم بوصية النبي للامام ، ويشوش في نسبتهم إلى السبئية فاخترع أسطورة عبد الله بن سبأ وجعله من صنعاء اليمن وقال : إنه هو الذي أسس هذه العقيدة دون النبي ، وإن السبئية هم الذين اتبعوه على هذا الرأي ، ثم ذكر في عداد هؤلاء السبئية رؤساء القبائل السبئية اليمنية كما ذكرناه سابقا .

ولو كانت لفظة السبئية في عصر سيف تدل في أوساط الكوفة على الاعتقاد بألوهية الامام لما فات سيفا روايتها ، ولا احتاج إلى اختلاق أسطورة تدل على عقيدة السبئيين بوصية النبي لعلي وهي دون الأولى في التنكيل بهم . أضف إليه أنا لم نجد إلى أخريات القرن الثالث الهجري مؤلفا يذكر للسبئية معنى غير ما قصده سيف .

وإنما وجدنا في أخريات القرن الثالث وأوائل القرن الرابع مؤلفات لأصحاب كتب الملل والنحل والفرق وغيرهم تذكر بأن عبد الله بن سبأ كان يعتقد بأن عليا لم يقتل ولن يقتل !

وأنه إله وأن الامام أحرقه أو أحرق بعض جماعته بالنار ! إذا فقد تطور مدلول السبئية متدرجا من الدلالة على الانتساب إلى ‹ صفحة 308 › قبائل عربية إلى الدلالة على الانتساب إلى فرقة مذهبية تعتقد بأن عليا وصي النبي ، ثم إلى الدلالة على فرقة مذهبية تدين بألوهيته .

ثم حيكت حول السبئية وابن سبأ أساطير لا تكاد تقف عند حد ! أما كيف وقع ذلك ؟ ولم ؟
فنقول : إنا نرى أن سيف بن عمر إنما وضع أسطورة السبئية موافقة لرغبة قبائل عدنان بما نسب جميع الشرور والآثام إلى أفراد من قبائل قحطان السبائية ودافع عن سادة عدنان ، وكانت السلطة في قبائل عدنان مدى عصور الخلافة الاسلامية إلى آخر خليفة عباسي . وموافقة - أيضا - لرغبة عامة في كل عصر بما موه ذلك بزينة الدفاع عن الصحابة - الولاة - في كل ما أوخذوا عليه . فمن ثم ضمن لإسطورته الرواج على مر العصور . ولهذا ما أن انتشر تأليف سيف كتاب ( الجمل ) الذي يحوي هذه الأسطورة ، حتى تداولته الأيدي وتناقلت الألسن أساطيره ، ونقلت الأقلام عنه في الكتب . ثم بقي ما نقلته أقلام علماء - كالطبري - من أسطورة السبئية على حالها كما اختلقها سيف دونما زيادة .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 304 ›
( كا ) مدينة واسط كانت تقع في وسط الطريق بين البصرة والكوفة وفتحها بنو العباس بعد ذلك .

‹ هامش ص 305 ›
( لا ) ورد هذا النص في تاريخ ابن الأثير ( شامية ضلال ) بدل ( سبائية ضلال ) في تاريخ الطبري ورجحنا صحة نص الطبري لان السفاح ذكر بعد ذلك خصومه من بني أمية بأشد وأقسى من هذا .
( ما ) ذكر الطبري وغيره أنهم اغتالوا أبا سلمة لموقفه ذاك .
تم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


الساعة الآن 11:59 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010

Security team