![]() |
مَنْ هم الراسخون في العلم
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم بقائمهم مَنْ هم الراسخون في العلم قال في الندوة : وربما كانت الواو في " والراسخون في العلم" استئنافية ليكون الله وحده هو العالِم بالتأويل .[55] أقول : إنَّ البحث في الآية السابعة من سورة آل عمران ذو جهات عديدة ، ولا تخلو جهة منها عن عمق ، والمقام لا يسع لبسط الكلام في ذلك على ما ينبغي مما يُستطاع ويُدرك ، ولكن لا بأس بالإشارة إجمالاً. فأعلم أنَّ المحكَم والمتشابَه وإنْ احتملا وجوهاً ، غير أنَّ بعض معانيهما مضافا لوضوحه فلا ريب في إرادته ، والذي منه الوضوح ويقابله الغموض ، والأول يكون ظاهراً والثاني لا يكون كذلك . وهذا المعنى لا يتنافى مع كون القرآن الكريم كتابَ هداية لجميع البشر ، فلا وجهَ لتوهم انتقاض الغرض فيما لو اشتمل القرآنُ على غير ما هو ظاهر المعنى . ووجهُ عدم إضرار ذلك يرجع إلى وضوح ما هو غامضٌ بوضوح ما هو ظاهرٌ ، لذا يكون بعضُ الكلام قرينةً على بعضه الآخر . وثانياً : إنما يضرُّ ذلك مع عدم وجود مَنْ يعرِف حقيقة الأمر، وأما مع نصب المولى لشخص آتاه حكمته ، وقد دلَّ عليه ليرجع إليه الناس ، فلا حُجَّةَ بعدئذٍ للناس . وإذا كان المولى سبحانه قد جعل كتابه كتابَ هدايةٍ للناس مقروناً بإرجاعهم إلى العالِم به ، فلا ضيرَ في اشتمال الكتاب على ما يصعب أو يتعذَّر دركه حتى للأوحديِّ من الناس . فإنَّ المفروض بأنَّ الهداية يتكفَّلُ بإقامة منارها القرآن والعالِم به ، لذا ترى القرآن قد أمر الناس بسؤال أهل الذكر وبالكون معهم بـ " كونوا مع الصادقين" ، وبمتابعتهم وولايتهم بـ" إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا إلى آخر الآية ، وبالإستقامة على طريقتهم ونهج نهجهم وأنَّ بذلك تتم سعادة الناس بأنْ لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً ، إلى ما لا يحصى . فالكتاب الكريم كتاب هداية تامٌّ حيث دلَّ على لزوم الرجوع إلى أهله والعالِمين به ، ومن هنا صحَّ كون أهلِ القرآن سفنَ النجاة وأعلامَ الهدى . ثم مِن المحكَم ما كان نصَّاً في المراد أو كان المراد منه ظاهراً ، ويقابله المتشابَه بعدم وضوح المراد منه لتردده بين أمور مع عدم الظهور في واحد منها تارةً ، أو لخفاء المراد في نفسه أخرى . والقرآنُ الكريم يشبهه في كلامه كلامُ كلِّ ذي باعٍ عظيم في البلاغة والفصاحة وتركيب جُمَلِه ، من جهة اشتماله على ظاهر أنيق وإنْ كان ظاهر القرآن لا يماثله ظاهرُ أيِّ كلامٍ في ذلك ، ومن جهة اشتماله على باطن عميق مع كون باطن القرآن لا يبلغ قعره الغوَّاصون من أنفسهم بأنفسهم . وهذا المعنى قد أُشير إليه في الكتاب الكريم ، فقال تعالى : " شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس "[56] ، فترى المولى سبحانه وصف كتابه بأنه هدى للناس ، بينما قال أول السورة : "هدى للمتقين"[57]، وقال في سورة النحل " وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ".[58] وأخيراً قال سبحانه في سورة الزخرف : " وانه لذكر لك ولقومك" .[59] وقد أشير إلى المعنى المزبور- أعني عدم وضوح تمام معاني القرآن وأنه يحتاج إلى العالِم بالتفسير بنحو يكون مصدرُ علمه هو المولى سبحانه بما يفيضه على نفسه الطاهرة من غوامض الأسرار ومكنونها- فقال سبحانه في سورة النحل :" وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم" [60]، فلولا أنَّ القرآن الكريم يحتاج إلى المبيِّن لكان الأنسب في الآية أنْ يقال : " ليتبين للناس ما نُزِّل إليهم" 0 وحيثُ إنَّ الذكر المبارك يحتاج إلى مثل رسول الله صلَّى الله عليه وآله ليبيِّنه ، فيلزم عن هذا عدمُ جواز تبيينه إلا من النبي صلَّى الله عليه وآله وممن أخذ علمه عن الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله ، وهم أهل الذكر وأهل القرآن . فيقع بالتأمل فيما أشرنا إليه تصديقُ ما قلناه فيما تقدم من أنَّ المسؤولين في آية " فسئلوا أهل الذكر" ، هم أهل بيت سيِّدنا محمد صلَّى الله عليه وآله ، وليس غير عليٍّ عليه السلام مَنْ كان باب مدينة حكمة المصطفى صلَّى الله عليه وآله وعلمه . وبما أنَّ بيان القرآن لا يجوز تبيينه إلا ممن عرفت بنصِّ الآية ، فكيف يصح السؤال مِنْ غير مَنْ يملك علم القرآن وبيانه . وبالتأمل أيضاً فيما ذكرنا تقف على حقيقة الأمر في آية " لا يمسه إلا المطهّرون"[61] ، وأهل بيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله هم دون سواهم مَنْ طهَّرهم المولى سبحانه فقال : " إنما يريد اللهُ ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً "[62] ، ولسنا نعلم أحداً في أمة الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله سواهم قد طهَّره الله تعالى ، والله تعالى لا يعلم أنه طهَّر أحداً في هذه الأمة غيرَ أئمة العترة الطاهرة . وإذا كانوا هم المطهَّرين فكان الوصولُ للقرآن الكريم في الكتاب المكنون مقصوراً عليهم ، ويكون هذا المعنى قطعياً عند كل متأمل في الآيات التي أشرنا إليها . هذا ومن الجهل بمكان أنْ يُنسَب إلى المولى سبحانه أمرُ حفظ القرآن الكريم مع عدم الالتزام بحفظه للمبيِّن والمفسِّر له . وإذا كان الله تعالى يقول : " إنَّا نحن نزَّلنا الذكر وإنَّا له لحافظون".[63] فيلزم عنه أنْ يكون أهلُ الذكر محفوظين بحفظ الله تعالى لمحكَم آيات كتابه ومتشابَهها ، وظاهرها وباطنها ، ولا معنى لحفظ الذكر مع عدم حفظ أهله ، وإلا فيكون خصوص اللفظ وحده المحفوظ ، مع أنَّ المعنى والمراد أولى بالحفظ ولا يتمُّ حفظهما إلا بحفظ العالِم بهما 0 ولا يكونان محفوظيَن لو لم يكن علم العالِم بهما مرجعه إلى الحافظ ، فحفظ المعنى بحفظ اللفظ يلزم عنه تولي المولى سبحانه تعليم من يرتضيه لهذا المقام ، وعليه يكون إنَّا نحن نزلنا الذكر يفيد : إنَّا نحن نتولَّى حفظ معناه ، وإنَّا نحن نعلِّم القرآن ونفهِّمه لمن ارتضينا 0 فينتج عن ذلك أنَّ تعليم القرآن لا يكون إلا بتوسط من علَّمه الله سبحانه القرآن ، وبهذا تقف على تصديق ما رُوي عن أئمة العترة الطاهرة مِنْ أنه إنما يعرف القرآن مَنْ خُوطِب به .[64] والمعنى المزبور ينهض بإفادته قوله تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن…" فانه يُعلم من هذه الآية أنَّ تبيين القرآن لا بُدَّ وأنْ يكون بتعليم الله عزَّ وجلَّ ، ولهذا يكون تفسير القرآن مما لا يكون ظاهراً في نفسه أو بضمِّ آية أخرى أو رواية معتبرة يكون من التفسير بالرأي ، وأنَّى للبشر أنْ يصيبوا بآرائهم تفسير كلام ربهم ، وكيف يكون الرجل مؤمناً وهو يفسِّر القرآن برأيه ! وإذا كان الله سبحانه يقول بأنَّ الذكر الحكيم يحتاج إلى مَنْ نعلِّمه ليتسنى له تفسير وتبيين آياته ، فهل مَنْ يفسِّر برأيه إلا مؤمنٌ ببعض الكتاب وكافرٌ ببعض ؟! فإنَّ الإيمان بأنَّ آيات القرآن الكريم كلامُ الله عزَّ وجلَّ يلزم عنه الإيمان بكل القرآن ، ومع كون القرآن ناطقاً بأنَّ الذكرَ غيرُ واضح في نفسه في بعض آياته على الأقل قطعاً - لذا كان بيانه موكولاً إلى مَنْ يعلِّمه الله تعالى بيانه وتفسيره – فلا يكون المفسِّر لآيةٍ غيرِ واضحة المعنى فيما فسَّرها به إلا مفسِّراً برأيه ، ولا يكون ممن آمن واعتقد وصدَّق بآية "وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم". ولو أنَّ القرآن الكريم مما يعلم معنى آياته جميعها كلُّ عارفٍ باللغة وواقفٍ على أسلوب المحاورة والمحاججة ، لَما كان لقوله تعالى" وأنزلنا إليك الذكر000" معنى محصَّل ، لأنه على هذا يكون القرآن مبيَّناً في نفسه ، غايته يكون جهلُ الجاهل باللغة هو السبب في عدم وضوح المراد والمعنى ، ولو كان الأمر كذلك لما كان ثمة وجهٍ لقصر التبيين على الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله ، بل كانت مهمةُ التبيين والتفسير يتكفَّلُ بها كلُّ ذي معرفة باللغة . وكيف يصح للمدَّعي أنْ يدَّعي العلم بالقرآن ، وقد قال الله تعالى في سورة العنكبوت 49" بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم " ؟ ومَنْ هذا الذي يدَّعي أنه أُوتيَ العلم بالقرآن وصار الكتابُ بذلك آياتٍ بيناتٍ في صدره ؟ فهل غير مَنْ تولَّى الله سبحانه تعليمه وتربيته ؟ وكأنَّ الآية الكريمة نصٌ في أنَّ القرآن إنما صار آياتٍ بينات في صدور بعض بتعليم الله تعالى وتبيينه ، وفي ذلك إشارةٌ واضحةٌ إلى عدم كونه كذلك لولا تعليم الله تعالى . وحيثُ إنَّ التبيين مع عدم تعليم الله تعالى يرجع إلى اتباع الجهل ومتابعة الهوى ، وبالتالي فالتبيين من دون علم وحُجَّة لا ينسجم مع" ولا تقف ما ليس لك به علم " الإسراء 36 ويكون حالُ مَنْ يسلك ذلك السبيل حالَ " ويعبدون من دون الله ما لم ينزِّل به سلطاناً وما ليس لهم به علم " الحج 71 ، فمن الواضح جداً أنْ يكون سالكُ مسلك الظن ظالماً ، وواضح أيضاً أنَّ الظالم بجهله سيكون من الجاحدين ، وهل الجاهل بشيء يؤمن به ؟! وبهذا تعرف كيف يكون قوله تعالى في آخر الآية التي نقلناها لك في سورة العنكبوت أي " وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون " ، موافقاً لما في سورة الحج " وما للظالمين من نصير " ، فإنَّ إتباعَ غير العلم سببٌ لمتابعة الهوى ، وبالتالي فيكون صاحبه من الظالمين . وتعرف أيضاً كيف يكون المفسِّر للآية من دون الرجوع إلى أهل البيت من أبرز مصاديق المجادلين في آيات الله ، والله تعالى يقول " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " غافر4 ، حيثُ إنَّ القرآن الكريم نطق بأنه آياتٌ بيناتٌ في صدور الذين أوتوا العلم خاصةً ، وصرَّح بأنَّ تبيين القرآن يرجع إلى المولى سبحانه ، وإلا فالسالك ذلك المسلك سالكٌ سبيلَ غير العلم من جهة ، ومنكرٌ لآية وأنزلنا إليك الذكر من جهة ثانيةٍ ، مفترٍ على الله تعالى بعد فرض عدم وقوفه على علم الكتاب ، إذ قد عرفت أنَّ تعليمه مقصورٌ على تعليم الله تعالى ، ولا مجال للتفصيل فإنَّ المقام لا يسع . هذا وقد قال سبحانه في سورة الأنعام " ما فرَّطنا في الكتاب من شيء"38 وفي سورة النحل " ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين " 89 0 ولا شبهةَ بأنَّ تأويل الآيات من الأمور التي لم يُفرَّط فيها ، وأيُّ جهل وراء أنْ يُنسب إلى الله تعالى تنزيله للكتاب وهو مع ذلك قد حجب علمه عمن أنزله عليه ، وإلا فإنَّ الكتاب الذي ما فرَّط الله فيه من شيء قد صرَّح بأنّه " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفيناه من عبادنا " فاطر32. ولهذا كان الراسخون في العلم العالِمون بتأويل القرآن قائلين آمنا به كل من عند ربنا ، وهم مَنْ أوتوا العلم والكتاب ، وهم الذين ورَّثهم الله تعالى إياه ، فقال سبحانه : " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اؤلئك يؤمنون به " البقرة121 ، وفي سورة الأنعام " والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحقِّ " 114 ، وفي سورة العنكبوت " فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به " 47 0 فتلخَّص أنَّ الذين آتاهم الله تعالى الكتاب وأورثهم إياه هم العالِمون بأنَّه منزَل بالحقِّ وهم المؤمنون به حقاً ، وكانت هذه هي صفة الراسخين في العلم ، وعليه فيكون الأولى بل المتعيِّن بأنَّ الوصف بما ذُكر في آية والراسخون في العلم أي قوله سبحانه : "يقولون آمنا…" يكون في محل نصب حال ، والجمل بعد المعارف أحوال والراسخون معرَّف بالألف واللام ، فافهم جيداً . ومن هذه الإشارة المختصرة يتضح لك التصديق بأنَّ أهل الذكر يملكون العلم بكل ما يُسألون عنه ، كيف لا وهم قد أوتوا الكتاب وأورثهم الله إياه ، وهو القائل بأنه ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ، وأنه تبيان لكل شيء . ومما تقدم تعرف أنَّ مَنْ يملك العلم والمعرفة بالكتاب الكريم ظاهره وباطنه ليس إلا أهل الذكر حيث وَرِثوا علم رسول الله صلَّى الله عليه وآله . وإذا ما كان الأمر كذلك ، فهل يصح أنْ يُقال " أنه يجب أنْ نستوحي القرآن كما كان الأئمة يفعلون كما ادَّعاه السيِّد فضل الله .[65] فهل الأئمة إلا العالِمون بالقرآن ، وقد علَّمهم الله تعالى وبيَّن لهم وأرشدهم وهداهم ؟! وهل هناك مَنْ يُقاس بهم حتى يجوز له ما يجوز لهم ؟! وهل هم إلا الناطقون عن الله ، والمبيِّنون عنه ، والراجعون إليه ، والوارثون العلم ؟ وإذا كان لا يجوز تبيين القرآن إلا بتعليم من الله تعالى ، فكيف يجوز أنْ يُبيِّنه غيرُ أئمة العترة الطاهرة ؟! وإذا كان في الندوة قد أطلق على التأويل كلمة استوحى فهل يُفهم من ذلك أنه يجب أنْ نأوِّل القرآن كما كان الأئمة يأوِّلون ؟! فقد قال في الندوة في المحل الذي أشرنا إليه آنفاً : " فأنا اعتقد أنه يجب أن نستوحي القرآن كما كان الأئمة يفعلون عليهم السلام ، فالإمام الباقر عليه السلام عندما يقول "ومن أحياها فكأنما أحي الناس جميعاً " يقول : " تأويلها الأعظم مَنْ نقلها من ضلال إلى هدى ".[66] فإنَّ الإمام عليه السلام قال تأويلها الأعظم ، فهل أنَّ التأويل معناه أنه استوحى ؟!!! ولو سلمنا ، فإنَّ التأويل لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم بنصِّ القرآن ، وليس الراسخون إلا أئمة العترة الطاهرة وقد علموا ذلك وراثةً من رسول الله صلَّى الله عليه وآله 0 وهل على هذا ومع ما تقدم يصح أنْ يقال : يجب أنْ نتأول القرآن ؟! وسيوافيك ما يدل على اختصاص علم التأويل بأهل البيت عليهم السلام 0 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [55] الندوة الكتاب الأول ص 161ط الثانية 1417-1997 [56] البقرة 185 [57] البقرة 2 [58] النحل 64 [59] الزخرف 44 [60] النحل 44 [61] الواقعة 79 [62] الأحزاب 33 [63] الحجر آية 9 [64] الكافي 8 ص312 - ح 485 [65] الندوة 1 ص 158 ط الثانية 1417- 1997 [66] الندوة 1 ص 158 ط الثانية 1417 - 1997 |
ثم كيف يقول السيِّد فضل الله : يجب علينا أن نأوِّل القرآن ( أي أنْ نستوحي القرآن ) فإنَّ الامام الباقر عليه السلام قال تأويلها الأعظم - وقد أطلق في الندوة على التأويل المعنى الذي عرفت - ومع ذلك يقول : إنَّ الواو في " والراسخون في العلم " ربما كانت استئنافية ، ليكون الله وحده هو العالم بالتأويل .
ثم إذا كان السيِّد فضل الله يدَّعي في الندوة قائلاً : أنا قلت بأنَّ علينا أن لا نتكفَّل فهم القرآن ، وإنما علينا أن نعيش ظاهر القرآن .[67] فإلى أيِّ معنى يرجع قوله إلى أنه يجب أن نستوحي القرآن…الخ .[68] وكان قد قال : " نعم إنَّ القرآن يستبطن إستيحاءات كثيرة ويستبطن لوازم كثيرة ، وعلى الإنسان أن لا يفهم القرآن فهماً حرفيَّاً.[69] فهل الاستيحاءات واللوازم الكثيرة التي يستبطنها القرآن هي من الظواهر القرآنية ؟! وهل أنَّ ما يستبطنه الظاهر يكون من الظاهر ؟! ولو تنزلنا ، فإذا كان الإمام الباقر عليه السلام بحسب تعبيره قد استوحى ما استوحى ، فهل لغير المعصوم أنْ يستوحي والله تعالى يقول : " ولا تقف ما ليس لك به علم". وهل لغير مَنْ علَّمه الله تعالى أنْ يدَّعي العلم بأنَّ كلمة الطعام في آية " فلينظر الإنسان إلى طعامه" تستبطن معناها عدة لوازم وايحاءات ، وأنَّ من تلك اللوازم والإيحاءات المعنى أو اللازم الكذائي ؟! فنحن نقطع بأنَّ وراء الظاهر باطنٌ ، ولكن هل غير المعصوم يتأتَّى له العلم به لولا تبيين المعصوم له ؟ ولو كان يتأتَّى لغير المعصوم ذلك فما هي الحاجة في الرجوع إلى المعصوم في مقام تفسير الكتاب ، وتبيين مجمَلِه ، وتوضيح مقاصده ؟! وأيُّ معنى لأنْ يكون علم الكتاب عند خصوص المعصوم ، وقد نطقت بذلك أخبار العترة الطاهرة ؟! وأيُّ معنى لأنْ يكون القرآن الكريم آيات بيِّنات في صدور خصوص مَنْ آتاهم الله علمه ؟! وأيُّ معنى لأنْ يكون القرآن الكريم غيرَ بيَّنٍ إلا بتبيين الله تعالى بنصِّ القرآن " وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس" ؟! ثم ليس النزاع في فهم قوله تعالى" الحمد لله رب العالمين" أو " أحل الله البيع " فإنَّ كلَّ عربي يفهم المعنى الظاهر وإنْ كان يتفاوت الفهم في ذلك بحسب تفاوت المدارك والقابليات ، وإنما النزاع في المعنى المستبطَن تارةً ، وفيما أريد من مثل قوله تعالى " فأوجس في نفسه خيفةً موسى " وفيما أريد مما لا يحصى ، بنحو يكون المدَّعي للعلم بذلك من غير سُماع من معصوم ( ولا يخفى المقصود من السُماع) مكابراً قطعاً ، مفترياً على الله يقيناً ، سالكاً مسلك الضالين المضلِّين بغير علم أكيداً . والقرآنُ الكريم الذي حذَّرت آياته عن اتباع غير العلم وعن التعبُّد بغير العلم ، هو مع ذلك يشير تارةً إلى أنَّ القرآن لا يفهمه ولا يعرفه إلا المطهَّرون ، وأنه مبيَّنٌ في صدور خصوص الذين آتاهم الله علمه أخرى ، وأنَّ تبيينه لا يجوز إلا بتوسط مَنْ علَّمه المولى سبحانه ثالثةً ، وأنَّ مَنْ عندهم علم الكتاب هم خصوص من اصطفاهم رابعةً ، وأنَّ كل مَنْ لا يعلم لا يتأتى له العلم إلا بالسؤال من أهل الذكر أهل القرآن أئمة العترة الطاهرة ، وأنَّ مَنْ يعرف القرآن هم خصوص من آتاهم الله إياه ، إلى ما لا يُحصَى من إشاراتٍ واضحة ، وظواهرٍ جلية ، ونصوصٍ صريحة ، قد تأيَّدت بما لا يُحصى من الأخبار الواردة عن أهل بيت العصمة مِنْ أنَّ القرآن لا يعرفه إلا من خُوطِب به ، وأنهم هم عليهم السلام ولا أحد سواهم يفهم القرآن ويعلمه ، وأنهم وحدهم العالِمون بتأويل القرآن وباطن ظاهره ، وغير ذلك . فهل بعد التأمل فيما أشرنا إليه يصح أنْ يُقال : ولذلك لن يفهم القرآن الحرفيُّون ، ولكن يفهمه الحركيِّون ، ولا اقصد بالحركيين الحزبييِّن ، ولكن اقصد بالحركييِّن الذين يعيشون الإسلام حركةً في الإنسان وفي الواقع ، وهم الذين يعيشون الحياة والإنسان ، هؤلاء هم الذين يمكن أن يفهموا القرآن جيداً .[70] أترى هذا الكلام ينسجم مع ما تلوناه وأشرنا إليه من آياتٍ وأخبار؟ لا يقال : إنَّ القرآن قد جعله الله نوراً وهدى للناس وللمتقين . فإنه يقال : نحن لا نُنكِر أنه هدى وأنه تبيانٌ لكل شيء ، ولكن القرآن صرَّح بأنه نورٌ في قلوب مَنْ علَّمهم سبحانه كتابه ، وأنه مبيَّنٌ بتبيين مَنْ فضلَّهم تعالى وآتاهم حكمته . أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض ! فالقرآن الذي نطقت آياته بأنه نور ، قد نطق أيضاً بأنه لا يستطيع الاهتداء إلى مقاصده إلا مَنْ طهَّره الله وعصمه وفضَّله واصطفاه وقرَّبه وارتضاه ، ونطق بأنَّ تأويله لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم . فاستنطق القرآن ، فهل تراه ينطق لولا أن ينطق أئمة العترة الطاهرة؟ ونحن لا نُنكِر أنه نورٌ ، ولكنه نور لمن يعلمه ويعرفه ويعيه ، وليس إلا أئمة أهل البيت عليهم السلام وحدهم مَنْ يعرف ومَنْ يعي . وتعالوا إلى القرآن ، فهل يكون نوراً بغير إمام يُبيِّنه ؟! وهل يكون هادياً بغير معصوم يستنبط منه ؟ وهل يكون دليلاً بغير حُجَّة يعرف ظاهره وما أُريد منه ، وباطنه وما يستبطنه ؟! وهل إذا كان القرآن نوراً بتوسط النور الناطق ، وهدى بتوضيح الإمام الهادي ، ينتفي أنْ يكون نوراً وهدى في نفسه ولكن لخصوص المعصوم ، ومن خلاله يصبح نوراً وهدى للناس ؟ والقرآن الذي نطق بأنه هدى للناس ، نطق أيضاً بأنَّ تبيينه لا يكون إلا بتوسط الرسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله . والقرآن الذي نطق بأنه نور ورحمة ، نطق أيضاً بأنَّ فيه آيات متشابَهات ومحكَمَات ، لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم . ولو أنَّ القرآن نورٌ في نفسه للناس من دون حاجة إلى المعصوم ، فهلَّا يُبيِّن لنا أيُّ شخص تفصيلَ بل إجمالَ ما لم يُفرِّط الله فيه ، وقد قال سبحانه ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ؟ وهلَّا يُبيِّن لنا مَنْ شاء ما في الذكر الحكيم ، وقد نطق بأنه تبيانٌ لكل شيء ؟ فالقرآن نورٌ ، ولكن أنَّى لغير مَنْ علَّمه الله تعالى أن يتعرَّف على ذلك النور ، وأنْ يعلم بكل ما لم يُفرَّط فيه في الكتاب ! بل كلُ غيرِ متَّهمٍ إذا لاحظ الآيات التي أشرنا إليها يتبيَّن له ويهتدي إلى اليقين ، بأنَّ القرآن الكريم هو نور ولكن من خلال بيان ونطق وتبيين وتفسير وتوضيح العالِمين الصادقين المطهَّرين المصطفين . ويتضح لكلِّ غيرِ متهَّم إذا تأمل شيئاً قليلاً صحةُ ما رواه الشيعة والسنة " إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي "، ويحصل له التصديق به0 وإلا فلو أنَّ القرآن الذي لم يُفرِّط فيه المولى سبحانه من شيء ، والذي أنزله تبياناً لكل شيء ، كان مع ذلك نوراً في نفسه لجميع الناس ، وهدى في نفسه لجميع الناس ، فأيُّ حاجة إلى العترة الصادقين وإلى أهل الذكر المطهَّرين ؟! ولو كان القرآن نوراً كذلك ، فهل يخفى النور إلا على الأعمى؟ نعم حيث إنَّ غيرَ المعصوم ظالمٌ ، والظلمُ عمىً في القلب والبصيرة ، بل عمى للبصيرة والعقل والقلب والروح ، فكان لا محالة لا قصورَ في نور الله تعالى ، وإنما المانع ما يعرض البصيرة من حاجب بسبب الذنب ارتكاباً فعليَّاً أو شأنيَّاً ، وكان مِنْ الواضح جداً أنْ يكون البصير وحده مَنْ يرى النور ، وبالتالي هو وحده مَنْ يعرف النور ويدركه ، وليس إلا المطهَّر المعصوم بصيراً ، وليس إلا مَنْ يعلم وهو خصوص المنتجَب المصطفى الصادق بصيراً ، فكان لا غروَ أنْ يحتاج غيرُ المعصوم وهو الأعمى إلى المعصوم وهو البصير ، كما أنَّ غير العالِم يحتاج إلى العالِم . وأيم الله لو كان يفسح المجال لفصَّلنا لك القول ، ولأوقفناك على ما لا يُحصى من الشواهد القرآنية والبراهين العقلية على أنَّ الحقَّ مع عليٍّ ، وعند أمير المؤمنين عليٍّ ، وأنه النور والهدى ، وغيره الظلمة والضَّلالة والردى . وأقول ومَنْ شاء فليؤمن ومَنْ شاء فليكفر ، إنَّ ما ذكرته كان محض ارتجال ، ولو أردنا استنطاق كلام أئمة العترة الطاهرة - وكل يستنطق ويغرف على ما تقتضيه قابليته واستعداده - لطال الكلام واتسع المقال ولدللناك على أمور يحذر على العاقل تبيينها ، ولكن تأمل فيما إليه أشرنا وفيما سننقله لك من أخبار ، ولست أرى إلا أنَّ الحقَّ في المقام قد وضح لكل ذي عين ، وأما ذووا العينيين فإنَّ الحقَّ واضح لهم من ذي قبل0 هذا ولا أظنُّ بعاقل ذي مسكة أنْ يوسوس له عدوه إلى ملاحظة إسناد بعض الأخبار التي سنوردها ، فإنَّ بعضها معتبرٌ عند كل المحققين قطعاً ، والبعض الآخر حيث تأيَّد بموافقة الكتاب وببعض الأخبار المعتبرة في نفسها فيصير بحكم المعتبر ، واللبيب طالب الحقيقة تكفيه الإشارة ، والمتعسِّف ذو النفس الأمارة المجادلة لا يجديه ألف دليل وعبارة ، وبشِّر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وليس القول الحسن إلا ما نطق به القرآن وصدر عن أهل الذكر وقاله المعصومون المطهرون ، وغيره ليس إلا القول الباطل ظاهراً وباطناً ، وهل بعد الحقِّ إلا القبيح الباطل ؟! ــــــــــــــــــــــــــــــــ [67] الندوة 1 ص 165 ط الثانية 1417 - 1997 [68] الندوة 1ص 158 ط الثانية 1417- 1997 [69] الندوة 1ص 157 ط الثانية 1417 - 1997 [70] الندوة 1ص157 ط الثانية 1417 – 1997 [71] الوسائل 27باب 13 من ابواب صفات القاضي ومايجوزان يقضي به ح 38 |
وأخيراً فاسمع لقول المعصوم ، وعِ مقالته ، وتفهَّم مراده ، ولا عذرَ لجاحدٍ ، ولا حُجَّةَ لجاهلٍ . فقد روى في المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام ( في حديث ) قال : وإنما القرآن أمثالٌ لقوم يعلمون دون غيرهم ، ولقوم يتلونه حق تلاوته ، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه ، فأما غيرهم فما أشد إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم ، ولذلك قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله : ليس شيء بأبعد من قلوب الرجال من تفسير القرآن ، وفي ذلك تحيَّر الخلائق أجمعون إلا من شاء الله . وإنما أراد بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه ، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القوَّام بكتابه ، والناطقين عن أمره ، وأن يستنطقوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثم قال : " ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعَلِمَه الذين يستنبطونه منهم " فأما غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً ولا يوجد ، وقد علمت أنه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر ، إذ لا يجدون من يأتمرون عليه ، ولا من يبلِّغونه أمر الله ونهيه ، فجعل الله الولاة خواص ليقتدي بهم من لم يخصصهم بذلك فافهم ذلك إن شاء الله . وإياك إياك وتلاوة القرآن برأيك ، فإنَّ الناس غير مشتركين في علمه ، كاشتراكهم فيما سواه من الأمور ، ولا قادرين عليه ولا على تأويله -- أي على أنْ يستوحوا منه بحسب تعبير الندوة فإنَّ التأويل عند السيِّد فضل الله هو الاستيحاء -- إلا مِنْ حدِّه وبابه الذي جعله الله له ، فافهم إن شاء الله ، واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله .[71] وفيه عن أبي جعفر عليه السلام ( في حديث ) فقال : يا جابر إنَّ للقرآن بطناً وللبطن بطناً وله ظهر وللظهر ظهر . يا جابر ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إنَّ الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل منصرف على وجوه .[72] وأيضاً عن أبي جعفر عليه السلام ( في حديث ) قال : ليس هكذا قلت ، إنما قلت : لكن ليس شيء من كتاب الله إلا عليه دليل ناطق عن الله في كتابه مما لا يعلمه الناس ، إلى أن قال : إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً ومعايناً وناسخاً ومنسوخاً ومحكماً ومتشابهاً وسنناً وأمثالا وفصلاً ووصلاً وأحرفاً وتصريفاً ، فمن زعم أنَّ كتاب الله مبهم فقد هلك وأهلك .[73] وفي الوسائل قال الحرُّ العاملي ذيل الحديث ، أقول : المراد من آخره : ليس بمبهم على كل أحد بل يعلمه الإمام ومَنْ علَّمه إياه ، وإلا لناقض آخره أوله ، انتهى . أي لو لم يكن المراد ما ذكره الحرُّ لناقض آخر الحديث أول الحديث ، ففي أوله مما لا يعلمه الناس وفي آخره إنَّ مَنْ زعم أنَّ الكتاب مبهَم ، والأمر لا يكاد يخفى . وروى الصفار في بصائر الدرجات عن فضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الرواية : ما من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن ، قال : ظهره تنزيله وبطنه تأويله .[74] وإذا كان المراد من البطن هو التأويل ، وكان قد أختص بعلم التأويل الله والراسخون في العلم أي سيِّدنا محمد وآله الأطهار عليهم السلام ، فإنه تعرف فساد ما ادَّعاه في الندوة : بأنَّ الباطن هو ما يمكن أن يُستوحى وأنه يجب علينا أن نستوحي القرآن كما كان الأئمة يفعلون . وأما قول السيِّد فضل الله : في الواقع أنا لا افهم كلمة الباطن ، ما معنى الباطن ؟[75] فجوابه : أنَّ المقصود من الباطن هو التأويل كما ذكر الإمام عليه السلام وهو الذي لا يعلمه إلا الله تعالى والراسخون في العلم . هذا ، وما رُويَ من أنَّ للقرآن ظهراً وبطناً ، قد رُوي بطرق مختلفة وقد رواه الشيعة والسنة فليُطلب من مظانّه . وروى الصدوق في كتاب التوحيد مسنداً عن الصادق عليه السلام ( في حديث ) عن الحسين بن علي عليهما السلام : أما بعد فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول الله صلَّى الله عليه وآله يقول : مَنْ قال في القرآن بغير علم فليتبوَّء مقعده من النار.[76] أقول : ومَنْ هذا الذي يدَّعي أنه يقول في القرآن بعلم في غير ما كان ظاهراً سوى الراسخين في العلم ؟! وهل الذي يعمد إلى تفسير آية وأنها نزلت في حق فلان مدَّعياً دلالة السياق على ذلك ، مع وجود أخبار معتبرة عن أئمة العترة الطاهرة على خلاف ما ادَّعاه ، هل يكون ممن يقول في القرآن بعلم ؟! وإذا كان أهل الذكر العالِمون – وغيرهم سواهم ليس إلا الجاهل –يقولون بأنَّ الآية يكون أولها في شيء وآخرها في شيء ، فمَنْ هذا الذي يملك العلم بذلك ، وأنَّى لغير أهل بيت النبوة العلم بذلك والمعرفة به ؟! وروى في الكافي مسنداً عن زيد الشحام ( في حديث ) عن أبي جعفر عليه السلام ، ويحك يا قتادة : إن كنت إنما فسَّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هَلكتَ وأهَلكتَ ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد أُهلكت وأَهلكت إلى أن قال : ويحك يا قتادة : إنما يعرف القرآن من خُوطِب به .[77] وروى الشيخ في التهذيب مسنداً عن أمير المؤمنين عليه السلام ( في حديث ) فقالوا : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبرنا به في المصحف ؟ قال : يسأل عن ذلك علماء آل محمد عليهم السلام .[78] وروى في الوسائل عن السيِّد المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً من تفسير النعماني بإسناده عن الصادق عليه السلام ( في حديث ) : وإنما هلك الناس في المتشابَه ، لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته فوضعوا له تأويلاً من عند أنفسهم بآرائهم ، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء .[79] وفيه عن فرات بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام ( في حديث) : فإنما على الناس أن يقرؤوا القرآن كما أُنزل ، فإذا احتاجوا إلى تفسيره فالإهتداء بنا وإلينا يا عمرو .[80] وفيه عن العياشي بإسناده عن الصادق عليه السلام : ليس شيء أبعد من عقول الرجال عن القرآن .[81] وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إنَّ الآية ينزل أولها في شيء (وأوسطها في شيء) وآخرها في شيء .[82] وعن جابر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا جابر إنَّ للقرآن بطناً وللبطن ظهراً ، وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ، إنَّ الآية لينزل أولها في شيء وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء .[83] وفيه نقلاً عن القمي في تفسيره بإسناده إلى أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال : والقرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب نبيَّه صلَّى الله عليه وآله به ، ونحن نعلمه فليس يعلمه غيرنا .[84] ونقلاً عن الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام (في حديث) : ثم إنّ الله قسَّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل وقسماً لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام ، وقسماً لا يعلمه إلا الله وملائكته والراسخون في العلم . وإنما فعل ذلك لئلا يدَّعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول الله صلَّى الله عليه وآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الإتمام بمن ولي أمرهم .[85] أقول : ولعل قوله تعالى " هدى للناس ، وهدى للمتقين ، وانه لذكر لك ولقومك " فيه إشارة إلى ما ذكره مولى المتقين عليه السلام ، ويزيد هذا وضوحاً قوله تعالى " وأنزلنا إليك الذكر لتبيِّن للناس" وقوله سبحانه " ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "(النساء83) وقوله سبحانه " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم "، وقوله سبحانه " بل هو آيات بينات في صدور الذين آتوا العلم". ومن المقطوع به أنَّ مَنْ يدَّعي قولاً في القرآن على خلاف ما ورد به النصُّ المعتبر ، ليس من الذين صفا ذهنهم ولطف حسهم وصح تمييزهم. وأيُّ متَّقٍ ذاك الذي يُرجِّح نظره على ما ورد عن أئمة العترة الطاهرة ؟! ولْيُعلم أنَّ الذي نقلناه من كلام أمير المؤمنين من التفصيل كنَّا قد ادَّعيناه فيما سبق أو قد أشرنا إليه ، ومنه يُعلم – كما تقدم – أنَّ محل البحث خصوص ما لم يكن ظاهراً من الآيات ، فيشمل كل تأويل مهما اُصطلِح عليه وعُبِّر عنه وغير ذلك مما يُدَّعى كونه مستفاداً من قرينة تكاد تكون أخفى من ذيها ، أو مستفاداً من غير ما يكون مروياً وثابتاً عن أئمة العترة الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين . ثم إنَّ ما نقلناه من أخبار قد ورد في معناها ومضمونها الشيء الكثير ، فلتطلب من محلها ، ويكفي أنَّ الكتاب الكريم ظاهرٌ جداً في دلالة بعض آياته على المعنى المزبور . وأما مَنْ هم الراسخون في العلم ، وأنهم هل يعلمون التأويل ، فقد أشرنا إلى بعض القول في هذا ، ودونك ما ورد عن أهل بيت العصمة سلام الله عليهم أجمعين . ففي الكافي بإسناده عن أبي جعفر الثاني عليه السلام (في حديث) فقل لهم : ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم .[86] وفيه بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله .[87] وفيه بإسناده عن بريد بن معاوية عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم "، فرسول الله صلَّى الله عليه وآله افضل الراسخين في العلم ، قد علَّمه الله عزَّ وجلَّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزِّل عليه شيئاً لا يعلمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه .[88] وفيه بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الراسخون في العلم : أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والأئمة ( من ولده ) عليهم السلام .[89] وفيه بإسناده عن أبي الصباح قال : والله لقد قال لي جعفر بن محمد عليهما السلام : إنَّ الله علَّم نبيه التنزيل والتأويل ، فعلَّمه رسول الله صلَّى الله عليه وآله علياً عليه السلام ، ثم قال : وعلَّمنا والله .[90] وفيه بإسناده عن جميل بن صالح عن أبي جعفر عليه السلام – في حديث – إنَّ لهذا تأويلاً لا يعلمه إلا والله والراسخون في العلم من آل محمد ( صلوات الله عليهم ) .[91] وفي الوسائل نقلاً عن الصدوق في أماليه بإسناده إلى أبي الصلت الهروي ( في حديث ) أنه قال لابن الجهم : اتَّق الله ، ولا تؤوِّل كتاب الله برأيك ، فإنَّ الله يقول: وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم.[92] وأيضاً بإسناده عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله في حديث : يا علي ! 000 وأنا صاحب التنزيل ، وأنت صاحب التأويل .[93] وروى الصفار في بصائر الدرجات بإسناده عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله : يا علي أنت تعلِّم الناس تأويل القرآن بما لا يعلمون .[94] وأيضاً بإسناده عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ، قال الله : "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم " نحن نعلمه .[95] وبإسناده عن سيف بن عميرة عن أبي بصير قال : قال أبو جعفر عليه السلام : نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله .[96] وبإسناده عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إنَّ الله علَّم رسوله الحلال والحرام والتأويل ، فعلَّم رسول الله صلَّى الله عليه وآله علمه كلَّه علياً عليه السلام .[97] إلى غير ذلك مما ورد بهذا المضمون وما يقرب منه أو يشابهه ، ولا بأس بالرجوع إلى مثل كتاب الكافي للوقوف على ما ورد في تفسير قوله تعالى " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم " وكذا " ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا "، وكذا " الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته" . وغير ذلك مما ألمحنا إليه من آيات مباركة ، فَلْيُلْحظ أصول الكافي على سبيل المثال ، فإنَّ في أبواب كتاب الحُجَّة من جزئه الأول ما فيه كفاية لطالب الحقِّ والحقيقة ، فراجعه بتمامه . وإذا ما كان الأئمة عليهم السلام معدنَ علمِ الله وموضعَ سرِّه تعالى على ما تظافرت بذلك الأخبار، فهل لا يكون الأئمة عالِمين بالتأويل؟! هذا والتركيز على أنَّ الراسخين في العلم هم أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام وأنهم العالِمون بتأويل الكتاب ، كان قد طال المقطوعات الخاصة الواردة في أعمال الزيارات كيف لا ، وهل فوق معرفة الأئمة عليهم السلام ومعرفة فضائلهم وشأنهم عبادة ؟! وليست الزيارات الواردة إلا تُمثِّل أعمقَ وأدقَّ الدروس التثقيفية العقائدية ، حيث أراد أهل البيت عليهم السلام تحقيقَ هدفٍ لا تخفى حقيقته وأبعاده ، وإنَّ بعضَ تأملٍ في بعض عبائر أية زيارة ودعاء ورد عن أهل بيت العصمة ، يقود بالمتأمل إلى بحوث ودروس وأصول وأسس ، والغرض مجرد نحو إشارة . ومهما يكن ففي زيارة أمير المؤمنين عليه السلام : السلام على مَنْ عنده تأويل المحَكَم والمتشابَه وعنده أم الكتاب .[98] وفي زيارة الكاظم : أشهد أنك الإمام الهادي والولي المرشد ، وأنك معدن التنزيل وصاحب التأويل .[99] وفي زيارة العسكري عليه السلام : أتوسل إليك بحبيبك محمد صلَّى الله عليه وآله ووصيه عليٍّ ابن عمه وصهره على ابنته الذين ختمت بهما الشرائع وفتحت بهما التأويل والطلائع .[100] وفي المزار الكبير لابن المشهدي : وأنت المخصوص بعلم التنزيل وحكم التأويل [101]0 ولك سابقة الجهاد على تصديق التنزيل ولك فضيلة الجهاد على تحقيق التأويل[102]0 وفُقِد بفقدك التكبير والتهليل والتحريم والتحليل والتنزيل والتأويل[103]0 والسامي إلى المجد والعلى ، العالِم بالتأويل والذكرى[104]0 قرناء التنزيل وآياته ، وأمناء التأويل وولاته .[105] وغير ذلك بل وأبلغ منه كثير ، فَلْيَرِجع طالب الحقيقة بنفسه إنْ كان ثمة ما يدعوه إلى ذلك . وقد حُكي أنَّ في كتاب حلية الأولياء الجزء الأول ص 65 قد روى أبو نعيم الحافظ في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام مسنداً عن عبد الله بن مسعود قال : إنَّ القرآن أنزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا له ظهر وبطن ، وإنَّ علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن . وراجع فرائد السمطين الجزء الأول الباب السادس والستين ص 355 ، وأيضاً الحديث 1057 في ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر ج3 ص32 مؤسسة المحمودي ط الثالثة 1400 - 1980م . وعن الحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل (على ما حُكي) في تفسير آية " فاسألوا أهل الذكر" من سورة النحل مسنداً عن السندي عن الحارث الهمداني قال : سألت علياً عن هذه الآية ، إلى أنْ قال : ونحن معدن التأويل والتنزيل . وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ج2 ص486 الحديث 1013 من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام مسنداً إلى أمير المؤمنين قال : كنت أدخل على رسول الله صلَّى الله عليه (وآله) وسلم ليلاً ونهاراً ، وكنت إذا سألته أجابني وإن سكت ابتدأني ، وما نزلت عليه آية إلا قرأتها وعلمت تفسيرها وتأويلها . وبعد إطلاعك على بعض الأخبار في ما نبحث فيه ، فهل لا تتوقف عند قول السيِّد فضل الله في الندوة وربما كانت الواو في "والراسخون في العلم " استئنافية ، ليكون الله وحده هو العالم بالتأويل .[106] ولست ادري إلى أيِّ معنى يرجع قوله ؟! وهل بعد أنْ دلَّت الأخبار المعتبرة على معنى معين ، يبقى مجال لدعوى : ربما كان الصحيح غير ذلك المعنى ! اللهم إلا أنْ يكون السيِّد فضل الله لا يعتقد بصحة ولو رواية واحدة 0 ولكن هذا المعنى يدفعه أنَّ بعض الأخبار لا نقاش في صحتها لأنها صحيحةٌ إجماعاً ، وإلا فإنَّ مجموع الأخبار لا شبهةَ في قيامه على حجية المعنى المبحوث فيه والأمر ليس يخفى على ذي فضلٍ 0 اللهم إلا أنْ يكون السيِّد فضل الله غير مطَّلِع على أخبار العترة الطاهرة لعدم توفُّر كتاب وسائل الشيعة وكتاب الكافي مثلاً لديه ، مع أنَّه كثيراً ما يدَّعي لنفسه كثرة الاطلاع والتحقيق ، فتأمل جيداً . وأخيراً بل أولاً ، قال أمير المؤمنين عليه صلوات الله : أين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا ؟ كذباً وبغياً علينا ، أنْ رَفَعَنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى .[107] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [72] المصدر السابق ح 41 [73] المصدر السابق ح 39 [74] المصدر السابق ح 49 [75] الندوة 1ص 156 ط الثانية 1417 - 1997 [76] الوسائل 27باب 13 من ابواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به ح 35 [77] المصدر السابق ح 25 [78] المصدر السابق ح 27 [79] المصدر السابق ح 62 [80] المصدر السابق ح 64 [81] المصدر السابق ح 69 [82] المصدر السابق ح 73 [83] المصدر السابق ح 74 [84] المصدر السابق ح 80 [85] المصدر السابق ح 44 [86] الوسائل 27باب 13 من ابواب صفات القاضي وما يجوز ان يقضي به ح 3 [87] المصدر السابق ح 5 [88] المصدر السابق ح 6 [89] المصدر السابق ح 7 [90] المصدر السابق ح 19 [91] المصدر السابق ح 24 [92] المصدر السابق ح 31 [93] المصدر السابق ح 32 [94] المصدر السابق ح 46 [95] المصدر السابق ح 49 [96] المصدر السابق ح 53 [97] المصدر السابق ح 57 [98] مفتاح الجنات 2 للسيد الامين ص 68 - الاعلمي [99] مفتاح الجنات 2 للسيد الامين ص 136- الاعلمي [100] مفتاح الجنات 2 للسيد الامين ص 162- الاعلمي [101] المزار الكبير لابن المشهدي ط قيوم ص 273 [102] المصدر السابق ص 277 [103] المصدر السابق ص 505 [104] المصدر السابق ص 559 [105] المصدر السابق ص 561 [106] الندوة 1ص 161 ط الثانية 1417 - 1997 [107] نهج البلاغة المختار 141 من القسم الاول |
الساعة الآن 02:11 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010