![]() |
أبو طالب عليه السلام مؤمن قريش للسيد جعفر مرتضى
أبو طالب عليه السلام مؤمن قريش
إيمان أبي طالب عليه السلام عند أهل البيت عليهم السلام : لا بد لنا هنا من الحديث بإيجاز عن موضوع ما زال بين أخذ ورد بين المسلمين ألا وهو إيمان أبي طالب «رحمه الله» ، فمن مؤيد ، ومن منكر . فأما أهل البيت «عليهم السلام» وشيعتهم ، فإنهم مجمعون على إيمانه وإسلامه «عليه السلام» 1 ، بل في بعض الأحاديث عنهم «عليهم السلام» : أنه من الأوصياء 2 ، وأن نوره يطغى في يوم القيامة على كل نور ، ما عدا نور النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، والأئمة «عليهم السلام» ، والسيدة فاطمة الزهراء «عليها السلام» 3 . |
أهل البيت عليهم السلام أدرى
أهل البيت عليهم السلام أدرى :
والأحاديث الدالة على إيمانه ، والواردة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام» لا تنحصر بما ذكرناه في هذه الدراسة ، وقد جمعها العلماء في كتب مفردة 4 . وقد ذكر العلامة المجلسي في كتابه العظيم «بحار الأنوار» والطبسي في كتاب «منية الراغب» وكذلك الخنيزي في كتاب «أبو طالب مؤمن قريش» وصاحب كتاب : «مواهب الواهب» وغيرهم الشيء الكثير جداً مما يدل على إيمانه صلوات الله وسلامه عليه . . ونحن سوف نقتصر في هذا المعرض على أقل القليل من ذلك ونحيل من أراد التوسع إلى كتاب البحار الآنف الذكر ، وإلى غيره . . غير أننا نقول هنا : إن هذه الأخبار هي من الكثرة والصراحة بحيث تعطي الانطباع الحاسم عما لأبي طالب من شأن عظيم ، ومقام كريم عند الله تعالى . وواضح : أن أهل البيت أدرى بما فيه من كل أحد . يقول ابن الأثير : «وما أسلم من أعمام النبي «صلى الله عليه وآله» غير حمزة والعباس ، وأبي طالب عند أهل البيت» 5 . |
تآليف في إيمان أبي طالب عليه السلام
تآليف في إيمان أبي طالب عليه السلام :
وعدا عن ذلك ، فما أكثر الأدلة الدالة على إيمانه ، وقد أُلف في إثبات إيمانه الكثير من الكتب من السنة والشيعة على حد سواء . وقد أنهاها بعضهم إلى ثلاثين كتاباً ، ومنها كتاب : «أبو طالب مؤمن قريش» للأستاذ عبد الله الخنيزي ، الذي كاد أن يدفع مؤلفه حياته ثمناً له ، حين حاول الوهابيون اتخاذ ذلك ذريعة للتخلص منه ، فتداركه الله برحمته ، وتخلص من شرهم . هذا عدا عن البحوث المستفيضة المبثوثة في ثنايا الكتب والموسوعات ، ونخص بالذكر هنا ما جاء في كتاب الغدير للعلامة الأميني قدس سره . . 6 . وقد نقل العلامة الأميني عن جماعة من أهل السنة : أنهم ذهبوا إلى ذلك أيضاً ، وكتبوا الكتب والبحوث في إثبات ذلك ، كالبرزنجي في أسنى المطالب 7 والأجهوري ، والإسكافي ، وأبي القاسم البلخي ، وابن وحشي في شرحه لكتاب : شهاب الأخبار ، والتلمساني في حاشية الشفاء ، والشعراني ، وسبـط ابن الجوزي ، والقرطبي ، والسبكي ، وأبي طاهر ، والسيوطي ، وغيرهم . بل لقد حكم عدد منهم ـ كابن وحشي والأجهوري ، والتلمساني ـ بأن من أبغض أبا طالب فقد كفر ، أو من يذكره بمكروه فهو كافر 8 . |
من أدلة إيمان أبي طالب عليه السلام
من أدلة إيمان أبي طالب عليه السلام :
ونحن نذكر فيما يلي طرفاً من الأدلة على إيمان أبي طالب ، فنقول : أهل البيت عليهم السلام أعرف : وقد تقدم بعض ما روي عن الأئمة «عليهم السلام» ، والنبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» مما يدل على إيمانه ، وقد قلنا : إن أهل البيت أدرى بما فيه ، وأعرف بأمر كهذا من كل أحد . التضحيات والمواقف : ويدل على ذلك أيضاً : ما تقدم من مناصرته للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وتحمله المشاق والصعاب العظيمة ، وتضحيته بمكانته في قومه ، وحتى بولده ، وتوطينه نفسه على خوض حرب طاحنة تأكل الأخضر واليابس في سبيل هذا الدين . . ولو كان كافراً ؛ فلماذا يتحمل كل ذلك؟! ولماذا لم نسمع عنه ولو كلمة عتاب أو تذمر مما جرَّه عليه النبي محمد «صلى الله عليه وآله»؟! . واحتمال : أن يكون قد طمع بمقام دنيوي أعظم . يرده : أن الطامع إنما يسعى للحفاظ على حياته لينال ما طمع به ، أما أبو طالب فكان على استعداد لأن يقتل هو وجميع أولاده ، وعشيرته في سبيل هذا الدين . |
تشنيع الأعداء
تشنيع الأعداء :
وقد استدل سبط ابن الجوزي على إيمانه بأنه لو كان أبو الإمام علي «عليه السلام» كافراً لكان شنع عليه معاوية وحزبه ، والزبيريون وأعوانهم ، وسائر أعدائه «عليه السلام» ، مع أنه «عليه السلام» كان يذمهم ، ويزري عليهم بكفر الآباء والأمهات ، ورذالة النسب 9 . |
أشعاره الصريحة بالإيمان
أشعاره الصريحة بالإيمان :
أما تصريحاته وأقواله الكثيرة جداً؛ فإنها كلها ناطقة بإيمانه وإسلامه . ويمكننا أن ندَّعي : أن هذه التصريحات قد جاءت بعد قضية إسلام حمزة ، أو بعد الهجرة إلى الحبشة . أما قبل ذلك فكان «عليه السلام» يعمل بالتقية أمام قريش على الخصوص . ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله : إن كل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر ، من حيث مجموعها 10 . فمن الشواهد على توحيده ، قوله : مليك الناس ليس له شريك *** هو الوهاب ، والمبدي المعـيد ومن تحت السـماء له بحق *** ومن فوق الـسماء لـه عبيد ومن الشواهد على إيمانه بنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، نذكر : 1ـ ألم تعلموا : أنا وجـدنا محمداً *** نبياً كمـوسى خط في أول الكتب 2 ـ نبي أتاه الوحي مـن عند ربه *** ومن قال : لا ، يقرع بها سن نادم 3 ـ يا شاهد الله عـلي فـاشهد *** إني عـلـى ديـن النـبي أحمـد 4 ـ أنت الرسول رسول الله نعلمه *** علـيك نـزل من ذي العزة الكتب 5 ـ أنت الـنبي محمد *** قـرم أغـر مـسـوَّد 6 ـ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب *** على نبي كمـوسى أو كـذي النون 7 ـ وظـلم نبي جاء يدعو إلى الهدى *** وأمر أتى من عند ذي الـعرش قيم 8 ـ لقد أكرم الله النـبـي محـمداً *** فـأكرم خلق الله في الناس أحمـد 9 ـ وخـيـر بنـي هاشـم أحمـد *** رسـول الإله عـلـى فـتـرة 11 10ـ والله لا أخـذل الـنــبي ولا *** يـخـذلـه من بني ذو حسـب 11 ـ وقال «رحمه الله» يخاطب ملك الحبشة ، ويدعوه إلى الإسلام : أتعلـم ملك الحبش أن محمـداً نبياً *** كـمـوسى و المسيح ابن مـريـم أتى بالهدى مثل الذي أتيـا بــه *** فكـل بأمـر الله يهــدي ويعصـم وإنـكـم تتلـونـه في كتـابكم *** بصدق حـديث لا حـديث الترجـم فــلا تجعلوا لله نـداً فـأسلموا *** فــإن طـريــق الحـق ليس بمظلم 12 ـ وقال مخاطباً أخاه حمزة «رحمه الله» : فـصـبراً أبا يعلى على دين أحمد *** وكن مظهراً للـديـن وفـقت صابرا وحط من أتى بالحق من عنـد ربه *** بصدق وعـزم لا تكن حمز كـافـرا فقـد سرني أن قلت : إنـك مؤمن *** فكن لـرسول الله في الله نــاصرا و باد قريشـاً في الذي قد أتـيـته *** جهـاراً ، وقل : ما كان أحمد ساحرا 13 ـ نصرت الرسول رسول المليك *** ببيض تـلالاً كـلـمع الـبـروق أذب و أحمـى رسـول الإلـــه *** حمايــة حـام علـيـه شفـيق 14 ـ لقد علموا : أن ابننا لا مكذب *** لدينـا ولا نعبـأ بقـول الأباطـل 15 ـ أقـيم على نصـر النبي محمد *** أقاتـل عنه بـالقنـا والقـنـابـل 16 ـ أنت ابن آمنـة النبي محمـد *** عـندي بمـثـل مـنــازل الأولاد 17 ـ ألا إن أحمد قد جــاءهم *** بحق ولـم يـأتـهــم بـالـكـذب 18 ـ أوصي بنصر نبي الخير مشهده *** علياً ابني وشيخ القوم عبــاســـا 19ـ ودعوتني وعلمت أنك صادق *** ولـقــد صدقت وكنت ثـم أمينـا ولـقـد عـلمت بأن دين محمد من *** خـيـر أديـان الـبريـة ديـنــا وأشعار أبي طالب «عليه السلام» الناطقة بإيمانه كثيرة ، وقد اقتصرنا منها على هذا القدر؛ لنفسح المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ، ويقال في هذا الموضوع . |
مدائح أبي طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله
مدائح أبي طالب عليه السلام للنبي صلى الله عليه و آله :
قال المعتزلي : «قلت : كان صديقنا علي بن يحيى البطريق «رحمه الله» يقول : لولا خاصة النبوة وسرها لما كان مثل أبي طالب ، وهو شيخ قريش ، ورئيسها ، وذو شرفها ، يمدح ابن أخيه محمداً وهو شاب قد ربي في حجره ، وهو يتيمه ومكفوله ، وجارٍ مجرى أولاده بمثل قوله : وتـلقوا ربيـع الأبطحين محمـداً *** على ربـوة في رأس عـنقـاء عيطل وتـأوي إلـيه هـاشم إن هاشماً *** عرانين كـعـب آخـر بـعـد أول ومثل قوله : وأبـيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثـمال اليـتـامى عصمـة للأرامـل يـطيف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عـنـده في نـعمة وفـواضـل فإن هذا الأسلوب من الشعر لا يمدح به التابع والذنابى من الناس ، وإنما هو من مديح الملوك والعظماء . فإذا تصورت : أنه شعر أبي طالب ، ذاك الشيخ المبجل العظيم في النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، وهو شاب مستجير به ، معتصم بظله من قريش ، قد رباه في حجره غلاماً ، وعلى عاتقه طفلاً ، وبين يديه شاباً ، يأكل من زاده ، ويأوي إلى داره ، علمت موضع خاصية النبوة وسرها ، وأن أمره كان عظيماً» 12 . كما أن قصيدته اللامية تلك التي يقول فيها : وأبـيـض يـسـتـسـقى . . الخ . . . . . . . . وهي طويلة ، وكان بنو هاشم يعلمونها أطفالهم 13 ، فيها الكثير مما يدل على إيمانه العميق الصادق ، وقد ذكرها ابن هشام وابن كثير ، وغيرهما . وهي ظاهرة الدلالة على عظمة الرسول «صلى الله عليه وآله» في نفس أبي طالب «عليه السلام» ، وهي عظمة أوجبت خضوع قلبه له «صلى الله عليه وآله» ، وتعامله معه تعامل التابع ، المؤمن المصدق ، والمسرور بهذا الإيمان ، والمبتهج بذلك التصديق ، والملتذ بذلك الانقياد . |
النار محرمة على أبي طالب عليه السلام
النار محرمة على أبي طالب عليه السلام :
ومما يدل على إيمانه ما روي عنه «صلى الله عليه وآله» : أن الله عز وجل قال له على لسان جبرائيل : حرمت النار على صلب أنزلك ، وبطن حملك ، وحجر كفلك . أما الصلب فعبد الله ، وأما البطن فآمنة ، وأما الحجر فعمه ، يعني أبا طالب «عليه السلام» ، وفاطمة بنت أسد ، وبمعناه غيره مع اختلاف يسير 14 . |
النبي صلى الله عليه و آله يحب عقيلاً حبين
النبي صلى الله عليه و آله يحب عقيلاً حبين :
ومما يدل دلالة واضحة على إيمانه : حب النبي «صلى الله عليه وآله» إياه ، حتى لقد روي عن ابن عباس؛ قال : قال علي «عليه السلام» للنبي «صلى الله عليه وآله» : إنك لتحب عقيلاً . قال : إي والله إني لأحبه حبين ، حباً له ، وحباً لحب أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك . . الخ . . 15 . ورسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحب أعداء الله سبحانه ، ولا يحب إلا من يحبه الله . |
كان على دين الله
كان على دين الله :
وكان الإمام علي «عليه السلام» يعجبه أن يروى شعر أبي طالب «عليه السلام» ، وأن يدوَّن ، وقال : تعلموه ، وعلموه أولادكم ، فإنه كان على دين الله ، وفيه علم كثير 16 . |
المسلم المؤمن
المسلم المؤمن :
وعن أبي بصير عن الإمام الباقر «عليه السلام» ، قال : مات أبو طالب بن عبد المطلب مسلماً مؤمناً 17 . |
خلاصة جامعة
خلاصة جامعة :
وبعد كل ما تقدم نقول : إن إسلام أي شخص أو عدمه ، إنما يستفاد من أمور أربعة : 1 ـ من مواقفه العملية ، ومعلوم أن مواقف أبي طالب «عليه السلام» ، قد بلغت الغاية التي ما بعدها غاية في الوضوح والدلالة على إخلاصه وتفانيه في الدفاع عن هذا الدين . 2 ـ من إقراراته اللسانية بالشهادتين ، وقد تقدم قدر كبير من ذلك في شعره وفي غيره في المناسبات المختلفة . 3 ـ من موقف نبي الإسلام ورائد الحق الذي لا ينطق عن الهوى ، والموقف الرضي هذا أيضاً ثابت منه «صلى الله عليه وآله» تجاه أبي طالب «عليه السلام» على أكمل وجه . 4 ـ من إخبار المطلعين على أحواله عن قرب ، وعن حس ، كأهل بيته ، ومن يعيشون معه . وقد قلنا : إنهم مجمعون على ذلك . بل إن نفس القائلين بكفره لما لم يستطيعوا إنكار مواقفه العملية ، ولا الطعن بتصريحاته اللسانية ، حاولوا : أن يخدعوا العامة بكلام مبهم ، لا معنى له؛ فقالوا : «إنه لم يكن منقاداً»!! 18 . كل ذلك رجماً بالغيب ، وافتراء على الحق والحقيقة ، من أجل تصحيح ما رووه عن المغيرة بن شعبة وأمثاله من أعداء آل أبي طالب «عليه السلام» ، كما سنشير إليه حين ذكر أدلتهم الواهية إن شاء الله تعالى . |
رواياتهم تدل أيضاً على إيمانه
رواياتهم تدل أيضاً على إيمانه :
ومن أجل أن نوفي أبا طالب «عليه السلام» بعض حقه ، نذكر بعض ما يدل على إيمانه من الروايات التي رويت في مصادر غير الشيعة عموماً ونترك سائره ، وهو يعد بالعشرات ، لأن المقام لا يتسع لأكثر من أمثلة قليلة معدودة ، نجملها في العناوين التالية : النبي صلى الله عليه و آله يرجو الخير لأبي طالب عليه السلام : قال العياض : يا رسول الله ، ما ترجو لأبي طالب؛ قال : كل الخير أرجوه من ربي 19 . |
أبو بكر فرح بإسلام أبي طالب عليه السلام
أبو بكر فرح بإسلام أبي طالب عليه السلام :
جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقوده ، وهو شيخ أعمى ، يوم فتح مكة . فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : ألا تركت الشيخ في بيته حتى نأتيه؟! قال : أردت أن يؤجره الله ، لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشد فرحاً مني بإسلام أبي ، ألتمس بذلك قرة عينك الخ 20 . والعلامة الأميني في الغدير ، لا يوافق على أن يكون الرسول «صلى الله عليه وآله» قد قال لأبي بكر : ألا تركت الشيخ حتى نأتيه . ونحن نوافقه على ذلك أيضاً ، فإن الشيوخ الذين أسلموا على يديه «صلى الله عليه وآله» كثيرون ، وكان إسلام كثير منهم أصح من إسلام أبي قحافة . وربما تكون هذه العبارة زيادة من بعض المتزلفين ، كما عودونا في أمثال هذه المناسبات . |
التشهد قبل الموت
التشهد قبل الموت :
قال المعتزلي : «روي بأسانيد كثيرة ، بعضها عن العباس بن عبد المطلب ، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة : أن أبا طالب ما مات حتى قال : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» 21 . وتقدم في شعره تصريحات كثيرة بذلك أيضاً . |
استغفار النبي صلى الله عليه و آله له
استغفار النبي صلى الله عليه و آله له :
وفي المدينة حينما استسقى النبي «صلى الله عليه وآله» لأهلها ، فجاءهم الغيث ، ذكر «صلى الله عليه وآله» أبا طالب «عليه السلام» ، وقال «صلى الله عليه وآله» : لله در أبي طالب ، لو كان حياً لقرت عينه ، من ينشدنا قوله . . فأنشده الإمام علي «عليه السلام» من قصيدته أبياتاً فيها قوله : وأبيض يستسقى الغمـام بوجهـه *** ثمال اليتـامى عصمة لـلأرامـل ورسول الله «صلى الله عليه وآله» يستغفر لأبي طالب «عليه السلام» على المنبر 22 . |
تشييع جنازته ومراسم دفنه
تشييع جنازته ومراسم دفنه :
ولما مات أبو طالب «عليه السلام» تبع رسول الله «صلى الله عليه وآله» جنازته ، مع أنهم يروون أن ثمة نهياً عن المشي في جنازة المشرك . كما أنهم يروون أنه «صلى الله عليه وآله» أمر الإمام علياً «عليه السلام» بأن يغسله ويكفنه ويواريه 23 . وحين التشييع اعترض النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» نعشه ، وقال برقة وحزن وكآبة : وصلت رحماً ، وجزيت خيراً يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيراً ، ونصرت وآزرت كبيراً 24 . |
لماذا لم يأمر بالصلاة عليه؟
لماذا لم يأمر بالصلاة عليه؟ :
وإنما لم يأمر علياً «عليه السلام» بالصلاة عليه ، لأن صلاة الجنازة لم تكن فرضت بعد . ولأجل ذلك قالوا : إن خديجة لم يصل عليها النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» حينما توفيت ، مع أنها سيدة نساء العالمين . وقد فصلت ذلك : الرواية التي رواها علي بن ميثم ، عن أبيه عن جده : أنه سمع علياً «عليه السلام» يقول : تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته ، وأوصاني أن أدفنه في قبره ، فأخبرت رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك ، فقال : اذهب فواره ، وانفذ لما أمرك به . فغسلته ، وكفنته ، وحملته إلى الجحون ، ونبشت قبر عبد المطلب ، فرفعت الصفيح عن لحده ، فإذا هو موجه إلى القبلة ، فحمدت الله تعالى على ذلك ، ووجهت الشيخ ، وأطبقت الصفيح عليهما ، فأنا وصي الأوصياء وورثت خير الأنبياء . قال ميثم : والله ما عَبَدَ علي ، ولا عَبَدَ أحد من آبائه غير الله تعالى ، إلى أن توفاهم الله تعالى 25 . |
رثاء علي عليه السلام لأبيه
رثاء علي عليه السلام لأبيه :
وقد رثاه ولده الإمام علي «عليه السلام» حينما توفي بقوله : أبـا طالـب عصمة المستجـير *** وغـيث المحول و نور الظلــم لقد هـدّ فقدك أهل الحـفـاظ *** فـصـلى عـليك ولي النـعم و لـقـاك ربـك رضـوانـه *** فـقد كنت للطهر من خير عم 26 |
ولا أبو سفيان كأبي طالب عليه السلام
ولا أبو سفيان كأبي طالب عليه السلام :
وكتب أمير المؤمنين «عليه السلام» رسالة مطولة لمعاوية جاء فيها : «ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق» 27 . فإذا كان أبو طالب «عليه السلام» كافراً وأبو سفيان مسلماً ، فكيف يفضل الكافر على المسلم ، ثم لا يرد عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان؟ . ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً؛ فإن أبا سفيان هو الذي قال : «إنه لا يدري ما جنة ولا نار» كما ذكرناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم في أواخر غزوة أحد 28 . ويلاحظ هنا أيضاً : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» يشير في كلامه الآنف الذكر إلى عدم صفاء نسب معاوية ، ولهذا البحث مجال آخر . |
أبو طالب عليه السلام الداعية إلى الإسلام :
كما أن أبا طالب «عليه السلام» الذي يدعو ملك الحبشة إلى الإسلام ، هو الذي دعا ولده جعفر إلى ذلك ، وأمره بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة 29 . وهو أيضاً الذي دعا زوجته فاطمة بنت أسد إلى الإسلام 30 . وأمر حمزة بالثبات على هذا الدين ، وأظهر سروره بإسلامه ومدحه على ذلك . وكذلك الحال بالنسبة لولده أمير المؤمنين «عليه السلام» . |
الاعتراف بممارسة التقية
الاعتراف بممارسة التقية :
وقد صرح أبو طالب «عليه السلام» في وصيته بأنه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» من قريش ، وأن ما جاء به الرسول «صلى الله عليه وآله» قد قبله الجنان وأنكره اللسان؛ مخافة الشنآن ، وأوصى قريشاً بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة 31 . |
موقف النبي صلى الله عليه و آله من أبي طالب عليه السلام
|
أنا على دين أبي طالب عليه السلام
أنا على دين أبي طالب عليه السلام :
وحمل محمد بن الحنفية يوم الجمل على رجل من أهل البصرة ، قال : فلما غشيته قال : أنا على دين أبي طالب ، فلما عرفت الذي أراد كففت عنه 34 . |
شفاعة النبي صلى الله عليه و آله له
شفاعة النبي صلى الله عليه و آله له :
وورد عنه «صلى الله عليه وآله» أيضاً قوله : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي ، وأمي ، وعمي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية 35 . فإن الشفاعة لا تحل لمشرك ، كما سيأتي . |
إقراره على زواجه بمسلمة
إقراره على زواجه بمسلمة :
وسئل الإمام السجاد «عليه السلام» عن إيمان أبي طالب «عليه السلام» ، فقال : واعجباً ، إن الله نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات 36 . ونزول آية النهي عن الإمساك بعصم الكوافر في المدينة لا يوجب بطلان هذه الرواية ، لإمكان أن يكون النهي عن ذلك نهياً قولياً على لسانه «صلى الله عليه وآله» ، قبل نزول القرآن . وعدم خضوع بعض المسلمين لذلك حينئذ ربما كان لظروف معينة فرضت عليهم ذلك . |
من لم يقر بإيمان أبي طالب عليه السلام
من لم يقر بإيمان أبي طالب عليه السلام :
وأخيراً ، فقد كتب بعضهم يسأل الإمام علي بن موسى الرضا «عليه السلام» عن إسلام أبي طالب «عليه السلام» ، فإنه قد شك في ذلك ، فكتب «عليه السلام» إليه : ﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ... ﴾ 37 . وبعدها : إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار 38 . |
دفاع النبي صلى الله عليه و آله عن أبي طالب عليه السلام
دفاع النبي صلى الله عليه و آله عن أبي طالب عليه السلام :
وسيأتي في غزوة بدر : أن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» لم يقبل من شهيد بدر عبيدة بن الحارث أن يعرض بعمه أبي طالب «عليه السلام» ، ولو بمثل أن يقول : إني أولى بما قال منه . |
بعد قتل الفرسان الثلاثة
بعد قتل الفرسان الثلاثة :
وفي بدر العظمى ، وبعد قتل عتبة وشيبة والوليد ، وقطع رجل عبيدة بن الحارث ، حمل حمزة والإمام علي «عليهما السلام» عبيدة بن الحارث من المعركة ، وأتيا به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وألقياه بين يديه ، وإن مخ ساقه ليسيل ، فاستعبر ، وقال : يا رسول الله ، ألست شهيداً؟! قال : بلى ، أنت أول شهيد من أهل بيتي (مما يشير إلى أنه لسوف تأتي قافلة من الشهداء من أهل بيته «صلى الله عليه وآله» ، وهكذا كان) . فقال عبيدة : أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه ، قال : وأي أعمامي تعني؟ قال : أبو طالب ، حيث يقول : كـذبتم وبيت الله يُبْـزى محمد *** ولما نطاعـن دونه و ننـاضـل ونسـلـمه حتى نصرع دونـه *** ونـذهـل عن أبنائنا والحـلائل فقال «صلى الله عليه وآله» : أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟! . قال : يا رسول الله ، أسخطت علي في هذه الحالة؟ قال : ما سخطت عليك ، ولكن ذكرت عمي ، فانقبضت لذلك 39 . وبلغ عبيدة مع النبي «صلى الله عليه وآله» الصفراء ، فمات ، فدفن بها . . وقد روى كثير من المؤرخين هذه القضية من دون ذكر القسم الأخير منها . قالوا : ونزل في هؤلاء الستة قوله تعالى : ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ... ﴾ 40 . وفي البخاري : أن أبا ذر كان يقسم : أنها نزلت فيهم 41 . ونزل في علي ، وحمزة ، وعبيدة أيضاً قوله تعالى : ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... ﴾ 42 43 . وقيل : نزلت في علي وحده 44 . وثمة عدة آيات أخرى نزلت في بدر في الثناء على أمير المؤمنين «عليه السلام» 45 فراجع . |
غضب النبي صلى الله عليه و آله لأبي طالب عليه السلام
غضب النبي صلى الله عليه و آله لأبي طالب عليه السلام :
ونقول : إنه إذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» يغضب لذكر عمه ، ولو بهذا النحو من التعريض المهذب ، والمحدود ، فماذا سيكون موقفه ممن يرمي أبا طالب «عليه السلام» بالشرك والكفر ، ويعتبره مستحقاً للعذاب الأليم في نار الله المؤصدة؟! وفي ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟! فهل تراه سوف يكون مسروراً ومرتاحاً لهذا الكلام ، الذي لا سبب له إلا السياسة ، وما أدراك ما السياسة؟! |
وما لأحد عنده من نعمة تجزى
وما لأحد عنده من نعمة تجزى :
ثم إننا نجد النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه يقول : «اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة» 46 . كما أنه «صلى الله عليه وآله» قد رد هدية حكيم بن حزام؛ لأنه كان مشركاً ، قال عبيد الله : حسبت أنه قال : إنا لا نقبل من المشركين شيئاً ، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن 47 . ورد أيضاً هدية عامر بن الطفيل ، لأنه لم يكن قد أسلم بعد . ورد أيضاً هدية ملاعب الأسنة ، وقال : لا أقبل هدية مشرك 48 . عن عياض المجاشعي : أنه أهدى إلى النبي هدية فأبى قبولها ، وقال : إني نهيت عن زبد المشركين 49 . ولم يكن ذلك منه «صلى الله عليه وآله» إلا لأن قبولها يوجب احتراماً ومودة من المهدى إليه بالنسبة لمن أهدى . ملاحظة : معالجة رواية الكشي : إلا أن الكشي ذكر رواية تقول : «إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يرد هدية على يهودي ولا نصراني» 50 . وهذا إن صح فهو يشير إلى الفرق بين هدية الكتابي وهدية المشرك ، فكان «صلى الله عليه وآله» يرد هدية الثاني ، دون الأول ، وذلك يدل على عدم صحة قوله لهم : إنه «صلى الله عليه وآله» في هدنة الحديبية قد استهدى أبا سفيان أدماً 51 52 . |
المصادر والفهارس لما تقدم من روايات واخبار واحداث
|
الساعة الآن 12:05 AM |
Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved.
Support : Bwabanoor.Com
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010