أنت تسأل والله يجيب
الحلقة الأولى
كأن العبد المسكين يسأل :لماذا لم تغنن يا رب
وكأنه سبحانه يجيب فيقول :
كان لابد لك يا عبدي المسكين أن تلتفت إلى أنك في نشأة دار الدنيا وهي دار الامتحان والافتتان للخلق وقد جعلت فيها الرزق على نحوين رزق تصل إليه بيدك وعملك وعقلك فلعلك أخطأت في استعمال ما وهبتك من عقل وحكمة فلم تصب رزقك الذي قدرته لك بتوسط سعيك فلعلك أخطأت في سعيك ولعلك تتجر فيما لا تفقه !!
وأما النحو الثاني من الرزق هو ما جعلته للفقراء بيد الأغنياء فقصروا في ايصال نعمتي لعيالي ولي ولك معهم موقف يوم القيامة وإني لمسائلهم عنك وعن نعمتي غدا يوم الموقف الأكبر . ومما جعلت لك رزقا بتوسط صنع العباد فلعلهم قصروا في ذلك فحرمت من رزقك أو سعوا لحرمانك وإنني مسائلهم غدا أشد مساءلة
حسنا يا عبدي
ولكنك يا عبدي تفترض دائما أنني من بدأتك بالحرمان!!!!؟؟؟؟
فلعل ذنبك ما حرمك وتقصيرك ما أفقرك ......
فإني لحبي لك حاسبتك على ذنبك في دار الدنيا بالفقر لتقبل علي غدا نقي الصفحة أبيض الكتاب ولأدخلك جنتي يوم القيامة ......
ولعلني علمت أنك ستضيع تلك النعمة فتكون حسرتك على تضييع النعم أشد من حسرتك على حرمانك منها فخففت عليك واوقعتك في الحسرة الدنيا منهما
وأقول لك : عبدي إنني أنا الحكيم العالم القادر أعلم ما لا تعلم وأضع كل شيء في موضعه فلولا معرفتي بأن الفقر خير لك من الغنى لما أفقرتك .....
فأولا : هل سألت نفسك عما يمكن أن يصنعه الغنى بموقفك مني فكم من عبد أغنيته أفسدت عليه دينه فبعض عبادي أبعدهم الغنى عني وإني أحببت أن أقربهم مني فقربهم مني أولى من الدنيا وما فيها....
ولعل الغنى أدخلك النار أو قلل حظك يوم القيامة وأنزلك من الرتب العليا للدنيا.
وثانيا : إن بعض عبادي إن أغنيتهم فسيضل أحبتهم من أبنائهم وأزواجهم وآبائهم بسبب غناهم وإني إنما حرمتك خوفا عليك من أن تخسر أحبتك يوم القيامة وتفارقهم ولا تراهم أمامك في الجنة
وثالثا : إنني أخشى عليك إن رزقتك أن يكون رزقي لك هو بنفسه سبب ضلالك فإني أخشى عليك من أن لا تخرج حقوق عبادي الفقراء من مالي الذي خولتك اياه فتدخل النار بسببه وإن نجاتك عندي يوم القيامة خير لك من غناك في الدنيا
ورابعا : يا عبدي هل أنت على يقين بأن غناك خير لدنياك فهل أنت ضامن أن لا يؤدي بك الغنى ويسر الحال إلى الموت أو الشلل فلعلك ستشتري سيارة تؤدي بك للموت بحادث بسببها أو تشل او تصيبك عاهة مستديمة في طريق سياحة أو عمل أو تجارة
بل لعلك ستشتري بيتا في مكان ما يمكن أن ينهدم عليك أو يقصف
وخامسا : لعل غناك يؤدي لموت عيالك وأهلك وهلاك بعض من تحب فكم من عبد لي هلك أهله بسبب رحلة هنا أوهناك ولولا الغنى ما كان ما كان ...!
وسادسا : ألا ترى بعض عبادي غير مؤهلين نفسيا للغنى ابحث وسترى من لم يتحملوا الغنى فعاشوا حياة البطر فأهلكوا ما رزقتهم وأهلكوا أنفسهم فغناهم جعلهم مشهورين والشهرة كانت أكثر همومهم فدفعهم هذا للهروب إلى حياة السكر مرة ولما هو أسوء أخرى وأصيبوا بالأمراض النفسية إلى حد الانتحار ولولا المال لما وصلوا لذلك
وسابعا : إن ايمان بعض عبادي لا يكمل إلا بحرمانهم من بعض النعم فمنهم من هو متعلق بالجمال والجمال يبعده عني فأحرمه منه حتى يخرج حبه من قلبه ومنهم من يتعلق بالاولاد فاحرمه منهم ليخرج حبه من قلبه ومنهم من يتعلق قلبه بالمال فاحرمه ليخرج حب المال من قلبه فمتى ما تخلصوا من هذه القيود عوضتهم عنها في الدنيا قبل الآخرة أو ادخرت ثوابهم كاملا لنعيم الآخرة
وقبل النهاية
إنني أحببت أن تصنع بعيني وأن أسمو بروحك وأن أروض نفسك التي بين جنبيك حتى يصبح عندك غنى الدنيا وفقرها سواء
وعليك يا عبدي أن تلتفت الى أنني ربما أفقرتك لما علمت أن الغنى حجر عثرة أمام وصولك إلى غايات أهم لك في الدنيا فلعلك ستلتهي بالمال عن علمك أو عن ولدك وعيالك وتهمل مستقبلهم أو مستقبلك العلمي فلن تصبح عالما
ولعلي أريد لك أن تنتبه لملكاتك بعيد عن الانشغال بالمال فحذار من أن تستغرق بالتفكير في المال وتترك البحث عما أودعته في نفسك من ملكات عالية وقوى عظيمة
وأخيرا
يا عبدي المؤمن المسكين لو كنت أعتبر الغنى خطيرا لما حرمتك منه فإن الدنيا عندي لا قيمة لها فبنظري لم أحرمك من شيء مهم بنفسه وإنما اهتمامك به نشأ من اعتقادك أنك لا تستطيع أن تستغني عنه فإن الفقير الحقيقي هو شعورك بالحاجة للأشياء فمتى استغنيت عنها في نفسك لم تأس عليها
وإنما كن حزينا مكتئبا إذا حرمت نفسك من غنى الآخرة وأوقعتها في فقر الآخرة وهو الفقر الحقيقي الأبدي الدائم .
ولك وعد مني وإنني لا أخلف الميعاد أنك إن أحسنت وأطعت فلك مني جنات تجري من تحتها الأنهار خالدا فيها أبدا .
وذلك هو الفوز العظيم
بقلم الشيخ محمد الشيخ عبدالله عبدالله