![]() |
الرد على فضيلة يا سارية الجبل
مشهد محمد علي الشبكي / العراق السؤال: حديث: يا سارية الجبل ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي هو : ما مدى صحة الرواية التي تقول بان عمركان في المدينة المنورة وقائد الجيش الاسلامي في العراق انذاك كان اسمه سارية, ثم ان عمر بن الخطاب في المدينة ناداه يا سارية الجبل الجبل,, فهل هذه الرواية صحيحة, ومن هم رواته, حيث انني سمعته يوما من الشيخ عبد الحميد المهاجر حفظه الله.. وان كان صحيحا الا يسجل هذا فضيلة لعمر.؟ونحن نقرأ الحديث (اتقوا فراسة المؤمن) ارجو ان توضحه لنا جزاكم الله خيرا.. ونسالكم الدعاء الجواب: الأخ مشهد المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ليس من المعقول أن تصدَّق مثل هذه الأكاذيب وقد نأى عن نقلها حتى أهل السنة أنفسهم، فلا أهل الصحاح ذكروها ولا أهل السنن لمحوا لها ولا أهل التأريخ والسير نقلوها مع وجود الدواعي الكبرى لنقلها كونها أمراً خارقاً للعادة!ويزيدنا القطع بكذبها وافتعالها عدم استشهاد أحد بها حينما يدافع عن عمر حتى عمر نفسه لم يذكر ذلك في يوم من الأيام لا في مناظرة ولا في حوار ولا في خطبة أو مناسبة ما مع أهميتها وقوتها ووضوح دلالتها على الكرامة والأعجاز الذي لا يجري مثله إلا لمؤمن قد استقر إيمانه وصدقت ظواهره وبواطنه وصلح حاله، فلا يمكن حينما يُنتقد عمر أو يُتهم لا بل لم تذكر هذه الكرامة حتى في أثناء الدفاع عنه. بل عمر نفسه يُكذب هذه القصة حيث كان يجري وراء حذيفة ويلح عليه بأن يخبره عن حاله حيث أن حذيفة حافظ سرِّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المنافقين فكان يلح على حذيفة بالسؤال عن كونه من المنافقين أم لا؟ ومن كان يمتلك مثل هذه الكرامة وهذه الفضائل المزعومة التي تروى هنا وهناك لا يمكن أن يشك في نفسه وفي إيمانه أبداً علماً أن سند الرواية من أضعف ما يمكن. وقد ذكر وجمع ابن كثير المتعصب المتنصب في (البداية والنهاية 7/ 148) القصة ومدارها إما على سيف بن عمر الزنديق الكذاب, وإما عن الواقدي المتروك المجمع على ضعفه, وإما بسند اللالكائي عن مالك بسنده إلى ابن عمر وقد اعترف ابن كثير نفسه بضعفه فقال: ( وفي صحته من حديث مالك نظر ) وبعد أن ذكر كل طرقه قال : (فهذه طرق يشد بعضها بعضاً)، بل هذا دليل على ضعفها كلها مع لأن الوضاع لا يقوي الوضاع, بل يدل على تأكد وضعها والتواطىء عليها. أنه قال عن سند أحد الطرق: وهذا إسناد جيد حسن. فلنرى هذا السند هل هو جيد حسن فعلاً أم لا؟ قال ابن كثير: وقال عبد الله بن وهب: عن يحيى بن أيوب عن أبن عجلان عن نافع عن ابن عمر به..... فنقول: لا ندري ما هي الواسطة بين ابن وهب وابن كثير لنقبل تقويته له حيث أن بين ابن كثير وابن وهب مئات السنين! فلماذا أخفاه ابن كثير؟ ويبدو أنه دلس حالة هنا حيث حكم على هذا السند بأنه (جيد حسن) مع أن هذا المصطلح يكاد أن يكون تضعيفاً حيث أنه مقارب للضعف وأدنى درجات الصحة مع كون رواته الذين ذكرهم ابن كثير هنا كلهم ثقات من رواة البخاري ومسلم!! وقد وجدت أصل طريق ابن كثير هذا عند ابن عساكر في (تاريخ دمشق 44/ 336) قال: ((أخبرنا أبو غالب محمد بن إبراهيم أنا الفقيه أبو الفتح المظفر بن حمزة أنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن بابويه الإصبهاني أنا أبو سعيد بن الأعرابي أنا عبد الكريم بن الهيثم أنا أحمد بن صالح المصري أنا عبد الله بن وهب .....به )). فلا أقل من كون أحمد بن صالح المصري قد ذمّه وكذّبه يحيى بن معين والنسائي وأن أبو الفتح لم أجد من ترجمه حتى ابن عساكر نفسه لم يذكر له ترجمة وكذا أبي غالب محمد بن إبراهيم وما خفي من علل في هذا السند كان أعظم. وأمّا إستدلال الشيعة به كما ذكرت في سؤالك ونسبته للشيخ المهاجر فإنه من باب الإلزام لمن ينكر كرامة لأمير المؤمنين (ع) على سبيل المثال, وقد استدلّ به الإمام الباقر (ع) في إحدى احتجاجاته عليهم كما يرويه صاحب ( الاحتجاج 2/68 ) و ( البحار 21 / 240 ) عن التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري (ع) ( ص 562), حيث قال الإمام (ع) : ( يا عبد الله ما أكثر ظلم كثير من هذه الأمة لعلي بن أبي طالب (ع) وأقل أنصارهم أم يمنعون عليّاً ما يعطونه ساير الصحابة وعليّ أفضلهم .... حتى قال الإمام الباقر (ع): فإذا كان مثل هذا العمر فكيف لا يكون مثل هذا لعليّ (ع) ؟) ولكنّهم قوم لا ينصفون بل يكابرون. ودمتم في رعاية الله |
يا ساريةالجبل, يا ساريةالجبل" . قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 3 / 101 : رواه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " ( 1 / 215 / 2 ) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج عن نافع أن # عمر # بعث سرية فاستعمل عليهم رجلا يقال له سارية, فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال : فذكره . فوجدوا ساريةقد أغار إلى الجبلفي تلك الساعة يوم الجمعة و بينهما مسيرة شهر . قلت : و أيوب بن خوط متروك كما في " التقريب " . لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في " الأربعين الصوفية " ( 3 / 2 ) و البيهقي في " دلائل النبوة " ( 2 / 181 / 1 - مخطوطة حلب ) من طرق عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع به نحوه . و من هذا الوجه رواه ابن عساكر ( 7 / 6 / 1 ) و ( 13 / 63 / 2 ) و الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 28 - 29 ) إلا أنهما قالا : عن نافع عن ابن عمر أن عمر ... و زادا في آخره و كذا البيهقي : " قال ابن عجلان : و حدثني إياس بن قرة بنحو ذلك " , و قال الضياء : " قال الحاكم ( يعني أبا عبد الله ) : هذا غريب الإسناد و المتن لا أحفظ له إسنادا غير هذا " . و ذكره ابن كثير في " البداية " ( 7 / 131 ) فقال : " و قال عبد الله بن وهب .... " مثل رواية " الضياء " و لفظه : فجعل ينادي : يا ساريةالجبل, يا سارية الجبل ثلاثا . ثم قدم رسول الجيش , فسأله عمر , فقال : يا أمير المؤمنين هزمنا , فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا : يا ساريةالجبلثلاثا , فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله . قال : فقيل لعمر : إنك كنت تصيح بذلك . ثم قال ابن كثير : " و هذا إسناد جيد حسن " . و هو كما قال , ثم ذكر له طرقا أخرى و قال : " فهذه طرق يشد بعضها بعضا " . قلت : و في هذا نظر , فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف بن عمر و الواقدي و هما كذابان , و مدار إحداها على مالك عن نافع به نحوه . قال ابن كثير : " في صحته من حديث مالك نظر " . و رواه ابن الأثير في " أسد الغابة " ( 5 / 65 ) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال : يا ساريةبن حصن الجبلالجبل , من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلى بعض فقال علي : صدق و الله ليخرجن مما قال , فلما فرغ من صلاته قال له علي : ما شيء سنح لك في خطبتك ? قال : و ما هو ? قال : قولك : يا ساريةالجبلالجبل , من استرعى الذئب ظلم , قال : و هل كان ذلك مني ? قال : نعم و جميع أهل المسجد قد سمعوه , قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم , و أنهم يمرون بجبل , فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا و قد ظفروا و إن جازوا هلكوا , فخرج مني ما تزعم أنك سمعته . قال : فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جاوزوا الجبلصوتا يشبه صوت عمر يقول : يا ساريةبن حصن الجبلالجبل , قال : فعدلنا إليه ففتح الله علينا . قلت : و هذا سند واه جدا , فرات بن السائب , قال البخاري : " منكر الحديث " . و قال الدارقطني و غيره : " متروك " , و قال أحمد " قريب من محمد بن زياد الطحان , يتهم بما يتهم به ذاك " . <1> فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان و ليس فيه إلا مناداة عمر " يا ساريةالجبل" و سماع الجيش لندائه و انتصاره بسببه . و مما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاما من الله تعالى لعمر و ليس ذلك بغريب عنه , فأنه " محدث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم و لكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش , و أنه رآهم رأي العين , فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء و على إمكان اطلاعهم على ما في القلوب من أبطل الباطل , كيف لا و ذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب و الاطلاع على ما في الصدور . و ليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل و الله عز وجل يقول في كتابه : *( عالم الغيب , فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول )* . فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم !! سبحانك هذا بهتان عظيم . على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفا , فهو من الأمور الخارقة للعادة التي قد تقع من الكافر أيضا , فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته و لذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة و إلا فهو استدراج , و يضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء : أمطري , فتمطر و للأرض : أنبتي نباتك فتنبت , و غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة . و من الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد " أغسطس " من السنة السادسة من مجلة " المختار " تحت عنوان : " هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس " ص 23 قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها , و بعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع , و أخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب , و هي تصيح في أعماقها بلا انقطاع : " أواه يا أماه ... ماذا أفعل ? " و لكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها ? و بعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها : " ماذا حدث ? لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة : " أواه يا أماه ... ماذا أفعل ? " . و كان تاريخ الرسالة متفقا مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها " . و في المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و " الاستشفاف " و يعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه , التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل ! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر , بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان اطلاع الأولياء على الغيب , و الكل مخطئ . فالقصة صحيحة ثابتة و هي كرامة أكرم الله بها عمر , حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به و لكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب , و إنما هو من باب الإلهام ( في عرف الشرع ) أو (التخاطر ) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوما , فقد يصيب كما في هذه الحادثة و قد يخطئ كما هو الغالب على البشر , و لذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة , فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال : *( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون . الذين آمنوا و كانوا يتقون )* . و لقد أحسن من قال : إذا رأيت شخصا قد يطيــر و فوق ماء البحر قد يسير و لم يقف على حدود الشرع فإنه مستدرج و بــــدعـي |
يا سارية الجبل الجبل بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد: فهذا بحث في بيان حال قصة (( ياساريةُ الجبل الجبل )) والمرجع في هذا تحقيق الشيخ ناصر "رحمه الله تعالى" والذي حسن الحديث كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم (1110) والحق أن تحسين الشيخ رحمه الله قد سبقه إليه أكابر ممن نحب ونقدر ، ولكن مما تعلمناه منهم أن يكون الحق أحب إلينا ، اللهم اجعلني عند قولي وسدد بفضلك عملي يا أرحم الراحمين . باختصار الذي أقدمه: أن الشيخ ناصر رحمه الله قد خرج الحديث في السلسلة من عدة طرق: لم يخل منها طريق من كذاب أو متروك ، ما خلا طريق واحدة ، وهي طريق عبد الله بن وهب ـ يحيى بن أيوب ـ محمد بن عجلان ـ إياس بن قرة ونافع ـ ابن عمر . أما الطرق الأخرى فكما قال الشيخ ناصر: إحداها فيها: أيوب بن خواط ، متروك. والأخرى فيها: سيف بن عمر ، كذاب . وغيرها فيها: الواقدي ، كذاب . وأخرى فيها: فرات بن السائب ، وضاع . قلت: يزاد على التخريج الذي قدمه الشيخ ناصر رحمه الله ، كتاب كرامات الأولياء لللالكائي /1ـ120/ ، و تاريخ الطبري /2ـ 553 ، 554/. ومما تقدم لدينا يظهر أن طرق القصة لم يسلم منها إلا طريق واحد فقط هو طريق ابن عجلان ، وأن بقية الطرق لا ينظر لها ولا يعتبر بها ، كما هو مقرر في شرح النخبة وغيرها أن السند الذي فيه متروك أو كذاب لا يتقوى ولا يقوي . أما الإسناد الوحيد الذي بقي لدينا فإن فيه يحيى بن أيوب الغافقي ، قال عنه الحافظ: صدوق ربما أخطأ . وكان الإمام أحمد وغيره يجرحونه كما في التهذيب . وفيه محمد بن عجلان ، قال عنه الحافظ: صدوق ، إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة . وقال العقيلي كما التهذيب: يضطرب في حديث نافع. وأقول: لو نظرنا إلى متن الحديث لوجدنا أن فيه أمراً خارقاً للعادة ، يحصل على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضور جمع غفير من الصحابة والتابعين ، ولخليفة راشدي تفتري عليه الرافضة وتشكك في دينه فضلاً عن ولايته وصلاحه ، ومع هذا كله لا يُنقل هذا الأمر إلا من طريق واحدة: يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان .!!!!! علماً أن ابن عمر رضي الله عنهما ونافع رحمه الله قد كانا من المكثرين ولهما الكثير ممن يروي عنهم ، فهل يعقل هذا التفرد ؟!!. وما هو حكم الإسناد الذي يكون فيه صدوق ربما أخطأ ، وصدوق اختلطت عليه بعض أحاديث ، مع وجود تفرد لا يحتمل مثله: 1ـ أمرٌ خارق للعادة ، 2ـ توفر أسباب التواتر ، 3ـ ضرورة نقل مثل هذه القصة لنصرة أمير للمؤمنين يفترى عليه ، 4ـ قرب الحادثة من عصر التدوين. وهنا ألقي الضوء فيه على نقطة واحدة وهي: التفرد: فمن المعروف لدى طلبة علم الحديث أن التفرد مكمن العلة ، لأن وهم الرجل الثقة أمر حادث معروف ، والتفرد أقوى ما يدل على وهم الثقة ، ومن باب أولى أيضاً على كذب الكاذب . ومن هنا كان عمل المحدثين في التصنيف في مسألة التفرد لأهميتها ، كمسند البزار ، ومعجم الطبراني الأوسط ، والحلية لأبي نعيم ، وكتب الغرائب والفوائد ...... ومن المعروف أن خلو الحديث من العلة شرط في صحته ، والعلة لا تكون دائماً بينة الظهور ، بل أكثرها غلبة ظن بوجود خلل في الحديث متناً أو سنداً ، وكان عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله يقول: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحكم والحديث. وهنا أرجع لأفصل في متن الرواية ، فأقول لمن يخالفني في ردي لها: ـ القصة وقع فيها أمر خارق للعادة ، جيش يشارف على الهزيمة فيأتيه صوت..... فينتصر ، إن حصل معك مثل هذا الأمر فكم من الناس ستخبر به على مدى حياتك ؟ ـ كم كان عدد أهل المدينة في زمن خلافة عمر .؟ ـ هل كانت صلاة الجمعة تقام إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.؟ ـ كم كان عدد الجيش الذي سمع الصوت ؟ ـ هل تشهد القصة لخليفة يفترى عليه في دينه فضلاً عن صلاحه وولايته ، في جدال قديم طويل بين أهل السنة والرافضة ؟ ـ ما مدى قرب عصر التدوين فضلاً عن عصر الرواية ، من التابعين الذين عاصروا عمر.؟ ـ على فرض أن كل فرد من الجيش أو ممن حضر الخطبة مع عمر ، حدث بهذه القصة زوجته وولده فقط ، فكم سيصبح العدد لدينا ؟ ـ هل اشتهر ابن عمر ونافع بالرواية أم كانوا من المقلين ؟ ـ على فرض أن يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان ، كشعبة عن سفيان ، ألا يهم الثقة الثبت.؟ وهنا أقول: رغم كل ما تقدم لم تنقل الرواية إلا من طريق واحد وهو: يحيى بن أيوب عن محمد بن عجلان .؟!! وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين. كتبه أبو أحمد محمد أمجد البيطار غفر الله له ولوالديه. |
حديث سارية.. وأحداث أخرى
2-يا سارية الجبل: عن ابن عمر: أن عمر بن الخطاب بعث جيشاً، وأمَّر عليهم رجلاً يدعى سارية بن زنيم، قال: فبينا عمر يخطب، إذ جعل يصيح، وهو على المنبر: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، يا سارية الجبل. قال: فقدم رسول الجيش على عمر، فسأله عما جرى لذلك الجيش، فقال: يا أمير المؤمنين، لقينا عدونا فهزمونا، فإذا صائح يصيح: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل، يا سارية الجبل. فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله. فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك([1]). وفي حديث آخر: أنه قال: يا سارية بن زنيم الجبل، ظلم من استرعى الذئب الغنم، وفي آخره: فقيل لعمر: ما ذلك الكلام؟! فقال: والله، ما ألقيت له بالاً، شيء أتى على لساني([2]). وفي نص آخر: إن سارية كان في فسا، ودارابجرد([3]). وقيل: بنهاوند([4]). ويبدو أن ذلك كان في سنة ثلاث وعشرين. ونقول: في هذه الروايات مواضع للبحث، فلاحظ ما يلي: 3-التناقض والإختلاف: في رواية سارية تناقضات تدل على أن ثمة تصرفاً في بعضها على الأقل: فبعضها يقول: إن سارية ومن معه قد هزموا كما تقدم. وبعضها يقول: إنهم كانوا يحاصرون الأعداء، ولم يمكنهم فتح حصنهم إلا بالصعود للجبل بعد سماعهم النداء([5]). كما أن قول عمر: إنه لم يلق بالاً للنداء الذي صدر عنه يتناقض مع ما ذكرته رواية أخرى ذكرها ابن عساكر في كتابه([6])، فراجع. قال ابن بدران: «مهما اختلفت الروايات وتعددت، فإن أصل القصة صحيح والله أعلم»([7]). 4-ضعف سند الرواية: وعن سند الرواية نقول: قال محمد بن درويش الحوت عن قصة سارية: «روى قصته الواحدي، والبيهقي بسند ضعيف، وهم في المناقب يتوسعون»([8]). وقال أبو القاسم الكوفي: «على أنَّا قد رأينا جماعة من فقهاء أصحاب الحديث ينكرون صحة هذا الخبر، ويبطلونه، ويطعنون على الرواي له. وفي هذا كفاية لمن فهم ونظر»([9]). 5-أبو حنيفة ومؤمن الطاق: قال ابن كثير عن حديث رد الشمس: «روي عن أبي حنيفة: إنكاره، والتهكم بمن رواه. قال أبو عباس بن عقدة: حدثنا جعفر بن محمد بن عمير، حدثنا سليمان بن عباد: سمعت بشار بن دراع، قال: لقي أبو حنيفة محمد بن النعمان، فقال: عمن رويت حديث رد الشمس؟! فقال: عن غير الذي رويت عنه: يا سارية الجبل»([10]). وفي نص آخر: أن أبا حنيفة قال له ذلك كالمنكر عليه.. وأن مؤمن الطاق أجابه: عمن رويت أنت عنه: يا سارية الجبل([11]). وهذا يدل على: أن مؤمن الطاق ينكر ويتهكم بمن يروي حديث: «يا سارية الجبل». وقد حاول ابن كثير أن يخفف من وقع جواب مؤمن الطاق، فقال: «وقول محمد بن النعمان له ليس بجواب، بل مجرد معارضة بما لا يجدي، أي أنا رويت في فضل علي هذا الحديث، وهو إن كان مستغرباً، فهو في الغرابة نظير ما رويته أنت في فضل عمر بن الخطاب في قوله: يا سارية الجبل. وهذا ليس بصحيح من محمد بن النعمان، فإن هذا ليس كهذا إسناداً ولا متناً، وأين مكاشفة إمام قد شهد الشارع له بأنه محدث بأمر خبر رد الشمس طالعة بعد مغيبها، الذي هو أكبر علامات الساعة»([12]). ونقول لابن كثير: أولاً: إن حديث رد الشمس متواتر وقطعي الصدور، فقد روي في مصادر أهل السنة عن ثلاثة عشر صحابياً([13]). وروي عن بعضهم بطرق عديدة، فقد روي عن أسماء مثلاً بخمسة طرق([14]). وصرح الطحاوي، والقاضي عياض بصحته([15]). وحسَّنه شيخ الإسلام أبو زرعة، وتبعه غيره([16]). وأخرجه ابن مندة، وابن شاهين بإسناد حسن. ورواه ابن مردويه، عن أبي هريرة بإسناد حسن. ورواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن، كما حكاه ولي الدين العراقي([17]). وأورد طرقه السيوطي في كتابه كشف اللبس بأسانيد كثيرة، وصححه بما لا مزيد عليه([18]). وقالوا أيضاً: رواه الطبراني بأسانيد رجال أكثرها ثقات([19]). ثانياً: لو كان كلام مؤمن الطاق لا يجدي، بل هو لمجرد المعارضة لاعترض عليه أبو حنيفة مباشرة، وقال له: إن هذا قياس مع الفارق.. ولذكر له: أن رواة حديث سارية من الثقات الأثبات، بخلاف حديث رد الشمس. ثالثاً: من الذي قال: إن المقصود مجرد المعارضة، لبيان المشابهة في الغرابة؟! فإن هذا مجرد افتراض، لا سيما وأن السؤال هو عن رواة حديث رد الشمس، فاللازم هو المقارنة بينهم وبين رواة حديث سارية.. وليس في الكلام أية إشارة إلى استغراب الحدث نفسه.. ولو أن مؤمن الطاق قصد ذلك لاعترض عليه أبو حنيفة: بأن هذا خروج عن محل الكلام. رابعاً: بالنسبة للحديث عن كون عمر محدثاً نقول: إن هذا أول الكلام، وهو يحتاج إلى إثبات.. وإنما يرويه له أتباعه ومحبوه، ولا يعترف له به غيرهم، بل يرون في سيرته مع الناس، ومع رسول الله «صلى الله عليه وآله» خصوصاً قوله في مرض موته «صلى الله عليه وآله»: إن النبي ليهجر، أو نحو ذلك. ما يمنع من صحة هذه الأحاديث في حقه.. خامساً: بالنسبة لكون رد الشمس حدثاً كونياً عظيماً، لا يقاس بحديث سارية نقول: ألف: إن مؤمن الطاق لم يقايسه به، بل قايس سند هذا بسند ذاك. ب: إن حادثة رد الشمس كونية كحادثة شق القمر، فلماذا قبل ابن كثير هذه ورد تلك؟! وقد تحدثنا عن هذه القضية في كتابنا: رد الشمس لعلي «عليه السلام» فراجع. 6-أبو القاسم الكوفي ماذا يقول؟!: قال أبو القاسم الكوفي عن حديث سارية: «ومثله في الكذب والمحال، وفظيع المقال روايتهم: أن عمر نادى في المدينة: يا سارية الجبل، وهو بنهاوند، فسمع سارية وهو بنهاوند صوته حين وقعت عليه الهزيمة وعلى أصحابه، وهو يقول: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل. فهذه معجزة من أجلِّ معجزات الرسل والأنبياء «عليهم السلام»، لو ظهرت منهم، و (لم) نجد مثلها لأحد منهم. ولعمري لو ظهرت منهم ما استبعدنا ذلك ولا استعظمناه منهم، ولكنها عند كثير من الناس من المحالات ولو رويت. ومن كان في محل من يأتي بمثل هذه المعجزة، من المحال أن لا يأتي بآية دونها أو مثلها، أو فوقها. فلما لم يجد القوم لها نظيراً في المعجزات ولا ما هو دونها، ووجدنا مع ذلك أولياءه إذا طولبوا بالإقرار: أنه كان له أو لمن تقدم من صاحبه الذي هو عندهم أفضل منه معجزة أنكروا أن تكون المعجزات إلا للرسل، وكان هذا كله دالاً على إبطال تخرصهم([20]). 7-راوية الخصيبي: وقد روى الخصيبي هذه الرواية بنحو آخر، فقال ما ملخصه: عن جابر بن عبد الله الأنصاري: إن عمر خلا بأمير المؤمنين «عليه السلام» ملياً، ثم رقيا منبر رسول الله «صلى الله عليه وآله» جميعاً، فمسح أمير المؤمنين «عليه السلام» على وجه عمر، فصار عمر يرتعد، ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم صاح ملء صوته: يا سارية الجأ [إلى] الجبل.. ثم لم يلبث أن قبل صدر أمير المؤمنين، ثم نزل وهو ضاحك. فطالبه علي «عليه السلام» أن يفعل ما وعده به. فقال له عمر: امهلني يا أبا الحسن حتى أنظر ما يرد من خبر سارية. وهل ما رأيته صحيحاً أم لا. ثم سألوا علياً أمير المؤمنين «عليه السلام» عن حقيقة ما جرى، فأخبرهم: أن عمر أحب أن يعلم خبر جيوشه في نهاوند بعد قتل عمرو بن معدي كرب، فقال له الإمام «عليه السلام»: كيف تزعم أنك الخليفة في الأرض، والقائم مقام رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأنت لا تعلم ما وراء أذنك وتحت قدمك؟! والإمام يرى الأرض ومن عليها، ولا يخفى عليه من أعمالهم شيء؟! فقال لي: يا أبا الحسن، أنت بهذه الصورة؟! فأت خبر سارية، وأين هو؟! ومن معهم؟! وكيف صورهم؟! فقلت له: يا ابن الخطاب، فان قلت لك لا تصدقني، ولكني أريك جيشك وأصحابك. وسارية قد كمن بهم جيش الجبل في واد قعيد [قفر خ. ل]، بعيد الأقطار، كثير الأشجار، فإن سار به جيشك يسيراً خلصوا بها، وإلا قتل أول جيشك وآخره. فقال: يا أبا الحسن، ما لهم ملجأ منهم، ولا يخرجون من ذلك الوادي؟!. ثم طلب عمر منه: أن يريه إياهم، أو أن يحذرهم من عدوهم، فأخذ عليه عهداً إن رقى به المنبر، وكشف عن بصره، وأراه جيشه، وصاح بهم وسمعوه، ولجأوا إلى الجبل، وظفروا بعدوّهم أن يخلع نفسه، ويسلم إليه حقه.. إلى أن قال علي «عليه السلام»: ورقيت المنبر، فدعوت بدعوات، وسألت الله أن يريه ما قلت، ومسحت على عينيه، وكشفت عنه غطاءه، فنظر إلى سارية وسائر الجيش، وجيش الجبل، وما بقي إلا الهزيمة لجيشه. فقلت له: صح يا عمر إن شئت. قال: يسمع؟! قلت: نعم، يسمع، ويبلغ صوتك إليهم. فصاح الصيحة التي سمعتموها: يا سارية إلجأ [إلى] الجبل [الجبل]، فسمعوا صوته، ولجأوا إلى الجبل، فسلموا، وظفروا بجيش الجبل، فنزل ضاحكا كما رأيتموه، وخاطبته وخاطبني بما سمعتموه. قال جابر: آمنا وصدقنا، وشك آخرون إلى ورود البريد بحكاية ما حكاه أمير المؤمنين، واراه عمر، ونادى بصوته، فكاد أكثر العوام المرتدين أن يعبدوا ابن الخطاب، وجعلوا هذا منقباً له، والله ما كان إلا منقلباً([21]). ولم يف عمر بما كان قد وعد به كما هو معلوم. ولعل هذه الرواية هي الأقرب والأصوب، فقد تعودنا الكثير مما يدخل في هذا السياق. 8-أين الإنصاف؟!: وقد ذكرت بعض الروايات ما ملخصه: أن الإمام الباقر «عليه السلام» شكا من ظلم كثير من الأمة لعلي.. فذكر «عليه السلام» أنهم يتولون محبي أبي بكر، ويبرؤون من أعدائه كائناً من كان، وكذلك الحال بالنسبة لعمر وعثمان.. فإذا وصل الأمر لعلي، قالوا: نتولى محبيه، ولا نتبرأ من أعدائه، بل نحبهم.. مع أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، كما أنهم إذا ذكر لهم ما اختص الله به علياً «عليه السلام»، بدعاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكرامته على ربه جحدوه.. وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة. هذا عمر بن الخطاب إذا قيل لهم: إنه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته: يا سارية الجبل (وكان سارية بنهاوند).. إلى أن قال: وكان بين المدينة ونهاوند مسيرة أكثر من خمسين يوماً. فإذا كان هذا لعمر، فكيف لا يكون مثل هذا لعلي بن أبي طالب «عليه السلام»، لكنهم قوم لا ينصفون، بل يكابرون([22]). |
الساعة الآن 11:47 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010