:: منتديات ثار الله الإسلامي ::

:: منتديات ثار الله الإسلامي :: (http://www.tharollah.com/vb/index.php)
-   مقالات قرآنية (http://www.tharollah.com/vb/forumdisplay.php?f=163)
-   -   أيام خلق السموات والأرض : ستة أم ثمانية ؟ (http://www.tharollah.com/vb/showthread.php?t=3370)

السيد عباس ابو الحسن 10-18-2011 05:56 PM

أيام خلق السموات والأرض : ستة أم ثمانية ؟
 
أيام خلق السموات والأرض : ستة أم ثمانية ؟

موقع أسرار الإعجاز البياني للقرآن الكريم

أولاً-
قال الله عز وجل :﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَاوَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (فصّلت:9-12) ، فأخبر سبحانه في هذه الآيات أنه خلق الأرض في يومين ، وجعل فيها رواسي من فوقها ، وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، ثم استوى إلى السماء فقضاهن سبع سموات في يومين .
وقال الله جل وعلا :﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ (السجدة:4) ، فأخبر سبحانه في هاتين الآيتين أنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام .
وقد خُيِّل لبعض الملحدة أن بين هذه الآية ، وآيات فصِّلت السابقة تناقضًا ، حيث نصت آيات فصِّلت – حسب فهمهم - على أن خلق السموات والأرض قد كان في ثمانية أيام ، في حين تصرح آية السجدة بأن خلقهما كان في ستة أيام .
ثانيًا-
ويجمع علماء التفسير – قديمًا وحديثًا – في الإجابة عن هذه الشبهة بشبهة أخرى ، فيقولون : إن ما أجمل في الآية الأخيرة جاء مفصلاً في الآيات الأولى ؛ لأنهم فهموا منها أنخلق الأرض تمَّ فى يومين ، وخلق الرواسي والمباركة وتقدير الأقوات استغرق ما تمم اليومين أربعة أيام ، ثم استغرق خلق السموات السبع يومين ، فكان المجموع ستة أيام ، وهي الأيام الستة التي نصَّت عليها صراحة آية السجدة ، وعليه فلا تناقض بين هذه الآيات . وأورد الرازيعلى آيات فصِّلت سؤالين ، وأجاب عنهما :
السؤال الأول : أنه تعالى ذكر أنه خلق الأرض في يومين ، وذكر أنه أصلح هذه الأنواع الثلاثة في أربعة أيام أُخر ، وذكر أنه خلق السموات في يومين ، فيكون المجموع ثمانية أيام ؛ لكنه ذكر في سائر الآيات أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ، فلزم التناقض .
واعلم أن العلماء أجابوا عنه بأن قالوا : المراد من قوله :﴿ وَقَدَّرَ فِيهَا أقواتها في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مع اليومين الأولين ، وهذا كقول القائل : سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وسرت إلى الكوفة في خمسة عشر يومًا . يريد كلا المسافتين . ويقول الرجل للرجل أعطيتك ألفًا في شهر وألوفًا في شهرين ، فيدخل الألف في الألوف ، والشهر في الشهرين .
السؤال الثاني : أنه لما ذكر أنه خلق الأرض في يومين ، فلو ذكر أنه خلق هذه الأنواع الثلاثة الباقية في يومين آخرين ، كان أبعد عن الشبهة وأبعد عن الغلط ، فلم ترك هذا التصريح ، وذكر ذلك الكلام المجمل ؟
والجواب : أن قوله :﴿ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لّلسَّائِلِينَ ﴾ فيه فائدة على ما إذا قال :( خلقت هذه الثلاثة في يومين ) ؛ وذلك لأنه لو قال :( خلقت هذه الأشياء في يومين ) ، لم يفد هذا الكلام كون هذين اليومين مستغرقين بتلك الأعمال ؛ لأنه قد يقال :( عملت هذا العمل في يومين ) ، مع أن اليومين ما كانا مستغرقين بذلك العمل . أما لما ذكر خلق الأرض وخلق هذه الأشياء ، ثم قال بعده :﴿ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لّلسَّائِلِينَ ﴾ ، دل ذلك على أن هذه الأيام الأربعة صارت مستغرقة في تلك الأعمال من غير زيادة ولا نقصان .
ويخالف الدكتور زغلول النجار المفسرين في تأويل الآية ، فيقول تحت عنوان ( أيام الخلق الستة كما جاءت في القرآن الكريم ) :« جاءت هذه الأيام الستة مجملة في سبع آيات قرآنية كريمة ، ومفصلة في أربع آيات من السورة رقم ( 41 ) ، والتي سماها ربنا تبارك وتعالي باسم ( فصلت ) .. والآيات الأربع ( 9 ـ 12 ) من سورة فصلت تشير إلى أن خلق الأرض الابتدائية كان سابقًا على تمايز السماء الأولى الدخانية إلى سبع سماوات ؛ ولذلك يخبرنا ربنا تبارك وتعالى بأنه خلق الأرض في يومين . أي : على مرحلتين : هما ( يوم الرتق ، ويوم الفتق ) , وأنه تعالى قد جعل لها رواسي من فوقها , وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام . أي : أربع مراحل متتالية , ثم خلق السماوات في يومين . أي : على مرحلتين ، وهو تعالى القادر على أن يقول للشيء ( كن فيكون ) ؛ ولكن هذا التدرج لحكمة بالغة ، يفهم منها الإنسان سنن الله في الخلق ، فيحسن توظيفها في عمارة الأرض ، وفي القيام بواجبات الاستخلاف فيها » .
ويضيف الدكتور زغلول قائلاً :« وقد يلتبس على قارئ تلك الآيات لأول وهلة أن خلق الأرض وحدها قد استغرق ستة أيام . أي : ست مراحل ، وأن خلق السماء قد استغرق يومين , فيكون خلق السماوات والأرض قد استغرقا ثمانية أيام , وهو ما يتعارض مع الآيات العديدة التي تؤكد أن خلق السماوات والأرض قد تم في ستة أيام . أي : ست مراحل ؛ ولكن لما كان خلق السماء والأرض عملية واحدة متداخلة ، فإن يومي خلق الأرض هما يوما خلق السماوات السبع ؛ وذلك لأن الأمر الإلهي في ختام تلك الآيات الأربع كان للسماء وللأرض معًا :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (فصّلت: 11) ، وإن كانت غالبية المفسرين ترى خلاف ذلك ، لاعتبارهم يومي خلق الأرض داخلين في الأيام الأربعة لجعل الرواسي , والمباركة , وتقدير الأقوات ؛ إلا أنهم مجمعون على أن حرف العطف ( ثم ) لا يدل هنا على الترتيب مع التراخي ؛ ولكنه يدل على بعد عملية الاستواء والتسوية للسماوات السبع من السماء الدخانية الأولى ؛ لأن من معاني ( ثم ) هنا أنها إشارة إلى البعيد ، بمعني : هناك ، في مقابلة : هنا ، للقريب .
والشاهد على ذلك ما جاء في سورة النازعات من قول الحق تبارك وتعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (النازعات: 27- 33) ، مما يؤكد أن المراحل الأربع من جعل الرواسي , والمباركة ، وتقدير الأقوات يقصد بها دحو الأرض الابتدائية ، بمعنى : إخراج مائها ومرعاها . أي : تكوين أغلفتها المائية والغازية , وأن يومي خلق الأرض ، وهما نفس يومي خلق السماء ، يقصد بهما خلق العناصر المكونة للأرض الابتدائية في داخل السماء الدخانية » .
ثالثًا- وهكذا اختلف العلماء في الجواب عن هذه الشبهة ، وسبب اختلافهم يرجع أولاً : إلى خلطهم بين معاني ( الخلق ، والجعل ، والتقدير ، والتسوية ، والقضاء ) . ويرجع ثانيًا إلى اختلافهم في تفسير خلق الأرض ؛ فمنهم من فسَّره بمعنى : التقدير ، كالفخر الرازي الذي ذهب إلى أن ( ثُمَّ ) للتراخي ، وأبو حيان الذي ذهب إلى أن ( ثم ) لترتيب الأخبار ، وتبعه في ذلك الألوسي إلا أنه فسر الخلق بمعنى : الإرادة . فعلى القول الأول يكون المراد من قوله تعالى ﴿ خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ : قدَّر خلق الأرض في يومين . وعلى القول الثاني يكون المراد : أراد خلق الأرض في يومين . وكذلك يكون المراد من قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ : قدَّر فيها رواسي ، أو أراد أن يجعل فيها رواسي .
وليت شعري : أيعدُّ هذا تأويلاً لكلام الله سبحانه ، أم تحريفًا له ؟ الله تعالى يقول :﴿خَلَقَ الْأَرْضَ ، وهم يقولون : أراد خلق الأرض ، أو قدَّر خلقها . أي : لم يخلقها . والله تعالى يقول :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وهم يقولون : أراد أن يجعل فيها رواسي ، أو : خلق فيها الرواسي والأرزاق والأشجار والأنهار والصخور والمعادن ، فيخلطون بين الخلق ، والجعل ، والتقدير . ثم يقيسون الآية على قولهم :( سرت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام ، وسرت إلى الكوفة في خمسة عشر يومًا ) . يريد كلا المسافتين . وهذا قياس فاسد لا يجوز أن يحمل عليه قول الله جل وعلا . ولو كان نظم الآية الكريمة هكذا :( خلق الله الأرض في يومين ، وخلق الجبال والمباركة والأقوات في أربعة أيام ) ، لربما كان لهم العذر فيما ذهبوا إليه ؛ ولكن الله سبحانه قال :﴿ خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، ثم قال :﴿ جَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، فغاير بين الخلق ، والجعل ، والمباركة ، والتقدير .
والله تعالى يقول :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ، وهم يقولون : ثم قصد إلى السماء وخلقها من الدخان . وكيف يستوي سبحانه إلى السماء قبل أن يخلقها ؟ وكيف يخلقها سبحانه من الدخان ، وهو يعرفُّها بأنها دخان ؟
والله سبحانه وتعالى يقول :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ، وهم يقولون : إنه تمثيل لظهور الطاعة من السماء والأرض ، حيث انقادا وأجابا ، فقام ذلك مقام قولهما ، والغرض منه– كما قال الزمخشريُّ– تصوير أثر قدرة الله تعالى في المقدورات لا غير ، من غير أن يحقق شيء من الخطاب والجواب ؛ ونحوه قول القائل :« قال الجدار للوتد : لم تشقني ؟ قال الوتد : سل من يدقني ، فلم يتركني وراء الحجر الذي ورائي » .
ولست أدري كيف يجوز لعاقل ، فضلاً أن يكون عالمًا ، أن يقيس كلام الخالق البارئ الذي أنطق الحجر والشجر والسماء والأرض بقدرته بهذا الكلام ، أو بمثله ؟!
وأما ما ذكره الرازي في جواب السؤال الثاني الذي أورده من أن في قوله تعالى :﴿ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لّلسَّائِلِينَ ﴾ فائدة ، على ما إذا قال :( خلقت هذه الثلاثة في يومين ) ، فقد حكاه عنه أبو حيان في البحر ، وردَّه ، ثم عقَّب عليه بقوله :« فما قاله أبو عبد الله الرازي لم تظهر به فائدة زائدة » .
رابعًا
- وخلاصة القول في هذه الآيات : أن قوله سبحانه :﴿ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ نصٌّ صريح في أن خلق الأرض قد تمَّ في يومين من أيام الله عز وجل . أي في مرحلتين . ومعنى خلقهما : إيجادهما بعد التقدير ، وإبرازهما للوجود ، وفق خصائص معينة تتطابق مع إرادة الخالق جل وعلا . ويدخل مع خلق الأرض هنا في يومين خلْقُ السموات ؛ لأن السموات والأرض خلقتا معًا . وإنما لم يرد ذكر خلق السموات في هذه الآية ؛ لأنها سيقت للاحتجاج على الكافرين المنكرين قدرة الله جل وعلا على بعثهم ونشورهم بعد فنائهم ، ولم تُسَقْ لتحديد مدة خلق السموات والأرض .
أما قوله سبحانه وتعالى :﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾ فمعطوف على قوله :﴿ خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ، وهو مغاير له في المعنى . وهذا يعني : أن ( جعل ) غير ( خلق ) . والرواسي : الجبال الثوابت ، وجعلُها ، معناه : تصييرُها رواسي بعد خلقها ، وهي حين خلقت لم تكن رواسي . وبارك فيها . أي : نمَّاها وزاد فيها . والبركة في الشيء : النماء والزيادة بعد النقصان . وأما قدَّر فيها أقواتها فالمراد منه هنا : قسَّم أرزاق أهلها ومعايشهم ، وما يصلحهم على مقادير محددة معينة ، ويؤيِّده قراءة ابن مسعود :﴿ وَقَسَّمَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ﴾ . وهذا يعني : أن الأقوات كانت مخلوقة ، ثم قدِّرت . أي : قُسِّمت ؛ كما قال تعالى :﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(الفرقان:2) . وقيل : ومن التقدير : تقدير كل نوع من الأقوات بما يصلح له من الأوقات ، من حر أو برد أو اعتدال .
فهذه الأنواع الثلاثة ( إرساء الجبال ، والمباركة في الأرض ، وتقدير الأقوات فيها ) قد تمت في أربعة أيام من أيام الله عز وجل ، وهذه الأيام الأربعة لا علاقة لها باليومين اللذين تم فيهما خلق الأرض ، فليس من الصواب في شيء أن نجعلهما داخلين في الأيام الأربعة ، كما أنه لا علاقة لهذه الأيام الأربعة التي تمَّ فيها إرساء الجبال والمباركة في الأرض وتقدير الأقوات فيها بدَحْو الأرض – كما ذهب إليه ابن كثير ، وتبعه الدكتور زغلول النجار لسبب بسيط ، وهو أن مرحلة إرساء الجبال في الأرض تلي مرحلة دحوها ، وبسطها ، ومدِّها ، وجعلها قرارًا .
وأما قوله تعالى :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ فالمراد منه : قصد إليها وتوجه ، وهو من قولهم : استوى إلى مكان كذا ، إذا توجه إليه . والاستواء يقال لاعتدال الشيء في ذاته ؛ كما في قوله تعالى :﴿ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى(النجم:6) . واستوى – كما قال الراغب - متى عُدِّيَ بـ( على ) اقتضى معنى الاستيلاء ؛ كقوله :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى(طه:5) . وإذا عُدِّيَ بـ( إلى ) اقتضى معنى الانتهاء إليه : إما بالذات ، أو بالتدبير ، ومن الثاني قوله تعالى هنا :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ (فصّلت:10) .
واستواؤه جل وعلا إلى السماء - بلا كيف أو تشبيه أو تحديد - يعني : أن السماء كانت مخلوقة ؛ وإلا كيف يستوي إليها ؛ ليخلقها من الدخان ، وقد عرَّفها سبحانه بأنها دخان ؟ ولو لم تكن مخلوقة مع الأرض ، لما صحَّ خطابهما بقوله تعالى :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ . وإذا كانت الآية الأولى قد حدَّدت خلق الأرض في يومين ، فإن هذه الآية لم تشر إلى مدَّة خلق السماء ؛ لأن السماء خلقت مع الأرض ؛ ولأن الغرض من هذه الآيات ليس هو تحديد مدة خلق السموات والأرض كما سبقت الإشارة إلى ذلك ؛ وإنما الغرض منها هو الاحتجاج على الكافرين المنكرين للبعث .
وأما قوله تعالى :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ فظاهرٌ في أن هذه المحاورة بين الباري جل وعلا ، والأرض والسماء كانت بعد خلقهما ، وهي من أقوى الأدلة وأظهرها على أن السماء الدخانية كانت مخلوقة مع الأرض . ومذهب أكثر أهل العلم أن الله تعالى خلق في السماء والأرض الكلام ، وجعل لهما حياة وإدراكًا ونطقًا ، فتكلمتا كما أراد سبحانه ، ونطقتا نطقًا حقيقيًّا . وهذا القول - كما قال الشيخ ابن عطيَّة - أحسن من قول من ذهب إلى أن ذلك مجاز ، وأنه ظهر منهما عن اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة القول . وإنما كان هذا القول أحسن ؛ لأنه لا شيء يدفعه ، وأن العبرة فيه أتم ، والقدرة فيه أظهر ، وأنه أدل على كمال القدرة وتمامها .
فكلام السماء والأرض ثابت في القرآن الكريم بنص هذه الآية الكريمة ، ولا يصح حمله على المجاز بأي شكل من الأشكال . والسؤال الذي ينبغي أن يسأل هنا : كيف تكلمت السماء والأرض ؟ يقول الدكتور حسني حمدان الدسوقي أستاذ علوم الأرض بجامعة المنصورة في
مقال له نشر في موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، يقول :« تأتى الإجابة على لسان عالم الفلك مارك هويتل في جامعة فرجينيا. الذي قام بتحليل إشعاع خلفية الكون التي ولدت في الأربعمائة ألف سنة الأولى في عمر الكون بعد حادث ( الانفجار الأعظم ) . يقول هذا العالم : إنه مندهش من أنه لم يصل أحد من قبله إلى كشف السر الذي توصل إليه . وقد توصل مارك هويتل إلى أن آخر سجلات التموجات المصاحبة لإشعاع خلفية الكون التي تأتى مباشرة بعد التضخم الأعظم تشبه الأمواج الصوتية المنسابة عبر الكون . إن هذه التموجات تعكس تأرجحات في كثافة مادة الكون الأولية ناشئة من أمواج صوتية , وقد بلغ عرض تلك الموجات ثلاثين ألف سنة ضوئية , وخمسة وخمسين أوكتاف تحت ما يمكن للبشر سماعه .. وحينما تم استيضاح هذه الموجات أمكن سماع ضجيج مخاض الكون » . وعقَّب الدكتور حمدان على ذلك بقوله :« وأنا بدوري أقول : إن هذا الصراخ ما هو إلا الصوت المصاحب لفتق الرتق ، وصدى قول السماوات والأرض بالطاعة لأمر الله » .
وأما قوله تعالى :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ فيكاد المفسرون يجمعون على أن معناه : صنعهن وأوجدهن ، فيضيفون بذلك معنى جديدًا إلى معنى القضاء ، وهو ليس منه في شيء . قال الزهري :« القضاء في اللغة على وجوه ، مرجعُها إِلى انقطاع الشيء وتمامه . وكلُّ ما أُحْكِم عمله ، أو أُتِمَّ ، أو خُتِمَ ، أو أُدِّيَ أداء ، أو أُوجِبَ ، أو أُعْلِمَ ، أَو أُنْفِذَ ، أَو أُمْضِيَ ، فقد قُضِيَ » . وقال أبو بكر :« قال أهل الحجاز : القاضي في اللغة معناه : القاطع للأمور المحكم لها . قال الله :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ، أراد : فقطعهن وأحكم خلقهن » .
وقال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية :
« وأما ( القضاء ) فيقتضي فصل الأمر على التمام ، من قولك : قضاه : إذا أتمه وقطع عمله ؛ ومنه قوله تعالى :﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً(الأنعام:2) . أي : فصل الحكم به . وقوله تعالى :﴿ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ ﴾(الإسراء: ) . أي : فصلنا الإعلام به . وقال تعالى :﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ(سبأ:14) . أي : فصلنا أمر موته . وقوله تعالى :﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ . أي : فصل الأمر بهن » .
لاحظ قوله :« فصل الأمر بهن » ، ثم القول الذي قبله :« فقطعهن وأحكم خلقهن » ، وليس صنعهن وأوجدهن ، أو خلقهن . هذا هو معنى ( القضاء ) ، وهذا هو معنى ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ، وفرق كبير بينه ، وبين قولهم :( فخلقهن سبع سموات ) ، عند من كان له قلب وعقل ، وهو أقرب إلى قوله تعالى :﴿ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ (البقرة:29) . فقضاء السموات سبعًا لا علاقة له بخلقها ، وخلق الأرض ، وجعل الرواسي في الأرض ، والمباركة فيها ، وتقدير أقواتها .. والله تعالى أعلم !
بقلم : محمد إسماعيل عتوك


الساعة الآن 07:18 PM

Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY:
! ωαнαм ! © 2010

Security team