![]() |
الفرق بين السَّكِينَةُ والطُّمَأْنِينَةُ
الفرق بين السَّكِينَةُ والطُّمَأْنِينَةُ
يقال : نزلت عليه السَّكِينَةُ ، وحفت به الطُّمَأْنِينَةُ ، فما السكينة وما الطمأنينية ؟ وهل من فرق بينهما ؟ وللإجابة عن ذلك أقول بعون الله وتعليمه : أولاً- أما السَّكِينَةُ فهي من السكون . يقال : سكن يسكن سكونًا : إذا ذهبت حركته ، فهو ساكنٌ . أي : هادئ . وسئل بعض العلماء عن السكينة ، فقال : هي السكون عما الحركة فيه ، والعجلة لا يحمدها الله ولا يرضاها . وتكون السَّكِينَةُ نتيجة الحزن والخوف والرعب . قال تعالى في حق الكافرين :﴿ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ﴾(الأحزاب:26) ، بلفظ القذف المزعج ، وقال في حق المؤمنين :﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾(الفتح: 4) ، ﴿ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾(الفتح: 18) ، بلفظ الإنزال المثبت . أي : أنزلها في قلوبهم بسبب الصلح والأمن ، إظهارًا لفضله تعالى عليهم بتيسير الأمن بعد الخوف . ولما رغِب موسى- عليه السلام - في طلب السكينة ، قال مخاطبًا ربه :﴿ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾(طه: 25) . ولما كان أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في الغار خائفًا على رسول الله ، قال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم :﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ﴾(التوبة: 40) . وقيل : قدم من بني شيبان حريث بن حسّان الشّيبانيّ ، فبايع رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم وعلى قومه ، وصحبه في مسيرة إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قيلةُ بنت مخرمة التّميميّة ، وهي التي أرعدت من الفرق ، لمّا أتت رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم ، فقال لها : « يا مسكينة ! عليك السّكينة » ، فهدأت . وفي حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام ، أنه قال :« ما جلس قومٌ مجلسًا يقرؤون فيه القرآن ويذكرون السُّنن ويتعلمون العلم ويتدارسونه بينهم ، إلا حفَّت بهم الملائكة ، ونزلت عليهم السَّكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وذكرهم الله فيمن عنده » . فقيل له : يا رسول الله ! الرجلُ يجلس إليهم وليس منهم ، ولا شأنه شأنهم ، أتأخذه الرحمة معهم ؟ قال :« نعم ، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم » . ثانيًا- وأما الطُّمَأْنِينَةُ فهي من الاطمئنان وهو استقرار النفس بعد قلق ألمَّ بها . يقال : اطْمَأَنَّ يَطْمَئِنُّ اطْمِئْنَانًا : إذا أنس وأمن واستقر ، فهو مُطْمَئِنٌّ . والمُطْمَئِنُّ من الأرض : المُنْخَفِضُ منها ؛ لأنه موضع الطُّمَأْنِينَةِ ، ومنه : مكان مُطْمَئِنٌّ . أي : آمنٌ . فالطُّمَأْنِينَةُ تكون نتيجة القلق والاضطراب ووساوس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء . وقالت الحكماء : الطُّمَأْنِينَةُ مقرونةٌ بالمضار ، والحذر مقرون بالنجاة . قال تعالى :﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴾(الفجر: 27) ، وخلافها النفس الأمارة بالسوء . وقال تعالى لإبراهيم عليه السلام :﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾(البقرة: 260) . قيل : ليطمئن بذهاب وسوسة إبليس منه . وقال تعالى :﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴾(الأنفال: 10) . أي : لتستقر به نفوسكم بعد القلق ، وتزول عنكم الوسوسة . وقال النبي عليه الصلاة والسلام لِوَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ :« البِرُّ : ما اطْمَأَنَّ إليه قلبك ، والإِثْمُ : ما حكَّ أو حاكَ في صدرك » ، فجعل الإثم ضد الطُّمَأْنِينَةِ . والإثم ما صحبه قلقٌ واضطراب . وقيل : الطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار حمق . وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- لابنه الحسن :« ابذل لصديقك كل المودة ، ولا تطمئن إليه كل الطُّمَأْنِينَةِ ، وأعطه كل المؤاساة ، ولا تفض إليه بكل الأسرار » . وقال الله تعالى : ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾(الرعد: 28) ، تنبيها أن بمعرفته سبحانه والإكثار من ذكره تكتسب القلوب الاطمئنان ؛ كما قال تعالى :﴿ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾(النحل106) . وعن النضر قال : قالوا للخليل : ما الإيمان ؟ فقال : الطمأنينة . ثالثًا- ذكر الله تعالى السَّكِينَةَ في ستة مواضع من كتابه : الموضع الأول :﴿ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾(البقرة: 248) . الموضع الثاني :﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾(التوبة: 25) . الموضع الثالث :﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾(التوبة: 40) . الموضع الربع :﴿ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾(الفتح: 4) . الموضع الخامس :﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً ﴾(الفتح: 18) . الموضع السادس :﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾(الفتح: 26) . قيل : كان بعض المشايخ الصالحين ، إذا اشتد عليه الأمر ، يقرأ آيات السكينة هذه ، فيرى لها أثرًا عظيمًا في سكون قلبه ونفسه . واختلفوا في حقيقة السَّكِينَةِ التي في آية البقرة على أقوال أرجحها ، بل أصحها ما ذكرناه ، وإليه ذهب الزجاج ، فقال : أي : فيه ما تسكنون به إذا أتاكم ، وقال عطاء بن أبى رباح : هي ما تعرفون من الآيات فتسكنون إليها .. وأما ما زعمه بعض أهل الكتاب ، وبعض أصحاب التفسير من أن السَّكِينَةَ التي كانت في تابوت موسى شيء له رأس كرأس الهرة فما أراه قولاً يصح على ما قال الألوسي . وروي أن رسول الله صلى الله عليه[وآله] وسلم كان يومًا في مجلسه ، فرفع رأسه إلى السماء ، ثم طأطأه ، ثم رفعه ، فسئل عن ذلك ، فقال :« هؤلاء قومٌ كانوا يذكرون الله ، فنزلت عليهم السَّكينة ، وغشيتهم الرَّحمة ، وحفَّتهم الملائكة كالقبَّة ، فلما دنت منهم ، تكلم رجل منهم بباطل ، فرفعت عنهم » . ثم تلا : ﴿ وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ ﴾(الجاثية: 27) . وقال ابن الأَثير : وجاء في كتاب المعجم الأوسط للطبراني عن علي- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه[وآله] وسلم قال :« السَّكِينَةُ ريحٌ خَجُوجٌ هَفّافة » . أي : سريعة المرور في هبوبها . والريحُ الهَفّافةُ : الساكنةُ الطيبةُ . رابعًا- روي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أنه قال :« كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة ، إلا في سورة البقرة » . وليس الأمر كذلك ، وقد بينا الفرق بينهما . ومن أظهر الفروق بينهما إضافة إلى ما تقدم : أن الطُّمَأْنِينَةَ صفة تكتسب بالعمل ، بخلاف السَّكِينَةِ ؛ إذ ينزلها الله تعالى على من يشاء من عباده . قالوا : لا تنزل السَّكِينَةُ إلا في قلب نبي أو ولي . والمراد بإنزالها : خلقها وإيجادها ، وفي التعبير عن ذلك بالإنزال إيماء إلى علو شأنها . وقال الراغب : إنزال الله تعالى نعمته على عبد : إعطاؤه تعالى إياها ؛ وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن ، أو بإنزال أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد ونحوه . والله تعالى أعلم ! بقلم : محمد إسماعيل عتوك |
الساعة الآن 01:02 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010