نسـمات الهدى
ونفحـات المهديّ
[ تـمـهـيـد ]
قد وقفنا اتّـفاقاً على صورة مقالة انتشرت في العدد 96 من مجلّة " السياسة "
المصرية، في سنتها الثانية، عنوانها: " المهديّ المنتظَر.. نشأته، وأطواره في
التاريخ " بتوقيع: زكي نجيب محمـود(1)..
فكان من واجب الحقيقة الدينية والتاريخية أن نعلّق على بعض كلماتها على وجه
الإيجاز..
____________
1- فيلسوف مفكّر، من دعاة التغريب، وُلد في إحدى قرى محافظة
دمياط بمصر سنة 1323 هـ / 1905 م، وتوفّي في إحدى مسـتـشـفيات القاهرة سنة 1414 هـ
/ 1993 م، نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة لندن، تولّى رئاسة تحرير مجلّة
" الفكر المعاصر " منذ إنشائها، وكذا مجلّة " الثقافة "، ألّف وترجم كتباً عديدة في
الفلسفة والثقافة والأدب، أدرج في كتبه ومقالاته أفكاره المعادية للدين والشرع
الحنيف، ممّا حدا بالكثيرين للتصدّي له والردّ عليه وتفنيد ادّعاءاته ودحض شبهاته،
كالعلاّمة البلاغي ـ في الرسالة التي بين يديك ـ، والشيخ محمّـد متولّي الشعراوي،
وكمال المليجي.
انظر: تتمّة الأعلام 1 / 192، ذيل الأعلام: 88، إتمام الأعلام: 102، تكملة معجم
المؤلّفين: 195.
[ التشكيك بالمهديّ (عليه السلام) ]
فمن كلماته قوله: " كثيراً ما تعـترض الإنسـانية أزمنـة
يكـثر فيها الأحزاب والفوضى، فسرعان ما تسود الفكرة عند الشـعوب الساذجة أنّ السماء
سـتُـنزل رجلا يعيد النظام وينشر الأمن والعدل بين الناس..
فالعقول البسيطة إذا حلّت كارثة لا تلجأ إلاّ إلى القوّة الإلهية ; وقد حدث ذلك
عند اليهود والمسـيحيّـين والمسلمين على السواء..
إلى أن قال: وهذه الفكرة لعبت دوراً كبيراً في الإسلام، حتّى إنّـها لا تـزال ـ
إلى اليـوم ـ تسـتولي على معـظـم العـقـول " ; انـتهى.
يا للعجب!! قد كـنّا نسمع من طنين الإلحاد ـ في رواية تاريخ الأديان ـ ما
اختلقته الأفكار الشاذّة من أوهام الأهواء، أخذاً عن نزعات المبادئ المادّية،
وهو:
إنّ البشر لمّا أرعبتهم الأهوال الكونية بصدفة الطبيعة، اختلقوا لهم ما وراء
الطبيعة إلهاً، افترضوه قادراً على التصرّف بإرادته في العالم ; وذلك لكي يلتجئوا
إليه ويسـتغيثوا به عند
عروض الأهوال والكوارث، ليخلّصهم منهـا.
وعلى نَعْرة(1) هذه الرواية قد طبّل المطبّلون وزمّر
المزمّرون، وإنّ هذا الكاتب لم يحترم الحقائق، ولا أهل الأديان في مبادئهم، بل
تحمّل المسؤولية الكبرى لشرف الحقيقة!
ولكـنّا نحترمه فلا نقول: إنّه ضرب على ذلك الوتر، وترنّم بتلك النغمة، وترنّح
على ذلك الإيقاع! بل ننشد عن لسان حاله:
عيونُ المها بين الرُّصافَةِ والجسرِ |
جَلبنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري(2) |
على رِسْلك أيّها الكاتب! إنّ أهل الأديان الّذين يقولون بنحو ما تذكره عنهم، هم
إلهيّون متديّنون، قد أخذوا قولهم هذا من البشائر الإلهيّـة بواسطة النبوّات..
ويا ليتما يتّضح لنا أنّ المناقشة معهم في هذا القول ـ شكّـاً أو جحـوداً ـ هـل
هي في الإلهيّـة التي هي مركز الحقائـق، أو
____________
1- النعرة: صوت في الخيشوم على الاسـتعارة هنا ; انظر: تاج
العروس 7 / 543 ـ 544 مادّة " نعـر ".
2- البيت من شعر علي بن الجهم، والرصافة هي الجانب الشرقي من بغـداد، وفيها
مقابر خلفاء بني العبّـاس.
انظر مادّة " رصف " في: معجم البلدان 3 / 53 رقم 5503، تاج العروس 12 / 230.
في صدق النبـوّات، أو في صدور هذا النبـأ عنها؟!
أمّا المناقشة في المركز المذكور، فيلزم فيها المصارحة بتعديل صفوف البحث، ليجري
الكلام على مجاريه.
وكذا الكلام في صدق النبـوّات..
وأمّا صدور هذا النبأ عنها ; فإنّ كلّ أُمّة تملي عليك من كتب وحيها وتقاليدها
البشرى بذلك شـيئاً كثيراً.
وعلينا ـ معاشر المسلمين ـ أن نملي عليك بعض ما جاء في ديننا عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) في شأن المهديّ، ممّا يَجْـبَـهُ(1)الريبَ
والتشـكيك..
* * *
____________
1- جَبَهَهُ جَبْهاً: صَكَّ جَبهتَه ; وَجَبَه الرجلَ
يَجْبَـهُهُ جَبْهاً: رَدَّه عن حاجته واستقبله بما يكره ; وجَبَهْتُ فلاناً إذا
استقبلته بكلام فيه غِلظة ; وجَبَهْتُه بالمكروه إذا اسـتقبلته بـه.
انظر: لسان العرب 2 / 172 ـ 173 مادّة " جبه ".
والمعنى: أنّه يردّ الشكوك والشـبهات ويدحضها.