![]() |
حول غيبة الإمام والحضارة الكونية ( شبكة المنير )
حول غيبة الإمام والحضارة الكونية
- 2010/07/21 - بسم الله الرحمن الرحيم {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} آمنّا بالله ، صدق الله العلي العظيم حديثنا انطلاقا من الآية المباركة حول منقذ العالم الإسلامي المهدي المنتظر - عجل الله تعالى فرجع الشريف- ، في نقطتين : 1- الدليل العقلي على ظهوره وغيبته . 2- الدليل النقلي على ولادته وغيبته . النقطة الأولى : هذا الدليل العقلي الذي نذكره الآن ليس دليلا بالنسبة للشيعي الإمامي ، وإن الشيعي الإمامي لا يحتاج إلى مثل هذا الدليل لقيام النصوص المستفيضة والمتواترة لديه في ولادة الإمام وغيبته وصفاته وخصائصه ، نحن نسوق هذا الدليل العقلي لمن ليس بشيعي أو ليس بإمامي أو حتى ليس بمسلم ، الدليل العقلي يرتكز على عدة عناصر : العنصر الأول: ما هو الهدف من وجود هذا الكون؟ - بسمائه بأرضه بنجومه بفضائه بذراته بمجراته - لو لم يكن لوجود هذا الكون هدف لكن خلقه لغوا ، واللغو قبيح والقبيح لا يصدر عن الحكيم ، فضلا عن الله تبارك وتعالى ، إذن هذا الكون بمختلف ذرّاته ومجرّاته لوجوده هدف ، وما هو الهدف منه؟ الهدف منه إقامة الحضارة الكونية ، فرق بين الحضارة الأرضية وبين الحضارة الكونية ، الإنسان يمكنه أن يقيم حضارة أرضية (الحضارة على هذه الأرض) ، ولكن كلامنا في الحضارة الكونية . أي أن الإنسان يستخرج جميع طاقات الكون ، ويستخرج جميع كنوز الكون ، ويستخرج جميع ما في هذا الفضاء اللاّمتناهي من كنوز وطاقات ومعارف ويسيطر على هذا الوجود بفضائه وأرضه ونجومه ومجراته ، فإذا سيطر على هذا الوجود بأكمله وسخر جميع طاقاته له ، فقد أقام الحضارة الكونية ، الحضارة الكونية هي عبارة عن السيطرة والهيمنة على جميع ذرّات الكون وعلى جميع طاقات الكون وعلى جميع كنوز الكون . إقامة الحضارة الكونية هي التي تحدثت عنها الآيات المباركات القرآنيات ، مثلا قوله تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } ، كل ما في السماوات والأرض لكم ، لكي تصنعوا منه حضارة كونية ، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا } ، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } وأي عمل أحسن من إقامة حضارة كونية عادلة مهيمنة على هذا الوجود بأسره من أصغر ذرة إلى أعظم مجرة ، هذا الوجود خلق لك ، لكي تقيم فيه حضارتك الكونية ، ولولا ذلك لكان وجود هذا السماوات ووجود هذه المجرات ووجود هذه الطاقات عبثا ولغوا ، واللغو لا يصدر من الحكيم تعالى. العنصر الثاني : كيف يصل الإنسان لهذا الهدف؟ ، كيف يقيم الإنسان حضارة كونية يسيطر فيها على هذا الوجود بأسره؟، طبعا يصل إلى هذا الهدف بالعلم ، ولكن أي علم ؟ العلم على قسمين : أوّلاً : العلوم النظرية والعلوم الحقيقية ، هناك فرق بين العلوم النظرية وبين العلوم الحقيقية ، الفرق بينها هو الفرق بين عالم الخلق وعالم الأمر ، هناك عالمان ، عالم خلق وعالم أمر ، الله تبارك وتعالى يقول { أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ } ، هناك عالم خلق وعام أمر ، مثلا الجسد من عالم الخلق ولكن الروح من عالم الأمر ، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ - ولم يقل من خلق ربي- رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } . عالم الخلق هو عالم المادة ، جميع العلوم المتعلقة بعالم المادة هي من قيم العلوم النظرية ، أي من نظرية ..لأخرى ، يتوصل الإنسان لنظرية ثم يكتشف خطئها فيتحول لنظرية أخرى ، ثم يستمر عليها عصور عديدة قم يكتشف نقصها ، فيتحول لنظرية ثالثة وهكذا ، يعيش الإنسان في إطار النظريات ، يعيش الإنسان في إطار التحول من نظرية لأخرى ، لأن علومه مؤطّرة بإطار عالم الخلق ، عالم المادة . ثانياً : العلوم الحقيقة ، أن الإنسان يصل إلى الحقائق لا إلى النظريات ، يصل إلى كمال العلوم لا إلى نقصها ، يصل إلى الحقائق التامة لا إلى الحقائق الناقصة ، العلوم الحقيقية هي العلوم المرتبطة بعالم الأمر ، بما وراء هذه المادة ، لا يمكنك أيها الإنسان أن تصل إلى نهاية العلوم وإلى تكامل العلوم بحيث تصل إلى الحقائق ، إلاّ إذا تجاوزت عالم الخلق ووصلت إلى عالم الأمر ، ولذلك يقول القرآن { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا } ، أنت تدور في حلقة معينة وهي حلقة عالم المادة ، عالم الخلق ، ما دمت في هذه الحلقة لن تصل إلى العلوم الحقيقة ، تبقى في إطار النظريات ، لا يمكنك الوصول إلى العلوم الحقيقية حتى تتجاوز هذه الحلَقة لتعبر إلى عالم آخر ، فتدرك حقائق العلوم وتكامل العلوم ، إذا وصلت إلى عالم الأمر . العنصر الثالث : كيف نصل إلى عالم الأمر؟ ، أي كيف نصل إلى حقائق العلوم ؟ إننا نريد أن نقيم الهدف الإلهي ، وهو الحضارة الكونية ، إننا نريد أن نسيطر على الوجود ، ولا يمكننا ذلك إلا بأن نصل إلى الحقائق ، ولكن كيف نصل إلى الحقائق ؟ ، وعن أي طريق نصل إلى هذه الحقائق؟ ، لا يمكنك أن تصل إلى الحقائق وتأخذ المفاتيح التي تفك بها أقفال الكون وألغاز الفضاء وطلاسم الطبيعة ، لا يمكنك أن تمسك بهذه المفاتيح إلاّ إذا وصلت إلى مركز الكون ، ما معنى مركز الكون ؟ لكل شيء مركز ، مثلا الطائرة ، هذا الجهاز الذي يحلق له صندوق أسود ، أليس كذلك ؟! ، هذا الصندوق الأسود يحمل جميع المعلومات الدقيقة عن هذا الجهاز ، يحمل خارطة هذا الجهاز ، يحمل جميع قطر حركة هذا الجهاز ، الصندوق الأسود هو مركزها ، هو مستودع علومها وتفاصيلها الدقيقة ، جسم الإنسان أيضًا فيه صندوق اسود ، علماء ( الجينوم ) البشري يقرّرون أن هذا الجسم أيضا فيه صندوق أسود ، في هذا الجسم البشري منطقة معيّنة فيها خارطة هذا الجسم بأسره ، فيها خارطة ( الجينوم ) البشري الذي انبعث منه هذا الجسم بأسره. هناك منطقة في الجسد إذا وصل إليها العلماء وسيطروا عليها ، سيطروا على خارطة جسم الإنسان ، سيطروا على جميع التفاصيل الدقيقة في جسم الإنسان ، استطاعوا أن يستنسخوا الإنسان ، استطاعوا أن يتحكموا في لون الإنسان ، في لون بشرته ، استطاعوا أن يتحكموا في درجة ذكائه وفي درجة فهمه ، إذا سيطروا على الصندوق الأسود في هذا الجسم ، سيطروا على خارطة هذا الجسم ، وسيطروا على تفاصيل ( الجينوم ) البشري لهذا الجسم ، تحكّموا في مسيرة هذا الجسم ، و أمكنهم أن يصنعوا منه كل شيء يريدون ، كما أن للطائرة صندوقاً ومركزاً وللجسم البشري خارطة ، فلهذا الكون خارطة أيضًا ، هذا الوجود بأسره له خارطة ،له منطقة معينة ، له مركز معين ، ذلك المركز يحمل الدقائق التفصيلية عن هذا الوجود بأسره . من سيطر على هذا المركز ، سيطر على الكون ، استطاع أن يتحكم في مسيرته ، و استطاع أن يستنفذ كنوزه واستطاع أن يستخرج طاقاته ، هناك مركز لهذا الكون ، وهذا المركز هو الذي عبرت عنه النصوص الشريفة بعرش الكون ، وبكرسيّ الكون ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } ، {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ } ، عرش الكون ، مركز الكون ، كرسي الكون ، خارطة الكون ، خارطة الكون ، هي التي سميت في بعض الآيات القرآنية بعلم الكتاب . الكتاب قد يكون تدوينياً ، وهو كتاب الوجوب والحرمة والإباحة و الكراهة ، وجوب الأحكام الشرعية ، وهناك كتاب تكويني ، الكتاب التكويني ، يعني مركز الكون ، خارطة الكون ، ما فيه معلومات الكون بجميع دقائقها وتفاصيلها ، إذن لا يمكنك إقامة الحضارة الكونية إلا بالوصول إلى مركز الكون وعرش الكون ، أليس كذلك ؟! . العنصر الرابع : كيف نصل إلى عرش الكون؟ أنصل إليه عبر الجامعات والكليات؟ أم نصل إليه عبر التجارب البشرية المختلفة المتعددة؟ كيف نصل لهذا المركز؟ لا يمكنك وحدك أن تصل إليه ، لا بد أن تتدخل اليد الإلهية لتأخذك من عالم الخلق إلى عالم الأمر ، لتأخذك من هذه الأغطية والحواجز التي تحيط بك إلى ما وراءها ، لا بد أن تتدخل اليد الإلهية وإلا أنت بمفردك لا يمكن أن تصل إلى عرش الكون ومركز الكون ، لا بد من تدخل اليد الإلهية في ذلك لتنقلك من عالم إلى عالم . مثلا القرآن الكريم يتحدث عن آصف بن برخيا وزير النبي سليمان -عليه السلام- ، ماذا يقول القرآن ، سليمان يخاطب حاشيته {قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ، يعني عرش بلقيس ، {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}عرف بعض المعلومات عن خارطة الكون ، لم يعرف كل خارطة الكون ، اطلع على بعض المعلومات ، اطّلع على جزء من عرش الكون ومركز الكون . {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} ، آصف بن برخيا ، الله أعانه ، هو وحده لم يتوصل إلى ذلك ، الله جذبه من عالم الخلق إلى عالم الأمر ، أطلعه على بعض المعلومات المرتبطة بخارطة الكون ، أمسك بيده بعض المفاتيح ، استطاع أن ينقل عرشاً مزمرداً مذهّباً ثقيلا من اليمن إلى فلسطين خلال لحظة واحدة ، تحكم في هذا الشيء نتيجة أنه اطلع على بعض معلومات خارطة الكون . ويتحدث القرآن عن النبي داوود -عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام- { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} { إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} ويتحدث أيضا عن النبي سليمان {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } . يتحدث عن سليمان يقول {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} ، كيف وصل سليمان إلى هذا الملك؟ الذي تحدث عنه سليمان وقال: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} إلى يومنا هذا ، الإنسان صعد على سطح القمر ووضع الأقمار الفضائية ولكنه لم يسيطر على الريح ، إلى يومنا هذا ، إنسان قرن العشرين وإنسان قرن الواحد والعشرين سيطر على جزء من الفضاء لكنه إلى الآن لم يسيطر على الريح وسليمان سيطر عليها ، {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ } إذن سليمان كان يملك معلومات عن خارطة الكون ، كان يملك معلومات عن مركز الكون وعرش الكون ، لذلك سلمان استطاع أن يتحكم في الريح ، استطاع أن يتحكم في الجن ، استطاع أن يتحكم في الطير ، {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } ، فالإنسان وحده لا يمكنه أن يصل إلى هذه المعلومات . إذن نتيجة هذه العناصر الأربعة أنّ الهدف من وجود الكون ، إقامة الحضارة الكونية وليس الحضارة الأرضية ، لا يمكن للإنسان أن يصل إلى الحضارة الكونية إلا إذا وصل إلى مركز الكون ، ولا يمكن للإنسان أن يصل إلى مركز الكون إلا بتدخل إلهي ، ما معنى تدخل إلهي؟ . أي أن يوجد الله له شخصًا وذلك الشخص يحمل المعلومات الكاملة عن خارطة الكون ، فيقوم ذلك الشخص الذي يحمل المعلومات الكاملة عن خارطة الكون ليوصل الإنسان إلى مركز الكون وإلى إقامة الحضارة الكونية وهذا ما تؤكد عليه الآية القرآنية { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا } إذا استطعتم أن تقيموا الحضارة الكونية فأقيموا ، ولكن! {لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ} ، ومن هو السلطان؟ الشخص الذي يملك معلومات خارطة الكون ، الشخص الذي يملك معلومات عرش الكون ، الشخص الذي يملك معلومات مركز الكون ، إذن لا بد في يوم من الأيام من ظهور شخص يحمل هذه المعلومات بأسرها ليوقفنا على مركز الكون ، وليطلعنا على أسرار الكون ، ليقيم لنا الحضارة الكونية العادلة ، ليحقق الأهداف الإلهية الكبرى ، وهذا هو المهدي المنتظر -عج- . ولكن نحن الآن نخاطب غير الشيعة الإمامية ، نخاطب من لا يعتقد ، إقامة الحضارة الكونية على يد هذا الشخص المطّلع على جميع المعلومات والعارف بها ، يتوقف على عاملين مساعدين : 1- استعداد المجتمع البشري 2- استعداد الشخص نفسه لإقامة هذه الحضارة الكونية . العامل الأول : من الطبيعي أن المجتمع البشري ليس مؤهّلا لهذه المعومات الدقيقة حتى يخوض تجارب حضارية مختلفة ، وإلاّ لا يمكنه أن يكون كفأً لتلقي هذه المعلومات ، أنت تأخذ إنسان يدرس رابع ابتدائي وتدخله مختبر الطاقة النووية وتطلب منه أين يصنع تفاعلا معيّنا ، هذا الإنسان لا يمكنه أن يكون مؤهّلا للتعامل مع هذا المختبر حتى يمر بدراسات مكثفة وحتى يخوض تجارب مختلفة إلى أن يملك الأهلية والكفاءة لأن يدخل هذا المختبر ، أليس كذلك؟! نفس الشيء بالنسبة إلى المجتمع البشري ، الآن أنت تأتي إلى المجتمع البشري في زمان الرسول –ص- أو في زمان الإمام علي أو حتى في زمان الإمام العسكري أو حتى قبل مئة سنة أو حتى هذه السنة ، لو أتيت للمجتمع البشري في زمان الرسول وقلت له أقم الحضارة الكونية! ، المجتمع ليس مؤهلا لتلقي المعلومات ، المجتمع ليس كفأً لتلقي المعلومات الدقيقة المتعلقة بخارطة الكون . وإذا لم يكن مؤهلا لتلقي هذه المعلومات ، إذن يوم ظهور المهدي –عج- هو يوم اكتمال التجربة البشرية ، التجربة البشرية بعد لم تكتمل ، التجربة البشرية بعد لم تنجز ، التجربة البشرية بعد لم تنضج ، يوم ظهوره يوم اكتمال التجربة البشرية ، المجتمع البشريّ يمر بحضارات مختلفة ، وتجارب علميّة متعددّة ومتنوّعة ، إلى أن يصبح أهلا لتلقي الحقائق الأمرية من قبل أهلها ، من قبل شخص الإمام عليه السلام وحينئذ تكون الأرضية الممهدة المعبدة لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف . العامل الثاني : من قبل الشخص نفسه ، طبعا نحن الشيعة الإمامية لا نحتاج إلى مثل هذا ، لكننا نذكر هذا بالنسبة لغيرنا ، العلماء يقولون: المعلومة شيء واليقين بالمعلومة شيء آخر ، الإنسان قد يتكامل في درجات اليقين ، اليقين له درجات ثلاث : علم اليقين ، وعين اليقين وحق اليقين ، القرآن ذكر هذه الدرجات الثلاث ، { كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ*ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ } ، وقال في آية أخرى: { وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ } ، درجات ثلاث لليقين :لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * 1/ أنا مثلاً أرى النار فأعلم بها ، هذا يسمى علم اليقين . 2/ أسقط في النار فأعلم بها علمًا أكثر ، هذا يسمى عين اليقين . 3/ ينصهر جسمي بها بحيث يصبح جسما ناريًّا ، هذا درجة ثالثة من درجات اليقين ألا وهو حق اليقين . إذن علم اليقين ، درجة من درجات العلم ، عين اليقين درجة أخرى ، حق اليقين درجة ثالثة ، بالنسبة للنبي المصطفى محمد - صلى الله عليه وآله- ، (بحسب الظاهر لا بحسب الواقع) ، خضع لهذه الدرجات الثلاث : أنزل عليه الوحي دفعة واحدة ، {نَـزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ } ، نزل الوحي فعلم به علم اليقين ، وصل إلى الدرجات الأولى من درجات العلم . ثم أنزل عليه الوحي مرة أخرى متفرقا لمدة ثلاث وعشرين سنة ، هو نزل من الأوّل ، ولكن نزوله مرة أخرى يعطي النبي درجة من اليقين أعلى من الدرجة الأولى ، نسميها بمرتبة عين اليقين . ثم بعد أن يقوم النبي نفسه بتبليغ هذا الوحي ، يقوم بتبليغ الوحي الذي أنزل عليه ، يقوم بتبليغه وتطبيقه وترويجه ، قيامه بتبليغه و بتطبيقه يوصله إلى الدرجة الثالثة من درجات اليقين ، ألا وهي حق اليقين ، هو يعلم المعلومة من أوّلِ الأمر ولكن اليقين بالمعلومة تكامل من درجة إلى أخرى ، كما أن النبي –صلّى الله عليه وآله - كذلك الإمام ، ورد في بعض الروايات " لولا أننا نزداد لنفذ ما عندنا " ، وفي بعض الروايات "إننا لنزداد كل جمعة" . إذن الإمام أيضا عنده المعلومات من أول الأمر ، هو يعلم بما كان وما هو كائن وما يكون من أول الأمر ، ولكن يقينه بهذه المعلومة بتكامل ويتصاعد من علم اليقين لعين اليقين لحق اليقين ، إذن نحن نخاطب من لا يعتقد بالغيبة ، نقول : الله تبارك وتعالى خلق الإمام منذ أكثر من ألف سنة ، وإنّما أبقاه لهذه الفترة الطويلة من يوم ظهوره من أجل أن يخضع لنظام التكامل في درجات اليقين ، إذا مرّ بالتجارب المختلفة ، ومرّ بالحضارات المختلفة ومرّ بالتجارب العلمية المختلفة ، ومرّ بالمجتمعات البشرية المختلفة ، معاصرة الشخص لمختلف الحضارات لمختلف التجارب لمختلف القوانين العلمية ، توجب له التكامل في درجات اليقين من مرتبة إلى أخرى . فالوجه والسر والحكمة في غيبته هو أن يصل إلى أعلى درجات اليقين من هذه المعلومات المختلفة المرتبطة بإقامة الحضارة الكونية العادلة ، كما يقول بعض العلماء : حجم الدور يقتضي حجما من اليقين ، حجم الدور الذي يقوم به الإمام ليس حجم دوراً عاديا ، لا نبي ولا رسول ولا إمام ، لم يقم بهذا الدور أحد ، إلى الآن لم يقم لا نبي ولا رسول ولا بشرعادي بهذا الدور المنتظر للإمام عليه السلام ، إلى الآن لم يقم بشر بإقامة حضارة كونية عادلة ، أليس كذلك ؟ إذن حجم الدور الذي أوكل للإمام المنتظر-عج-لم يوكل لغيره ، حجم الدور يقتضي حجما من اليقين يتناسب مع مستوى هذا الدور ، وبالتالي فبقاؤه هذه الفترة الطويلة والغيبة الطويلة ، لأن دوْره وهو إقامة الحضارة الكونية يقتضي أن يبقى هذه الفترة الطويلة ، لأن دوْره بتوقف على درجة من اليقين لا بد أن يحصل عليها من خلال معاصرة مختلف الحضارات ومختلف التجارب ومختلف العلوم الإنسانية المتنوعة والمتعددة ، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} . إذن هذه التجربة البشرية هي التي تكون مهيَّئة ومعدة لظهور الإمام المنتظر -عجل الله فرجه الشريف- ، ومن التجارب البشرية التي تكون رصيدا لحركة الإمام المنتظر تجربة جدّه الحسين عليه السلام ، هذه الحركة الثورية ، هذه الحركة التضحويّة ، هذه الحركة التي ربّت الأمة الإسلامية على النضال والفداء دون المبادئ والقيم ، تجربة تعتبر رصيدًا لأيّ حركة ، حتى الحركة التي ينطلق بها الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف ، الحركة الحسينية بدأت بأن بعث الحسين عليه السلام للكوفة سفيره وثقته وأمينه مسلم بن عقيل ، " بعثت إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي " . وصلى الله على محمد وآله الطاهرين |
الساعة الآن 11:13 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010