![]() |
قول البوطي لو كان الحق لعلي لحارب من اجله كما حارب معاوية
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 103 -------------------------------------------------------------------------------- المسألة التاسعة ويتابع القول حضرة الدكتور في محاضرته (1) قائلا: فلو كانت خلافة سيدنا علي منصوصا عليها بصريح القرآن أو بصريح السنة فمن كان أول من دافع عن هذا الحق؟ بالطبع سيدنا علي، وبمقدار ما قاتل معاوية فإنه " سيدنا علي " كان سيقاتل أولئك أكثر، وبذلك فإنه قاتل معاوية، لأن خلافته منصوص عليها ضده ولكنه قاتله لأنه رأى أن الخلافة كانت من حقه بالإنتخاب والشورى فلذلك قاتله. فكيف يقاتل معاوية عندما يرى أن الخلافة من حقه بنص القرآن أو بنص الحديث. ولا يقاتل أبا بكر وعمر وعثمان بشراسة أشد!! لماذا...؟ فإما أن سيدنا علي معصوم أو أنه غير معصوم، فمعنى ذلك أن عمله حجة بأن الخلافة لأبي بكر (ما دام معصوم) ولعمر وعثمان، وإذا كان لا فإنه غير معصوم، وبايعه غلط، وكان عليه ألا يبايع عمر، وألا يبايع عثمان، وألا يبايعه لأنه هو الخليفة، وبذلك فهو غير معصوم. دلالة القرآن بتصريح الخلافة لعلي (عليه السلام) وأما دلالة القرآن الكريم على اختصاص الخلافة بعلي (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لدينا أدلة كثيرة فإليكم بعض الآيات البينات من الذكر الحكيم. ____________ (1) المحاضرة بتاريخ 2 / 10 / 1995 جامعة دمشق. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 104 -------------------------------------------------------------------------------- الأولى: أنه لما نزلت آية (وانذر عشيرتك الأقربين) أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا أن يجمع بني عبد المطلب، ويطبخ لهم فخذ شاة، ويخبز صاعا من دقيق، ويأتي بعس من لبن، وهو القدح الكبير، فأكلوا حتى شبعوا، ولم يبن النقص في الطعام إلا أثر أصابعهم، وشربوا اللبن حتى رووا، فلما أراد أن يكلمهم، بدره أبو لهب، فقال: لشد ما سحركم صاحبكم فتفرقوا، ولم يكلمهم، ثم جمعهم في اليوم الثاني، وصنع لهم من الطعام والشراب كما صنع في اليوم الأول، ثم قال: يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم.. فسكتوا جميعا، فقال علي: فقلت: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي ثم قال: " إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا "، فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. ورواه الطبري مسندا في تاريخه وتفسيره، ورواه أيضا الكثير من حفاظ أهل السنة ومفسريهم (1). فأقول للدكتور: أن هذا الحديث من أوضح النصوص وأدلها على ____________ (1) ابن جرير الطبري في تفسير سورة الشعراء. وأخرجه الطبري في تاريخ الأمم والملوك ص 217 من ج 2 بطرق مختلفة. وأرسله ابن الأثير إرسال المسلمات في الجزء الثاني ص 2 من (عامله). تاريخ أبي الفداء: ج 1 ص 116. أبو جعفر الإسكافي في كتابه (نقض العثمانية). شرح النهج لابن أبي الحديد: ص 223 ج 3. أحمد بن حنبل: ج 1 ص 111 - ص 159. الحاكم في المستدرك: ج 3 ص 132. الذهبي: في تلخيصه معترفا بصحته. الدر المنثور: للسيوطي: ج 5 ص 97. الرياض النضرة: للطبري: ج 2 باب فضائل علي (عليه السلام). ورواه أيضا: السند: المتقي الهندي: (منتخب كنز العمال) ص 42 - هامش الجزء الخامس من مسند أحمد باب مناقب علي. ابن كثير: البداية والنهاية: ج 3 ص 45 الطبعة الأولى. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 105 -------------------------------------------------------------------------------- خلافة أمير المؤمنين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لا معنى لجعله واجب الطاعة على الأكابر من عشيرته، وقومه، وبني عمومته إلا لأنه يريد له (عليه السلام) الخلافة العامة لا سيما وصريح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) " يكون خليفتي فيكم " من أظهر النصوص عليها. وقل لي بربك حضرة الدكتور. ما كان يضر أولئك النفر الذين اجتمعوا على غير علي (عليه السلام) لو اجتمعوا عليه (عليه السلام) ونظروا بعين الإنصاف إلى صفاته المرضية، وأخلاقه العالية، وعدله في الرعية، وقسمته بالسوية، ونزاهته من درن الدنيا الدنية، وفكروا قليلا في علمه الفاخر، وقضائه الباهر، وتفانيه في سبيل الدين، ورعايته لمصلحة المسلمين؟ ماذا يضرهم ذلك؟ لا سيما وهم يرون بأعينهم ويسمعون بآذانهم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، تلك النصوص الجلية التي تنص على خلافته بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيه أيضا (عليه السلام): " تختصم الناس ولا يحاجك أحد من قريش، أنت أولهم إيمانا بالله وأقواهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية " (1). ومن الآيات التي تنص على خلافة علي (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى في سورة هود (عليه السلام): (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) (2). فقد روى الجمهور ونقله عنهم ابن جرير (3): إن الذي على بينة من ربه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والشاهد الذي يتلوه هو علي بن أبي طالب. وقد أخرج ____________ (1) الكاتب المصري: محمد حسنين هيكل: في كتابه (حياة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)) الطبعة الأولى ص 104 وقد حذفه من الطبعة الثانية مقابل مبلغ من الدولارات النفطية. (1) الرياض النضرة: للطبري: ج 2 ص 198 باب فضائل علي - ط - سنة 1337 ه. المتقي الهندي (منتخب عن العمال) ج 5 ص 34 ه مسند أحمد باب فضائل علي (عليه السلام). سورة هود: الآية 17. تفسير ابن جرير الطبري ج 12 ص 12. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 106 -------------------------------------------------------------------------------- الحديث جماعة من مفسري أهل السنة (1). الآية الثالثة: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد). ومن الآيات التي تنص على إمامة علي (عليه السلام) بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله تعالى في سورة الرعد: (إنما أنت منذز ولكل قوم هاد ". ويقول العلامة البغوي محيي السنة عند أهل السنة في تفسيره: لما نزل قوله تعالى: (إنما أنت منذز ولكل قوم هاد) وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره، وقال: أنا المنذر، وأومأ إلى منكب علي، وقال: أنت هاد، بك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي. وقد أخرج ذلك غير البغوي جمع من مفسري أعلام أهل السنة وحفاظهم (2). ____________ (1) راجع: الحافظ السيوطي في (الدر المنثور) ص 324 من جزئه الثالث عن ابن أبي حاتم وغيره من ثقات علمائهم. ومنهم: الفخر الرازي في (تفسيره الكبير) ص 68 من جزئه الخاص. ومنهم: النيسابوري في تفسيره ص 317 من جزئه الثاني. ومنهم: الثعلبي في تفسيره الكبير. ومنهم: الحافظ أبو نعيم، فقد أخرجه من ثلاث طرق عن عبد الله بن عباس الأسدي، والفلكي المفسر عن مجاهد، وعن عبد الله بن شداد وغيرهم من حفاظ أهل السنة. ومنهم: ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ص 236 ج 2. ويقول السيوطي: في كتاب (الإتقان) ص 225 من جزئه الثاني. من النوع الثمانين: إن تفسير مجاهد هو المعتمد عند شيخ الحديث البخاري من التقليد ممن يخالفه. (2) راجع: السيوطي في (الدر المنثور) ص 45 من جزئه الرابع في تفسير الآية في تفسيره عن ابن عباس، وأخرجه أيضا عن ابن مردويه عن ابن أبي حاتم وغيره من طريق علي (عليه السلام)، وأخرجه عن ابن مردويه من طريق ابن عباس. ومنهم الفخر الرازي في (تفسيره الكبير) ص 230 من جزئه الثالث. ومنهم الحاكم النيسابوري في تفسيره 367 من جزئه الثاني. ومنهم ابن الصباغ المالكي في ص 122 من كتابه الفصول المهمة. ومنهم القندوزي الحنفي في ص 99 من (ينابيع المودة من جزئه ومنهم المتقي الهندي في ص 34 من (منتخب كنز العمال) بهامش الجزء الخامس من (مسند الإمام أحمد بن حنبل) وغير هؤلاء من مفسري أهل السنة وحفاظهم. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 107 -------------------------------------------------------------------------------- الآية الرابعة: آية الولاية. قال تعالى في كتابه العزيز: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1) هذه الآية نزلت في علي (عليه السلام)، لما تصدق بخاتمة في الصلاة، كما في كتاب أسباب النزول للسيوطي، وعلي ابن أحمد الواحدي النيسابوري وتفسير الثعلبي وغيرها. وجه دلالة هذه الآية على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنها دلت على انحصار (الولاية) في الله تعالى، وفي رسوله، وفي علي (عليه السلام)، وفي اقتران ولايته بولاية الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقوى دليل على إمامته ويدل هذا الاقتران أيضا على أن المراد بالولي الأولى، وهو معنى الإمامة. |
دلالة الحديث النبوي بتصريح الخلافة لعلي (عليه السلام)
الحديث الأول: ومن الأدلة على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا بلى، قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار (2). فهذا الحديث يدل على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) لدلالته على أن عليا (عليه السلام) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فيكون هو الإمام. ثم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أفرد له خيمة يوم الغدير، وأمر الناس أن يبايعوه بإمرة المؤمنين فبايعوه كلهم الرجال والنساء، حتى أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). ____________ (1) سورة المائدة: الآية 54. (2) راجع سند حديث الغدير ص 100 من هذا الكتاب. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 108 -------------------------------------------------------------------------------- الحديث الثاني: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث الطائر المشوي (1) " اللهم ائتني بأحب خلقك إلي يأكل معي من هذا الطائر ". وجه دلالة هذا الحديث على إمامته، أنه إذا كان أحب الخلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أفضلهم، لأن حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس مبنيا على الهوى والغرض بل على زيادة الفضل، وإذا كان أفضلهم كان أحق بالخلافة والإمامة، لأن تقديم المفضول على الفاضل قبيح عقلا. الحديث الثالث: الدليل على أنه أعلم الصحابة: أنهم كانوا يرجعون إليه في المسائل، ولم يكن يرجع إلى أحد، ويكفي في ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أقضاكم علي " وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب ". الدال على أنه يعلم جميع علوم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكفي في ذلك أيضا إخباره بالمغيبات الكثيرة، كإخباره عن الخوارج وعن ذي الثدية منهم وعن غرق البصرة وعن صاحب الزنج وعن التتر وعن قتل ابن ملجم إياه وإخباره عن أصحابه بأنهم سيعرضون بعده على سبه والبراءة منه الخ... تبليغ سورة براءة: وقصة تبليغ سورة براءة هي أيضا من الأحداث التي تدل دلالة قاطعة على أن تولي أمور المسلمين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محصورة بأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهذه القصة مشهورة ومعروفة لكني أوردتها للفائدة - والقصة كما رواها الإمام أحمد بن حنبل، قال: حدثني وكيع قال: قال إسرائيل ة قال أبو ____________ (1) أخرج الحاكم حديث الطير في المستدرك من طريق يحيى بن سعيد عن أنس وقال رواه عن أنس جماعة من أصحابه. أنظر المستدرك للحاكم النيسابوري ج 3: 130 - 131. تذكرة الخواص: 39. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 109 -------------------------------------------------------------------------------- إسحق، عن زيد بن يشيه عن أبي بكر: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه ببراءة إلى مكة: " لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف في البيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فأجله إلى مدته، والله برئ من المشركين ورسوله ". قال: فسار بها ثلاثا: ثم قال النبي لعلي: " إلحقه فرد علي أبا بكر وبلغها أنت ". قال: ففعل، فبينا أبو بكر في بعض الطريق، إذ سمع رغاء ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القصوى فخرج أبو بكر فزعا فظن أن رسول الله، فإذا هو علي، فدفع إليه كتاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذها منه وسار ورجع أبو بكر. فلما قدم على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكى وقال. يا رسول الله أمرت في شئ...؟ قال: " لا ولكن أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني ". وفي بعض الروايات: " لا يبلغها عني إلا أنا، أو رجل مني " (1). فالنظر في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أمرت " ألم يكن معلوما أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينطق عن الهوى " إن هو إلا وحي يوحى "، فهذه الواقعة عبرة لمن يعتبر ولقد جاء هذا الحدث ليعلمنا من أين نأخذ ديننا " إلا أنا أو رجل مني ". ____________ (1) الخصائص للنسائي: 25. جامع الأصول من أحاديث الرسول: 9: 475 / 6496 الترجمة من تاريخ ابن عساكر - 2: 376 - 391. مجمع الزوائد: 9: 119. تاربخ اليعقوبي: 2: 76. تفسير الطبري: 10 / 46. المناقب: للخوارزمي: 106. مسند أحمد بن حنبل: 1: 3، 331 و 3: 212 و 4: 164، 165 في كتاب فضائل الصحابة. الحاكم في المستدرك: 3: 132 - 134. ابن حجر في الإصابة: 4 / 270. البداية والنهاية: لابن كثير: 7 / 350 وأصحاب المناقب. |
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة 110 -------------------------------------------------------------------------------- فصل (4) سكوت الإمام عن حقه وعدم محاربة الخلفاء الثلاثة فأقول للدكتور البوطي: بعد أن بينت لك الأدلة القاطعة من القرآن والسنة النبوية على خلافة أمير المؤمنين، لا بد لي وأن أوضح لحضرتك سبب سكوت الإمام وعدم محاربة أو مقاتلة الخلفاء الذين تقدموا عليه. فأقول: إن هذا السؤال الذي تطرحه للطلبة في محاضرتك في جامعة دمشق ليس جديدا بطرحه، وإنما هذا السؤال المطروح من قبل حضرتكم أكل الزمان عليه وشرب. لقد طرح هذا السؤال على الإمام (عليه السلام) منذ عصره فأول من سأل الإمام (عليه السلام) هذا السؤال هو الأشعث بن قيس حيث إنه قال للإمام (عليه السلام): ما منعك يا ابن أبي طالب حين بويع أخو بني تيم وأخو بني عدي وأخو بني أمية أن تقاتل وتضرب بسيفك، وأنت لم تخطبنا مذ قدمت العراق إلا قلت قبل أن تنزل عن المنبر، والله إني لأولى الناس وما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال (عليه السلام): يا ابن قيس لم يمنعني من ذلك الجبن ولا كراهية لقاء ربي ولكن منعني من ذلك أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهده إلي. أخبرني بما الأمة صانعة بعده، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي ستغدر بك الأمة من بعدي... فقلت يا رسول الله فما تعهد إلي إذا كان كذلك..؟ فقال: إن وجدت أعوانا فانبذ إليهم وجاهدهم. وإن لم تجد أعوانا -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 111 -------------------------------------------------------------------------------- فكف يدك واحقن دمك حتى تجد على إقامة الدين وكتاب الله وسنتي أعوانا (1). وهذا الذي اتبعه علي (عليه السلام) بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما بينا. وفي رواية أخرى عن أبي عثمان النهدي عن علي (عليه السلام) قال: أخذ علي يحدثنا إلى أن قال: جذبني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكى فقلت: يا رسول الله ما يبكيك..؟ قال: ضغائن في صدور قوم لن يبدوها لك إلا بعدي فقلت: بسلامة من ديني؟ قال نعم بسلامة من دينك (2). لاحظ أخي القارئ نفس السؤال يتكرر في عصر الإمام الرضا (عليه السلام) الإمام الثامن لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فيسأل نفس السؤال فيقال له: لم لم يجاهد علي أعداءه خمسا وعشرين سنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم جاهد في أيام ولايته؟ فأجابهم: لأنه اقتدى برسول الله في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة تسعة عشر شهرا. وذلك لقلة أعوانه عليهم وكذلك ترك علي مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم " ومن هذا القبيل أدلة كثيرة. فحسبك في جوابه قوله (عليه السلام) فيما تضافر عنه نقله أدلة كثيرة (3). وغيره من مؤرخي أهل السنة، حيث يقول (عليه السلام): " لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله تعالى على أولياء الأمر، أن لا يقاروا على كظة ظالم، أو سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها... ". وأنتم ترون أن قوله (عليه السلام) هذا صريح في أنه (عليه السلام) إنما ترك جهاد المتقدمين عليه لعدم وجود الناصر وجاهد الناكثين، والقاسطين، والمارقين لوجود الأنصار والدليل الآخر: ____________ (1) شرح الذهبي في البلاغة للتستري: ج 4 ص 519. (2) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 13 ص 398. ما نقله لنا ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 112 -------------------------------------------------------------------------------- أنظر كتاب معاوية المشهور إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار. ويداك في يد ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر. فلم تدع من أهل بدر والسوابق إلا دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك وأدليت إليهم بابنيك. فلم يجبك منهم إلا أربعة أو خمسة. ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك. لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم (1). فإذا الإمام كان وحيدا فكيف يقاتل أمة لوحده. وإليك ما ذكره ابن قتيبة. (وحمل أمير المؤمنين الزهراء والحسنين ليلا مستنصرا بوجوه القوم فلم ينصروه) (2). وكم قال (عليه السلام): فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت. وأغضيت على القذى وشربت على الشجى وصبرت على أخذ الكظم وعلى أمر من طعم العلقم. وقال أيضا: لا يعاب المرء بتأخير حقه. إنما يعاب من أخذ ما ليس له. لكن الإمام ترك جهاد المتقدمين عليه لقلة وجود الناصر فصبر لكن الإمام أعطى الجواب القاطع لحضرة الدكتور وكل من يتسائل لم لم ينازع علي (عليه السلام) الخلفاء الثلاثة (رض) كما نازع طلحة والزبير ومعاوية وإليك أيها الدكتور قوله (عليه السلام). " إن لي بسبعة من الأنبياء أسوة: الأول: نوح (عليه السلام) قال الله تعالى مخبرا عنه في سورة القمر (3): ____________ (1) رواه نصر بن مزاحم في تاريخ صفين - شرح النهج ج 1 ص 327. (2) الإمامة والسياسة 130 والنهج ج 3 ص 5. (3) سورة القمر: الآية 10. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 113 -------------------------------------------------------------------------------- فدعا ربه (ربي أني مغلوب فانتصر) فإن قلت لي حضرة الدكتور لم يكن مغلوبا فقد كذبت القرآن وإن قلت لي كان مغلوبا كذلك فعلي (عليه السلام) أعذر. الثاني: إبراهيم الخليل (عليه السلام) حيث حكى الله تعالى عنه قوله: (وأعتزلكم وما تدعون من دون الله) (1) فإن قلت لي اعتزلهم من غير مكروه، فقد كفرت وإن قلت لي رأى المكروه فاعتزلهم فعلي (عليه السلام) أعذر. الثالث: ابن خالة إبراهيم نبي الله تعالى لوط (عليه السلام) إذ قال لقومه على ما حكاه الله تعالى: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) (2) فإن قلت لي كان له بهم قوة فقد كذبت القرآن وإن قلت إنه ما كان له بهم قوة فعلي (عليه السلام) أعذر. الرابع: نبي الله يوسف (عليه السلام) فقد حكى الله تعالى عنه قوله: (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) (3). فإن قلت لي إنه دعي إلى غير مكروه يسخط الله تعالى فقد كفرت، وإن قلت إنه دعي إلى ما يسخط الله فاختار السجن فعلي (عليه السلام) أعذر. الخامس: كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) إذ يقول على ما ذكره الله تعالى عنه: (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي رب حكما وجعلني من المرسلين) (4) فإن قلت لي إنه فر منهم من غير خوف فقد كذبت القرآن وإن قلت فر منهم خوفا فعلي (عليه السلام) أعذر. السادس: نبي الله هارون بن عمران (عليه السلام) إذ يقول على ما حكاه الله تعالى عنه: (يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) (5) فإن قلت لي: إنهم ما استضعفوه فقد كذبت القرآن وإن قلت: إنهم استضعفوه ____________ (1) سورة مريم: الآية 48. (2) سورة هود: الآية 81. (3) سورة يوسف: الآية 33. (4) سورة الشعراء: الآية 21. (5) سورة الأعراف: الآية 150. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 114 -------------------------------------------------------------------------------- وأشرفوا على قتله فعلي (عليه السلام) أعذر. السابع: محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث هرب إلى الغار فإن قلت لي. إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هرب من غير خوف فقد كفرت وإن قلت لي: أخافوه وطلبوا دمه، وحاولوا قتله فلم يسعه غير الهرب فعلي (عليه السلام) أعذر. فأقول لحضرة الدكتور عليك بالرجوع إلى التاريخ لمعرفة كل الحقيقة وأؤكد لك إن من الأنبياء من قتل: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) (1). ويكفيكم مثالا على ذلك عيسى ابن مريم (عليه السلام) فأمر الإله إذا لم يقبله الناس لا يفرضه الله والدليل على ذلك أمره بعدم الزنى: (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (2). وأزيدكم على ذلك دليلا أقوى، فالبيعة في الإسلام لا يفرضها الله ولا الرسول ولا أي مسلم، بدليل قوله تعالى: (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) (3). لا أن ترسل لهن ليبايعنك. وإنما يأتين طوعا. ودليل آخر: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (4) ولذلك لم يطلب الرسول بيعة منهم، وإنما هم الذين بايعوه، وعندما يصافح أحدهم النبي فإنه يكتب على نفسه عهدا. أما أن يقول لهم بايعوني بالقوة فذلك أمر لا يرضاه الله ولا رسوله. فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عليا بذلك بعد أن علم ما تدبره قريش من إبعاد ابن عمه وخليفته عن الخلافة، بحجة أنه صغير السن وأن دماء قريش معلقة به، وبحجة أنه محسود، ومكروه وهذا ما أخرجه الطبري - أحد علماء السنة وليس من أقوال الشيعة - في (الرياض النضرة) قال: دعا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا وقال له: " يا علي إني أعلم ضغائن في صدور قوم سوف يخرجونها لك من ____________ (1) سورة البقرة: الآية 87. (2) سورة هود: الآية 29. (3) سورة الممتحنة: الآية 12. سورة الفتح: الآية 10. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 115 -------------------------------------------------------------------------------- بعدي، أنت كالبيت تؤتى ولا تأتي، إن جاءوك وبايعوك فاقبل منهم وإلا فاصبر حتى تلقاني مظلوما " لماذا..؟ لأن الله أخبر نبيه بالقرآن بأن الأمة ستنقلب من بعده على عقبيها وسوف لن يثبت إلا القليل. وإذا ما قامت ثورة ودعوة إلى السيف - والعياذ بالله - فسوف يرتد الجميع - وعندئذ فعلى الإسلام السلام. ماذا قال عباس محمود العقاد في كتابه (1): " آمن علي بحقه في الخلافة، ولكن أراده معا يطلبه الناس ولا يسبقهم إلى طلبه " وقول العقاد هذا غير بعيد عن زهد الإمام (عليه السلام) القائل: " إن خلافتكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ".. وقد وصف بعض العارفين إعراض الإمام عن الدنيا بقوله: " الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ ". وقيل لمسلمة بن نميل: كيف ترك الناس عليا وله في كل خير ضرس قاطع؟ فقال: لأن ضوء عيونهم يقصر عن نوره. ماذا قال المقداد بن عمرو الكندي. ومن ذلك كلام المقداد بن عمرو في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاثيا على ركبتيه، يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له منهلا! وهو يقول: واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم! وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله، أعلم الناس، وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام، وأبصرهم في الطريق، وأهداهم للصراط المستقيم..!! والله لقد زووها عن الهادي المهتدي، الطاهر النقي، وما أرادوا صلاحا للأمة ولا صوابا في المذهب! ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين (2). وأما قول أبي ذر الغفاري: " أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها أما لو قدمتم ما قدم الله وأخرتم ما أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ولما كان ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله إلا وجدتم ____________ (1) العقاد: فاطمة الزهراء: ص 56 ط دار الهلال. (2) تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 163. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 116 -------------------------------------------------------------------------------- علم ذلك عندهم في كتاب الله وسنة نبيه. فأما إذا فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " (1). وهذا ما قاله علي (عليه السلام) في خطبته الشقشقية وأكد حقيقة الأمر بنفسه: " أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة... إلى أن يقول... فارتأيت أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء... فوجدت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت... إلى آخر الخطبة "،... الصبر أولى من الخلافة والدليل على ذلك عندما جاء أبو سفيان وقال له: لو شئت لملأتها عليك خيلا ورجالا، فأجابه علي (عليه السلام) إني أعرف ما في نفسك - فعلي بن أبي طالب يريد نصرة الإسلام، لا هزيمته وأبو سفيان كان يريدها حربا شعواء بين المسلمين لينتهي من الكل. وأن الإمام بصبره وتأنيه ضرب رقما قياسيا بالحكمة. فهنا يأتي سؤال يطرح نفسه لحل تساؤلات حضرة الدكتور البوطي: أتعرف حضرة الدكتور عندما وصل الإمام إلى الخلافة بعد هذا الصبر ماذا فعل؟ أول شئ فعله أنه صعد إلى المنبر فقال: أشهد من حضر بيعتي يوم الغدير إلا قام وشهد، فقام ستة عشر بدريا كلهم يشهدون أنهم سمعوا مبايعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغدير. لماذا علي يثير هذه المشكلة بعد خمسة وعشرين عاما؟ بالتأكيد أراد أن يبين للأمة. أن الأمر خطير ولذلك سكت عنه وسكت هؤلاء الصحابة معه ولم يذكروا ذلك. فالصبر على مقاتلة ومحاربة المسلمين هو واجب شرعي. لأن عليا أول من يفكر لمصلحة الإسلام ولذلك قالها عدة مرات: " والله إن خلافتكم ____________ (1) تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 171، وذكر أول الخطبة ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في (المعارف) ص 146. -------------------------------------------------------------------------------- الصفحة 117 -------------------------------------------------------------------------------- هذه عندي كعفطة عنز أو كورقة تقضمها جرادة إلا أن أقيم حدا من حدود الله ". وليس مشكلة علي هي الخلافة يا مسلمون. |
الساعة الآن 03:13 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010