![]() |
العقيلة زينب في سطور
العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - ص 7 - 19
زينب الكبرى العقيلة زينب في سطور : جدها لأمها : رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . جدتها لأمها : خديجة الكبرى . جدها لأبيها : أبو طالب شيخ البطحاء . جدتها لأبيها : فاطمة بنت أسد . أبوها : علي أمير المؤمنين . أمها : فاطمة الزهراء . أخواها : الإمامان الحسن والحسين . أختها : أم كلثوم . ولادتها : خمسة جمادى الأول السنة الخامسة من ‹ صفحة 8 › الهجرة ، بالمدينة . ألقابها : الصديقة الصغرى ، العقيلة ، عقيلة بني هاشم ( 1 ) ، عقيلة الطالبيين ، العارفة ، العالمة ، الفاضلة ، الكاملة ، عابدة آل علي . زوجها : عبد الله بن جعفر الطيار . أولادها : علي ، عون ، محمد ، عباس ، أم كلثوم . كان لها مجلس علمي حافل ، يقصده جماعة من النساء للتفقه بالدين ، شهدت مأساة كربلاء ، وتحملت العبء الأكبر بعد شهادة أخيها الحسين وشاركتها أختها أم كلثوم . توفيت في 15 رجب في دمشق الشام سنة 65 ه على أصح الروايات ، ودفنت في ضواحي دمشق في قرية يقال لها راوية ، ولها مزار يناسب جلالتها وعظمتها . ‹ صفحة 9 › أبوها ( عليهما السلام ) : أبوها أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم أبو الحسن والحسين ، علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عبد مناف بن قصي ، وابن عم الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) وصنوه ، الذي رباه صغيرا ، وعلمه شابا علم ما كان وما يكون ، ونصبه من بعده علما لأمته ، وأبان فضائله التي لا تحصى ، ومناقبه التي لا تستقصى ، ومعين علمه الذي لا ينضب ، وأطواد حلمه الذي لا ينزع ، فهو أعلم الناس بعد الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله ) وأحلمهم ، وأجودهم ، وأكرمهم ، وأزهدهم ، وأشجعهم ، وأعبدهم ، وأوفاهم ، وأورعهم ، وأقضاهم ، صلوات الله عليه . وأما أمها ( عليهما السلام ) : فهي بضعة المصطفى ، الطاهرة الزكية ، سيدة نساء ‹ صفحة 10 › العالمين ، الصديقة الكبرى ، فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، الحوراء الإنسية ، التي زوجها الله سبحانه وتعالى في السماء . ولادتها : ولدت الميمونة الطاهرة زينب الكبرى ( عليها السلام ) في الخامس من شهر جمادى الأول ، من السنة الخامسة ، أو السادسة للهجرة على ما حققه بعض الأفاضل من المؤرخين ، وقيل في شعبان في السنة السادسة من الهجرة . والذي يترجح عندنا هو أن ولادة السيدة زينب كانت في السنة الخامسة من الهجرة ، وذلك حسب الترتيب الوارد في أولاد فاطمة الزهراء ( عليهم السلام ) . ولما ولدت زينب ( عليها السلام ) استبشر بها أبوها الإمام علي ( عليه السلام ) وأخذها من أمها السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وقالت سم هذه المولودة ، فقال : ما كنت لأسبق أبيك ‹ صفحة 11 › رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان في سفر له ، وأجرى عليها مراسيم الإسلام في المولود ، فقد أذن في أذنها اليمنى وأقام في اليسرى . ولما جاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) واحتضنها وسأل الإمام علي ( عليه السلام ) عن اسمها ، فقال : ما كنت لأسبقك يا رسول الله ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما كنت لأسبق ربي تعالى ، فهبط الأمين جبرئيل يقرأ على النبي السلام من الله الجليل العلام ، وقال له : سم هذه المولودة زينب ، فقد اختار الله سبحانه لها هذا الاسم . ثم أخبره بما يجري عليها من المصائب ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال : من بكى على مصاب هذه البنت كان كمن بكى على أخويها الإمامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ) . وتكنى بأم كلثوم ، كما تكنى بأم الحسن أيضا . ويقال لها زينب الكبرى ، للفرق بينها وبين من سميت باسمها من أخواتها وأقرانها ، وكنيت بكنيتها . ‹ صفحة 12 › كما تلقب بالصديقة الصغرى ، للفرق بينها وبين أمها الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . وتلقب بالعقيلة ، وعقيلة بني هاشم ، وعقيلة الطالبيين ( 1 ) ، والموثقة ، والعارفة ، والعالمة غير المعلمة ، والفاضلة الكاملة ، والعابدة الزاهدة ، وغير ذلك من الصفات الحميدة والسجايا الكريمة والنعوت الحسنة . وهي أول بنت ولدت للسيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . أشقاؤها : أشقاؤها من أمها وأبيها الإمامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، ومن بعدهم السيدة أم كلثوم ، وهي أكبر من أختها ، وآخرهم الشهيد السقط محسن . كما لها عدة إخوة وأخوات من أمهات شتى أعرضنا عن ذكرهم روما للاختصار . ‹ صفحة 13 › نشأتها وتربيتها ( عليها السلام ) : لم نحصل على تفاصيل نشوء السيدة زينب في طفولتها وصباها غير ما ذكره المحقق العلامة النقدي في كتابه ( زينب الكبرى ) ملخصا ، وهذا نصه : التربية هي من أهم الأمور للأطفال الذين يراد تثقيفهم وتهذيبهم وتأديبهم على الوجه الصحيح ، لأنها أساس كل فضيلة ، ودعامة كل منقبة ، وأول شئ يحتاج إليه في التربية هو اختيار المربي الكامل العامل بالدروس التي يلقيها على من يراد تربيته ، ولذلك ترى الأمم الناهضة في كل دور من أدوار التاريخ ينتخبون لتربية ناشئتهم من يرون فيه الكفاءة والمقدرة ، من ذوي الأخلاق الفاضلة والصفات الكاملة ، علما منهم أن الناشئ يتخلق بأخلاق مربيه ، ويتأدب بآدابه مهما كانت . ولقد كانت نشأة هذه الطاهرة الكريمة ، وتربية تلك الدرة اليتيمة ، العقيلة زينب ( عليها السلام ) ، في حضن النبوة ، ‹ صفحة 14 › ودرجت في بيت الرسالة ، رضعت لبان الوحي من ثدي الزهراء البتول ، وغذيت بغذاء الكرامة من كف ابن عم الرسول ، فنشأت نشأة قدسية ، وربيت تربية روحانية ، متجلببة جلابيب الجلال والعظمة ، متردية رداء العفاف والحشمة ، فالخمسة أصحاب العباء ( عليهم السلام ) هم الذين قاموا بتربيتها وتثقيفها وتهذيبها ، وكفاك بهم مؤدبين ومعلمين . ولما غربت شمس الرسالة ، وغابت الأنوار الفاطمية ، وتزوج أمير المؤمنين بإمامة بنت أبي العاص - وأمها زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) - بوصية من فاطمة ( عليها السلام ) ، إذ قالت : وأوصيك أن تتزوج بأمامة بنت أختي زينب ، تكون لولدي مثلي . قامت أمامة بشؤون زينب خير قيام ، كما كانت تقوم بشؤون بقية ولد فاطمة ، وكانت أمامة هذه من النساء الصالحات القانتات العابدات . وكانت العقيلة زينب ( عليها السلام ) تأخذ التربية الصالحة والتأديب القويم من والدها الكرار وأخويها الكريمين ‹ صفحة 15 › الإمامين الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، إلى أن بلغت من العلم والفضل والكمال مبلغا عظيما ، كما سيأتي في بيان علمها وفضلها . شرفها ومجدها ( عليها السلام ) : الشرف في النسب : اتصاله بعظيم من العظماء ، وأشرفهم الذرية الطاهرة من آل الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . والمجد يطلق على الشرف الباذخ ، ويطلق على الكرم والعز والجاه . فإذا سمعت هذا فاستمع لما يوحى إليك ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كل بني أم ينتمون إلى عصبتهم ، إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم ( 1 ) . وقد روى هذا الحديث ‹ صفحة 16 › بالإسناد إلى فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) عن فاطمة الكبرى بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورواه الطبراني وغيره بأسانيدهم المختلفة ، كما في شرف المؤبد للنبهاني ( 1 ) عنه ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله عز وجل . . . وجعل ذرية كل نبي في صلبه ، وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب ، والروايات بهذا المعنى كثيرة . وهذا الشرف الحاصل للسيدة زينب ( عليها السلام ) شرف لا مزيد عليه ، فإذا ضممنا إلى ذلك أن أباها علي المرتضى ، وأمها فاطمة الزهراء وجدتها خديجة الكبرى ، وعمها جعفر الطيار في الجنة ، وعمتها أم هانئ ، وأخواها سيدا شباب أهل الجنة ، وأخوالها وخالاتها أبناء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فماذا يكون بعد هذا الشرف ، وإلى أين ينتهي شأوه ويبلغ مداه . ‹ صفحة 17 › وإذا ضممنا إلى ذلك أيضا علمها وفضلها وتقواها ، وكمالها ، وزهدها ، وورعها ، وعبادتها ، وعمق معرفتها بالله تعالى ، كان لشرفها شرفا خاصا بها ، وبأمثالها من أهل بيتها ، ومجدها مجدا مؤثلا لا يليق إلا بها وبهم صلوات الله عليهم . ومما زاد في شرفها أن الخمسة الطاهرة أهل الكساء ( عليهم السلام ) كانوا يحبونها حبا جما . وحدث يحيى المازني قال : جاورت أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في المدينة المنورة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه السيدة زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها شخصا ، ولا سمعت لها صوتا ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدها ( صلى الله عليه وآله ) تخرج ليلا ، الحسن عن يمينها والحسين عن شمالها ، وأمير المؤمنين ( عليه السلام ) أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف ، سبقها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الإمام الحسن ( عليه السلام ) مرة عن ذلك ، ‹ صفحة 18 › فقال : أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب . وروي : أن الإمام الحسن ( عليه السلام ) لما وضع الطشت بين يديه وصار يقذف كبده من أثر السم ، التي سمته به زوجته جعدة بنت الأشعث بأمر معاوية لعنهم الله ، سمع بقدوم أخته السيدة زينب أمر وهو بتلك الحالة ، برفع الطشت ، إشفاقا عليها . وجاء في بعض الأخبار ، إن الإمام الحسين ( عليه السلام ) إذا زارته أخته زينب يقوم لها إجلالا ويجلسها في مكانه . ولعمري إن هذه منزلة عظيمة للسيدة زينب لدى أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) كما أنها كانت أمينة أبيها على الهداية الإلهية . زواجها من عبد الله بن جعفر الطيار : لما بلغت العقيلة زينب ( عليها السلام ) مبلغ النساء ، خطبها الأشراف من العرب ورؤساء القبائل فكان أمير المؤمنين ‹ صفحة 19 › علي ( عليه السلام ) يردهم ولم يجب أحدا منهم في أمر زواجها . وكان يدور في خلده ( عليه السلام ) أن يزوج بناته من أبناء إخوته امتثالا لقول الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حين نظر إلى أولاد علي وجعفر وقال : بناتنا لبنينا ، وبنونا لبناتنا ، ولذلك دعى ابن أخيه عبد الله بن جعفر وشرفه بتزويج الحوراء الإنسية ز . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 8 › ( 1 ) العقيلة : هي المرأة الكريمة على قومها ، العزيزة في بيتها . ‹ هامش ص 12 › ( 1 ) ومعنى العقيلة هي المرأة الكريمة على قومها ، والعزيزة عندهم ، والسيدة زينب ( عليها السلام ) فوق ذلك . ‹ هامش ص 15 › ( 1 ) أورد النبهاني في الشرف المؤيد ، الصفحة 51 ، وقال الصباني في إسعاف الراغبين : هذه الخصوصية لأولاد فاطمة ( عليها السلام ) فقط دون أولاد بقية بناته ( صلى الله عليه وآله ) . ‹ هامش ص 16 › ( 1 ) الصفحة 53 ، طبعة بيروت ، سنة 1309 ه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - ص 19 - 30 زينب على صداق أمها فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أربعمائة وثمانين درهما . ويجدر بنا هنا أن نذكر شيئا يسيرا من حياة عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ، الملقب بالجواد ويكنى بأبي محمد ، وأشهر كناه أبو جعفر . أمه أسماء بنت عميس الخثعمية ، تزوجها جعفر بن أبي طالب الملقب بالطيار ، وهي أم ولده جميعا ، ولما استشهد في غزوة مؤتة بالبلقان ، تزوجها أبو بكر بن أبي قحافة فولدت له محمدا ، ولما توفي عنها تزوجها أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فولدت له يحيى بن علي توفي ‹ صفحة 20 › في حياة أبيه ( عليه السلام ) ، هذا قول أبي الفرج الإصبهاني في المقاتل ، وقيل : ولدت له يحيى ومحمد الأصفر . ولدت العقيلة زينب الكبرى لعبد الله بن جعفر الطيار كما في تاريخ الخميس ( 2 : 317 ) عليا وعونا الأكبر ، وعباسا ، وأم كلثوم . أما عون فقد استشهد مع خاله الحسين في كربلاء يوم الطف ، قتل في جملة آل أبي طالب ، وهو مدفون مع آل أبي طالب في المقبرة مما يلي رجلي الحسين ( عليه السلام ) كما نص عليه الشيخ المفيد في الإرشاد ، والطبرسي في إعلام الورى . انتهى . أقوال العلماء في فضائلها ومناقبها ( عليها السلام ) : قال شهاب الدين بن حجر في الإصابة : زينب بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، الهاشمية سبطة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أمها فاطمة الزهراء . ‹ صفحة 21 › قال ابن الأثير : إنها ولدت في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكانت عاقلة لبيبة جزلة ، زوجها أبوها ابن أخيه عبد الله ابن جعفر فولدت له أولادا ، وكانت مع أخيها لما قتل ، فحملت إلى دمشق وحضرت عند يزيد بن معاوية ، وكلامها ليزيد بن معاوية - حين طلب الشامي أختها فاطمة - مشهور يدل على عقل وقوة جنان . وقال العلامة البرغاني في مجالس المتقين : إن المقامات العرفانية الخاصة بزينب ( عليها السلام ) تقرب من مقامات الإمامة ، وإنها لما رأت حالة زين العابدين ( عليه السلام ) - حين رأى أجساد أبيه وإخوته وعشيرته وأهل بيته على الثرى صرعى مجزرين كالأضاحي ، وقد اضطرب قلبه واصفر وجهه - أخذت ( عليها السلام ) في تسليته ، وحدثته بحديث أم أيمن : من أن هذا عهد من الله تعالى . وفي الطراز المذهب : إن شؤونات زينب الباطنية ومقاماتها المعنوية كما قيل فيها : إن فضائلها وفواضلها ، ‹ صفحة 22 › وخصالها وجلالها ، وعلمها وعملها ، وعصمتها وعفتها ، ونورها وضياءها ، وشرفها وبهاءها تالية أمها الزهراء ونائبتها عليهن السلام . وفي مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الإصبهاني : زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والعقيلة هي : التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة ( عليها السلام ) في فدك ، فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي . وفي جنات الخلود ما معناه : كانت زينب الكبرى في البلاغة والزهد والتدبير والشجاعة قرينة أبيها وأمها ( عليهما السلام ) ، فإن انتظام أمور أهل البيت بل الهاشميين بعد شهادة الحسين ( عليه السلام ) كان برأيها وتدبيرها ( عليها السلام ) . وقال ابن عنبة في أنساب الطالبيين : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) ، كنيتها أم الحسن ، تروي عن أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد ‹ صفحة 23 › امتازت بمحاسنها الكثيرة ، وأوصافها الجليلة ، وخصالها الحميدة ، وشيمها السعيدة ، ومفاخرها البارزة ، وفضائلها الظاهرة . وعن الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته الزينبية : ولدت زينب في حياة جدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وكانت لبيبة جزلة عاقلة لها قوة جنان ، فإن الحسن ولد قبل وفاة جده بثمان سنين ، والحسين بسبع سنين ، وزينب الكبرى بخمس سنين . وعن النيسابوري في رسالته العلوية : كانت زينب ابنة علي ( عليه السلام ) في فصاحتها وبلاغتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى ( عليه السلام ) وأمها الزهراء ( عليها السلام ) . وقال عمر أبو النصر اللبناني في كتابه فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المطبوع في بيروت حديثا : وأما زينب بنت فاطمة ( عليها السلام ) فقد أظهرت أنها من أكثر آل البيت جرأة وبلاغة وفصاحة ، وقد استطارت شهرتها بما أظهرت يوم ‹ صفحة 24 › كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة ، حتى ضرب بها المثل وشهد لها المؤرخون والكتاب . وقال أيضا في كتابه الحسين بن علي المطبوع حديثا أيضا : ومما يجب أن يصار إلى ذكره في هذا الباب ما ظهر من زينب بنت فاطمة وأخت الحسين ( عليهما السلام ) من جرأة وثبات جأش في مواقفها هذه يوم المعركة وعند ابن زياد وفي قصر يزيد ، إلى آخر ما قال . وقال البحاثة فريد وجدي على ما نقله عنه بعض الأجلاء : السيدة زينب بنت علي رضي الله عنها ، كانت من فضليات النساء وشريفات العقائل ذات تقى وطهر وعبادة ، هاجرت إلى مصر وتوفيت بها ، انتهى . وقال الفاضل الأديب حسن قاسم في كتابه السيدة زينب : السيدة الطاهرة الزكية زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب ابن عم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وشقيقة ريحانتيه ، لها أشرف نسب وأجل حسب وأكمل نفس وأطهر قلب ، ‹ صفحة 25 › فكأنها صيغت في قالب ضمخ بعطر الفضائل ، فالمستجلي آثارها يتمثل أمام عينيه رمز الحق ، رمز الفضيلة ، رمز الشجاعة ، رمز المروءة وفصاحة اللسان ، قوة الجنان ، مثال الزهد والورع ، مثال العفاف والشهامة ، إن في ذلك لعبرة . . . وقال أيضا : فلئن كان في النساء شهيرات فالسيدة أولاهن ، وإذا عدت الفضائل فضيلة - فضيلة من وفاء وسخاء ، وصدق وصفاء ، وشجاعة وإباء ، وعلم وعبادة ، وعفة وزهادة - فزينب أقوى مثال للفضيلة بكل مظاهرها . وقال العلامة الأجل السيد هبة الدين الشهرستاني : إن العقيلة زينب باغتت أخاها الحسين ( عليه السلام ) في خبائه ليلة مقتله ، فوجدته يصقل سيفا له ويقول : يا دهر أف لك من خليل * كم لك بالإشراق والأصيل ‹ صفحة 26 › من طالب بحقه قتيل * والدهر لا يقبل بالبديل إلى آخر الأبيات . ذعرت زينب عند تمثل أخيها بهذه الأبيات ، وعرفت أن أخاها قد يئس من الحياة ومن الصلح مع الأعداء ، وأنه قتيل لا محالة . وصرخت نادبة : يا أخي أراك تغتصب نفسك اغتصابا ، وقالت : اليوم مات جدي وأبي وأمي وأخي ، ثم خرت مغشية عليها ، إذ غابت عن نفسها ولم تعد تملك اختيارها ، فأخذ أخوها الحسين ( عليه السلام ) رأسها في حجره يرش على وجهها من مدامعه ، حتى أفاقت وسعد بصرها بنظرة من شقيقها الحسين ( عليه السلام ) ، وأخذ يسليها - وفي بعض التسلية تورية - فقال : يا أختاه إن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون ، فلا يبقى إلا وجهه ، وقد مات جدي وأبي وأمي وأخي وهم خير مني ، فلا يذهبن بحلمك الشيطان ، ولم يزل بها حتى ‹ صفحة 27 › أسكن بروحه روعها ، ونشف بطيب حديثه دمعها . نعم ، كانت شقيقة الحسين ( عليه السلام ) أخته بتمام معاني الكلمة ، فلا غرو إن شاطرت سيدة الطف زينب أخاها الحسين ( عليه السلام ) في الكوارث وآلام الحوادث . علمها ومعرفتها بالله تعالى : العلم من أفضل السجايا الإنسانية ، وأشرف الصفات البشرية ، به أكمل الله أنبياءه المرسلين ، ورفع درجات عباده المخلصين ، قال تعالى : * ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) * ، وقرن أهل العلم بنفسه وبملائكته في آية أخرى ، فقال جل شأنه : * ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط ) * ، وقال تعالى : * ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) * . أما زينب المتربية في مدينة العلم النبوي ، المعتكفة ‹ صفحة 28 › بعده ببابها العلوي ، المتغذية بلبانه من أمها الصديقة الطاهرة سلام الله عليها ، وقد طوت عمرا من الدهر مع الإمامين السبطين ، فهي من عباب علم آل محمد ( عليهم السلام ) تعب ، وفضائلهم التي اعترف بها عدوهم الألد يزيد الطاغية بقوله في الإمام السجاد ( عليه السلام ) : إنه من أهل بيت زقوا العلم زقا . وقد نص لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ، يريد : أن مادة علمها من سنخ ما منح به رجالات بيتها الرفيع أفيض عليها إلهاما . ولا شك أن العقيلة زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل عمرها ، فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة . وما أحلى كلمة قالها علي جلال في كتابه الحسين : من كان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) معلمه ، ومن كان أبوه علي بن ‹ صفحة 29 › أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمه فاطمة الزهراء ، ناشئا في أصحاب جده وأصدقاء أبيه سادات الأمة وقدوة الأئمة ، فلا شك أنه كان يغر العلم غرا كما قال ابن عمر . وقال أبو الفرج : زينب العقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة صلى الله عليها في فدك ، فقال : حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، وتفسير العقيلة في النساء السيدة ، كعقال في الرجال يقال للسيد . وروي مرسلا : أنها في طفولتها كانت جالسة في حجر أبيها - وهو ( عليه السلام ) يلاطفها بالكلام - فقال لها : يا بني قولي : واحد ، فقالت : واحد ، فقال لها : قولي اثنين ، فسكتت ، فقال لها : تكلمي يا قرة عيني ، فقالت ( عليها السلام ) : يا أبتاه ما أطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد ، فضمها صلوات الله عليه إلى صدره وقبلها بين عينيها ، انتهى . وإن زينب ( عليها السلام ) قالت لأبيها : أتحبنا يا أبتاه ؟ فقال ( عليه السلام ) : وكيف لا أحبكم وأنتم ثمرة فؤادي ، ‹ صفحة 30 › فقالت ( عليها السلام ) : يا أبتاه إن الحب لله تعالى والشفقة لنا . وهذا الكلام عنها ( عليها السلام ) روي متواترا ، وإذا تأمله المتأمل رأى فيه علما جما ، فإذا عرف صدوره من طفلة كزينب ( عليها السلام ) يوم ذاك بانت له منزلتها في العلم والمعرفة . فصاحتها وبلاغتها وشجاعتها الأدبية : الفصاحة هي : الإبانة والظهور ، يقال : كاتب فصيح وشاعر فصيح . والبلاغة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - ص 30 - 42 يغ . ويجمعهما حسن الكلام . قال أبو هلال العسكري : إنما يحسن الكلام بسلاسته ، وسهولته ، وتخير لفظه ، وإصابة معناه ، وجودة مطالعه ، ولين مقاطعه ، واستواء تقاسيمه ، وتعادل أطرافه ، وتشبه إعجازه بهواديه ، وموافقة مآخره لمباديه ، فتجد المنظوم ‹ صفحة 31 › مثل المنثور ، في سهولة مطلعه ، وجودة مقطعه ، وحسن رصفه وتأليفه ، وكمال صوغه وتركيبه ، ومتى جمع الكلام بين العذوبة والجزالة ، والسهولة والرصانة ، والرونق والطلاوة ، وسلم من حيف التأليف . وهذا ينطبق كل الانطباق على كلام سيد الفصحاء ، وإمام البلغاء ، أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، الذي قيل فيه : كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، وشاهدي على ما أقول هو كتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي ( رضي الله عنه ) من كلامه ( عليه السلام ) . إذا عرفت هذه المقدمات فاعلم : أن هذه الفصاحة العلوية والبلاغة المرتضوية ، قد ورثتها هذه المخدرة الكريمة ، بشهادة العرب أهل البلاغة والفصاحة أنفسهم . فقد تواترت الروايات عن العلماء وأرباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير قال : قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن ‹ صفحة 32 › الحسين ( عليهما السلام ) من كربلاء ، ومعهم الأجناد يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر إليهم ، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء ، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن ، فسمعت علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول بصوت ضئيل - وقد نهكته العلة ، وفي عنقه الجامعة ، ويده مغلولة إلى عنقه - : إن هؤلاء النسوة يبكين ، فمن قتلنا ؟ ! قال : ورأيت زينب بنت علي ( عليه السلام ) ولم أر خفرة أنطق منها ، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال : وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا ، فارتدت الأنفاس وسكنت الأصوات . فقالت : الحمد لله ، والصلاة على محمد وآله الطيبين الأخيار ، أما بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختر والغدر ، أتبكون ؟ ! فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنة ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ، ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف ، ‹ صفحة 33 › والكذب الشنف ، وملق الإماء ، وغمز الأعداء ؟ ! أو كمرعى على دمنة ، أو كفضة على ملحودة ، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون ، أتبكون وتنتحبون ؟ ! إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجتكم ، ومدره سنتكم ، ألا ساء ما تزرون ، وبعدا لكم وسحقا ، فلقد خاب السعي ، وتبت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة ، ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي كريمة له أبرزتم ، وأي دم له سفكتم ، وأي حرمة له انتهكتم ؟ ! ولقد جئتم بها صلعاء عنفاء ، سوداء فقماء ، خرقاء شوهاء ، كطلاع الأرض ، أو ملاء السماء ، أفعجبتم أن مطرت ‹ صفحة 34 › السماء دما ! ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون ، فلا يستخفنكم المهل ، فإنه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإن ربكم لبالمرصاد . قال الراوي : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته بالدموع ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير النسل ، لا يخزى ولا يبزى . أقول : وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب ، أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها ، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية ، حتى أنه لم يتمكن أن يشبهها إلا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء ، فقال : كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . وهذه الخطبة رواها كل من كتب في وقعة الطف أو في ‹ صفحة 35 › أحوال الحسين ( عليه السلام ) . ومن بلاغتها وشجاعتها الأدبية : ما ظهر منها ( عليها السلام ) في مجلس ابن زياد . قال السيد ابن طاووس وغيره ممن كتب في مقتل الحسين ( عليه السلام ) : إن ابن زياد جلس في القصر وأذن إذنا عاما ، وجئ برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يديه ، وأدخلت عليه نساء الحسين وصبيانه ، وجاءت زينب ابنة علي ( عليه السلام ) وجلست متنكرة ، فسأل ابن زياد من هذه المتنكرة ؟ فقيل له : هذه زينب ابنة علي ، فأقبل عليها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم . فقالت ( عليها السلام ) : إنما يفتضح الفاجر ويكذب الفاسق ، وهو غيرنا . فقال : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت إلا خيرا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، ‹ صفحة 36 › فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة . فغضب اللعين وهم أن يضربها ، فقال له عمرو بن حريث : إنها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها . فقال لها ابن زياد لعنه الله ، لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك . فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاؤك فلقد اشتفيت . فقال لعنه الله : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا . فقالت : يا بن زياد ، ما للمرأة والسجاعة ، وإن لي عن السجاعة لشغلا . ومن ذلك : خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية في الشام ، رواها جماعة من العلماء في مصنفاتهم ، وهي من أبلغ الخطب وأفصحها ، عليها أنوار الخطب العلوية ، ‹ صفحة 37 › وأسرار الخطبة الفاطمية ، ونحن ننقلها هنا من الاحتجاج للطبرسي . قال : روى شيخ صدوق من مشائخ بني هاشم وغيره من الناس : أنه لما دخل علي بن الحسين ( عليهما السلام ) وحرمه على يزيد وجئ برأس الحسين ( عليه السلام ) ووضع بين يديه في طشت ، وجعل يضرب ثناياه بمخصرة كانت في يده وهو يقول : ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا : يا يزيد لا تشل لعبت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحي نزل فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقالت : الحمد لله رب العالمين ، ‹ صفحة 38 › وصلى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول : * ( ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون ) * ، أظننت يا يزيد - حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الإسراء - أن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة ، وأن ذلك لعظم خطرك عنده ، فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، تضرب أصدريك فرحا ، وتنفض مذوريك مرحا ( 1 ) ، جذلان مسرورا حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلا مهلا ، أنسيت قول الله تعالى : * ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ) * ، أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك ‹ صفحة 39 › بنات رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهن ، وأبديت وجوههن ، تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد ، والدني والشريف ، ليس معهن من رجالهن ولي ، ولا من حماتهن حمي ، وكيف يرتجى مراقبة ابن من لفظ فوه أكباد الأذكياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ؟ ! وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ؟ ! ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم . لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا يا يزيد لا تشل منحنيا على ثنايا أبي عبد الله - سيد شباب أهل الجنة - تنكثها بمخصرتك ، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذرية محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف ‹ صفحة 40 › بأشياخك زعمت أنك تناديهم ، فتلردن وشيكا موردهم ، ولتودن أنك شللت وبكمت ، ولم تكن قلت ما قلت ، وفعلت ما فعلت ، اللهم خذ لنا بحقنا ، وانتقم ممن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا ، فوالله يا يزيد ما فريت إلا جلدك ، ولا حززت إلا لحمك ، ولتردن على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما تحملت من دماء ذريته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله تعالى شملهم ، ويلم شعثهم ، ويأخذ بحقهم * ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) * وحسبك بالله حاكما ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خصيما ، وبجبرائيل ظهيرا ، وسيعلم من سول لك وأمكنك من رقاب المسلمين ، بئس للظالمين بدلا ، وأيكم شر مكانا وأضعف جندا ، ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكن العيون عبرى ، والصدور حري ، ألا فالعجب كل ‹ صفحة 41 › العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفرها أمهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لا تجد إلا ما قدمت يداك ، وما ربك بظلام للعبيد ، وإلى الله المشتكى ، وعليه المعول ، فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا تدرك أمدنا ، ولا تدحض عنك عارها ، وهل رأيك إلا فند ، وأيامك إلا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادي المنادي : ألا لعنة الله على الظالمين ، فالحمد لله رب العالمين ، الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ، ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ، ويحسن علينا الخلافة ، إنه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . ‹ صفحة 42 › فقال يزيد : يا صيحة تحمد من صائح * ما أهون النوح على النوائح ومن شجاعتها الأدبية في مجلس يزيد : ما نقله أرباب المقاتل . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 38 › ( 1 ) أصدريك : منكبيك . مذوريك : جانب الأليتين . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - ص 42 - 53 وغيرهم من رواة الأخبار : أن يزيد لعنه الله دعى بنساء أهل البيت والصبيان فأجلسوا بين يديه في مجلسه المشؤوم ، فنظر شامي إلى فاطمة بنت الحسين ، فقام إلى يزيد وقال : يا أمير هب لي هذه الجارية تكون خادمة عندي ، قالت فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) : فارتعدت فرائصي ، وظننت أن ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب عمتي زينب ، فقلت : عمتاه أوتمت وأستخدم ، فقالت عمتي للشامي : كذبت والله ولؤمت ، ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك ، فغضب يزيد وقال : كذبت والله ، إن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعل لفعلت ، قالت : كلا والله ما جعل الله ذلك لك ، إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا ، ‹ صفحة 43 › فاستطار يزيد غضبا وقال : إياي تستقبلين بهذا الكلام ، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : بدين أبي وأخي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلما ، قال : كذبت يا عدوة الله ، قالت : يا يزيد أنت أمير تشتم ظالما ، وتقهر بسلطانك ، فكأنه استحيى وسكت ، فأعاد الشامي كلامه : هب لي هذه الجارية ، فقال له يزيد : اسكت وهب الله لك حتفا قاضيا . وروى السيد ابن طاووس في اللهوف هذه الرواية كما يأتي : قال نظر رجل من أهل الشام إلى فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية ، فقالت فاطمة لعمتها زينب ( عليها السلام ) : أوتمت وأستخدم ، فقالت زينب ( عليها السلام ) : لا ولا كرامة لهذا الفاسق ، فقال الشامي : من هذه الجارية ؟ فقال يزيد : هذه فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) ، وتلك زينب بنت علي بن أبي طالب ، فقال الشامي ، الحسين بن فاطمة ، وعلي بن أبي طالب ؟ ‹ صفحة 44 › قال : نعم ، فقال الشامي : لعنك الله يا يزيد ، أتقتل عترة نبيك وتسبي ذريته ، والله ما توهمت إلا أنهم سبي الروم ، فقال يزيد : لألحقنك بهم ، ثم أمر به فضربت عنقه . والذي يظهر أن هاتين القضيتين كلتيهما وقعتا في ذلك المجلس المشؤوم . أقول : إن بلاغة زينب ( عليها السلام ) وشجاعتها الأدبية ليس من الأمور الخفية ، وقد اعترف بها كل من كتب في وقعة الطف بكربلاء ، ونوه بجلالتها أكثر أرباب التاريخ . ولعمري إن من كان أبوها علي بن أبي طالب ، الذي ملأت خطبه العالم ، وتصدى لجمعها وتدوينها أكابر العلماء ، وأمها فاطمة الزهراء ، صاحبة خطبة فدك الكبرى ، وصاحبة الخطبة الصغرى التي ألقتها على مسامع نساء قريش ونقلها النساء لرجالهن . نعم ، إن من كانت كذلك فحرية بأن تكون بهذه الفصاحة والبلاغة ، وأن تكون لها هذه الشجاعة الأدبية ، ‹ صفحة 45 › والجسارة العلوية . ويزيد الطاغية يوم ذاك هو السلطان الأعظم ، والخليفة الظاهري على عامة بلاد الإسلام ، تؤدي له الجزية الفرق المختلفة والأمم المتباينة ، في مجلسه الذي أظهر فيه أبهة الملك ، وملأه بهيبة السلطان ، وقد جردت على رأسه السيوف ، واصطفت حوله الجلاوزة ، وهو وأتباعه على كراسي الذهب والفضة ، وتحت أرجلهم الفرش من الديباج والحرير . وهي صلوات الله عليها في ذلة الأسر ، دامية القلب باكية الطرف ، حري الفؤاد من تلك الذكريات المؤلمة والكوارث القاتلة ، قد أحاط بها أعداؤها من كل جهة ، ودار عليها حسادها من كل صوب . ومع ذلك كله ترمز للحق بالحق ، وللفضيلة بالفضيلة ، فتقول ليزيد - غير مكترثة بهيبة ملكه ، ولا معتنية بأبهة سلطانه - : أمن العدل يا بن الطلقاء ، وتقول له أيضا : ‹ صفحة 46 › ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك ، إني لأستصغر قدرك ، وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك . وما أبدع ما قاله الشاعر المفلق الجليل السيد مهدي ابن السيد داود الحلي ، عم الشاعر الشهير السيد حيدر الحلي ( رحمهما الله ) ، في وصف فصاحتها وبلاغتها من قصيدة : قد أسروا من خصها بآية * التطهير رب العرش في كتابه إن البست في الأسر ثوب مذلة * تجملت للعز في أثوابه ما خطبت إلا رأوا لسانها * أمضى من الصمصام في خطابه وجلببت في أسرها آسرها * عارا رأى الصغار في جلبابه والفصحاء شاهدوا كلامها * مقال خير الرسل في صوابه ‹ صفحة 47 › زهدها وعبادتها : الزهد في الشئ خلاف الرغبة فيه ، وزهد الإنسان في الشئ أي : تركه ، فهو زاهد . قال الصدوق ( رحمهم الله ) في معاني الأخبار : الزاهد من يحب ما يحب خالقه ، ويبغض ما يبغضه خالقه ، ويتحرج من حلال الدنيا ، ولا يلتفت إلى حرامها . وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إزهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما بأيدي الناس يحبك الناس . وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا ، أفقهه في الدين ، وبصره عيوبها ، ومن أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة . أما زينب ( عليها السلام ) فقد كانت في بيت زوجها عبد الله ابن جعفر الجواد ، وهو من علمت في ثروته ويساره ، وكثرة أمواله وخدمه وحشمه يوم ذاك ، وكانت تخدمها ‹ صفحة 48 › العبيد والإماء والأحرار ، ويطوف حول بيتها الهلاك من ذوي الحوائج وطالبي الاستجداء ، وكان بيتها الرفيع وحرمها المنيع لا يضاهيه في العز والشرف وبعد الصيت إلا بيوت الخلفاء والملوك . فتركت ذلك كله لوجه الله ، وانقطعت عن علائق الدنيا بأسرها في سبيل الله ، وأعرضت عن زهرة الحياة من المال والبيت والزوج والولد والخدم والحشم ، وصحبت أخاها الحسين ( عليه السلام ) ناصرة لدين الله ، وباذلة للنفس والنفيس لإمامها ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، مع علمها بجميع ما يجري عليها من المصائب والنوائب ، كما سمعته في حديث أم أيمن ، مؤثرة الآخرة على الدنيا ، والآخرة خير وأبقى . ومن زهدها : ما روي عن السجاد ( عليه السلام ) من أنها صلوات الله عليها ما ادخرت شيئا من يومها لغدها أبدا . ‹ صفحة 49 › عبادتها وانقطاعها إلى الله تعالى : العبادة من العبودية وهي : غاية الخضوع والتذلل ، ولذلك كانت لله تعالى ولا تحسن لغيره ، لأنه جل وعلا ولي كل نعمة ، وغاية كل رغبة ، وأكثر الناس عبادة هو أعرفهم بالله عز وجل ، كالأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي الليل كله ، ولقد قام ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه ، فأنزل الله عليه : * ( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) * ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أو لا أكون عبدا شكورا . وكان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يصلي كل يوم وليلة ألف ركعة ، ولم يترك النافلة حتى في الحروب ، كما روي عنه ذلك في صلواته ليلة الهرير بصفين . وكذلك كانت الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها تصلي عامة الليل ، فإذا اتضح عمود الصبح ‹ صفحة 50 › أخذت تدعو للمؤمنين والمؤمنات . وكان الأئمة من ولدها صلوات الله عليها يضرب بهم المثل في العبادة . أما زينب صلوات الله عليها فلقد كانت في عبادتها ثانية أمها الزهراء ( عليها السلام ) ، وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن . قال بعض ذوي الفضل : إنها صلوات الله عليها ما تركت تهجدها لله تعالى طول دهرها ، حتى ليلة الحادي عشر من المحرم . وروي عن زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس . وعن الفاضل القائيني البيرجندي : عن بعض المقاتل المعتبرة ، عن مولانا السجاد ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت نوافلها الليلية . ‹ صفحة 51 › وروى بعض المتتبعين عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام ، وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس ، فسألتها عن سبب ذلك فقالت : أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال ، لأنها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال ، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منا رغيفا واحدا من الخبز في اليوم والليلة . أقول : فإذا تأمل المتأمل إلى ما كانت عليه هذه السيدة الطاهرة من العبادة لله تعالى والانقطاع إليه لم يشك في عصمتها صلوات الله عليها ، وأنها كانت من القانتات اللواتي وقفن حركاتهم وسكناتهن وأنفاسهن للباري تعالى ، وبذلك حصلن على المنازل الرفيعة والدرجات العالية ، التي حكت برفعتها منازل المرسلين ودرجات الأوصياء عليهم الصلاة والسلام . ‹ صفحة 52 › بعض الأخبار المروية عنها ( عليها السلام ) : أشهر ما روي عنها من الأخبار خطبة والدتها الزهراء ( عليها السلام ) التي احتجت بها في خصوص فدك . قال ابن أبي الحديد في شرح النهج - عند شرح قوله ( عليه السلام ) : بلى كانت في أيدينا فدك . . . - . ومن ذلك ما روي في كامل الزيارة للشيخ الفقيه أبي القاسم جعفر بن محمد ابن قولويه طاب ثراه ، قال : حدثني نوح بن دراج ، قال : حدثني قدامة بن زايدة ، عن أبيه ، قال : قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : بلغني يا زايدة أنك تزور قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) أحيانا ، فقلت : إن ذلك لكما بلغك ، فقال لي : ولماذا تفعل ذلك ، ولك مكان عند سلطانك الذي لا يحتمل أحدا على محبتنا وتفضيلنا ، وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا ؟ فقلت : والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ، ولا أحفل بسخط من سخط ، ولا يكبر في صدري مكروه ‹ صفحة 53 › ينالني بسببه ، فقال : والله إن ذلك لكذلك ؟ فقلت : والله إن ذلك لكذلك ، يقولها ثلاثا وأقولها ثلاثا ، فقال : أبشر ثم أبشر ثم أبشر ، فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون : فإنه لما أصابنا في الطف ما أصابنا ، وقتل أبي ( عليه السلام ) ، وقتل من كان معه من ولده وإخوته وسائر أهله ، وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب ، يراد بنا الكوفة ، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا ، فعظم ذلك في صدري ، واشتد لما أرى منهم قلقي ، فكادت نفسي تخرج ، وتبينت ذلك مني عمتي زينب الكبرى بنت علي ( عليه السلام ) ، فقالت : ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية جدي وأبي وإخوتي ؟ فقلت : وكيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيدي وإخوتي وعموم . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - ص 53 - 65 تي وولد عمي مصرعين ومضرجين بدمائهم ، مرملين بالعراء ، مسلبين ، لا يكفنون ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم أحد ، ولا يقربهم بشر ، كأنهم أهل بيت ‹ صفحة 54 › من الديلم والخزر ، فقالت : لا يجزعنك ما ترى ، فوالله إن ذلك لعهد من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى جدك وأبيك وعمك ، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السماوات ، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرجة ، وينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه ، على كرور الليالي والأيام ، وليجهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه ، فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا ، فقلت : وما هذا العهد ، وما هذا الخبر ؟ فقالت : نعم حدثتني أم أيمن : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زار منزل فاطمة ( عليها السلام ) في يوم من الأيام ، فعملت له حريرة ، وأتاه علي ( عليه السلام ) بطبق فيه تمر ، ثم قالت أم أيمن : فأتيتهم بعس فيه لبن وزيد ، فأكل رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين من تلك الحريرة ، وشرب رسول الله ‹ صفحة 55 › وشربوا من ذلك اللبن ، ثم أكلوا وأكل من ذلك التمر والزبد ، ثم غسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يده وعلي ( عليه السلام ) يصب عليها الماء ، فلما فرغ من غسل يده مسح وجهه ، ثم نظر إلى علي ( عليه السلام ) وفاطمة والحسن والحسين نظرا عرفنا به السرور في وجهه . إلى أن قال : قال لي جبرائيل : يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك ، مغلوب على أمتك ، متعوب من أعدائك ، ثم مقتول بعدك ، يقتله أشر الخلق والخليقة وأشقى البرية ، يكون نظير عاقر الناقة ، ببلد تكون إليه هجرته ، وهو مغرس شيعته وشيعة ولده ، وفيه على كل حال تكثر بلواهم ويعظم مصابهم ، وإن سبطك هذا - وأومى بيده إلى الحسين ( عليه السلام ) - مقتول في عصابة من ذريتك وأهل بيتك وأخيار من أمتك ، بضفة الفرات ، بأرض يقال لها كربلاء ، من أجلها يكثر الكرب والبلاء على أعدائك وأعداء ذريتك في اليوم الذي ‹ صفحة 56 › لا ينقضي كربه ولا تفنى حسرته ، وهي أطيب بقاع الأرض وأعظمها حرمة ، يقتل فيها سبطك وأهله ، وأنها من بطحاء الجنة ، فإذا كان اليوم الذي يقتل فيه سبطك وأهله وأحاطت به كتائب أهل الكفر واللعنة تزعزعت الأرض من أقطارها ، ومادت الجبال وكثر اضطرابها ، واصطفقت البحار بأمواجها ، وماجت السماوات بأهلها ، غضبا لك يا محمد ولذريتك ، واستعظاما لما ينتهك من حرمتك ، ولشر ما تكافى به في ذريتك وعترتك ، ولا يبقى شئ من ذلك إلا استأذن الله عز وجل في نصرة أهلك المستضعفين المظلومين الذين هم حجة الله على خلقه بعدك ، فيوحي الله إلى السماوات والأرض والجبال والبحار ومن فيهم : إني أنا الله الملك القادر الذي لا يفوته هارب ولا يعجزه ممتنع ، وأنا أقدر فيه على الانتصار والانتقام ، وعزتي وجلالي لأعذبن من وتر رسولي وصفيي وانتهك حرمته وقتل عترته ونبذ عهده وظلم ‹ صفحة 57 › أهل بيته ، عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، فعند ذلك يضج كل شئ في السماوات والأرضين بلعن من ظلم عترتك واستحل حرمتك . فإذا برزت تلك العصابة إلى مضاجعها تولى الله قبض أرواحهم بيده . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فهذا أبكاني وأحزنني . قالت زينب ( عليها السلام ) : فلما ضرب ابن ملجم لعنه الله أبي ( عليه السلام ) ورأيت عليه أثر الموت منه قلت له : يا أبه ، حدثتني أم أيمن بكذا وكذا ، وقد أحببت أن أسمعه منك ، فقال : يا بنية الحديث كما حدثتك أم أيمن ، وكأ ني بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد أذلاء خاشعين ، تخافون أن يتخطفكم الناس ، فصبرا صبرا ، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما لله على ظهر الأرض يومئذ ولي غيركم وغير محبيكم وشيعتكم . قال زائدة : ثم قال الإمام علي بن الحسين ( عليه السلام ) بعد ‹ صفحة 58 › أن حدثني بهذا الحديث : خذه إليك ما لو ضربت في طلبه آباط الإبل حولا لكان قليلا . صبرها وتحملها المشاق وتسليمها لأمر الله : الصبر الممدوح : حبس النفس على تحمل المشاق تسليما لأمر الله تعالى ، كحبسها عن الجزع والهلع عند المصاب وفقد الأحبة ، وحبسها عن الشهوات نزولا على حكم الشريعة ، وحبسها على مشقة الطاعة تزلفا إلى المبدأ الأعلى . وقد مدح الله تعالى الصابرين في كتابه الكريم ، فقال عز وجل : * ( وبشر المخبتين * الذين إذا ذ كر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) * ، وقال تعالى : * ( والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرأون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى ‹ صفحة 59 › الدار ) * ، وقال تعالى : * ( والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون ) * ، والآيات كثيرة في الصبر ، والأحاديث أكثر . ولما كان الصبر بهذه المثابة عند الله كان الأقربون إلى الله أكثر صبرا من غيرهم ، كالأنبياء وأوصيائهم ، ثم الأمثل فالأمثل . وهذه العقيلة الطاهرة قد رأت من المصائب والنوائب ما لو نزلت على الجبال الراسيات لساخت واندكت جوانبها ، لكنها في كل ذلك كانت تصبر الصبر الجميل كما هو معلوم لكل من درس حياتها . وأول مصيبة دهمتها هو فقدها جدها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وما لاقى أهلها بعده من المكاره . ثم فقدها أمها الكريمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بعد مرض شديد ، وكدر من العيش ، والاعتكاف في بيت الأحزان . ‹ صفحة 60 › ثم رأت شهادة أبيها أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) بفلق رأسه من ضربة ابن ملجم لعنه الله . ثم فقدها أخيها المجتبى مسموما ، تنظر إليه وهو يتقيأ كبده في الطست قطعة قطعة ، وبعد موته ترشق جنازته بالسهام . ثم رؤيتها أخيها الحسين ( عليه السلام ) تتقاذف به البلاد ، حتى نزل كربلاء ، وهناك دهمتها الكوارث العظام من قتله ( عليه السلام ) ، وقتل بقية إخوتها وأولادهم وأولاد عمومتها وخواص الأمة من شيعة أبيها عطاشى . ثم المحن التي لاقتها من هجوم أعداء الله على رحلها ، وما فعلوه من سلب وسبي ونهب وإهانة وضرب لكرائم النبوة وودائع الرسالة ، وتكفلها حال النساء والأطفال في ذلة الأسر ، ثم سيرها معهم من بلد إلى بلد ، ومن منزل إلى منزل ، ومن مجلس إلى مجلس ، وغير ذلك من الرزايا التي يعجز عنها البيان ويكل اللسان . ‹ صفحة 61 › وهي مع ذلك كله صابرة محتسبة ، ومفوضة أمرها إلى الله تعالى ، قائمة بوظائف شاقة ، من مداراة العيال ، ومراقبة الصغار واليتامى من أولاد إخوتها وأهل بيتها ، رابطة الجأش بإيمانها الثابت وعقيدتها الراسخة ، حتى كانت تسلي إمام زمانها زين العابدين ( عليه السلام ) ، حتى أنها لما وقفت على جسد أخيها الحسين ( عليه السلام ) مقطعا أمام جيش الأعداء رفعت يديها إلى السماء وقالت : اللهم تقبل منا هذا القربان ، بكل صبر حتى لا يشمت بها الأعداء . أقول : يكفي في علو مقام هذه الدرة المكنونة والجوهرة المصونة في الصبر وعظيم درجتها في التسليم لأمر الله والرضى بقضائه ما نقله في الطراز المذهب : أنها - سلام الله عليها وعلى جدها وأبيها وأمها وإخوانها - لما وقفت على جسد أخيها الحسين ( عليه السلام ) قالت : اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان . ‹ صفحة 62 › قال : فقاربت أمها في الكرامات ، والصبر في النائبات ، بحيث خرقت العادات ، ولحقت بالمعجزات . قلت : وهذه الكلمات من هذه الحرة الطاهرة ، في تلك الوقفة التي رأت بها أخاها العزيز بتلك الحالة المفجعة التي كان فيها ، تكشف لنا قوة إيمانها ، ورسوخ عقيدتها ، وفنائها في جنب الله تعالى ، وغير ذلك مما لا يخفى على المتأمل . قال أبو إسحاق الأسفرائيني في كتاب نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام ) : روي عن العقيلة زينب أخت الحسين ( عليه السلام ) عند هجوم القوم على الخيام أنها قالت : دخل علينا رجال وفيهم رجل أزرق العيون ، فأخذ كل ما كان في خيمتنا التي كنا مجتمعين فيها ، إلى أن قالت : فقلت له : قطع الله يديك ورجليك ، وأذاقك الله النار في الدنيا قبل الآخرة ، قال : فما كان إلا قليل حتى ظهر المختار الثقفي طالبا بثأر الحسين ( عليه السلام ) ، فوقع في يده ‹ صفحة 63 › ذلك الرجل - وهو حولي بن يزيد الأصبحي - فقال المختار : ما فعلت بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) ؟ فذكر أفعاله التي فعلها ودعوة العقيلة عليه ، فاستجاب الله دعاءها ، فقطع المختار يديه ورجليه وأحرقه بالنار . البحث عن مرقدها وفضل زيارتها : استنادا على ما ذكره الشيخ محمد حسنين السابقي في كتابه مرقد العقيلة زينب ( عليها السلام ) ملخصا مع بعض التغيير في العبارات دون المساس بالمعنى . فضل زيارتها : عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله لعلي ( عليه السلام ) يا أبا الحسن إن الله تعالى جعل قبرك وقبور ولدك بقاعا من بقاع الجنة وعرصة من عرصاتها ، وإن الله جعل قلوب النجباء من خلقه وصفوة عباده تحن إليكم وتحتمل الأذى والمذلة فيعمرون قبوركم ويكثرون في زيارتها تقربا إلى الله ‹ صفحة 64 › ومودة منهم لرسول الله ، أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي الواردون حوضي وهم زواري غدا في الجنة ، يا علي ، من عمر قبوركم وتعاهدها فإنما أعان سليمان ابن داود علي بناء بيت المقدس ، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام ( 1 ) . السياحون وقبر السيدة زينب ( عليها السلام ) في مصر : إن الرحالين المسلمين الذين جابوا أنحاء واسعة في مختلف البلدان الإسلامية في القرون الوسطى ضبطوا ما شاهدوه من الآثار الإسلامية من جوامع ومقابر ومدارس وغيرها من التراث الذي لا يفوت ذكره أي رحالة متتبع ، ودونوا مشاهداتهم في الكتب المخصصة التي تعطينا وثوقا كاملا لشهرة تلك الآثار في عصورهم . ودخل المشاهير منهم مصر كابن جبير ، وابن بطوطة ، ‹ صفحة 65 › وابن شاهين ، وذكروا ما شاهدوه من القبور المعروفة المقصودة للزيارات في عهدهم ، غير أننا لم نجد أحدا منهم يذ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 64 › ( 1 ) فرحة الغري : 77 ، تأليف النقيب غياث الدين عبد الكريم ابن طاووس المتوفى سنة 693 ه . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العقيلة والفواطم - الحاج حسين الشاكري - ص 65 - 73 ذكر للسيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) قبرا في مصر ، منهم : 1 - السائح الهروي ، أبو الحسن علي بن أبي بكر الهروي المتوفى سنة 611 ه . 2 - ابن جبير الأندلسي ، أبو الحسين محمد بن أحمد ابن جبير الكناني الغرناطي المتوفى سنة 614 ه بمصر . 3 - ابن بطوطة ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن بطوطة المغربي المتوفى سنة 777 ه ، دخل مصر وذكر جملة من مشاهد مصر المعروفة كمشهد السيدة نفيسة ، ومشهد رأس الحسين ( عليه السلام ) ، وتربة الشافعي ولم يذكر في مشاهداته قبرا للسيدة زينب ( عليه السلام ) لا عينا ولا أثرا . 4 - ياقوت الحموي البغدادي المتوفى 624 ه ، الجغرافي المعروف ، دخل مصر وذكر عدة مزارات ‹ صفحة 66 › معروفة للعلويات ولم يذكر للعقيلة زينب مشهدا لها . هذا ملخص ما ذكره الشيخ محمد حسنين السابقي في كتابه ( مرقد العقيلة زينب ( عليها السلام ) ) نقلناه مع بعض التصرف في العبارة دون المساس بالمعنى ، ويقول : ضع يدك على أي كتاب رحالة دخل مصر في القرون الأولى والوسطى لا تجد فيه ذكرا لمشهد العقيلة زينب بنت الإمام علي ( عليه السلام ) . هذا ولو كان لها مرقدا معروفا لذكره أهل مصر وافتخروا به ، ومن أجلى البراهين على عدم وجود مرقد لها هو عدم ذكر الحكام الفاطميين في عداد المزارات التي كانت معروفة لديهم بمصر ، وقد طال أمد حكمهم وهم المعروفون بالولاء والانتماء إلى السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) وبنوها . ويروى أن مرقد العقيلة زينب الحالي المقصود هو غير العقيلة زينب الكبرى بنت الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، والله العالم . ‹ صفحة 67 › نعم ، هناك روايات بعض المؤرخين أمثال العبيدلي ومسلمة بن مخلد الأنصاري والي مصر من قبل معاوية ويزيد ، وغيرهم . وذكر النسابة العبيدلي في أخبار الزينبيات أن العقيلة زينب الكبرى بعد رجوعها من أسر بني أمية إلى المدينة ، أخذت تؤلب الناس على زيد ، فخاف عمرو بن سعيد الأشدق والي المدينة انتقاض الأمر ، فكتب إلى يزيد بالحال ، فأتاه جواب يزيد يأمره بأن يفرق بينها وبين الناس ، فأمر الوالي بإخراجها من المدينة إلى حيث شاءت ، فأبت الخروج ، ثم اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام ، فاختارت مصر ، وخرج معها من نساء بني هاشم فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) وسكينة ، فدخلت مصر لأيام بقيت من ذي الحجة سنة 61 فاستقبلها الوالي مسلمة بن مخلد الأنصاري في جماعة معه فأنزلها داره بالحمراء ، فأقامت به أحد عشر شهرا ‹ صفحة 68 › وخمسة عشر يوما ، وتوفيت عشية الأحد لخمسة عشر يوما من شهر رجب سنة اثنتين وستين هجرية ( 1 ) . وفي رواية أخرى : قال الشريف أبو عبد الله القرشي : قال سمعت هند بنت أبي رافع . . . الفهري تقول توفيت زينب بنت علي ( عليه السلام ) عشية يوم الأحد لخمس عشر يوما مضت من رجب سنة 62 ه وشهدت جنازتها ودفنت بمخدعها بدار مسلمة بالحمراء القصوى . فقد فندها المؤلف محمد حسنين السابقي بكتابه مرقد العقيلة زينب ( عليها السلام ) ، والله العالم . وفي الروايات : تقول إنها توفيت ودفنت في المدينة المنورة ، ولو صح هذا لبقي لعقيلة الطالبيين أثر خالد ومشهد يزار كما بقي أثر لمن دونها في المرتبة من بني هاشم ، وحتى لمن يمت إليهم بالولاء والصلة من رجالات الأمة ، لأن قبور البقيع ذكرها المؤرخون قديما ‹ صفحة 69 › وحديثا ، ولم يذكر قبر لها فيه . كما نقله صاحب الطراز ، عن أنوار الشهادة وبحر المصائب بأن العقيلة ماتت ودفنت حوالي الشام أو في إحدى قرى الشام ، والله العالم . مشهد العقيلة زينب بغوطة دمشق الشام : هناك أقوال أو تساؤلات من دفنت بأرض الشام ؟ لا خلاف في أن المدفونة بقرية راوية هي أم كلثوم من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وصرح أكثر علماء السنة والشيعة بذلك أنها السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وعلى قبرها حجر قديم بخط كوفي شاهده العلامة السيد محسن الأمين العاملي المتوفى سنة 1371 ه كما ذكره في موسوعته أعيان الشيعة ( 33 : 189 ) ، وشاهد الصخرة العلامة السيد محمد صادق بحر العلوم النجفي سنة 1353 ه أراه إياه سادن الحرم الزينبي حينذاك السيد عباس مرتضى ، وقال رأيت فيه هذه العبارة : " هذا قبر السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت ‹ صفحة 70 › علي بن أبي طالب " كما حدثنا به . فلتعدد المسميات بزينب والمكنيات بأم كلثوم من بنات أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وتشعب الآراء في هذا الباب ، يمكن تقسيم القائلين بها أربعة طوائف ، أعرضنا عن التفصيل روما للاختصار ومن يريد التفصيل فليراجع المصدر . وإذا نظرنا في الأقوال الأربعة بدقة فلا يصعب علينا أن نجمع بين الآراء بأن المدفونة بقرية راوية ، هي زينب المكناة بأم كلثوم بنت الإمام علي ( عليه السلام ) وإنما الاختلاف في تعين المسماة بهذا الاسم والمكناة بهذه الكنية والذين ينكرون أن تكون البقعة للعقيلة زينب الكبرى بنت الإمام علي ( عليه السلام ) فإنكارهم يبنى على إنكارهم كون العقيلة الحوراء مكناة بأم كلثوم ، فإذا ثبت ذلك زال الشك . ولقد ثبت لدى جماعة من المحققين أن العقيلة زينب الكبرى تكنى بأم كلثوم ، لأن الأخبار تنبئنا أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي سمى العقيلة زينب بهذا الاسم ، وجاء في الأثر ‹ صفحة 71 › أن جبرائيل ( عليه السلام ) لما نزل بعد ولادة العقيلة ( عليها السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقرئه السلام من الله جل وعز وقال له سم هذه المولودة زينب ( 1 ) . وفي أثر آخر قال ( صلى الله عليه وآله ) : أوصي الشاهد والغائب من أمتي ، وأخبروهم أن يكرموا هذه الصبية لأنها تشبه خالتها أم كلثوم ( 2 ) . فالاحتمال القوي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي كناها بأم كلثوم بل ثبت بحديث رواه ابن جبير ، وابن بطوطة ، فلذلك ورد في زيارة العقيلة ( عليها السلام ) السلام عليك يا زينب التقية ، السلام عليك يا أم كلثوم النقية ( 3 ) . هذه لمحة سريعة اقتطفناها من كتاب مرقد العقيلة زينب للشيخ محمد حسنين السابقي حيث ذكر ذلك ‹ صفحة 72 › مفصلا والعهدة عليه ومن يريد التفصيل فليراجع المصدر ، والله ولي التوفيق . المشهد الزينبي في مصر : ذكر العلامة الشيخ جعفر النقدي في كتابه ( زينب الكبرى : 145 ) ما مضمونه موجزا ، ابتداء من دخول الرحالة أبو عبد الله محمد الكوهيني الفاسي الأندلسي القاهرة في 14 محرم سنة 369 ه بالحرم الزينبي بالقاهرة ، شاهد بأعلى الضريح قبة عالية بنائها من الجص ، وشاهد في صدر ( الحجرة ) الحرم ثلاث محاريب أطولها الذي في الوسط وعلى كل ذلك نقوش في غاية الإتقان ، ويعلو باب الحجرة ( زليجة ) مكتوب فيها بعد البسملة " إن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " هذا ما أمر به . . . عبد الله ووليه أبو تميم . . . أمر بعمارة هذا المشهد على مقام السيدة الطاهرة بنت الزهراء البتول زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليها وعلى آبائها الطاهرين وأبنائها المكرمين . ‹ صفحة 73 › وفي القرن السادس الهجري أيام ملك سيف الدين بن أيوب أجرى في هذا المشهد عمارة أمير مصر . وفي القرن العاشر الهجري ، وسع الحرم وشيد له مسجدا يتصل به من قبل سليمان بن سليم الفاتح وذلك في سنة 956 ه وكذلك جرت على الحرم توسعات وتعديلات في سنة 1174 وسنة 1210 ، وسنة 1216 ، وفي سنة 1294 وهكذا توالت التجديدات والتوسعات على الحرم الزينبي المطهر في القاهرة بمصر إلى يومنا هذا . أقول : على كل الأحوال إن تعدد المراقد ، باختلاف الروايات لا يضر من ناحية المبدأ ، وربما يكون من الخير ، لتعظيم الشعائر ، وزيادة الأماكن المقدسة وكثرة زوار مراقد أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب . والله الهادي لما فيه الخير والصلاح . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ‹ هامش ص 68 › ( 1 ) أخبار الزينبيات : 20 - 22 . ‹ هامش ص 71 › ( 1 ) زينب الكبرى للشيخ جعفر تقوي : 17 ، الطبعة الرابعة . ( 2 ) الطراز المذهب : 36 ، الخصائص الزينبية : 20 . ( 3 ) الطراز المذهب : 7 . |
الساعة الآن 11:34 PM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010