![]() |
اعتراض البوطي علةى مسالة زيارة القبور
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 152 -------------------------------------------------------------------------------- المسألة الرابعة عشرة فقال: روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، هذا الكلام طبعا في سياق حديثه عن الخلافات بين السنة والشيعة فتطرق إلى هذه المسألة معلقا على هذا الجانب لأنه يعلم كل العلم بأن الشيعة تهتم بإقامة الشعائر الإسلامية والصلاة في هذه الأماكن، قائلا: الربط بين القبر والصلاة هذا غير جائز (1). فأقول لحضرة الدكتور البوطي: إن زعمك حرمة تحويط مزار القبور بجعلها في غرفة الصيرورة المزار بذلك مشرفا ومسجدا وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن إشراف القبور وجعلها مساجد لكن هذا الدليل على عدم صيرورة القبر بذلك مشرفا ومسجدا. هناك أمور: أولا: وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدفنه في غرفته وكذلك وصية الخلفاء والصحابة وهذه دلائل واضحة نستدل من خلالها على جواز فعل القبر في الغرفة (2). فلذا نجد المسلمين قد اختلفوا في دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أبو بكر: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " ما مات نبي إلا دفن حيث يقبض " فرفع فراش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي توفي عليه ثم حفر له تحته، وكذلك أوصى الخليفة عمر بن الخطاب بدفنه في غرفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفنه الصحابة فيها ودفن علي بن أبي ____________ (1) محاضرة بتاريخ 2 / 10 / 1995 جامعة دمشق. (2) طبقات ابن سعد: المجلد الثاني باب ذكر موضع قبره. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 153 -------------------------------------------------------------------------------- طالب فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غرفتها أو في دار عقيل، جنب البقيع لكن قبرها مجهول، ودفن هارون الرشيد في داره وروي أن المأمون بنى حول مزاره هذا البناء الذي دفن فيه أيضا علي بن موسى الرضا راجع تاريخ ابن الأثير وتاريخ المدينة المنورة لابن شبة وغيرهما. ثم سؤال يطرح نفسه لماذا الخلفاء والصحابة حوطوا مزار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فإذا هذا دليل على جواز تحويط المزار. وروى ابن زبالة عن عائشة أنها قالت: ما زلت أضع خماري وأتفضل في ثيابي حتى دفن عمر، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارا. وقال ابن سعد في طبقاته: لم يكن على عهد رسول الله على بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان مزاره بعد موته - حائط وكان أول من بنى عليه جدارا الخليفة عمر بن الخطاب (13، 23). وقال أيضا ابن سعد في طبقاته: كان ابن الزبير قد زاد في ارتفاع الحائط الذي بني على قبر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). قال عبيد الله بن زياد: كان جداره قصيرا ثم بناه عبد الله بن الزبير (64، 73). وأخرج البخاري في صحيحه في باب ما جاء في قبر النبي أنه بعد سقوط الحائط بناه الوليد بن عبد الملك الأموي (1). وروى السمهودي: أنه كان حول ما يوازي حجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سطح المسجد مظير مقدار نصف قامة مبنيا بالأجر تمييزا للحجرة الشريفة عن بقية سطح المسجد كما ذكره ابن النجار وغيره (2). ____________ (1) وراجع أيضا في هذا القول: أنساب الأشراف للبلاذري، ج 2 ص 576. (2) وفاء الوفاء: ج 2 ص 608. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 154 -------------------------------------------------------------------------------- ثانيا: جعل القبر في الغرفة لا يصيره مشرفا ولا مسجدا إذ كان قبر النبي في غرفته غير مشرف ولا لاطئ (1). وروى الحاكم في مستدركه وأبو داود في سننه من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال: " دخلت على عائشة فقلت لها يا أمة اكشفي لي عن قبر النبي وصاحبيه فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء) (2). وأخرج البخاري في صحيحه في كتاب جنائزه عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في مرضه الذي مات فيه: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (3). قالت: ولولا ذلك القول من النبي لأبرزوا قبره غير أني أخشى أن يتخذ مسجدا " تعني لم يكن مبرزا حتى يصير مسجدا مع أنه في الغرفة " فماذا نفهم من ذلك. أنه لا تكون صلاة عائشة في جنب القبر بمعنى أنها اتخذته مسجدا لعدم قصد عائشة بل المراد عدم اتخاذه صنما يعبد بعنوان أنه إله وبعبارة أخرى أن المراد من الحديث " النهي عن عبادة القبر " لا مجرد الصلاة إلى جنبه كما كانت تصلي عائشة وكما أن الزائرين يصلون اليوم في مسجد النبي جنب قبره (صلى الله عليه وآله وسلم). ثالثا: بناء قبة حمزة بن عبد المطلب بمعونة الخلفاء العباسيين: قال السمهودي في وفاء الوفاء: " إن على مزاره قبة عالية حسنة متقنة وباب مصفح كله بالحديد بنته أم ____________ (1) وفاء الوفاء: للسمهودي: ج 2 ص 551 (راجع طبقات ابن سعد أيضا). (2) صحيح البخاري: باب ما جاء في قبر النبي أنه بعد سقوط الحائط بناه الوليد بن عبد الملك الأموي. (3) عدم إشراف قبر النبي كان لأجل نهي النبي عن إشراف القبور (مسند أحمد بن حنبل في مسند علي بن أبي طالب صفحة (96، 129، 138، وقال علي (عليه السلام) لأبي الهيجاء الأسدي: أبعثك على ما بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته. (4) صحيح البخاري: في كتاب الجنائز. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 155 -------------------------------------------------------------------------------- الخليفة العباسي الناصر لدين الله (سنة 575 - 622 ه) أبي العباس أحمد بن المستضئ. فواضح من النص السابق أن القبة المشار إليها في الحديث لم تكن قبة مسجد بل قبة مزار حرم حمزة، وأن الحرم كان قريبا من المسجد على مسافة قصيرة. وبعبارة أخرى فإن الحديث يشير إلى وجود مبنيين متقاربين منفصلين عن بعضهما البعض أحدهما حريم قبر حمزة، والآخر المسجد وقد تم إعمار هذه القبة تحت إشراف الخلفاء وإن من قام بتهديمها اليوم. هم الوهابيون، ولو أن الوهابيين استطاعوا لخربوا مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم أقول: كيف ادعيتم هذه الأقوال وليس فيها من الصحة شيئا. رابعا: البناء على القبور في الأمم السابقة: يستفاد من بعض الآيات الكريمة في القرآن أن تعظيم قبور المؤمنين كان أمرا شائعا بين الأمم التي سبقت ظهور الإسلام، فبالنسبة إلى أصحاب الكهف - بعدما انتشر خبرهم بين الناس وهرعوا إلى الكهف لمشاهدتهم - وقع الخلاف والنزاع حول مدفنهم وانقسموا قسمين فقال أحدهما: (ابنوا عليهم بنيانا). وقال الآخر: (لنتخذن عليهم مسجدا). هنا نلاحظ أن القرآن الكريم يذكر لنا هذين الرأيين من دون أن ينتقدهما، وعلى هذا يمكن القول بأنه لو كان الرأيان باطلين لانتقدهما، أو قص قصتهما بأسلوب رافض مستنكر. ويقول المفسرون: إن النزاع - حول مدفن أصحاب الكهف - إنما وقع بين المؤمنين والكافرين، أما الكافرون فقالوا: (ابنوا عليهم بنيانا). والمؤمنون قالوا: (لنتخذن عليهم مسجدا) وكانت الغلبة مع المؤمنين حيث قال سبحانه: (قال الذين غلبوا على -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 156 -------------------------------------------------------------------------------- أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) (1). وبني المسجد وصارت قبور أصحاب الكهف مركزا للتعظيم والاحترام. وهكذا يظهر لنا أن الهدف من البناء على قبور أصحاب الكهف إنما كان نوعا من التعظيم لأولياء الله الصالحين. أيها القارئ الكريم: بعدما مر عليك من الآيات الكريمة الثلاثة لا يمكن القول بحرمة البناء على قبور أولياء الله ولا بكراهته بأي وجه بل يمكن اعتباره نوعا من تعظيم شعائر الله ومظهرا من مظاهر المودة إلى القربى. وفي نهاية المطاف أقول لسماحة الدكتور: إن بناء المساجد بجوار قبور الصالحين لا مانع فيه أبدا، لأنه يندرج تحت الأصول الإسلامية العامة المجوزة ذلك لأن الهدف من بناء المسجد هناك إنما هو عبادة الله تعالى بجوار مثوى أحد أحبائه وأوليائه الصالحين الذي منح البركة والشرف لتلك الأرض التي دفن فيها وبعبارة أخرى: إن الهدف من تشييد المساجد هناك التشجيع على أداء الفرائض الشرعية والعبادات، قبل زيارة ذلك القبر أو بعدها، فلا معنى للقول بحرمة بناء المسجد - بجوار قبور الصالحين لعبادة الله وأداء فرائضه الشرعية، وإن التأمل في قصة أصحاب الكهف يكشف لنا عن أن بناء المسجد بجوار القبر كان سنة متبعة عند الأمم والشرائع السابقة. والقرآن الكريم يشير إلى تلك السنة من دون أي رد أو نقد. وإن تقرير القرآن حجة شرعية - كما هو ثابت في علم أصول الفقه وهذا يدل على أن سيرة الموحدين المؤمنين في العالم كله كانت جارية على هذا الأمر وكان يعتبر عندهم نوعا من الاحترام لصاحب القبر وتبركا به. ثم أقول: لماذا ذكر القرآن في سورة الكهف اقتراحهم من دون أي نقد أو رد؟ أليس ذلك دليلا على الجواز حضرة الدكتور؟ ____________ (1) سورة الكهف: الآية 21. |
الساعة الآن 04:47 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010